
تقرير: مارش الحسام -
تشهد الأسواق اليمنية نشاطا كبيرا لـ«بيزنس» التهريب، نتيجة لما تمر به البلاد من حروب وانفلات أمني وسيطرة مليشيات مسلحة على المنافذ البرية والبحرية، وكل هذا فتح المجال أمام المهربين لممارسة نشاطهم غير القانوني بتهريب مختلف البضائع والأغذية بكل حرية وتحت غطاء وحماية القائمين على المنافذ اليمنية.. ومع حلول شهر رمضان المبارك، والذي يزداد فيه إقبال اليمنيين على شراء المواد الغذائية والاستهلاكية، تم إغراق الأسواق اليمنية بمختلف السلع الغذائية المهربة والمغشوشة والمجهولة المصدر وأخرى منتهية الصلاحية، ومع ذلك تشهد هذه السلع إقبالاً من قبل المواطنين لانخفاض أسعارها مقارنة بالسلع التي توزع في الأسواق بصفة قانونية.
سلع رخيصة
في خضم موجة غلاء أسعار المواد الغذائية، بما فيها التي تميز مائدة شهر رمضان، ونتيجة للظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطن اليمني بسبب الحرب والحصار منذ أربع سنوات، يلجأ الكثير من المواطنين إلى شراء بضائع الباعة المتجولين، كونها تتناسب مع قدراتهم الشرائية غير آبهين بمخاطرها الصحية.
اليمن مكب نفايات
يقول الخبير الاقتصادي عباس فاضل للصحيفة "لا" بأن اليمن يعتبر مكب نفايات لأسواق الخليج، مشيراً إلى أن المتاجر الكبرى في الخليج وبعد أن تقوم بالجرد السنوي وحصر المنتجات المنتهية الصلاحية استعداداً للتخلص منها في مقلب النفايات، يقوم بعض السماسمرة بشرائها بثمن زهيد أو الحصول عليها بطريقتهم الخاصة ثم يقومون بتحميلها في ناقلات وشحنها إلى اليمن، وبدلاً من ذهابها إلى مقلب النفايات تذهب إلى مخازن التجار في اليمن، وهناك يتم تزوير تواريخ انتهائها ووضع ملصقات مزيفة محل التاريخ الحقيقي الذي تمت إزالته.
وأضاف: "غالباً ما يكون تاريخ الانتهاء الحقيقي على هذه السلع إما غير موجود أو تمت إزالته واستحداث تواريخ مزورة يسهل كشفها".
وتابع: "لو تم التدقيق في تواريخ الانتهاء، فمن السهل اكتشاف أنها تواريخ مستحدثة ومزورة ومكتوبة بطريقة بدائية لا توحي بأن الشركة المصنعة هي التي كتبت التاريخ".
وأكد الفاضلي أن ثقافة الاستهلاك غائبة في المجتمع اليمني، وأن غالبية المواطنين لا يسألون عن مصدر المنتج أو نوعيته أو تاريخ صلاحيته ويهتمون فقط بالسعر.
زيوت مغشوشة
أحد تجار الجملة، رفض الكشف عن اسمه، أفاد "لا" بأن العديد من زيوت الطبخ الموجودة في الأسواق والمتاجر هي زيوت مغشوشة وغير مأمونة الاستخدام وتمت تعبئتها في هناجر، لا كما هو مكتوب عليها بأنها صنعت في إحدى الدول.
وأضاف أن العديد من التجار حالياً يقومون باستيراد عبوات كبيرة من الزيوت المشبوهة في براميل تتسع لحوالى 160 لتراً وأكثر، ثم يقومون بتفريغها إلى عبوات بلاستيكية صغيرة ووضع ملصقات أو طوابع مكتوب عليها أسماء وهمية على أنهاء صنعت في ماليزيا أو تركيا وغيرهما من الدول.
وأشار إلى أن كثيراً من التجار يلجؤون إلى هذا النوع من الغش التجاري كونه مربحاً وغير مكلف.
وتابع بالقول: "حالياً يتوفر في السوق مختلف أشكال وأحجام العبوات البلاستيكية، وكل ما يحتاجه التاجر هو آلة صينية الصنع تحكم إغلاق الغطاء على العبوة البلاستيكية وسعرها زهيد جداً، وكذا طبع ملصقات وهمية في إحدى المطابع المحلية، ثم يتم توزيعها على المحلات".
سجائر مهربة
قدر تقرير اقتصادي حديث استحواذ السجائر المهربة على ما يقارب 40% من استهلاك السوق المحلية.
