بشرى الغيلي/ لا ميديا -

قبل نحو عامٍ من الآن أطلق مصدر طبي بكلية الطب ـ جامعة صنعاء، دعوة للمختصين بسرعة إعادة تدريس طلاب كلية الطب مادة التشريح التي وصفها بالمنسية.
وأبدى المصدر استغرابه من استمرار تعليم طلاب كلية الطب من دون مادة التشريح، وإهمال ما وصفها بأهم المواد التطبيقية العلمية والاكتفاء برسومات تشريح غير ملونة (أبيض وأسود). 
مؤكداً أن مادة التشريح من أهم أولويات طلاب الطب، وأن مخرجات التعليم الجامعي من دونها تظل ناقصة.
مادة التشريح التي تمت إعادتها مؤخراً إلى مقررات الطب؛ وأصبحت تدرس في الوقت الراهن،تفتقر إلى أهم عناصر مادة التشريح، وهي الجثث البشرية للتطبيق العملي عليها.
صحيفة «لا» ناقشت هذه القضية مع بعض المختصين وعدد من طلاب وطالبات الطب، وتبينت منهم أسباب عدم الحصول على الجثث البشرية الضرورية
 للتشريح، وما إذا كانت البدائل المستخدمة تؤدي نفس الغرض ولها نفس الفائدة العلمية.

استهلال: لماذا توقف التشريح؟
قبل أن نشرع في هذا التحقيق سنتطرق إلى السبب الرئيس الذي أدى إلى إيقاف تدريس مادة التشريح لطلاب الطب في جامعة صنعاء، والمتمثل في قضية السفاح محمد آدم والجرائم التي ارتكبها في معمل التشريح بالكلية، قبل نحو عقدين من الزمن، هذه القضية كانت سبباً في إيقاف تدريس مادة التشريح ضمن مقررات كلية الطب، حيث كان لهذه القضية انعكاسات سلبية تمثلت في اتخاذ بعض القرارات من قبل القائمين على العملية التعليمية في الجامعة، ومنها إيقاف تدريس مادة التشريح حتى إشعار آخر.
ومؤخراً وبعد تعدد المطالبات تمت إعادة هذه المادة إلى مقررات كلية الطب، وأصبحت تدرس الآن، نظراً لأهميتها البالغة في تكوين وتأهيل أطباء المستقبل ونجاحهم في مسيرتهم المهنية.

صدمة الاختلاف!
استخدام جثث غير حقيقية كتلك الأجسام المصنوعة من البلاستيك أو الجثث المحنطة في تدريس مادة التشريح، يجعل الطلاب في حالة ذهول، نظراً لوجود اختلافات بين الأعضاء التي يتم الشرح عليها وبين الأعضاء الحقيقية لجسم الإنسان والتي يواجهونها في غرف العمليات أثناء التطبيق العملي في المستشفيات، كما تقول لـ»لا» الطالبة ابتسام عاصم (مستوى سادس ـ طب بشري).
وأكدت أن الطريقة المعتمدة في شرح المادة على جثث غير حقيقية ليس لها نفس الفائدة المبتغاة رغم أنها مقدمة لدراسة مادة الجراحة ومطلوب من طالب الطب البشري معرفة أماكن تموضع الأعضاء والأوعية بطريقة صحيحة في جسم الإنسان.
وترى ابتسام أن الأجسام البلاستيكية لا تؤدي الغرض لأن الواقع مختلف تماماً، فبمجرد خروجهم إلى نطاق التطبيق العملي تستقبلهم صدمة الاختلاف الشاسع بين ما قد يعتبر تأهيلاً لهم في الأعوام الأولى وبين ما يرونه أثناء العمل الجراحي عادة في تعليم مادة «الأناتومي» التي تعتمد 3 أشياء: تشريح الجثث الحقيقية، أو توفير أعضاء تم تشريحها وحفظها بواسطة مواد تستعمل لأغراض تعليمية، وتسمى بالبلاستينيدت، أو المجسمات البلاستيكية.
أما من ناحية الأساليب المتبعة في الكلية في ما يتم تدريسه لهم كطلاب، توضح ابتسام أنه تم إغلاق جزئية التشريح لجثث حقيقية خاصة بعد قضية محمد آدم والرعب الذي بثته في الأوساط العامة، إضافة إلى أن قلوب الفتيات ضعيفة أمام التشريح، أما البلاستينيدت فتم توفيرها في الكلية كبديل بمبالغ كبيرة، إلا أن استعمالها محصور خوفاً من تلفها ولا يتاح استعمالها إلا من قبل الدكتور المدرس في أسبوع المراجعة الوحيد والنهائي قبل الامتحان العملي، أما البلاستيكية فهي متوفرة بشكل مستمر.
وتختتم الطالبة ابتسام حديثها بتوجيه عتاب إلى كلية الطب التي تحرم الطلاب من استخدام البلاستينيدت بين الحين والآخر، فحسب قولها: «على الأقل تعتبر الوسيلة المثلى للتعلم، لكننا محرومون من استخدامها».

