علي نعمان المقطري / لا ميديا -

طوال الأعوام الأربعة السابقة ظلت الأيدي موضوعة على القلوب والصدور لدى كثير من أحبتنا وأنصارنا وأصدقائنا خارج وداخل الوطن، وكانوا مشفقين علينا وعلى أنفسهم من تكالب قوى العدوان ودويلاته وأزلامه وحلفائه وعملائه ومنافقيه، وهم يرون أنهم قد جمعوا الجموع وحشدوا الحشود وكسروا القواعد والقيود ورمونا بأسهم العدوان الباطل والحرب الظالمة، ونثروا المليارات كأنها لعب أطفال في عيد كرنفال، مليارات وتريليونات الدولارات لشراء الأسلحة والضمائر والدول والبرلمانات والرؤساء والدساتير والإعلام والصحافة والأجهزة الأمنية الاستخبارية الأخبث والأعظم في العالم والترسانة العسكرية والصناعات وتجنيدها ضدنا بالباطل
لقد أنفق بنو سعود وعيال زايد إلى الآن -حسب تقديرات المراكز البحثية الأكثر اعتدالاً- حوالي 6 تريليونات دولار خلال السنوات الأربع الماضية فقط، وبنهاية العام الخامس سوف تصل التكاليف المباشرة إلى حوالي 7 تريليونات ونيف من الدولارات، شيء لا يصدق!
إن ابن سلمان الصهيوني وعائلته تحاربنا بكل هذا التوحش، لأنها قد عقدت مصيرها بنتائج هذه الحرب، فإما تتملك الجزيرة العربية ونفطها وخيراتها وعبيدها وجواريها كما تتصورها، وإما أن تنهار الامبراطورية الامبريالية التابعة وإلى الأبد ومعها الحامي المدلل، أبناء عمومتها من بني صهيون.
وخلف هذا التوحش والتعنت المتغول لابن سلمان، حرب التاج بين الأسر الصهيونية المخفي والمكشوف في السعودية وقصورها المنيفة وخلف أستارها المهيبة تدور حروب سرية تنتهك خلالها كل المتصور واللامتصور من التقاليد والعادات والقيم والقواعد، وتودع في السجون أقرب الأفراد من وزراء وأمراء وقادة وفقهاء نظام وهابيين وإخوانيين ومرتزقة دين وكل من يضبط مشكوكاً في ولائه لابن سلمان في هذه الحرب الشرسة.
إن قتل اليمنيين كما قتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين هو جزء أساسي من استراتيجية ابن سلمان ومخططاته وضروراتها للسيطرة على القصر وعلى العصر معاً، وهو يفعل ذلك لأن هناك من يستفيد من ذلك في أعلى المؤسسات الأمريكية الغربية في الرئاسة والكونجرس والبنوك وبيوت الدعارة الكبرى والصغرى والمخابرات والأسواق المالية في وول ستريت، وفي أسواق وشركات ومعامل الأسلحة والحانات وأكثرها أناقة أو أقذرها، كلها مستفيدة، لذلك هي منغمسة في الحرب الباطلة على اليمنيين، وليس مهماً أن تنتصر أو تنهزم، المهم أن تستمر الحرب، وعلى تلك القاعدة يواصل ابن سلمان العدوان، وهي قاعدة لعبة المقامرة بكل شيء، نعم المقامرة بكل شيء، إما أن يربح كل شيء، أو أن يخسر كل شيء، وهو لا يريد وقف اللعبة في الحالتين، لأنها كارثية عليه أيضاً، فالمكسب يخسره مثلما الخسارة تدمره، فهل هي فزورة؟ لا، بل هي واقع بائس نتائجه كارثية في الحالتين:
1 ـ في حال نجاح ابن سلمان، فإن السعودية لن يكفيها ما في باطنها من ثروات لتغطية تكاليف المغامرة والتزاماتها، وهذا أمر واضح ومحسوم، ولن يتحقق لابن سلمان، وهو يعرف ذلك. 
2 ـ وفي حال الخسارة للحرب، وهذا بات واقعاً مرجحاً، فإن كارثة كبرى تنتظره وبقايا أطلال مملكته، ومعالم هذه الكارثة وملامحها واضحة الآن وضوح الشمس، فابن سلمان وأسرته سيكونان أول الضحايا الذين تتدحرج رؤوسهم إذا أرادت أمريكا حماية مصالحها داخل القصر السعودي وإعادة الإمساك بمراكز وحلقات وحنفيات النفط والطاقة في المنطقة والعالم، وإله النفط الغربي هو الأصل وهو المعبود الأعلى وقدس الأقداس، ولا بد من التقرب إليه حتى يرضى ويستقر، ولم يعد يفصلنا سوى بضعة أشهر لتبين المآل الأسود.
 