وينتشر باعة متجولون يعرضون عشرات الأنواع من السجائر المهربة من مختلف الماركات المعروفة وغير المعروفة، وغالبيتها منتهية الصلاحية، ومخاطرها جسيمة على الصحة، ومع ذلك هناك إقبال كبير عليها، لأن أغلب المستهلكين اليمنيين يبحثون عما هو أرخص دائماً دون معرفتهم بأن السجائر المهربة عبارة عن سموم قاتلة عواقبها خطيرة.
وخطر السجائر المهربة، بحسب شهادات الأطباء، تكمن في تلك المنتهية صلاحيتها، لأنها بالأساس كانت محجوزة في البلدان المصنعة وفي طريقها للإتلاف ويتم تهريبها إلى اليمن مباشرة أو يعاد تصنيعها بصفة غير قانونية بدون أدنى مواصفات في بعض الدول الأفريقية ثم تهريبها عبر السواحل اليمنية.
سلع أممية فاسدة
اعتدنا أن نشاهد على الأرصفة سلعاً ومواد غذائية معروضة للبيع ومكتوباً عليها "برنامج الغذاء العالمي" وغيره من أسماء المنظمات الإغاثية. المشكلة ليست فقط في التداول التجاري لهذه المنتجات، وإنما في كونها سلعاً منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي.
وبدلاً من أن تقوم منظمات الإغاثة بإتلافها أبقت عليها في مخازنها حتى وجدت طريقها إلى الأسوق والأرصفة اليمنية.
وعادة ما يتم تغيير أكياس القمح والأرز الفاسدة واستبدالها بأكياس أخرى.
وقد تورط كثير من المنظمات الإغاثية بتوزيع سلع فاسدة من قمح وحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية.
وفي السياق ضبط مكتب وزارة الصناعة التابع لحكومة الإنقاذ بمديرية عبس، الأربعاء الماضي, كميات كبيرة من المواد والسلع الغذائية التالفة بمخازن المجلس الدنماركي (DRC) والتي فشل المجلس في توزيعها على النازحين ولا يستبعد أنها ستذهب إلى الأرصفة وإلى الباعة المتجولين.
وعلى ضوء ذلك أمرت النيابة العامة في عبس بإتلاف آلاف الأكياس من الطحين التالف ومئات الكراتين من أغذية الحوامل والأطفال منتهية الصلاحية التي عثرت عليها لجنة التفتيش في مخازن المجلس الدنماركي بمديرية عبس.
هذه الحادثة ليست الأولى في المساعدات الأممية، فقد سبق وتكررت أكثر من مرة وفي عدة محافظات.
ففي الأسبوع الماضي ضبطت السلطات المحلية في محافظة الحديدة كميات كبيرة من المساعدات الغذائية المنتهية الصلاحية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي في اليمن، وهي في طريقها إلى مراكز توزيع الإغاثة في مديرية المغلاف.
وسبق أن اعترف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في مايو 2017، بإدخال شحنة مساعدات غذائية تالفة إلى اليمن، بعد اتهامات للمنظمة الأممية بإرسال مساعدات فاسدة تقدر بنحو 32 ألف طن من القمح.
حصار وتهريب
يعلل خبراء اقتصاديون ازدهار ظاهرة التهريب في اليمن بالفوضى العارمة التي تعيشها اليمن منذ أربع سنوات جراء الحرب والحصار. وبحسب الخبراء فقد أدى الحصار الجوي والبري والبحري المفروض على اليمن إلى تراجع الإنتاج المحلي بنسبة 70% بسبب توقف العديد من المصانع اليمنية.
ويوكد الخبراء أن أغلب المهربين تجمعهم مصالح مشتركة مع القوى العسكرية المتحكمة في المنافذ البرية والبحرية لليمن وتسمح بدخول هذه السلع وتوفير الحماية لهم مقابل عمولات بالمناصفة.
وتفيد تقارير الخبراء بأن من الصعب محاربة التهريب في الوقت الحالي، طالما وأن الطرف الآخر يسمح بدخولها عبر المنافذ، مضيفين أن الحد من التهريب بات يعتمد على المستهلك نفسه والذي يتوجب عليه مقاطعة هذه المنتجات إلى جانب إسهام جمعية حماية المستهلك في التوعية ومصادرة هذه المنتجات من الأسواق التي تقع ضمن نطاقها الجغرافي، وحبس المروجين لها ومحاكمة من يقف خلفهم.
المصدر مارش الحسام / لا ميديا