خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من كُلّ عام، يتسابق ما يقرُب من  15 مليون شخص حول العالم، من بينهم مئات الآلاف من الوطن العربي، لتقديم بياناتهم إلى برنامج (اللوتري) الأمريكي، أو ما يعرف باليانصيب، على أمل الفوز بما يعرف بالبطاقة الخضراء (Green Card) التي تعتبر إقامة دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تمكن حاملها من الاستفادة من الخدمات والامتيازات التي يستفيد منها المواطن الأمريكي، ويفوز منهم 55 ألف شخص كُلّ عام.
لكن ما السبب وراء هذا الكرم غير المعهود من أمريكا تجاه العالم، وتجاه الأشخاص الذين يستفيدون من هذه الفرصة؟
اليانصيب، تاريخ، وآلية
برنامج تأشيرة هجرة التنوع أو الهجرة العشوائية، هو الاسم الأصلي لما يعرف باليانصيب، وهو قرعة سنوية للحصول على رخصة الإقامة الدائمة والمعروفة باسم البطاقة الخضراء أو بالإنجليزية (Green Card) في الولايات المتحدة الأمريكية، بتفويض من الكونغرس، وتديره وزارة الخارجية الأمريكية، وقدمه القسم 203 (ج) من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي (INA)، عام 1990، حيث تم توفير 55 ألف تأشيرة سنوياً، وبدأ العمل به من عام 1995، ويتم عن طريق قرعة عشوائية بواسطة الحاسب الآلي.
حسبما تقول المعلومات الأمريكية، فإن البرنامج يهدف إلى تنويع السكان المهاجرين، ويستهدف دولاً ذات معدل هجرة منخفض تاريخياً للولايات المتحدة أو منخفض خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وتقول المعلومات أيضاً إنه يتم توزيع التأشيرات على 6 مناطق جغرافية، وداخل كل منطقة لا توجد دولة واحدة قد تتلقى أكثر من 7% من التأشيرات المتاحة في السنة الواحدة، إلا أن هناك تبايناً بين الدول في عدد الحاصلين على التأشيرات، فبعضها قد تحصل على 3 آلاف تأشيرة، بينما تحصل أخرى على 50 تأشيرة فقط. 
أما مواطنو الدول التي أرسلت أكثر من 50 ألف مهاجر إلى الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس الأخيرة، فهم حسب قانون البرنامج غير مؤهلين لدخول القرعة.

أمريكا (جنة) على رُكام الدول  
تحاول أمريكا أن تفرض نفسها كإمبراطورية تتزعم العالم في شتى المجالات، وأن تصبح النموذج الأعلى والأرقى في السلم البشري الذي تطمح كل شعوب العالم أن تصبح مثله أو تصبح جزءاً منه، ولديها الكثير من الأساليب لتحقق ذلك، منها العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، كما أن إنتاجاتها الثقافية والفنية والسينمائية تصب في نفس المصب، فهي عازمة على تصدر الواجهة البشرية بلا منازع.
وطرحها لبرنامج اليانصيب الذي يمكن غير الأمريكيين من دخول أمريكا والاستفادة من كثير من الخدمات والتسهيلات والامتيازات التي يستفيد منها المواطن الأمريكي الأصلي، ليس كرماً بقدر ما هو زرع نظرة دونية بائسة في أعماق مواطنو الدول الأخرى، وخاصة الفقيرة منها، تجاه أوطانهم وجنسياتهم، مقابل نظرة التبجيل والتعظيم لأمريكا وتصويرها على أنها (جنة المأوى)، حيث الوظائف والرعاية الصحية والتعليم ظلٌّ ظليل، والضمان الاجتماعي والتقاعد والضرائب رزقٌ سلسبيل، وهذا غاية ما يحلم به مواطني الدول الفقيرة والمتأخرة اقتصادياً العربية وغيرها، التي غالباً ما كانت أمريكا هي سبب فقرها وتأخرها.
إلا أن هذه الجنة الرغدة قد بنيت على رُكام الدول والشعوب التي أجهضت أمريكا ثوراتها، وعرقلت تقدم اقتصادها، وسلطت عليها الطواغيت الذين يعبدون أمريكا ولا يشركون بها شيئاً.
وما يعيشه الشعب الأمريكي من رخاء وتقدم ليس إلا نتيجة حصار نظامه لاقتصادات الدول الآسيوية واللاتينية والأفريقية النامية التي ترفض الهيمنة الأمريكية، ونهبه ثروات وخيرات الدول المطحونة جراء النزاعات والحروب، مثل الدول العربية، حيث تعيش أمريكا في وفرة مالية وانتعاش اقتصادي منذ بداية ما سمي الربيع العربي الذي دمر الدول العربية، ومكن أمريكا من شفط نفطها وثرواتها، وخلق سوق نشطة لبيع الأسلحة، ولعل أشهر مثال هو عدوان السعودية على اليمن الذي جنت منه أمريكا أموالاً يعجز عن عدها العادّون. 