ملامح مطموسة
«أغلب دروس التشريح نطبقها على جثث بلاستيكية، وأحياناً قليلة على أعضاء محنطة قد لا تبدو ملامحها وتكون مطموسة»، هذا ما قالته الطالبة انتصار المعمري (مستوى سادس ـ طب بشري)، مستدركة: لكن لدينا ما يقارب الخمسة نماذج جثث بشرية معلقة ومفصلة بشكل مفيد، غير أن هذا لا يغنينا عن ضرورة وجود جثث بشرية حقيقية ليست محنطة لتفيدنا جراحياً في ما بعد.
وحول ما إذا كان يتم استخدام حيوانات في دروس مادة التشريح، تقول المعمري: لا، لا يتم استخدام جثث حيوانية، لأن هناك اختلافات كبيرة بين جسم الإنسان وجسم الحيوان، ونحن ندرس «طب بشري» وليس «طب بيطري». وتستدرك: لكن الجثث البلاستيكية قد تفيد نوعاً ما، فوجودها بالتأكيد أفضل من عدم وجودها، وإن لم تكن بنفس الفائدة أو لا تؤدي ذات الغرض.

لا تجدي نفعاً
الطالبة أمل (مستوى خامس ـ طب بشري) ترى أن الأجسام المصنوعة من البلاستيك التي يتم الشرح عليها تكون موضحة بشكل أفضل، حسب وجهة نظرها، غير أن الطالبة عبير محمد (مستوى ثالث ـ طب بشري) تخالفها الرأي، مؤكدة أن المجسمات البلاستيكية لا تجدي نفعاً أثناء التطبيق العملي في المستشفيات، حيث يكون هناك اختلاف كبير بين ما يتم شرحه للطلاب معملياً وبين ما يشاهدونه وجهاً لوجه في غرف العمليات،  بينما الطالبة ميسون (مستوى رابع ـ طب بشري) تقول: نحن مضطرون إلى ذلك، ونحاول أن نفهم مع الدكاترة قدر استطاعتنا، فليس لدينا خيارات أخرى، ولا بدائل أفضل.

أثناء الاختبارات فقط
الأعضاء البلاستيكية قد لا تكون خالية من الأخطاء، حسب ما تقوله الطالبة تسامي (مستوى ثالث ـ طب بشري)، موضحة السبب بالقول: إن الذين قاموا بتصميمها قد يكونون غير دقيقين.. وتضيف زميلتها في نفس المستوى الدراسي، حنان التي كانت تقف بجانبها: إن الجثث البشرية لا يتم الشرح عليها إلا أثناء الاختبارات وفي فترةٍ ضيقة وقصيرة لا تفي بالغرض، كما أن الجثث المحنطة التي يتم الشرح عليها عادة ما تكون متهالكة ولم تعد واضحة المعالم نظراً لكثرة لمسها واستخدامها منذ فترةٍ طويلة.

