كان مقررا أن أكون ضمن فريق من "الشخصيات الجنوبية" التي طلب "المرتزقة الجنوبيون الأسرى والجرحى"  مقابلتهم ، بهدف شرح معاناتهم الإنسانية بعد التغرير بهم من قبل "مقاولي الأنفار" ، الذين يكسبون من العدو السعودي عشرة آلاف دولار مقابل شراء ذمّة  كل (نفر) ، ولا يصرفون منها سوى  ثلاث ورقات من فئة 500 ريال سعودي فقط  لكل (نفر) من ضحاياهم.
أعترف بأني ـــ ولأسباب إنسانية ونفسيّة ــــ إعتذرت عن مقابلة الضحايا الذين تركهم الغزاة ومرتزقتهم في الجبهات المتناثرة بين صحاري ومرتفعات  العمري وذباب وكهبوب وميدي والبقع والطوال وجنوب البحر الأحمر ، لأن عددا منهم أبناء لبعض أصدقائي في أحياء الشيخ عثمان والمنصورة ودارسعد والقاهرة وكريتر وخور مكسر والمعلا والتواهي ، ولم أكن أتمنى أن أراهم أمامي وهم يشرحون معاناتهم أمام فريق من (المُحققين) ، مع أن الذين ذهبوا لمقابلتهم تحوّلوا الى  شهود دفاع عنهم ووسطاء خير لصالحهم.!!
والحق أقول أن أفضل شهود الدفاع عن هؤلاء الأسرى ، وأكثر الناس تعاطفا معهم ، هم أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية وشباب القبائل الذين أسروهم ، وقدموا لهم ما يحتاجونه من العلاج والغذاء والرعاية الأخوية!!
أذهلني بعض  زملائي الذين ذهبوا لمقابلة هؤلاء المغرر بهم ، عندما نقلوا اليّ ما شاهدوه وسمعوه بناءً على طلب بعض  أولئك الضحايا الذين تعرضوا لأبشع أنواع  الضغوط والأستغلال والتدليس ، من قبل بعض العسكريين المتقاعدين في  جيش الشطر الجنوبي سابقاً ، والذين تحوّلوا الى مقاولي أنفار للسمسرة بدماء هؤلاء الضحايا.
أخطر ما سمعته هو أن الأسرى والجرحى كانوا من بين عشرات وربما مئات الجثث التي تركها المرتزقة تحترق بلهيب تلك الصحاري ، بعد إن نهشت لحومها بعض الطيور الجوارح !!
مئات الأسرى والجرحى والقتلى الجنوبيين كانوا فقراء وبلاعمل منذ إن وطأت أقدام الغزاة مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب المحتل ، وقال بعضهم أنهم كانوا يتناوبون مع بعض أفراد أسرتهم ( قرص روتي وعلبة زبادي) كل ثلاثة أيام تحت نير الإحتلال السعودي الإماراتي لمدينتهم .
حتى الذين التحقوا بتنظيمات (القاعدة وأنصار الشريعة وجيش عدن أبين الإسلامي وداعش) من أبناء عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت ،  كانوا فقراء وعاطلين عن العمل ، وقد التحقوا بهذه التظيمات الإرهابية لأنها تدفع لكل (مجاهد) ثلاثة آلاف ريال سعودي بدلا من الثلاث ورقات التي يدفعها مقاولو الأنفار من بقايا اليسار !!
المؤلم جدا إن معظم  الأسرى تم إلقاء القبض عليهم خارج ساحات القتال عندما تعرضت آلياتهم وأطقمهم القتالية للتدمير في وسط الصحاري ، بعد إن فرّوا جائعين وعاطشين و هائمين على وجوههم  ، حتى وجدوا أنفسهم إمّا بين مفارز تتبع الجيش واللجان الشعبية ـ أو في مناطق القبائل ، حيث تم أسرهم وإكرامهم.
لا أستطيع موا صلة الكلام لأني أكاد أن أبكي!!