اليانصيب في اليمن 
كغيرهم يسعى كثير من مواطني اليمن للربح في هذه القرعة، جُلهم من الشباب الطامحين والعاطلين عن العمل الذين يبحثون عن فرص عمل جيدة أينما كانت، ولا يفوز المواطنون اليمنيون بالكثير من التأشيرات كل عام، وتتراوح أعداد الفائزين باليانصيب سنوياً في اليمن بين 70 و150 شخصاً من بين ما يقرب من 11 ألف فيزا يفوز بها مواطنو الوطن العربي، وبلغ عدد الفائزين في دول مثل مصر والمغرب في السنوات الأخيرة 4 آلاف شخص.. أغلب الفائزين في اليانصيب الأمريكي تتحسن حياتهم، وتنتقل نقلة كبيرة في الأوضاع المالية والمعيشية. ومع أن العائد المادي الذي يجنونه يمثل أحد روافد دعم الاقتصاد المحلي بالعملة الأجنبية، حيث بلغ إجمالي التحويلات الخارجية الرسمية من كل المغتربين اليمنيين حول العالم بشكل عام، 3.4 مليار دولار في 2016، إلا أن اليانصيب في حقيقة الأمر ما هي إلا جائزة تذهب بالفائز فيها إلى المهجر والغربة عن الوطن والأهل، كما أنها ترحيل لكثير من الشباب والكفاءات والخبرات التي يحتاجها الوطن، والتي منع الفساد في القطاع الحكومي والقطاع الخاص احتضانها واستقطابها، فأصبحت تفضل الغربة بكل تعبها وعيوبها ومشاكلها، بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة والفساد المنتشر، إضافة الى شحة الوظائف وارتفاع نسبة البطالة في اليمن التي بلغت آخر فترة 70%، وهي فترة العدوان الأمريكي السعودي، الذي جعل اليمن تضيق على أهلها بما رحبت، مع أنها بلد الخير كله، لكن سيأتي اليوم الذي تنتصر فيه اليمن في معركتها من أجل الحرية والاستقلال وكرامة الوطن والمواطن، وتعود الأرض اليمنية والجنسية اليمنية عظيمة ومبجلة كما كانت دائماً. 

استغلال اليانصيب من قبل المحتالين
 رغم أن قرعة اليانصيب قائمة على العشوائية التامة في عملية اختيار الفائزين، إلا أن هناك مواقع إلكترونية ومكاتب ومحلات حول العالم تقوم بممارسة الاستغلال والاحتيال على كثير من المشاركين، وتم رصد العديد من حالات الاحتيال والنصب باسم هذه القرعة، مثل ادعاء بعض المواقع أنهم وكلاء عن القرعة، ويتم تحصيل مبالغ بحجة التسجيل فيها، أو تحصيل مبالغ بحجة أن هذا يعزز من فرص الفوز، مع أن قوانين القرعة تنص على أنه ليس هناك أي رسوم للاشتراك فيها، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي عن طريق تعبئة وإرسال النموذج الإلكتروني المتوفر في موقع وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة التسجيل.
توجد بعض المواقع التي تساعد المشترك في ملء بياناته للتقديم في البرنامج بشكل سليم، ولكن هذا لا يساعد في زيادة احتمالية الفوز بأي شكل من الأشكال، وتنبه وزارة الخارجية الأمريكية المسؤولة عن هذه القرعة، إلى ضرورة الحذر من هذه المواقع والخدمات، وتفضل أن يسجل الشخص بنفسه، كما تقدم بعض المواقع الأخرى صفحات مزيفة تدعي الحصول على (البطاقة الخضراء)، وتطلب تحويل مبالغ مالية إلى حسابات غير رسمية، أو ترسل رسائل بريد إلكتروني لأشخاص بطريقة عشوائية بغرض النصب والاحتيال.

