كيف حسمت الأجهزة الأمنية والعسكرية المعركة مع العصابات في زمن قياسي: 48 ساعة؟
5 أيــام هــزت العالـــم

(انتصر الوطن على أخطر مؤامرة واجهها منذ بداية العدوان). هكذا وصفت وزارة الداخلية الأحداث في العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية أخرى، بين الخميس الـ30 من نوفمبر حتى الاثنين الـ4 من ديسمبر الجاري، حيث شمرت ميليشيا صالح سواعد الخيانة بانقضاضها على العاصمة ومؤسسات الدولة، وانقلابها على الشراكة الوطنية وسلطة المجلس السياسي الأعلى.
فكيف جرت الأحداث، لاسيما من الثاني حتى الرابع من ديسمبر؟ فضلاً عن حسمها بغضون 48 ساعة من بدء التصدي الوطني لها، على الرغم من التمركز الحاكم وكثافة الانتشار المعادي والإمكانيات الهائلة اللوجستية والتسليحية لدى الميليشيات، والكافية لخوض حرب في العاصمة لمدة 4 أشهر، طبقا لمسؤول عسكري رفيع تحدث مع (لا)، والذي أوضح أن الميليشيات اعتمدت نهج (حرب العصابات أو المدن) التي (تعد من أخطر الحروب وأقذرها).
بداية الانتشار
تكشف المعلومات التي أدلى بها مصدر أمني مسؤول لـ(لا)، أن طارق صالح وتحت ذريعة المشاركة في تأمين الطرق المؤدية للعاصمة وخطوط الإمداد الجبهية المرتبطة بها؛ عمد قبل حوالي شهرين إلى بناء متاريس مجاورة للنقاط الأمنية، وتوزيع أفراد تابعين له إلى جوار الأمنيات الرسمية.
ويذكر المصدر أنه ومع بدء التحرك العسكري الشامل للميليشيات، فجر السبت الثاني من ديسمبر، كانت تلك المجاميع قد انقضت مع مجاميع أخرى لقطع الطرق المؤدية للعاصمة لتطويقها وقطع خطوط إمداد جبهات كصرواح وميدي.
بالتوازي مع ذلك، كان طارق صالح على مدى أشهر يقوم بنشر القناصة والعصابات في المباني التابعة لهم وتلك المجاورة لها في عدد من الأحياء بالعاصمة، لاسيما الجنوب منها، حيث تنتشر بالعشرات معظم منازل وقصور صالح وأقاربه وقيادات في حزبه ومقرات ومؤسسات خاصة وسياسية تابعة لهم.
وحسب المعلومات، توزعت معظم هذه الثكنات في بيت بوس وبيت معياد الستين الجنوبي وحي الأصبحي و22 مايو، وميدان السبعين وشارع الخمسين (منزل علي محسن وفارس مناع) وشارعي إيران وصفر وجولة المصباحي، والحي السياسي وشوارع الجزائر وبغداد وعمان وشارع صخر وحي الكميم وشارع الزبيري، وكذا في قرية الدجاج واللجنة الدائمة في الحصبة، ومناطق في بني الحارث وجدر وبيت دهرة شمال العاصمة.
كما استخدمت ميليشيات صالح المعسكرات التي بقيت تحت إمرة الوحدات العسكرية الموالية له، وأبرزها معسكرات (السواد) و(48) واللواء الرابع حرس في منطقة السواد حزيز، ومعسكر الحفا في الحثيلي بشارع خولان، ومعسكر ريمة حُميد في سنحان.
في سياق متصل، يفيد المصدر العسكري أن الميليشيات أعدت من وقت مبكر الفخاخ والكمائن والمتاريس الإسمنتية في الأحياء المتمركزين فيها، وهيأت (بدرومات) المنازل، من أجل إعاقة وشل حركة المدرعات والعربات والقوات الأمنية والعسكرية.
تكتيكات إسقاط العاصمة
