شايف العين / لا ميديا

في المنزل فقط يمكن للشخص وأسرته أن يتمتعوا بكامل الحرية والخصوصية داخل حرمة لا يجوز لأي كان انتهاكها. وكثيراً ما نسمع عن جرائم انتهكت فيها تلك الحرمة، سواء بعملية سرقة أو نهب أو احتلال، يقوم بها بعض الأشخاص الذين اعتادوا السير في خط الجريمة. وثمة ظاهرة شائعة في أوساط مجتمعنا اليمني وغيره من المجتمعات العربية والإسلامية، لم تثبت بتوثيق، وإن تداولتها قصص وروايات متوارثة على مدى قرن ونصف تقريباً. في هذه الظاهرة، ثمة آخرون ينتهكون حرمة المساكن عنوة، دون أن يكون بالإمكان رؤيتهم أو الإبلاغ عنهم... إنهم الجن والعفاريت، الذين لا يخلو حي في العاصمة صنعاء من منزل «مسكون» بهم.في هذا الاستطلاع تسلط (لا) الضوء على هذه الظاهرة وعلى نماذج للمساكن والمباني التي تدور حولها هذه الأحاديث، استناداً إلى روايات المواطنين المختلفة.

عفاريت "سبأ" المشهورون
لعل "عمارة الجن"، المجاورة لمبنى بنك التسليف الزراعي، الكائن في جولة سبأ، من أبرز مباني العاصمة صنعاء ذائعة الصيت بهذا الصدد، بسبب الأحاديث التي ضج بها الشارع حولها وسيطرت في فترة من الفترات على مقائل القات والنقاشات التي تدور بين ركاب الباصات وزبائن صالونات الحلاقة وغيرها من أماكن تجمع الناس حيث أصبحت شغلهم الشاغل.
فما إن تصل إلى جولة سبأ وتسير عدة خطوات جنوباً حتى يلفت انتباهك مبنى شبه مهجور، إذا استفسرت عنه أحد أبناء الحي أو أصحاب المحلات يجيبك أنه مبنى مسكون بالجن والأرواح الشريرة، مستشهداً بحكايات تروى عما حدث لمن سكنوا فيه.
يقول عاقل الحارة إن عدداً ممن استأجروا شققاً في المبنى، الذي يملكه البعداني، لم يستيقظوا صباحاً إلا وهم على رصيف الشارع، وآخرين كانوا ليلاً يسمعون أصواتا غريبة وتتراءى لهم أشياء مرعبة، حتى انتشر الخبر وأصبح المبنى مهجورا.
أحد أبناء الحي نفى الشائعات التي تدعي أنه "مسكون"، فسألناه عن سبب عدم وجود ساكنين فيه وشكله المفزع الذي يوحي بأن صاحبه توقف عن إكماله لأمر جلل، فأجابنا بأن خلافاً بين مالك المبنى وإخوته يقف وراء ذلك، وأن أحد إخوته أطلق شائعة أنه "مسكون" ليلحق الضرر بأخيه.
التقينا آخرين من أبناء الحي أرسلونا إلى شخص قالوا إنه أحد جيران "عمارة الجن"، وأنه سيفيدنا بالحقيقة. بحثنا عنه حتى وجدناه فسألناه عن حقيقة ما تدور حوله الأحاديث، فقال ضيف الله شيبان (23 عاماً) إن هذه الأحاديث لا أساس لها من الصحة، وحقيقة ما جرى هو أن مالك البيت استدان قرضاً من أحد البنوك ليبني به العمارة، ومع الأيام خطرت له فكرة إطلاق شائعة تضر بالمبنى ليستطيع التنصل من دفع فوائد القرض، فقال إنه "مسكون" ونجح في ذلك.
وأضاف ضيف الله أنه في عام 2007، تحديداً في شهر رمضان، استيقظ البعداني وقت الظهر وخرج من البيت فوجد أمامه ميكرفون قناة "السعيدة" يسأله عن حقيقة وجود جن في عمارته فأكد للقناة ذلك وأخبرها بأنهم يؤذونهم حتى تروج الشائعة ولم يتوقع ثبوتها بالفعل.

