علي نعمان المقطري / لا ميديا

في معركة الساحل الغربي واجه العدو خلال اختراقه الأخير، ومن قبل ذلك خلال هجومه الكبير منذ عامين وأكثر، الحقيقة الكبيرة المتجسدة في عجزه عن السيطرة على الحديدة مباشرة عبر ضربة هجومية واحدة وتسلل واحد واختراق واحد وحملة واحدة. لقد قضى العدو عامين وأكثر ليصل إلى المخا حيس الخوخة، أي ثلث المسافة بين طرفي الساحل الغربي ونصف المسافة من المندب إلى الحديدة. إن العدو يتقدم بمعدل 50 كيلومتراً كل عام، أي بمعدل 4 كيلومترات كل شهر، وكيلومتر واحد أسبوعياً.. هذا إذا افترضنا استمرار وتيرة تقدمه الحالية باتجاه واحد هو الاتجاه نحو الشمال الساحلي.

الوثبات التكتيكية 
إن العدو لا ينهج هذا النهج مصادفة، بل عن مخطط طويل المدى يدرك أن السيطرة على الساحل والحديدة مستحيلة بضربة واحدة أو بوثبة واحدة كبرى، ولذلك هو يقسم المساحة الساحلية إلى عدة مراحل لكل مرحلة وثبة كبرى واحدة، ومن ثم ينجز عدة وثبات ليقطع مسافة الساحل، وبين كل وثبة ووثبة مرحلة انتقالية فاصلة بين المرحلتين، خلالها يتهيأ مجدداً استعداداً للوثبة التالية، وكل وثبة تمتد عبر أشهر طويلة تستغرق حملة كاملة، أو عاماً كاملاً من المعارك والكر والفر والتقدم والتأخر، وقد تنتهي الوثبة الكبيرة بانتكاسة أو انكسار أو تراجع مرحلي إلى قواعد أقوى استحكاماً كما حصل في الحملة الأولى الفاشلة بين نوفمبر 15م ومايو 16م التي انكسرت متراجعة إلى المندب، حيث قضت نصف عام في إعادة الاستعداد لشن حملة جديدة كبرى في يناير 17م، وهي التي مازالت مستمرة إلى الآن، وكانت تلك وثبة انتكست بعد أن وصلت إلى ذوباب ومدارس العمري، ثم اندحرت إلى المندب، حيث تحصنت هناك في مقابلة كهبوب وجبال العمري.
وفي الميدان ومنذ بداية العدوان على الساحل قبل 3 سنوات، حقق العدو وثبتين متتاليتين بينهما فترة فاصلة انتقالية: 
1ـ الوثبة الأولى كانت خلال العام الأول، وحقق السيطرة التدريجية على المسافة من المندب إلى المخا يختل الخوخة حيس. 
2ـ الوثبة الثانية كانت متجسدة في اختراق التحيتا الجاح إلى الدريهمي جنوب مطار الحديدة، ومحاولة السيطرة على المطار والميناء ومفرق الحديدة تعز صنعاء. 
وبعد 3 أسابيع من المعارك الضارية التي حشد لها العدو قوة غير مسبوقة، تكسرت حملات العدو وهجماته الأساسية في عدة محاور في الجاح والتحيتا والفازة والدريهمي والمجيلس والمشيخي والجبيلة والنخيلة حيس الخوخة، وحوصرت له ألوية عديدة، ومازالت إلى الآن محاصرة، وكل يوم يتكبد هزائم وخسائر جديدة. 

 حجم ونسبة خسائر العدو 
بلغت قوات النسق الهجومي الأول للاختراق 12 لواء عمالقة ومرتزقة آخرين توزعت في 4 فرق ميدانية كل فرقة تضم عدة ألوية ميكانيكية ومدرعة محمولة، واتجهت الفرقة 1 عبر المخا الخوخة حيس لتؤمن الجناح الأيمن للهجوم القادم للاختراق، واتجهت الفرقة 2 من شمال الخوخة وميناء الحيمة السمكي نحو التحيتا ومنها نحو الفازة والجاح الأعلى والجاح الأسفل والمجيلس والمشيخي والنخيلة والجبيلة والطائف، واتجهت الفرقة 3 عبر التحيتا والبحر وميناء غليفقة نحو الدريهمي الدوار والمطار، وتم إبقاء الفرقة 4 احتياطية ظلت في جزر زقر حنيش القريبة من التحيتا، تم استدعاؤها نهاية انكسار وفشل الوثبة بعد محاولة العدو فك حصار قواته حول التحيتا المجيلس الفازة، قبل أسبوع، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وتعرضت لمصير مشؤوم. 

