تحوز على النصيب الأكبر من حقد ومجازر غارات العدوان
الحديدة  عــــــروس بفستـــــــــان أحمــــــــــــر

تختلف محافظات الجمهورية اليمنية في مناخها وتضاريسها ومنتجاتها الزراعية والحيوانية، وهذه ميزة ربما لا توجد في دولة أخرى على وجه الأرض، وتتشابه جميعها في التشويه الذي ألحقه بها العدوان السعودي الأمريكي الغاشم المستمر منذ عامين تقريباً. لم يفرق المعتدون بين منطقة وأخرى في عدوانهم، بل استهدفوها جميعها، وحاولوا تدمير كل آيات الجمال فيها من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، في الجبال والبحار والصحارى والوديان، فقد اتجهت عدسة (لا) من صنعاء غرباً نحو الحديدة عروس البحر الأحمر.
طريق السفر
مرت العدسة في طريقها بكل جميل أبرزه تحول المناخ بشكل تدريجي تتلاشى فيه قسوة برد العاصمة، وتحل بدلاً عنه رطوبة مدينة الفل والكاذي على ساحل البحر الأحمر, والقبيح الوحيد الذي صادفنا هو آثار قصف العدوان الذي حاول تدمير الطريق الرابط بين صنعاء والحديدة، وتشويه جمالهما الآسر، فعند أول مديرية يمر بها الذاهب إلى الحديدة من صنعاء، يرى بشاعة وهمجية العدوان، فقد تعرضت (بني مطر) لمئات الغارات من طيران العدو منذ أيامه الأولى، راح ضحيتها عشرات المواطنين، وأصيب المئات, كذلك هو حال مديريتي (الحيمة الداخلية والخارجية), وعند تجاوزهما يشعر المسافر بارتفاع درجة حرارة الطقس كلما اتجه صوب الغرب، ويزداد هذا عندما يتجاوز (مناخة) التي تعرض طريقها لقصف مستمر بهدف إخراجه عن الخدمة. 
وحين الوصول إلى منطقة (خميس بني سعد) بمحافظة المحويت، يشعر الوافد إليها برطوبة ونسيم البحر الأحمر، ويتوفر في سوق المنطقة معظم أنواع الفاكهة التي تُزرع في المناطق الرطبة، كالمانجو والموز, ولم تسلم هذه المنطقة من حقد بني سعود، فاستهدفوا فيها الجسر الذي يعتلي سائلة الوادي، بغرض قطع الطريق الرابط بين صنعاء ومحافظة الحديدة، إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك، واستحدث المواطنون طريقاً فرعياً يتمكن المسافرون عبره من مواصلة طريقهم دون عرقلة.
وعجز بارود صواريخ طيران العدوان عن إخفاء رائحة الكاذي التي تنتشر طول الطريق المار بمحاذاة (وادي سُردد)، خضرة الوادي التي تشق سائلة الماء فيها طريقها تُمتع عيون المسافرين بتمايل أغصانها وتدلي ثمارها، لتُخرجها من حزن مناظر القصف والدمار، حتى تصل إلى منطقة (باب الناقة) بمحافظة الحديدة.

الوصول إلى الحديدة
اختفت الأضواء الوهاجة التي كانت تطلقها مدينة الحديدة لجذب الواصلين إلى مشارفها من العاصمة صنعاء، عدا نقطة ضوء صغيرة لاتكاد تراها العين, قال أحمد المساوع (مالك بقالة) في منطقة (باجل)، إن ذلك الضوء الصغير خاص بالميناء الذي ما يزال فاتحاً ذراعيه لأية سفن تحمل مواد غذائية أو مشتقات نفطية من شأنها تخفيف شدة الحصار الذي يفرضه العدوان. 
ويضيف أحمد أن العدوان السعودي استهدف منطقة باجل بعدة غارات، راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء، وتركزت معظم غاراته على مصنع إسمنت باجل ومزارع المانجو والموز التابعة للمواطنين, ويعاني أبناء باجل من انقطاع التيار الكهربائي الذي بدوره أوقف المكيفات المنزلية المخففة لحرارة الجو فيها, وتظهر هذه المعاناة في فصل الصيف، أما هذه الأيام فالطقس يتميز ببعض البرودة.