ملابس ترقص في الهواء 
عدة أيام ونحن نجوب أحياء مختلفة بالعاصمة بحثاً عن مبانٍ أو منازل "مسكونة"، ووجدنا صعوبة في ذلك، إلا أنه اتضح لنا بعد ذلك أن كثيراً من الأحياء لا يخلو أحد منازلها من مثل هذه الأحاديث حوله. مدينة الحمدي السكنية بشيراتون أفاد الكثير من سكانه بأن كثيرا من بيوت المدينة "مسكونة". زرنا أحد منازل الحي وتحدثنا مع ساكنيه.
الأسرة القاطنة في البيت، والمنتمية لمحافظة الحديدة، أكدت حدوث أشياء غريبة في منزلها الصغير قبل عدة سنوات، من شاكلة سماع أصوات ضحك وبكاء ووقع أقدام مسرعة... ولعل الأغرب هو رؤية الملابس المعلقة تتحرك وتتراقص في الهواء، وكذلك ضجيج أدوات المطبخ، بالإضافة إلى العلامات الخضراء التي قيل إنها كانت تظهر على أعناق بعض أفراد الأسرة عند استيقاظهم في الصباح.
وأضاف أفراد الأسرة أنهم استدعوا شيخ دين حد تعبيرهم لطرد الجن من منزلهم، فكان يزورهم مرات في الأسبوع ويقوم بقراءة سور من القرآن الكريم حتى اختفت بعض تلك الأمور الغريبة وبقي بعضها الآخر حتى اليوم.

علامات وجود الجن
مبنى آخر في حي الأصبحي بالقرب من شارع المقالح شاع في أوساط أهالي الحي أنه مسكون بالجن، على خلفية اشتعال حريق هائل فيه دون وجود ساكنين فيه آنذاك، وأن ساكنيه العفاريت هم من أضرموا النار في كمية من الأخشاب والإطارات كانت مخزنة بداخله.
وفي شبكة الإنترنت هناك من يوصفون بالباحثين في علم الروحانيات ومشائخ الدين وأصحاب مراكز العلاج بالقرآن، وهؤلاء يرون أن الجن الساكنين في البيوت يلحقون الأذى بأصحاب البيت الأصليين ويسببون لهم التوتر، واضعين عدداً من العلامات التي قالوا إنها تدل على وجودهم في بيت أو مبنى ما، ومن تلك العلامات حد قولهم اختفاء الأشياء أو انتقالها من أماكنها، سماع أصوات غريبة عندما يكون الشخص بمفرده كأصوات أطفال يلعبون أو صوت نداء لأحد أفراد الأسرة، إشعال النار وحرق الممتلكات بسبب وبدون سبب، شعور الشخص بأن أحدا يمر بجواره أو خلفه... وغير ذلك.

تأثير الأحاديث المتداولة
للأحاديث التي يتم تداولها عن استيلاء الجن على بيوت المواطنين تأثيرات تتوزع على طرفين، الأول: ملاك العقارات، والثاني: وعي الناس. فالأول يتأثر في حال أشيعت أحاديث تفيد بأن العقار الذي يملكه يسكنه الجن، فإن سعر العقار يقل كثيراً وأحيانا يرفض الجميع شراءه أو استئجاره.
يقول محمد حازم، أحد العاملين في مجال بيع وشراء وتأجير الأراضي والعقارات إن العقار أو العين المشاع أنها مسكونة ينفر منها الزبائن، سواء المستأجرون أو المشترون، فلا يبقى أمام مالكها سوى هدمها ليتمكن من بيعها كقطعة أرض فقط.
ويضيف حازم أن زملاء له شهدوا مثل هذه الحالة. وقد رفض أن يدلنا عليهم، معللاً ذلك بأن نشر مثل هذه الأخبار في وسائل الإعلام يعزز انتشار الشائعات وبالتالي يلحق الضرر بأصحاب العقارات, مستشهداً بواقعة متعلقة بمبنى في "شارع هائل" كان معروضاً للبيع، وأن زبونين تسابقا لشرائه فقام أحدهما بنشر شائعة أنه مسكون بالجن لينفر منه منافسه، وليشتريه بأقل من سعره، ولم تتضح الحقيقة إلا بعدها بمدة طويلة.
أما تأثير الظاهرة على وعي الناس فيتمثل في حبس عقولهم داخل سجن الموروث الأسطوري الخرافي واستمرار نقله للأجيال، رغم التقدم العلمي الحاصل، ما يبقيهم أسرى هذا السجن، خدمة لدعاوى الدجالين العاملين في مراكز منتشرة في أرجاء البلاد تدعي المعالجة من المس والعين وغيرها من الظواهر المتنافية مع العلم كمعالجة البيوت "المسكونة".