كيان متوحش خياراته المحدودة تحاصره وستقضي عليه
الأكيد الآن أن السعودية تريد الخروج من الورطة الكارثية التي أضحت تُغرقها كل يوم جديد بالمزيد من الكوارث، ومصيرها يرتبط بالهامش الاستراتيجي المحدود الذي يوفره بقاء ترامب في البيت الأبيض، لكن بقاء ترامب يقترب من نهايته، كما أن ترامب لا يريد إبقاء هذا النفق الأسود للموت بارزاً وظاهراً في مقدمة ملفاته الانتخابية القادمة، لذلك هو بحاجة حتمية إلى إعادة ترتيب البيت السعودي مؤقتاً سواء ذهب أم عاد إلى البيت الأبيض مرة أخرى، وهذا هو جوهر التفكير الاستراتيجي السياسي لترامب في اللحظة الراهنة.
فهي في النهاية حربه، وهو صاحب الكلمة الفصل فيها والطرف الأساسي فيها وصاحب المصلحة العليا، وهذا هو سر الليونة الجديدة التي يجبر عليها ترامب كلما تصدى لتحدٍّ إقليمي يواجهه، وما أكثر التحديات هذه الأيام، من المواجهة مع إيران، إلى المواجهة مع سوريا، إلى الناقلات النفطية، إلى تبادل للتهديد والتراجع عنه.
إن ترامب الآن يدخل درب جحر إنجيلي مرحلي، مستعد فيه لتلقي أبشع الصفعات وعقد مختلف الصفقات وإخفاء وبلع أقسى الإهانات واحتمالها، والحديث الذي لا يمل عن السلم والمحبة والإخاء الإنساني من الآن إلى يوم 21 يناير 2020م.


عام الصفقات والصفعات
يفكر ترامب بشكل عملي في المصلحة العليا، وهي الأساس، فما الذي سيحصل عليه في صفقته المحتملة التي أقدم عليها؟ 
الجواب هو أن ذلك محكوم بما حققته قواته ومرتزقته على الأرض، وقواته لم تحقق سوى السيطرة على الجنوب والبحار والجزر والممرات، إذن هذه هي قاعدته الجنوب بكل ما يعنيه والساحل الغربي، وستوكهولم أساس مرحلي يمكن البناء عليه خطوة خطوة.. إلى ماذا؟ إلى حديث ومشاريع عن السلام، وإلى متى؟ إلى أن تمر لحظة الضعف الراهنة ويتجاوز ترامب نفق الانتخابات الأمريكية القادمة، وهي قريبة، وهذا هو أفقه الراهن.
أي أن الأفق المتاح أمام ترامب الآن هو سوق عكاظ عن السلام، أي قصائد تمدح السلام وتقدح في الحروب وتظهر نوايا طيبة تخدر الجميع، وفي الوقت نفسه مواصلة محاولات تغيير التوازنات القائمة بمعارك منتخبة على الأرض، هجومات التفافية ضاغطة حول مراكز الثورة والجيش شمالاً وغرباً وشرقاً، بهدف الاستنزاف والإشغال والإلهاء والشتيت وإعاقة تقدم الجيش واللجان المتواصل وحماية الحدود الجنوبية للكيان السعودي، ومواصلة التوسع جنوباً وشرقاً عبر الإمارات، وتوتير الأجواء إقليمياً وجعلها مهيأة للابتزاز الاستراتيجي العالي، وتثبيت الأوضاع العدوانية لمواجهة احتمالات المستقبل.
هناك نظرية لدى بعض المفكرين الاستراتيجيين تقول إن الأزمة الخليجية التي أثارها ترامب مؤخراً ليس القصد منها في الأصل إيران، وإنما مرتزقة التحالف الجنوبيين والشماليين الهادويين وشرعيته الضائعة، وأنا أتفق مع هذا التوجه في تفسير ما يحدث الآن على جبهة الخصم الداخلية.
لماذا اتجه الزبيدي فجأة محولاً البوصلة من المواجهة الكبرى في الضالع (قعطبة ـ مريس ـ الأزارق) إلى عقد اجتماع آلت فيه الأولوية للتوجه صوب تحرير سيئون من الاحتلال الشمالي ونقل التوتر إلى الجبهة الداخلية في سقطرى وعتق وحضرموت والمهرة؟
ماذا حدث حتى بردت المواجهات مع الجيش واللجان على مشارف الضالع (قعطبة ـ الأزارق)؟ وعادت الاستعدادات للمواجهات في عدن بين الهادويين والانفصاليين الإماراتيين بتواطؤ السعودية نفسها.. لماذا الآن؟
لماذا أُرسل هادي أخيراً إلى أمريكا للبقاء هناك لفترة باسم الفحوص، بعد أن أقدم وزير خارجيته على تقديم استقالته والسفر إلى أمريكا للاستقرار هناك؟ ولماذا التصريحات حول الخلاف بين هادي والتحالف كما سماه؟ وحول ماذا؟
لماذا التركيز على إحياء "مجلس النوام" وتفعيله الآن؟ وما علاقته بالأزمة الداخلية للعدوان ومرتزقته وشرعيته؟
وراء الإجابات على هذه الأسئلة المفتاحية، يكمن السر في فهم محتوى وجوهر التطورات الجارية على جبهة العدوان ومرتزقته، وتمكننا من فهم وإدراك حقيقة التناقضات المصطنعة ونتائجها وأبعادها ومن يقف خلفها ولماذا؟ ودورها في اللعبة وإدارتها.. تلك هي القضية الآن، وهنا يجب أن ترقص أصابع البجعة.