وتبين المعلومات والإفادات المتطابقة من المسؤولين العسكري والأمني اللذين التقتهما (لا)، أن تكتيكات الميليشيات في السيطرة على العاصمة اعتمدت أولاً على إغلاق الشوارع المحيطة بثكناتهم ومنع أي تحرك فيها سواء من المواطنين أو القوة الأمنية عبر استهداف الحركة بالقناصة وحصار المدنيين في منازلهم كدروع بشرية، ثم الزحف على المناطق المحيطة والسيطرة على المواقع الحيوية مثل وزارة المالية ووزارة الدفاع والسفارة السعودية ومبنى الأمن القومي في صنعاء القديمة، والزحف على مطار صنعاء ومبنى التليفزيون.. وكان توزع الثكنات المعادية في مربعات مجزأة تعمل على الارتباط ببعضها من جهة، وتقطيع أوصال القوة الأمنية والعسكرية الرسمية وتصفيتها من جهة أخرى، فضلاً عن حصار وتطويق حياة المواطنين، تتالياً نحو إطباق السيطرة الكاملة على العاصمة، وفقاً للمصادر.
ويضيف المصدر: ترافقت مع هذا كله حرب شعواء نفسية وإعلامية وإشاعات شوارع استهدفت تحطيم معنويات الصمود والاستقرار النفسي لدى الناس، والدفع بهم إلى الهلع، وفتح المجال أمام الفوضى العارمة، علاوة على محاولة تثبيط التحركات المضادة المقاومة وزرع الشعور بالهزيمة والاستسلام. وجنباً إلى جنب قاد هذه الحرب الإعلام التابع لصالح والتابع لتحالف قوى العدوان، ولكأنها جميعاً تعمل في مقر واحد.
واللافت خلال هذه الأحداث حتى عصر السبت، هو السقوط السريع للمواقع بيد الميليشيات ودون مقاومة تذكر، عدا في بعض المواقع المفصلية مثل عطان والنهدين! وببحثنا عن خلفية ذلك، أوضحت المصادر المختلفة أن أوامر قيادة البلد كانت محاولة الاحتواء والتهدئة، وليس الاشتباك، أملاً بنجاح المساعي والوساطات الرسمية والقبلية والسياسية الحثيثة في احتواء الموقف ولجم تداعياته وإعادة الأوضاع إلى حالها الطبيعي.
بيد أن كل تلك المساعي والجهود المتكررة قوبلت بالرفص الكامل والتجاهل، إذ كان المشروع الخياني جاهزاً ومعداً من أشهر، وبيتت النوايا للحرب والنزال.. يعلق المصدر العسكري أن المخطط قائم منذ أشهر عدة سبقت الأحداث، ورسمته الدوائر الدولية والإقليمية بحذق شديد، بغية إعادة صنعاء إلى مربع الوصاية والارتهان، وسحق القوى الوطنية المقاومة.
وبحسب المصدر الأمني، فمنذ أشهر كانت أجهزة طارق ترصد كافة تحركات القوة الأمنية في العاصمة وأماكن تواجدها وأعدادها وتسليحها وروتينها اليومي...، وبالمقابل تعد الخطط والتجهيزات الموائمة للانقضاض عليها في مواقعها.
ويتابع، أن قيادة المخطط الخياني وبعد فشلها في الانقضاض على العاصمة في أغسطس الماضي، راحت تبحث عن ذرائع جديدة لتفجير الموقف، وتمثل ذلك في افتعال أحداث جامع الصالح بإعطاء الأوامر للحراسة التابعة لهم بالهجوم على قوات الأمن التي جاءت لتأمين فعالية المولد، علاوة على ادعاء أن قوات الأمن هاجمت منازل صالح وأقاربه، بينما مليشياتهم هي من بدأت بالاعتداء على الأطقم الأمنية في عدة أماكن طبقاً لتأكيد المصدر.