زاد عدد المناطق التي تعرضت للقصف بعد الخروج من منطقة باجل على الطريق المتجه منها نحو (كيلو 16) (بوابة مدينة الحديدة)، وتنوعت تلك المناطق بين مصانع أغذية وأعلاف وكذلك مخازن حبوب ومنازل مواطنين وأندية سياحية. وجنوباً من جولة كيلو 16 يتجه الطريق نحو (المخا) ماراً من مديريات (الحسينية وبيت الفقيه وزبيد)، وهذه المديريات تضررت كثيراً من صلف المعتدين الذين استهدفوا أسواقها ومنازل مواطنيها البسيطة ومزارعهم.
تكثر نقاط التفتيش في الطريق المؤدي إلى المخا، وهذا ليس عبثاً، وإنما لتشديد القبضة الأمنية، لأن مرتزقة العدوان يحاولون الوصول عن طريق الخط الساحلي إلى أطراف مديريات المحافظة، وبالتالي نقل جبهات قتالهم إليها, ولا يبدي المسافرون انزعاجاً من تلك النقاط، بل من الدمار الذي ألحقه القصف بالطريق. 

سواحل خالية من الزائرين
يبدي زوار الحديدة تفاجأهم مما شهدته المدينة، خصوصاً أولئك الذين كانت آخر زيارة لهم إليها قبل 3 إلى 4 سنوات.. يقول محمد الكباري (34 عاماً) من صنعاء: لم أتوقع أن أرى المدينة بهذا الحال، فقد اختلفت كثيراً عن آخر مرة زرتها قبل العدوان، حيث كانت شواطئها صاخبة بالحياة، وإنارات شوارعها لا تنطفئ، أما الآن فقد أغلقت معظم سواحلها، والحياة تبدو منعدمة بعد الساعة الـ10، وهذا كله بسبب العدوان السعودي.
تضررت السياحة في الحديدة كثيراً من العدوان الذي يستهدف بطائراته سواحلها، ما جعل الجهات الأمنية فيها تغلق بعضها تماماً كشاطئ الكثيب الذي أغلق بعد قصفه ومنع الزوار من التمتع بمياهه الزرقاء وأمواجه الهادئة، ويروي المواطنون أن طائرات العدوان المروحية أتت إليه قبل أسابيع، وحلقت بمستوى منخفض، مما أثار رعب الزوار والمواطنين, وبعضها الآخر يتم إغلاقه بعد الساعة الـ8 مساء لسلامة المواطنين، كون بطش العدوان يمتد إلى الشوارع المؤدية إليه.
يتحدث حسن أحمد (27 عاماً)، أحد العاملين في مطعم، لـ(لا) عن تضررهم من العدوان، فيقول: قبل العدوان كنا في المطعم نعمل من قبل الظهر إلى وقت الفجر، لأن الحديدة لا تستيقظ إلا عند غروب الشمس، والزائرين كانوا يملأون شوارعها وفنادقها، وبالتالي مطاعمها، خصوصاً في أيام الشتاء، أما الآن فنحن نغلق المطعم قبل منتصف الليل، كون الحياة البسيطة الباقية في المدينة تختفي ليلاً عكس ما كانت عليه من قبل، وهذا لأن القصف يزاول مهنته الوحشية بكثرة ليلاً.
أما علي عبّاس (53 عاماً)، صاحب استراحة (شيشة) على الكورنيش الصخري، فيشكو انخفاض نسبة القادمين إلى استراحته، والذين كان معظمهم من خارج البلد, ولكنه أبدى تفاؤله رغم كل هذا، وعبر عن سعادته باختفاء الخليجيين الذين كانوا يأتون إليه لشرب المعسل والتمباك البحري في المداعة في مثل هذه الأيام, واختفاؤهم جعل الحديدة لليمنيين فقط. ومع انخفاض نسبة دخل الحاج علي مقارنة بالسنوات السابقة، قام بخفض أسعار المعسلات لليمنيين إلى 500 ريال، معبراً عن أن هذا في سبيل قهر العدوان والمعتدين.
