تحقيق: محمد الحسني ـ ياسر ريس/ لا ميديا-

إلى الحد الشمالي للجمهورية اليمنية، وتحديداً في منطقة آل ثابت الحدودية التابعة لمحافظة صعدة، يصل أسبوعياً أكثر من 50 طفلاً للعمل في مجال تهريب القات إلى المملكة السعودية، يقع المئات منهم تحت أسر حرس الحدود السعودي، ويتعرض العشرات منهم ـ حسب شهادات ـ للاعتداءات الجسدية والجنسية من قبل حرس الحدود السعودي.
طه عبده (16 عاماً) دفعته ظروف عائلته المادية إلى ترك تعليمه الثانوي والالتحاق ببعض أفراد عائلته العاملين في مجال تهريب القات في منطقة آل ثابت الحدودية.
يقول: الحالة المادية الصعبة لوالدي جعلتني أفكر عشرات المرات في ترك التعليم والبحث عن عمل، تشجعت كثيراً عندما رأيت بعض أبناء قريتي العاملين في تهريب القات يعودون إلينا بمبالغ مالية ضخمة، وتحسن مستواهم المعيشي، وحينها لم يكن أمامي سوى ترك التعليم والذهاب للعمل.

تناوبا على اغتصابي أكثر من مرة
تحدث طه أنه عمل لفترة زمنية استمرت 4 أشهر في مجال التهريب، قبل تعرضه للاعتداء الجسدي والجنسي من قبل حرس الحدود السعوديين.
يقول: عندما ذهبت لأول مرة للعمل في نقل القات، أخبرني المهرب أن الأمر سهل جداً، وأنه إذا ما تم القبض علي سيتم ترحيلي دون أذى، لم أتعرض للاعتقال طوال 4 أشهر من العمل، وفي إحدى الليالي تم القبض علي أثناء عودتي من عملية التهريب، كنت خائفاً جداً عند القبض علي، من أن يتم سجني أو تعذيبي، أخبرت الجنود أني أعمل لأول مرة في تهريب القات. في البداية تم تهديدي بالسجن والتعذيب، ثم عرضوا على أن أسمع كلامهم مقابل الإفراج عني.
ويضيف: قيل لي إني في حال وافقت على طلباتهم، سيفرج عني، وسيتم تسهيل عملي في تهريب القات، رفضت، وبعد ذلك تم ربطي وضربي، وتناوب على اغتصابي اثنان من الجنود أكثر من مرة، وتم ترحيلي بعدها.

اكتئاب وخوف وانعزال
يتحدث طه عن حادثة حصلت له منذ عامين، بحزن شديد، تظهر عليه علامات الاكتئاب والخوف والرغبة الملحة في الانتقام والمشاركة في الحرب من أجل القصاص.
يعاني طه حالياً من حالة خوف شديد وانعزال كلي عن المجتمع، حسب توصيف والده الذي وصف حالة طه بالمفجعة، يقول: عندما عاد طه ظهرت عليه آثار الضرب والتعذيب والقلق الزائد وحب الانعزال عن الناس، وبعد أن أخبرنا عن حادثة الاغتصاب ساءت حالته جداً، وتولد لديه شعور بالنقص والعيب والرغبة في الانتقام ممن قاموا بالحادثة. يضيف والده بأن طه لم يستطع حتى الآن مواصلة تعليمه أو الانخراط مجدداً في المجتمع، وأنه يعاني كثيراً بسبب الحادثة.

اصطياد الأطفال
طه عبده ومثله العشرات من الأطفال العاملين في تهريب ونقل القات عبر مناطق الحدود اليمنية ـ السعودية، لا يتم اعتقالهم أو ترحيلهم، بل يتعرضون إلى التعذيب والاغتصاب من قبل جنود في حرس الحدود السعودي، يدفعهم الفقر والحاجة إلى تحسين ظروفهم المعيشية، وتغريهم المادة للعمل في مجال تهريب القات.
الأضرار النفسية والاعتداءات الجسدية والجنسية هي أسوأ ما يعود به الأطفال من هذا العمل، بلال صالح (13 عاماً) طفل أصيب بحالة نفسية سيئة بعد تعرضه لحادث يشابه كثيراً ما حصل لطه.
يقول والده: هناك شخصان من حرس الحدود السعودي يشتهران باسم بحيص وسويد، يتواجدان في المنطقة الموازية لمنطقة آل ثابت الحدودية، كل ما يقومان به هو اقتناص الأطفال واعتقالهم واغتصابهم، طفلي ليس الأول ولن يكون الأخير، الكثير يرسلون أبناءهم إلى منطقة آل ثابت للعمل في مجال نقل القات، بمقابل مالي كبير.
السبب الأخير يدفع بالعشرات من الأسر لإرسال أبنائها إلى منطقة آل ثابت الحدودية، حيث يقوم المهرب بنقل كمية 20 كيلو من مادة القات المطحون إلى قرية آل تليدة السعودية، التي تبعد 3 كيلومترات فقط عن آخر نقطة تابعة لمنطقة آل ثابت اليمنية، العملية لاتستغرق أكثر من 5 ساعات مقابل مبلغ مالي يصل إلى 1500 ريال سعودي (400 دولار).