48 ساعة خارج كل التوقعات
لم تلبث سيطرة العصابات على أجزاء واسعة من العاصمة لأكثر من نصف يوم (حتى عصر السبت) حتى راحت الأخبار المدوية بالاحتشاد من ساحات المواجهات بامتدادها الشاسع من طرف العاصمة الجنوبي حتى طرفها الشمالي.
تهاوت المواقع والثكنات العسكرية المعادية كأوراق (الدومينو)، وخارج الحسبان كانت أولى الضربات القاسمة بإسقاط معسكر الملصي / ريمة حُميد في سنحان مسقط رأس زعيم الميليشيا، وبيد قبائلها بالمقدمة. أعقبه تطهير معسكري السواد و48 ومقر اللواء الرابع حرس.
وبغضون 48 ساعة على إصدار أوامر المواجهة عقب فشل الوساطات القبلية، تسارعت الأحداث بصورة دراماتيكية أذهلت التصورات والتوقعات التي اعتقدت بحسم المعركة بغضون أسبوع كأقل تقدير، نظراً لحجم المؤامرة ورقعتها والمنخرطين فيها والتجهيزات المعدة لها.
وبحلول يوم الاثنين الرابع من ديسمبر، سقطت كافة المواقع المعادية داخل العاصمة والمحافظات الأخرى -عدا بعض الجيوب الهامشية- لاسيما بإعلان مقتل زعيم الميليشيا والانهيار المعنوي الشامل الذي أحدثه في صفوف العصابات.
تفيد المصادر أن كمية الأسلحة والذخائر والعتاد الذي وجدته القوى الأمنية المسنودة عسكرياً وقبلياً، تكفي لخوض حرب في العاصمة لمدة 4 أشهر على الأقل، إلا أن المواجهة لم تأخذ أكثر من 48 ساعة لإعادة الحياة الطبيعية للعاصمة والمحافظات الأخرى.

تكتيكات المواجهة.. مدرسة جديدة
في كل تاريخ (حرب العصابات أو المدن) التي عرفتها الحرب العسكرية الحديثة، لم يحدث أن تمكنت أعتى القوى العسكرية من حسم هذه الحروب في هذه الزمن القياسي (48 ساعة)، ولم تقترب منه حتى. بينما لا تزال مدن وعواصم حتى اللحظة تعاقر هذه الحروب المتواصلة منذ سنوات طويلة.
تفصح المصادر بالقول إن قوى الأمن والاستخبارات، وبعد رصد الثكنات وأماكن التمركز للعصابات، تم تحديد القوة النارية اللازمة ونوعية التدخل المطلوب، مع التخصص المقابل من حيث كونه قناصاً أو مشاة أو دروعاً... 
بينما اعتمد تكتيك المواجهة على مبدأ المباغتة والالتفاف والقضم / التطهير التدريجي للمواقع والثكنات انطلاقاً من الأجزاء الأضعف في الأطراف نحو المركز الرئيس، حيث بيوت القادة والتركز للأفراد، وتضييق دائرة الخناق حولها تمهيداً لاقتحامها.
وفيما أرادت العصابات تطويق القوات الأمنية والعسكرية وتقطيع أوصالها، كمنت الأخيرة في مواقعها وأماكن انتشارها، ولم تخرج للمواجهة ساعة ذروة تنفيذ المخطط، فحافظت على قواها من الاستنزاف، ما جعل الأمر أشبه ما يكون بـ(تطويق الفئران بعد انتظار خروجها من حجورها)، حد توصيف المصدر الذي أكد أن العصابات وقعت في الشراك التي نصبتها من حيث قُطعت خطوط إمدادها هي، وعزلت عن ثكناتها وعن المربعات الأخرى.
ويتابع المصدر أن المؤامرة اعتمدت على الوسائل الإعلامية التابعة للعصابات في نشر الفوضى والتحريض والحرب النفسية، الأمر الذي جعل من الضرورة إسكات هذه الوسائل، وهو ما جرى خارج المتوقع لدى الآخر الذي فزع حين توقف بث إعلامه أو تحول إلى بث (الزوامل) وبيانات المجلس السياسي الأعلى.
ويشير المصدر العسكري إلى أن المعركة جرت وفق تكتيكات حربية حديثة وأساليب قتالية، ابتدعها المقاتل اليمني، وتمثل مدرسة جديدة في (حرب المدن) دوخت المدارس الاستراتيجية الكبرى للدول الاستعمارية، وستفصح عنها القوى العسكرية في وقت لاحق.