بعد أن سيطر العدوان ومرتزقته على سواحل المحافظات الجنوبية، أصبح الساحل الأحمر هو ملاذ الهاربين من قسوة برد مناطقهم، ومدينة الحديدة هي الحاضنة لهم، حيث تكتظ الفنادق فيها بالقادمين من مختلف المحافظات اليمنية: صنعاء وذمار وإب وعمران، وكذلك حجة وصعدة وغيرها من المحافظات.

وضع اقتصادي ومعيشي سيئ
أثر العدوان والحصار على الوضع الاقتصادي لليمن بأكملها، ومنها محافظة الحديدة التي نالت نصيبها من تلك المعاناة، وتضرر اقتصادها بشكل كبير، خصوصاً بعد قصف أرصفة مينائها ومنع السفن التجارية من الرسو عليه، ما أثر بشكل كبير على وارداته التي كانت تقدر بالمليارات شهرياً كرسوم جمارك للبضائع الداخلة ورسوم خدمات.
أما أبناء المحافظة الذين يعمل العديد منهم عمالاً في الميناء وصيادين يحصلون على لقمة عيشهم من أعماق البحر الأحمر، فقد تأثروا كثيراً جراء الحصار, فمن يصطادون كانوا يصدرون منتجاتهم البحرية المتنوعة إلى كافة بلدان الجزيرة العربية، وبسبب الحصار تحولت كل منتجاتهم إلى السوق المحلية، وبأسعار منخفضة جداً بسبب كثرة كميتها التي تفوق حجم الاستهلاك الداخلي, فقد وصل سعر الكيلوجرام الواحد من الجمبري داخل الحديدة إلى 500 ريال يمني فقط، بعد أن كان سعره حوالي 3500 ريال، حسب ما قاله المواطن حسن ميرين.
لقد ترك معظم العاملين في الميناء العمل بسبب ندرة السفن الواصلة إليه، وأيضاً استهدافهم من قبل طائرات العدوان بشكل شبه يومي, وكذلك أصحاب القوارب السياحية انخفض دخلهم كثيراً بسبب قلة الزبائن الراغبين في جولة بحرية، كون العدوان يستهدف قوارب الصيد، ولا يفرق بينها وبين غيرها، ذلك ما قاله خالد عبرين، أحد ملاك القوارب المتضررين.
علي القرشي (مالك بوفية أمام حديقة الشعب) وابنه أحمد يشتكيان من تردي الأوضاع الاقتصادية التي أثرت على سكان الحديدة بشكل عام، وانعكس ذلك عليهما, حيث بات مدخولهما من عمل البوفيه لا يكفي لتلبية متطلبات الأسرة المكونة من 12 فرداً.
على الرغم من هذا كله، لم يستطع العدوان السعودي الأمريكي الغاشم أن يسلب أبناء الحديدة طيبتهم وتعاملهم الأخلاقي مع كل من يأتي إلى مدينتهم لقضاء فصل الشتاء فيها, واستمروا في عطائهم الذي طالما تميزوا به، والذي يشبه إلى حد كبير فيض المدينة الساحلية المليء بالخيرات, وبما أنهم يظهرون ذلك لإخوانهم اليمنيين، غير أنهم يبدون عكسه للمعتدين ومرتزقتهم في جبهات القتال، تحديداً ميدي والمخا وذوباب التي تضم الكثير من أبناء الحديدة في صف أبطال الجيش واللجان الشعبية، في صورة تظهر مدى تكاتف أبناء الوطن من كافة المحافظات للدفاع عن كل شبر في أرضهم, وتوصل رسالة للعدوان ومن معه، مفادها: لن تستطيعوا سلب يمانية اليمنيين مهما فعلتم.