اغتصاب وتعذيب
شهادات عدة رصدناها خلال المادة على لسان الأطفال وأهاليهم، تؤكد تعرضهم لاعتداء جنسي على أيدي حرس الحدود السعودي، يقول أحمد المساوى: "حاولت الفرار قبل أن يتم تهديدي بالسلاح، وأجبرت على نزع ملابسي، وتعرضت للاغتصاب في إحدى غرف الحراسة، وعدوني بالمرور عبر المنطقة الحدودية دون أن يتم اعتقالي، والاستمرار في عملية تهريب القات، مقابل الصمت، وفي المرة الثانية حاولت الفرار والرفض، وتم إطلاق النار علي".
هكذا بدأ أحمد المساوى (14 عاماً) رواية قصته، وأضاف: توجهت بعد وفاة والدي إلى منطقة آل ثابت الحدودية بمحافظة صعدة، للعمل في نقل القات بين قرى المناطق الحدودية، سمعت كثيراً عن حالات الاغتصاب وإطلاق النار والتعذيب التي يقوم بها حرس الحدود السعودي عند إلقاء القبض على المهربين الأطفال، لكن الحاجة إلى المال العائد من عملية التهريب وكابوس الفقر الذي يحاصر أسرتي هنا في صنعاء، جعل من تلك القصص محض أساطير يتم تداولها.

اتجار بالبشر على الحدود 
رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر نبيل فاضل، تحدث أن عمليات الرصد لمثل هذه الحالات توقفت بسبب الحرب الدائرة في اليمن، وأنه لا توجد إحصائية تبين ضحايا هذه الحوادث بسبب عدم وجود قوانين تجرمها.
وأكد فاضل أنه في الفترة الزمنية السابقة للحرب وصل عدد الحالات إلى 50 طفلاً أسبوعياً يتم المتاجرة بهم على الحدود اليمنية ـ السعودية، ويتم استخدامهم من قبل عصابات في أعمال التسول وتهريب القات والمخدرات وأعمال أخرى غير مشروعة، وقد يتم استغلالهم جنسياً خلال ذلك.
وبين فاضل أن استغلال الأطفال في هكذا أعمال يعد نوعاً من الاتجار بالبشر، نظراً لتعرض هؤلاء الأطفال للخطر والجوع والخوف، وهو ما يعتبر من ظواهر الاتجار بالبشر.
فاضل تحدث عن أن المنظمة تابعت الكثير من هذه القضايا قبل الحرب، وكشفت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية عن عصابات بين البلدين تستقدم الأطفال للعمل في هذه الأعمال.
وأشارت تقارير سابقة للخارجية الأمريكية إلى أن بعض الأطفال اليمنيين تعرضوا للعنف أثناء الخدمة المنزلية أو التسول أو في متاجر صغيرة بعد هجرتهم إلى المملكة السعودية، وأجبر المتاجرون ومسؤولو الأمن وأرباب العمل بعض هؤلاء الأطفال على الاتجار بالجنس في المملكة السعودية، في حين أجبر آخرون على تهريب المخدرات إلى المملكة.

