غازي المفلحي/ لا ميديا

دون اكتراث بالقرار 2216 الذي يحظر على اليمن استيراد السلاح، ومتجاوزة حصار ملوك الروث وسادة إمبراطورية البعير مع أكثر من 17 دولة بعضها يأخذ دور البندقية والبعض دور الحذاء، تدخل إلى اليمن كل عام أطنان من الصواريخ والقنابل دون أن يعترض طريقها شيء، لكنها ليست من النوع الذي يمكن أن يسحق غطرسة العدو السعودي ومن معه، بل من النوع الذي يشبه قنابله العنقودية التي تحرق وتذهب بكثير من أعضاء وأطراف أطفال اليمن، إن لم تقتلهم. إنها الألعاب النارية التي فيها أذى كبير ومنافع للناس، وشرها أكبر من نفعها، لذلك فهي ليست من ضمن الأشياء التي يحظر المعتدون دخولها إلى اليمن.

حقائق خطيرة قد لا تعرفها 
بالرغم من أنها تسمى ألعاباً، إلا أن الأطفال يقيمون بواسطتها مناورات مصغرة بذخيرة نصف حية إن صح التعبير، فلها انفجارات قوية ونيران حارقة مهددة بإلحاق ضرر كبير بهم وهم يلعبون بالنار بالمعنى الحرفي لذلك، حيث إن سخونة تلك المفرقعات عند الاشتعال والانفجار قد تصل إلى 2000 درجة فهرنهايت، وفقاً للجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية الأمريكية (CPSC)، ورصد الخبراء المتخصصون في هذا المجال القدرات الخاصة للألعاب النارية في الاشتعال والحرق، موضحين عدة حقائق علمية خطيرة، منها أن الألعاب النارية ذات الشرر أسخن بخمس مرات من زيت الطبخ، كما يمكن أن تصل سرعة أحد صواريخ الألعاب النارية إلى 150 م/س، ويمكن أن تنطلق قذيفة الألعاب النارية إلى ارتفاع يصل إلى 200 متر، وثبت أيضاً ان اشتعال 3 أعواد من الألعاب النارية ذات الشرر معاً يولد الحرارة نفسها التي يولدها موقد لحام المعادن، ما يؤكد خطورة الألعاب النارية على مستخدميها وعلى الآخرين المتواجدين في محيط استخدامها، لما قد تسببه من حروق وتشوهات وعاهات مؤقتة ودائمة، كما تحدث أضراراً في الممتلكات جراء ما تسببه من حرائق، ويقول الأطباء المتخصصون في مجال طب الأطفال، إن الألعاب النارية تؤدي الى التلوث الضوضائي الذي يؤثر على طبلة الأذن، ويسبب خللاً وظيفياً في عمل المخ قد يستمر لمدة شهر أو شهرين، ويؤكدون على أن الشرر أو الضوء والحرارة الناجمة عن استخدام المفرقعات، تضر بالجسم، خاصة منطقة العين الحساسة، والرماد الناتج عن عملية الاحتراق يضر بالجلد والعين إذا ما تعرض له الطفل بشكل مباشر، حيث تصاب العين بحروق في الجفن والملتحمة وتمزق في الجفن أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية، وقد يؤدي الأمر إلى فقدان كلي للعين.

منسوب الخطر يرتفع 
في المناسبات السعيدة
ألعاب تكاد تنعدم الفائدة منها، لا فوائد ذهنية ولا جسدية، بل على العكس فهي تشكل ثقافة مائلة للعنف بعيداً عن التعليم والإبداع والرقي، وتخلف أجساماً مشوهة بعاهات قد تبقى مدى الحياة، والجمهور المستهدف لتجارة هذه الألعاب هم الأطفال، الفئة الأقل وعياً بمخاطرها على سلامتهم، والأقل إدراكاً لمشكلة الإزعاج والخطر الناجمين عن هذه الألعاب، والمهملة توعيتهم من قبل الأهل، والمنعدم حس المسؤولية تجاههم من قبل الباعة، وذلك بسبب قلة التوعية من الأهل، وضعف القوانين الرسمية في الحد من هذه الظاهرة الخطرة. والمؤسف أن أغلب الإصابات المأساوية الناتجة عن الألعاب النارية تقع في الحفلات العائلية أو الخاصة والمناسبات مثل رمضان والأعياد، والتي تكون فيها هذه المظاهر السلبية أحد أهم المراسيم الرئيسية لجلب المتعة لدى الأطفال. وتلحق أغلب الإصابات بالأطفال دون سن 15 عاماً، الذين يتعرض 40% منهم -حسب معلومات ودراسات سابقة- لإصابات وحروق واستنشاق الدخان الذي قد يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي، مثل الربو، وإصابات في اليدين والعينين والوجه. وسجلت حالات لا تحصى لحوادث وإصابات خطرة نتيجة اللعب بهذه الألعاب، توزعت حول الجروح والندوب الكبيرة في الوجه والعيون والحروق الصعبة وفقدان أصابع اليد وحتى الوصول الى بتر اليد طبياً عندما يستحيل ترميم العظام وخياطة الجلد المصاب بشدة. وأظهرت دراسة إحصائية عامة لهذه الطاهرة حول كثير من المجتمعات المشابهة لمجتمعنا، أن 47% من حوادث الإصابة الناجمة عن استخدام المفرقعات والألعاب النارية، تكون في الأطراف، بينما شكلت إصابات الرأس والوجه ما يقارب 33% من حالات الإصابة، أما الإصابات في العين فقد بلغت 20%، وانتهت في العديد من الحالات إلى فقدان البصر. كما بلغت نسبة إصابات الحروق نحو 60% من مجموع الحالات في جميع أجزاء الجسم.