مكيدة واسترزاق
هناك جزء كبير من الناس يرفضون تصديق هذه الظاهرة، كونها تنافي ما جاء به القرآن الكريم وما تحدث به العلم عن الجن، ويرون أن إشاعات البيوت "المسكونة" سببها في الغالب خلاف يدور بين ورثة أو شركاء في العقار أو حتى أحيانا لأغراض في النفس تحمل العداء لشخص، بغرض المكيدة به.
ويرى آخرون أن من ضمن من يسهم في نشر هذه الشائعات أولئك الذين يقومون بعلاجها فيما بعد، أي من يسمون أنفسهم مشائخ يعالجون بالقرآن والرقية الشرعية ويملكون مراكز بالمئات تنتشر في مختلف أرجاء العاصمة والبلاد، كونهم أكثر المستفيدين من هذه الظاهرة وغيرها كظاهرة المس والذي يعني دخول الجن في جسد بني آدم، وبالمعنى العامي "طلبة الله".

الدولة لا تحرك ساكنا!
في ظل هذا الاختلاف والتناقض بين إثبات الظاهرة ونفيها إلى سلة الخرافات، تظل الأسئلة تدور حولها حتى يأتي من يجيب عنها بدلائل علمية لا تدع مجالا للشك، وهذا الأمر يقع على عاتق الدولة التي تدير شؤون البلد، كونها المعنية بذلك.
حمزة الكليبي من المشككين بحقيقة الظاهرة يطالب الجهات المعنية في حكومة الإنقاذ بالنظر في موضوع سيطرة الجن على منازل المواطنين، كون الحكومات السابقة لم تعير الموضوع اهتماماً، رغم أنه من الأمور التي تحتاج إلى إيضاح وتفصيل.
ويستغرب الكليبي عدم وجود مراكز لدراسة هذه الظاهرة المتوارثة منذ قرون، ووصلتنا في قالب الموروث الإسلامي في المجتمعات العربية والإسلامية، لإيقاف المتاجرة بها ووضع حد لمن يقومون بذلك.

بيت الجن بتعز
وفي مدينة تعز، تداول الناس حكاية "بيت الجن" الذي أصبح مكتب أنصار الله في الحوبان أمام حديقة "دريم لاند"، بعد أن استأجروها من أصحاب الشأن.
 مصادر محلية تروي أنه ومنذ تسعينيات القرن الماضي اشتهرت العمارة، التي قصفها طيران العدوان في 2015م، بأنها "بيت الجن"، إذ إن أشباحاً تسكن العمارة وتمنع أي شخص من السكن فيها.
وطبقا للمصادر فإن كل من يتجرأ على المبيت فيها يجد نفسه ملقى في الشارع، وأن الكثيرين من المشتغلين بالشعوذة أو بإخراج الجن قد لقوا هذا المصير خلال محاولاتهم تطهيرها من الجن.
العمارة ظلت مهجورة لعقود، واستحال العثور على من يشتريها أو يستأجرها، بسبب الروايات التي انتشرت عنها بأنها مسكونة بالأشباح.
مصادر محلية أوضحت أن حكايات الأشباح في العمارة انتهت، وأصبحت خالية من المنغصات بعد أن استأجرها أنصار الله مكتباً لهم.