تركوا دون مساعدة
على غرار عشرات الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية في منطقة آل ثابت، ترك بلال وطه دون تدخل علاجي أو استشارة نفسية.
تقول الدكتورة بشرى القدسي، أخصائية نفسية واجتماعية، أن تبعات الحالة النفسية للطفل تستمر لسنوات إذا لم يتم علاجها، وأن أغلب الأطفال يتعرضون إلى صدمة عصبية حادة يصعب معها التدخل العلاجي. وتضيف: ثقافة التستر والعيب من قبل العائلة والطفل في مثل هذه الحالات تسهم في استمرارها، وتحرم الضحايا من حصولهم على الدعم النفسي وإظهار قضيتهم للحصول على حقوقهم.
وقالت القدسي: إن الإهمال والجهل في هذه الحالات يسهمان في تطور حالة المعتدى عليه إلى أمراض نفسية خطيرة جداً تبدأ بالخوف والشعور بالهلع وصولاً إلى الانتحار أو التحول إلى إنسان غير سوي.
فيما علق الدكتور النفسي جمال اليوسفي بالقول إنه قدم استشارة نفسية لطفل تعرض لحادثة اغتصاب على الحدود اليمنية ـ السعودية أثناء عمله في تهريب القات.
وقال: زارني الطفل قبل عامين مع أحد أفراد أسرته، كانت الحالة متطورة بشكل كبير، لم يستطع الحديث وفقد القدرة على الكلام عقب حادثة الاغتصاب، واستمر على هذه الحالة لأكثر من عام.
وأضاف اليوسفي: لم يستمر الطفل لأكثر من 4 جلسات، بعد ذلك امتنعت عائلته عن القدوم بحجة السفر إلى محافظة أخرى. 
وأوضح أن الثقافة المتدنية بأهمية الطب النفسي منعت الكثير من القدوم للعلاج النفسي، وهو ما يشكل انعكاساً سلبياً على نفسية المتضررين من حوادث مشابهة.
الدكتور عبدالواسع مثنى (دكتور في مستوصف الرحمة التابع لمنطقة آل ثابت) أكد وصول عشرات الأطفال الذين يعملون في مجال تهريب القات شهرياً إلى المستوصف للعلاج من إصابات مختلفة جراء الاعتداء عليهم بالضرب بالعصا والصفع والاعتداء الجنسي، مبيناً أن هناك 8 من أصل 10 حالات لأطفال تعرضوا للاعتداء الجنسي عند القبض عليهم أثناء نقلهم للقات بين المناطق الحدودية من قبل جنود حرس الحدود السعودي.
وأضاف أن حالة الأطفال النفسية سيئة جداً، وأن أغلبهم يرفض الحديث تماماً عما جرى له، وأكد أن هناك أطفالاً تعرضوا لهذا الاعتداء أكثر من مرة.

إغراء الربح المادي الكبير
محمود الهمداني، أحد العاملين في مجال تهريب القات في منطقة آل ثابت، يقوم بجمع كميات كبيرة من مادة القات ومن ثم توزيعها على العاملين.
محمود تحدث بأن أغلب العاملين في مجال التهريب هم من الشباب والأطفال صغار السن نظراً لإقبالهم الشديد على العمل بسبب الربح الكبير للعاملين في مجال التهريب.
وعن حالات الاعتداء الجنسي والجسدي على الأطفال، يقول محمود: هناك الكثير من الحالات التي أسمعها من بعض الأشخاص عن حالات الاغتصاب، ولكن الجميع يعرف أن عملنا محفوف بالمخاطر، وأضاف: من المفترض عند إلقاء القبض على المهرب أن يتم ترحيله أو نقله إلى سجن القيادة أو السجن العام في المنطقة الحدودية.
وائل العمر، أحد أبناء مديرية آل ثابت، أكد هو الآخر أن هناك عشرات الحالات التي وصلت إليه من ضحايا اغتصاب الأطفال على الحدود اليمنية ـ السعودية، وقال إن أغلب المقبلين على العمل في هذا المجال من الأطفال بسبب المبالغ المالية الضخمة التي يتحصل عليها المهرب جراء عمله في مجال التهريب، وبين العمر أن هناك مهربين يستغلون الأطفال في عملية تهريب مواد ممنوعة، عوضاً عن مادة القات، كالحشيش والمخدرات، وأن عملية التهريب محفوفة بالمخاطر نظراً للطبيعة الجغرافية للمنطقة، مشيراً إلى أن الفقر وانعدام سبل الحياة دفع بالعشرات من أبناء المحافظات الأخرى للقدوم إلى منطقة آل ثابت للعمل بعد أن كان العمل مقتصراً على أبناء المنطقة والمناطق المجاورة.