النتيجة التي يعترف بها العدو وإعلامه الآن 
تعرضت قوات العدو لمقتلة عظيمة ولمحارق كبرى قتلى وجرحى بلغت أكثر من 4000 قتيل خلال أسابيع وأكثر منهم جرحى، فقد تعرضت كتائب بكاملها للإفناء دفعة واحدة في معركة واحدة في الفازة والجاح والدريهمي والمطار، كما تعرضت أرتال بكاملها للدمار والفناء بما فيها 5 أرتال من قبل الطيران المسير خلال سيرها على الطريق بين التحيتا والفازة والجاح والدريهمي، وهي تحاول فك الحصار عمن سبقها من قوات حوصرت وقطعت طرق الإمداد في عدة مناطق، ويعترف العدو بأن 4 ألوية تم حصارها قرب الجاح الأعلى والجاح الأسفل والفازة والتحيتا والجبيلة والدريهمي والمجيلس والمشيخي، وخسر العدو ما مجموعه قوة وقدرة وطاقة 8 ألوية بين قتيل وجريح ومحاصر ومدمر ومكسح وهارب، وبلغت المعدات والمدرعات أكثر من 500 مدرعة وآلية ومدفع وعربة، وهناك مئات المدرعات مازالت ضمن الألوية المحاصرة، وتبلغ في المجموع 1000 مدرعة وآلية خارجة عن الخدمة، وذلك خلال 3 أسابيع من الاختراق والتسلل بين نهاية مايو ونهاية يونيو 2018م. وقد نشر الإعلام الحربي أرقاماً موثقة عن خسائر العدو خلال الاختراق بلغت أكثر من 500 آلية ومدرعة، وقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية عبر الناطق باسمها أرقاماً عن خسارة العدو بلغت 3500 قتيل وجريح خلال الأسابيع الأولى من الاختراق، ويضاف إلى ذلك 1500 قتيل هم قتلى الأسبوعين الأخيرين من الاختراق، فيكون المجموع 5000 قتيل وجريح وفقاً للإعلام الأمريكي وإعلام العدوان نفسه. 
 