خلفيات الانهيار
عزا محللون وخبراء عسكريون هزيمة العصابات وبذلك الزمن القياسي إلى عوامل عدة أهمها:
ـ أن قيادة الميليشيات استهانت كثيراً بقدرات وإمكانات المقاتل الوطني الحربية.
ـ الرهان على قوى العدوان والتعويل عليها في حسم المعركة ومد يد التحالف إليها، ما جعلها تخسر معظم قاعدتها الجماهيرية.
ـ كما أن من أسباب خسارة صالح هو فقدانه التأييد القبلي وتعامله بانتقاص من جهودها التوسطية ومكانة رجالاتها، لاسيما حين طلب -احتيالاً- وساطة حزب الله، وإيران لدى أنصار الله فيما لم يعر الاهتمام للوساطات والمساعي القبلية.
ـ عدم خوض المواجهة مع العصابات حين كانت في أوج انتشائها وزخمها القتالي وطاقتها الحربية بداية الزحف على العاصمة، بل بعد انتشارها وتموضعها في المواقع التي سقطت بيدها وتحولها إلى وضع المدافع.
ـ المخزون المعنوي العالي للمقاتل اليمني وعقيدته الصلبة، بعكس حال العصابات.
كما يلفت مراقبون إلى أن السخرية بدورها كانت سلاحاً قاتلاً، ففي الوقت الذي كانت فيه الآلة الإعلامية الكونية تعمل لصالح المؤامرة، كان ناشطون وإعلاميون وطنيون يواجهون الحملات الدعائية المعادية بـ(الزبج) وتتفيه أخبارها والتناول الساخر لها وتوظيفها بالضد لمرادها، وهو ما عزز المعنويات العالية والطمأنينة لدى الشارع، بينما حطمت معنويات العصابات. 

ما بعد إسقاط العاصمة
وجدت الأجهزة الأمنية في أحد قصور صالح وثائق وخططاً مرسومة لمجريات المؤامرة، تقول أحد جوانبها بأن المخطط لم يكن يستهدف إسقاط العاصمة وحسب، بل التوجه لتطويق الجبهات وقطع إمداداتها ووضعها بين كماشة مرتزقة العدوان من جهة، وعصابات صالح من جهة أخرى، ضمن مشروع كامل لتصفية جبهات الدفاع عن الوطن لصالح تحالف قوى العدوان الأمريكي.
الوثائق بحسب المصدر الأمني المسؤول، لم يتم إماطة اللثام عنها، وهي بالغة الخطورة، وبأنها ستكشف في حينه.

حرب الأشباح تبتلع حرب العصبات

يتحدث أحد المشاركين في عمليات تطهير العاصمة، عن جسارة المقاتل اليمني البسيط في عتاده المدجج بإيمانه وصلابته المعنوية العالية. يقول: كنا كالأشباح بالنسبة للعصابات المتمركزة في الشوارع والأبنية، والمدججة بأنواع السلاح والقناصة، فمقاتل واحد كان يظهر فجأة أمامهم يرشقهم بطلقات سريعة من النيران ويختفي، لتفتح في إثره كل النيران من الرصاص الخفيف إلى المضادات الثقيلة إلى المدفعية وقذائف الهاون والـ(آر بي جي)... ودون تحقيق إصابات عدا الأضرار اللاحقة بالمكان.
كان ذلك عاملاً هاماً في إحداث الانهيار المعنوي والحربي لدى العصابات التي لجأت للالتزام بمواقعها ومتاريسها ظناً أنها مانعتها من تقدم القوة الأمنية والعسكرية.