تحقيق: بشرى الغيلي / لا ميديا -

في اللحظة التي يبحث فيها المريض عن كبسولةِ دواءٍ تخفف عنه أوجاعه فلا يجدها، ويبرر له الصيدلي أنها «معدومة» ونفدت من السوق بسبب الحصار المفروض على اليمن من قبل تحالف العدوان 
للعامِ الخامس، يجد بالمقابل عشرات السلع التي تُغرق الأسواق والمحال التجارية، الأمر الذي يدفعه للتساؤل: كيف تتوفر هذه الكماليات بسهولة، بينما المهم والأهم لا وجود له؟!
مجموعةٌ من الكماليات التي لا تهم غالبية المواطنين، بقدرِ ما يهمهم توفر قطرة الدواء التي تبقينا على قيد الحياة. ومن تلك الكماليات: «الملاخيخ»، الألعاب النارية، الدمى، الأثاث... هذه البضائع وغيرها 
لم تنقطع يوما عن السوق، أو تختفي كما تختفي بعض الأدوية، فالظروف المعيشية البائسة فرضت على المواطنين البحث عمّا  يساعدهم على البقاء ولا طاقة لهم بالجري وراء كماليات شراؤها مجرد عبث أو ترف لا أكثر.
 هذا الأمر جعل الكثيرين يضعون علامات استفهام كبيرة على شاكلة: كيف يُسمح لهذه الكماليات بالدخول؟!
 ومن أين تدخل إلى أسواقنا؟! ...  أسئلة سنجد بعض أجوبتها في هذه السطور.

تجار همهم الربح!
«ليس هناك هدف سياسي أو مغزى خطير. كل ما في الأمر أن هذه السلع فيها ربح كثير وهناك إقبال على شرائها من قبل العملاء». بهذه الجملة بدأت نسيبة القباطي (إعلامية) مداخلتها، وأضافت: «تجار همهم الوحيد الربح وليس المصلحة العامة. طبعاً إدخالها يتم بطرق غير شرعية بالتعاون من قبل بعض المتخاذلين في أجهزة الرقابة الجمركية والأجهزة الأمنية وغيرها من الأجهزة الرسمية».

عبر سواحل المخا
سألت «لا» بعض تجار الجملة الذين يتاجرون بهذه الكماليات. (س.ع) رفض الإفصاح عن اسمه، وقال إنه يشتريها عبر صفقات تتم من تجار آخرين يتحكمون بالسوق وهؤلاء تأتيهم عبر سواحل المخا، أو منفذ شحِن على الحدود مع سلطنة عُمان. وأضاف أن السوق «كله سايب» حسب تعبيره، وأن كل تاجر حُر في ما يشتري ويبيع.

محاسبة المتواطئين
عبدالحكيم عبدالله (رب أسرة) يقول: «فعلاً وجود مثل هذه الكماليات عبث كبير، خاصة ونحن في حصار وعدوان، يجعلنا نتساءل معكم من أين تدخل لنا هذه البضائع؟ ولماذا تتوفر بسهولة رغم عدم أهميتها؟ بينما الأدوية معظمها لا تتوفر، وإن وجدت فبجودة متدنية قد تؤدي إلى وفاة متعاطيها من المرضى». ويختم عبدالحكيم: «نحمّل الجهات المختصة، خاصة في حكومة الإنقاذ، المسؤولية ونطالبهم بأن يقوموا بدورهم وأداء أمانة المسؤولية التي حملوها على عواتقهم، ومحاسبة المتواطئين في السماح بإدخال مثل هذه الكماليات التي قد تكون مهرّبة».

استهلاكيون
«اليمن يكاد يكون البلد الوحيد الذي لا فرق فيه بين تدفق السلع الكمالية أو الضرورية. بمجرد أن تعملي جولة سريعة في أسواق القات ستدركين أن الشعب اليمني ليس لديه فقه الأولويات في الإنفاق. يمكن لأحدهم أن يخزن بـ2000 ريال على تكييفة قات ويستكثر إنفاق مثلها على القوت الضروري له ولأولاده». بهذه المداخلة بدأ يونس الشجاع (صحفي) حديثه. ويضيف: «موضوع إغراق السوق بالكماليات من عدمه لست أنا أو أنتِ من يقرره، وخصوصاً في دول العالم الثالث، وبالأخص في دولة مثل اليمن تعتمد في 90% من احتياجاتها على الواردات من الخارج. نحن دولة استهلاكية، وقديماً قيل من لا يملك فأسه فقراره ليس من رأسه، فما بالك ونحن في عالم تتحكم به توجهات وبورصات السوق الحرة؟! علماً أن القائمين على السلطة هنا أو هناك لا يهمهم شيء من دخول البضائع والسلع للجمهورية اليمنية سوى كم سيجنون منها ضرائب وجمارك وإتاوات وجبايات وغيرها».