المشكلة ليست جديدة
لمياء الإرياني، عضو المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، اعتبرت ظاهرة تهريب الأطفال اليمنيين إلى السعودية ظاهرة قديمة ومتجددة، وأن هناك أسباباً اجتماعية وثقافية واقتصادية وأسباباً متعلقة بضعف البنية التحتية وهشاشة المنظومة الصحية والتعليمية في منطقة آل ثابت، هي التي دفعت بالمهربين إلى استغلال الأطفال في عملية التهريب، وعرضت العديد منهم لحوادث الاغتصاب.
وأكدت الإرياني أن هناك عصابات منظمة تقوم باستغلال وتهريب الأطفال بطرق ممنهجة ومستمرة ومتنامية في ظل عدم إدراك الأطفال وذويهم للمخاطر والعواقب الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال خلال عملهم على الحدود اليمينة ـ السعودية، واحتمالية تعرضهم للموت أو التعرض لمختلف أنواع الانتهاكات بما فيها الاغتصاب الجنسي.
وتحدثت عضوة مجلس الأمومة والطفولة عن عدم وضع تدخلات جادة للحد من هذه الظاهرة، وأن المعالجات اقتصرت على دراسات محدودة وغير محدثة، إضافة إلى إنشاء مركزين لاستقبال وإيواء الأطفال المهربين والعائدين من السعودية، أحدهما في صنعاء، والآخر في حرض، والأول لم يستمر أكثر من عامين.
وتحدثت الإرياني عن تشكيل سابق للجنة وزارية يمنية ـ سعودية لمناهضة تهريب الأطفال، ووضع الحلول، وتنفيذ عدة دورات تدريبية لحرس الحدود اليمينة ـ السعودية حول حقوق الطفل وسبل حمايته، وإطلاق حملات التوعية التي كانت تستهدف المجتمع وأسر الأطفال المهربين على وجه الخصوص، إلا أنها توقفت تماماً أثناء فترة الحرب.
وأوضحت أن ما يتعرض له الأطفال في منطقة آل ثابت الحدودية يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها المملكة السعودية، وبالتالي تصبح مساءلة عن كل التجاوزات وعن مدى ومستوى تطبيقها والالتزام بها.
وأكدت الإرياني أن المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وبالتنسيق مع وزارات حقوق الإنسان، والشؤون الاجتماعية والعمل، والداخلية، سيعملون على اتخاد كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أطفال اليمن من التهريب ومخاطر الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل حرس الحدود السعودي.
وأضافت: سيتم تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق ورفع تقرير إلى اللجنة الدولية لحقوق الطفل وللهياكل الدولية الأخرى المعنية بالطفولة.

لا قوانين تحمي الضحايا
يقول سليم الثابتي (أحد مشائخ منطقة آل ثابت) إن هناك مئات العاملين في مجال تهريب القات إلى القرى السعودية، وخصوصاً أبناء محافظات صعدة وريمة وحجة وإب، وأن الأطفال تحت سن 18 عاماً يشكلون النسبة الأكبر من العاملين، ويضيف أن حرس الحدود السعودي يتعاون كثيراً مع مشائخ القرى السعودية لتسهيل عملية نقل القات إليهم.
وعن حالات الاغتصاب يؤكد أن هناك حالات كثيرة من الاعتداءات الجنسية والتعذيب التي وصلت إليه، ولكن القانون لايقف مع المعتدى عليهم هنا، كونهم في الأساس قاموا بالتسلل إلى مناطق الحدود السعودية، حسب قوله.
ويضيف: تحدثت مع مشائخ القرى السعودية لوضع حل لهذه الإشكالية، هم أيضاً لا يستطيعون التحدث في ذلك مع أعوانهم من حرس الحدود السعودي، حتى لا يضروا بمصالحهم.

رفض وإنكار
وحين تمت مواجهة مديرية حرس الحدود السعودي الحد الجنوبي بكتاب أرسله كاتب المادة عبر الإيميل والهاتف، متضمناً طلب الرد على الاتهامات الموجهة والانتهاكات، قوبل الأمر بالرفض.
المحامي السعودي محمد خميس قال: إن مثل هذا الحالات تحتاج في القانون السعودي إلى إثباتات أخرى مادية، عوضاً عن الشهادات الخاصة بالأطفال.
وأضاف أن المملكة تجرم حالات الاغتصاب إذا أُثبتت بالدليل القاطع أو شهادة 4 شهود بالواقعة، بالجلد أو الإعدام، وأن قضايا الاغتصاب في المملكة يتم التعامل معها جنائياً كقضايا الزنا، وأنه لا يوجد قانون مكتوب في مواد الجرائم والعقوبات السعودي يجرم الاغتصاب ويحدد عقوبته، وأن أغلب الحالات يتم التعامل مباشرة بعد النظر في الدلائل من قبل القضاء.
خوف شديد ودائم يطارد أهالي الأطفال من التقدم بالشكوى لأية جهة حكومية أو حقوقية، لعدم ثقتهم بالإجراءات المتبعة، وخشية من الفضيحة.