استغلال اليانصيب في اليمن 
في اليمن يتم استغلال هذه المناسبة كُلّ سنة من قبل بعض إستديوهات التصوير، التي تعرض على الراغبين في التسجيل في اليانصيب أن تتولى مهمة تصويرهم بالطريقة المطلوبة في القرعة، وتسجيلهم بطريقة مضمونة وسليمة، معتمدة في استغلالها هذا على أن جزءاً كبيراً منهم بسطاء ولا يملكون الخبرة الكافية في مجال الإنترنت وتقنية المعلومات.
(إسماعيل أحمد عون الله) شاب يمني طموح صاحب خبرة عريضة في مجال تقنية المعلومات والإنترنت والأجهزة الذكية، وأحد الذين يسجلون في قرعة اليانصيب على أمل الفوز، سألناه عن سبب تسجيله، فأجاب: (مهما بلغت مؤهلاتك أو شهاداتك فإنك في اليمن قد لا تجد وظيفة، وإذا وجدتها فإنها لا تليق بكل سنوات الدراسة والخبرة، والوظائف كالعادة محجوزة لأصحاب الوساطات فقط). وعن قضية الاستغلال أخبرنا إسماعيل أن التسجيل في اليانصيب عملية سهلة، ولا تحتاج الى مختص، ولكن كثيراً من الناس الذين يريدون التسجيل بسطاء ولا يملكون أية مهارة في مجال الإنترنت والحاسب الآلي، لذلك يوكلون هذه المهمة لمن يعتقدون أنهم أهل خبرة فيها من أصحاب تلك المحلات.
ويضيف: تأخذ تلك المحلات مبلغ 1000 أو 500 ريال يمني، من كل شخص، ولكن هذه ليست المشكلة! إذا تم اعتبار هذا المبلغ بدل تقديم خدمة، المشكلة تكمن في مصداقية المحلات وخبرتها في تقديم هذه الخدمة وتسجيل الناس في القرعة، فبعضها يأخذ المال فقط دون أن يسجل الناس الذين يعتقدون أنهم أصبحوا ضمن القرعة، كما أن هناك مشكلة أخرى، وهي تسجيل كثير من الاشخاص عن طريق محل التصوير بالبريد الإلكتروني التابع للمحل، وإذا كان أحد الذين سجلهم المحل من ضمن الفائزين، فإن رسالة الفوز تصل الى بريد المحل، ليتعرض بعدها الشخص الفائز لعملية ابتزاز من قبل المحل قبل إعطائه معلومات الفوز التي تساعده على إتمام بقية الإجراءات ثم السفر.

ترامب يدرس إلغاء اليانصيب  
يتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض مزيد من القيود على المهاجرين الأجانب الراغبين في الاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية.
آخر بوادر هذا التوجه ظهرت عندما عبّر ترامب عن دعمه لمشروع قانون يلغي نهائياً القرعة العشوائية السنوية، ويعوّضها بنظام جديد للاستحقاق.
وأظهر ترامب تصميمه على إلغاء قرعة اليانصيب عقب عملية الدهس التي وقعت بتاريخ 31 أكتوبر الماضي، في منهاتن بمدينة نيويورك، عندما قام رجل يقود شاحنة نقل صغيرة بدهس عدد من المارة وراكبي الدراجات على طول حوالي 1 ميل (1.6 كـم) في مسار دراجات وسط المدينة، وقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل 8 أشخاص وجرح 11 آخرين.. وتبين أن منفذ الهجوم يدعى (سيف الله حبيبُ اللايفيتش سايبوف) (29 عاماً)، وهو أحد الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة من أوزبكستان عام 2010، ضمن برنامج تأشيرة هجرة التنوع (اليانصيب).
وكتب ترامب معلقاً في تغريدة على صفحته في (تويتر)، في اليوم التالي للدهس: (جاء ]هذا[ الإرهابي إلى بلادنا بمساعدة برنامج القرعة لتأشيرات التنوع الذي وضعه تشاك شومر).
وتابع ترامب قائلاً: (أريد نظاماً قائماً على الجدارة.. نحن ندعو بنشاط إلى مثل هذه الهجرة، لكن لا نريد مزيداً من هذا النوع من عمليات القرعة الذي يريده الديمقراطيون.. نحن بحاجة لأن نصبح أقوى بكثير [وأكثر ذكاء]).