محنطة أو بلاستيكية
الدكتور محمد حسين مسعود، مدرس مادة التشريح بكلية الطب ـ جامعة صنعاء، أوضح في حديثه مع صحيفة «لا»، أن طلاب الطب يطبقون دروس التشريح العملي على نوعين من الجثث، النوع الأول يتم فيه استخدام جثث بشرية محنطة جاهزة (lplastinated cadavars)، يتم استيرادها من الخارج وبترخيص رسمي لدخولها للجامعات، وهي بدون أي آثار بيئية، والنوع الثاني يتم فيه استخدام موديلات ومجسمات بلاستيكية.
وأشار إلى أن الجثث الحقيقية غير المحنطة والمعتمدة على الحفظ في مادة الفرمالين والثلاجات، قد منع استخدامها في عدة دول ومنها اليمن، لآثارها الصحية والبيئية، ولدواعٍ أمنية.
وحول فائدة استخدام جثث حيوانات كبديل للجثة البشرية في دروس التشريح، يؤكد د. مسعود أنها لا تؤدي نفس الغرض، ولا يمكن استخدامها في دروس التشريح نتيجة اختلاف التركيب التشريحي بين الإنسان والحيوان.
بينما يرى مسعود أن المجسمات البلاستيكية تؤدي الغرض في دروس التشريح، وإن كانت ليست بنفس الدقة العالية للجثث للبشرية الحقيقية، وهو ما يتوافق مع ما قاله الطلاب لـ»لا» أثناء اللقاء بهم في باحة الكلية، من أن المجسمات البلاستيكية الموجودة في معمل التشريح والتي عادة ما تكون غير دقيقة، مختلفة تماماً عن الجسم البشري الآدمي الذي يواجهونه في غرف العمليات بالمستشفيات.

قضايا قانونية
إذن، لا توجد جثث بشرية لدروس التشريح العملية في كلية الطب، وإنما جثث محنطة تستورد من الخارج، إضافة إلى موديلات ومجسمات بلاستيكية، فما هي أسباب عدم وجود جثث بشرية حقيقية؟
«عدم الحصول على جثث بشرية حقيقية، هي مسألة قانونية بحتة، خاصة بعد قضية السفاح محمد آدم الشهيرة، وذلك تفادياً لوقوع أي إشكالات قد تحدث»، ذلك ما تحدث به لـ»لا» د. خليل عوض مرشد، مدرس مادة التشريح بكلية الطب ـ جامعة صنعاء، مشيراً إلى أن «الموديلات والمجسمات البلاستيكية أفضل من لا شيء»، حسب تعبيره.
العديد من طلاب وطالبات الطب البشري عبروا عن امتعاضهم من وجود فجوة كبيرة بين ما يتلقونه من دروس تشريح على جثثٍ بلاستيكية أو محنطة وبين ما يواجهونه من أجسام بشرية حقيقية عندما يذهبون للتطبيق في المستشفيات، حيث يجدون اختلافات كبيرة بين الأجزاء التي يتم التشريح عليها وبين الجثث الآدمية، وهو ما يؤكده الدكتور خليل مرشد بالقول: إن ذلك يكون مختلفاً بالفعل، لكن هذا هو المتاح والأقرب إلى الشكل الحقيقي البشري.

آخر الأوراق
حادثة السفاح محمد آدم أثرت بشكل كبير على استمرار تدريس مادة التشريح في كلية الطب بجامعة صنعاء، حيث أدت إلى إيقاف تدريس هذه المادة لفترة طويلة، والآن وبعد إعادتها ضمن مقررات كلية الطب، وأصبحت تدرس الآن، فإن تلك الحادثة لاتزال تلقي بظلالها على طريقة تدريس هذه المادة، حيث لا تتوفر جثث بشرية حقيقية لتطبيق التشريح عليها عملياً، بل يتم استخدام بدائل إما جثث محنطة أو أجسام من البلاستيك، يرى العديد من الطلاب أنها لا تؤهلهم كملائكة رحمة مستقبلاً وهم وجهاً لوجه مع من يرقدون على الأسرّة البيضاء منتظرين مبضع الجرّاح الذي يتفنن بانتزاع الألم من أجسادهم التي أنهكها المرض، وحسب المختصين فإن أكثر من ثلث المصطلحات التي يستخدمها العامل في مجال الطب هي أساساً قائمة على تشريح جسم الإنسان، ويعتبرون مقرر تشريح الإنسان لطلاب الطب البشري من الأولويات والقواعد التي لا بد أن يستندوا عليها في مستقبلهم المهني.