استيرادها حرام وبيعها حلال 
اليمن ومدنها وعاصمتها كبقية دول ومدن الوطن العربي والعالم التي تمنع كثير من حكوماتها وتقيد تجارة الألعاب النارية، ولكنها تجد صعوبة في ذلك، فعملية تهريبها مستمرة، والرقابة عليها في كل محل صغير وحارة ويد طفل ليست بالأمر السهل، فالبرغم من أن الدستور اليمني يقيد استيراد وبيع هذه الألعاب، إلا بتصاريح محدودة لتجار قلة، وبضوابط كبيرة، وينطبق عليها قانون الأسلحة النارية، إلا أن العاصمة صنعاء تنتشر فيها العشرات من محلات الجملة الكبيرة والمشهورة ببيع الألعاب النارية، والتي تغذي آلاف المحلات التجارية بهذه السلعة التي تفتقر عملية دخولها لليمن وبيعها لضوابط وقوانين منظمة تحصر استخدامها وتقيد بيعها، خاصة للأطفال.. حسب معلومات، فإن جزءاً كبيراً من الألعاب النارية تدخل اليمن عن طريق التهريب، ومصدرها الرئيسي وبلد المنشأ دولة الصين، ولكن الملفت أن محلات الجملة تبيعها بشكل علني وواضح دون الحاجة للتخفي كما في التهريب، وعندما سألت (لا) أحد التجار هل يواجهون صعوبة أو مضايقات أو قيوداً من الجهات الحكومية في ممارسة عملهم، قال: (لو كان هذا موجوداً لما رأيت هذا العدد الكبير من المحلات الكبيرة مفتوحة أمامك)، وأضاف تاجر آخر، أن أجهزة الأمن قد تصادر أو تمنع بيع هذه الألعاب في بعض المحلات في بعض الحارات والشوارع عندما يتقدم بعض الأهالي بشكاوى ضد أصحاب تلك المحلات بسبب الإزعاج جراء الانفجارات التي تقلق السكينة العامة.

بين قطع الأرزاق وقطع الأيدي
يرى الكثيرون أن تجارة الألعاب النارية ليست بالجريمة، وأنه من غير المنصف منع هذه التجارة و(قطع الأرزاق) على حد تعبيرهم، فهي مصدر دخل ورزق للكثيرين، لكن بشرط ألا يكون بيعها سبباً لقطع الأصابع وبتر الأيدي أيضاً، فيرى البعض أنه نظراً للمخاطر المترتبة على بيعها بشكل واسع وعشوائي، ووصولها للأيدي الخطأ، وهم الأطفال، فالواجب وضع قوانين تنظم هذه التجارة، كما يتم تنظيم بيع السجائر في الدول المتقدمة مثلاً، فهي لا تباع إلا لمن بلغ سن الـ18، والبيع لمن هم دون ذلك السن مخالف للقانون، والألعاب النارية تحتاج لقوانين مشابهة تحصر بيعها لمناسبات معينة ولأشخاص راشدين بالغين يلتزمون بقوانين السلامة في استخدامها في حالة إحياء احتفالاتهم، وأن تكون من الأنواع التي تنفجر في السماء وليس على الأرض، ومنع بيع الأنواع ذات الصوت القوي الأكثر انتشاراً، والتي لا تخلو منها بقالة، والتي لا تحيي مناسبة ولا تضيف أي جمال، فهي فقط تنفجر مسببة أصواتاً عنيفة، وقد تذهب بأصابع أو يد الطفل أو حتى الكبير إذا تأخر في رميها وانفجرت في يده.