 مصير الاختراق ومآلاته في الساحل الغربي 
ما مصير الاختراق الساحلي الآن بعد شهر من الاختراق بناء على التطورات على الأرض؟
لقد انكسرت الوثبة الثانية الكبرى للعدو وتمهد الطريق لانكسارات الوثبة الأولى في المخا وجنوب الساحل تدريجياً، فقد انتقلت تداعيات الانهيار مباشرة من شمال الساحل إلى جنوبه ووسطه وشرقه وغربه، وكان انهيار العدو المباشر في الوازعية جنوب البرح وموزع وغرب التحيتا وشمالها التي تحولت إلى بؤر ساخنة ومقابر جديدة للعدوان خلال محاولاته المستمرة فك الحصارات على قواته. وفي يوم 11/7/2018، وصلت أكثر من 300 جثة إلى مستشفيات عدن والمخا، اعترف بها إعلام العدوان نفسه، وكانت قادمة من الوازعية ومن التحيتا، وكلها تحمل جثث مرتزقة جنوبيين سقطوا خلال المحاولة الهجومية الفاشلة للعدوان الليلة السابقة شمال وغرب صحراء التحيتا والوازعية، وحصيلة معركة واحدة تعكس مدى الانهيارات والإخفاقات التي يكابدها العدوان، كما يتعرض العدو لضربات جوية خلال محاولات الهروب من المواجهة بعد أن يتعرض للانكسار والصد وإخفاق الطيران في إصابة قوات الجيش واللجان الملتصقة في الأرض. 
ومعنى هذا أن الحملة الكبيرة قد انكسرت، وهو الآن في طور التراجع الكبير، فإلى أين سوف يستقر بها التراجع؟ إلى أطراف الساحل أم إلى خارج الساحل أم إلى جنوب الساحل ووسطه؟ وماذا بعد؟  
هذا هو السؤال الاستراتيجي الملح الآن الذي نحاول مقاربته، تكتيكات الوثبات والقفزات التدريجية الممزوجة بتدبير مؤامرات الخيانات وشراء الذمم كانت التكتيك الرئيسي على الساحل ومازال، ولكن ما تغير الآن هو متغير عامل الخيانة وشراء الذمم، فلم يعد كما الماضي على الرغم من استمرار حالة التجنيد العدواني للكثير من الشبكات، إلا أن الفتك اليمني يشتد بقوته الفاتكة بالعدو أضعاف ما كان قبل عام أو أقل، فقد أدى تهاوي شبكات عفاش الخيانية إلى تهافت الكثير من فروعها بعد السقوط المدوي لرؤوسها وقواتها وأجهزتها واختراقاتها للجيش لقوات الجيش واللجان، ولكنه واصل أسلوب القفزات والوثبات التكتيكية في التقدم على الساحل على مراحل، فلم يحاول الهجوم العام دفعة واحدة لاحتلاله، وكانت كل عملياته بعد المخا يختل مناورات جس نبض وتحديد مفاصل القوة والتراخي والتركيز وتوسيع جبهة المواجهات على مساحات طويلة تمتد مئات الأميال لتشمل المسارح الحربية كافة من أقصى الشرق والجنوب إلى أقصى الشمال والغرب والوسط، في محاولة لاستنزاف الجيش واللجان وقدراتهما وتشتيت قواتهما على مساحات واسعة تنقطع بهما السبل والطرق في ظل سيطرة تامة للطيران المعادي. 
وقد توصل إلى معادلة تكتيكية فحواها أن الجيش واللجان لا تؤثر فيهم المخاوف التي ينشرها العدو من قوة أسلحته وكثرتها، لكنهم يتأثرون في بعض اللحظات بالضعف البشري والإجهاد والاختراقات والخيانات التي تصيب منهم أحياناً، وتترك فجوات مؤقتة، سرعان ما يتغلبون عليها، ولكن بعد وقت معين، أيام أو ساعات أو أسابيع، وخلال تلك اللحظات السوداء يمكن للعدو إذا حشد قواته جيداً واختار المكان المكشوف، أن يشن اختراقاً قصيراً على الساحل مثلاً أو نهم أو الجوف أو حيس الخوخة، وأن يحقق بعض التقدم على الأرض لفترة مؤقتة. 
ويعلم العدو أن أفضل طريقة هي أن يكتفي بما حققه من تقدم قصير محدود قبل أن يسترده الجيش واللجان، وأسوأ مصائبه كانت تأتي عندما يتوهم أنه يمكنه التقدم عميقاً في جغرافية الوطن ويتوغل، فيكتشف متأخراً أنه حقق خدعة وتكتيك الجيش واللجان، ووقع في شر أعماله وفي فخاخ الجيش والأنصار، وهذا ما تعلمه متأخراً جداً بعد أن غاص في رمال الشاطئ الأحمر، فواجه حقول الموت والألغام والمنصات الصاروخية تتفجر من كل جانب ومكان، وهذا ما واجهه في التحيتا والجاح والفازة والمجيلس والجبيلة والدريهمي والمطار والنخيلة والمطيانة، ومازال يعانيه الآن، وسيظل لوقت طويل. 

العدو في حلقة مفرغة
تبتدئ هزيمة كل قوة في الحرب عندما تبدأ بارتكاب أخطاء تكتيكية استراتيجية قاتلة. 
ليس كل قوة ضعيفة أسرع إلى الخسارة من القوة الأقوى إلا لمسارعتها إلى ارتكاب أخطاء الحرب التي تكرس الوضع وترمي بها أمام القدر المحتم الذي كانت تحاول الفرار منه وتأخيره بالقليل من الحكمة والدهاء. وأسوأ القادة هم المتهورون قليلو الفكر والتحليل ضعاف التفكير والمنطق والاستنتاج وعديمو الخبرة، وهم الوجه الآخر للجبناء والمائعين المترددين، وكلاهما يقتل قواته بيديه قبل أن يسلمها إلى أفواه ونواجذ ومخالب الخصم القوي الإرادة المحنك الحازم المتروي الصبور طويل النفس. يدور العدو الآن على الساحل وهو أشبه ما يكون داخل حلقة مفرغة، ومعنى ذلك أنه يبحث عن مسارب تقوده إلى السيطرة على الساحل الغربي (الميناء والمطار والموانئ) بالقفز على جميع العقبات والتحديات، لأنه لا يريد أن يدفع أثمان وتضحيات مثل هذه الأهداف الكبرى، وتقوم الحروب بما تنجزه على أرض النزال والصراع، لا بما تملكه من قوات وقدرات، وفي الحروب العدوانية تلعب أخطاء العدو دوراً هاماً جداً في إنزال الهزائم به وبقواته، حيث تتلاقى حماقة العدوان مع حنكة قيادة المقاومة الوطنية وقوة عزيمتها.