العدوان يعطل النشاط التجاري 
ولأهمية الموضوع وحساسيته طرحت «لا» تساؤلات عدّة على طاولة وكيل وزارة الصناعة والتجارة لقطاع التجارة الخارجية، بسام الغرباني، والذي بدأ حديثه بالثناء على صحيفة «لا» لطرحها هذا الموضوع خاصة في ظل العدوان الظالم على بلادنا من قبل دول التحالف العربي بزعامة مملكة بني سعود وعيال زايد، والذي تجاوز العام الرابع، وما أفرزه من أوضاع اقتصادية واجتماعية مأساوية وكارثية على المواطنين اليمنيين جراء تدمير معظم البنية التحتية الأساسية والخدمية وتدمير معظم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الصناعية والزراعية والسمكية... وكذلك تدمير معظم قطاع الخدمات بما فيه النشاط التجاري. الحصار البحري والبري والجوي والاقتصادي والتجاري شبه الشامل الذي تفرضه دول التحالف على بلادنا تسبب في تعرض نشاط التجارة الخارجية لأضرار وخسائر كبيرة، جراء التوقف الشامل للصادرات النفطية والغازية، والانخفاض الكبير في الصادرات غير النفطية... وتوقف إيرادات البلد من العملات الصعبة الأجنبية التي تستخدم في تغطيه تكاليف الواردات السلعية من مختلف السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية.

موافقة وزارة الداخلية
وفيما يخص موضوعنا المتمثل في تدفق الكماليات غير الضرورية، والهدف من إغراق الأسواق المحلية بهذه السلع الكمالية على حساب الغذائية والدوائية والضرورية للمواطن، قال الغرباني: «السلع التي أشرتِ إليها مثل الألعاب النارية والملاخيخ، بيانات استيرادها للأعوام السابقة، 2014 – 2018، تشير إلى أن حجم متوسط الواردات السنوية منها خلال هذه الفترة لا يتجاوز 116 ألف دولار فقط، أي أنها ضئيلة جداً، وقد لا يتناسب هذا الرقم مع ما هو موجود في الأسواق المحلية. والسبب يرجع إلى أن التعرفة الجمركية على هذه السلع الكمالية مرتفعة بواقع 25% من القيمة، بالإضافة إلى أنها تخضع لإشراف وزارة الداخلية، أي لا يمكن استيرادها وإدخالها إلى البلاد إلا بعد أخذ موافقة مسبقة من قبل السلطات المختصة في وزارة الداخلية، وذلك استنادا لأحكام قانون التجارة الخارجية رقم (16) لسنة 2007م ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 469 لسنة 2010م، وكذلك بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 63 لسنة 2018م بشأن قائمة السلع المحظور والمقيد استيرادها التي تتعارض مع الأمن القومي والأخلاق العامة والدين والصحة والبيئة، وتفرض وزارة الداخلية إجراءات احترازية أمنية مسبقة على استيرادها، وكذلك تفرض عليها رسوم إصدار التراخيص المسبقة لاستيرادها».

التهريب!
 يضيف الغرباني: «مثل هذه الإجراءات أعتقد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف استيرادها، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية المرتفعة عليها والضرائب الجمركية، وهذا يُسأل عليه الإخوة في وزارة الداخلية». 
واستنادا إلى ما سبق يتبين أن هذه السلع تخضع للإشراف المباشر لوزارة الداخلية، وبيانات الاستيراد الرسمية والدولية تشير إلى أن الواردات منها ضئيلة جداً وأن الكميات الكبيرة الموجودة في الأسواق قد تكون تدخل إلى البلاد عن طريق التهريب.

برنامج للحد من استيراد الكماليات
وفيما يخص مسألة إمكانية الحد من الواردات السلعية غير الضرورية يقول وكيل وزارة الصناعة لقطاع التجارة الخارجية: «الوزارة قامت بإعداد البرنامج المؤقت للحد من استيراد السلع غير الضرورية والكمالية، والتركيز على السلع الضرورية والغذائية والدوائية والآلات والمعدات الصناعية ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي والسمكي وقطع الغيار ومواد البناء والملابس والأحذية والمشتقات النفطية والغاز، وهذه حددت بالقائمة (أ)، وغير الضرورية تم تحديدها بالقائمة (ب) وشملت 1290 سلعة. وتم إعداد هذا البرنامج من قبل وزارة الصناعة والتجارة بالتعاون مع وزارتي المالية والزراعة ومصلحة الجمارك وبإشراف اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء. وتم رفع مشروع البرنامج المؤقت لترشيد الواردات غير الضرورية نهاية العام 2018 إلى مجلس الوزراء، الذي ناقشه بالاشتراك مع اللجنة الاقتصادية، وتم إصداره بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 75 لسنة 2018 بشأن البرنامج المؤقت لترشيد الواردات غير الضرورية والكمالية».