دعاء القادري/ لا ميديا -

على عتبة منتصف العام الخامس من العدوان تتفاقم المعاناة الإنسانية للنازحين في ظل صمت دولي مريب. 
ساعة الظهيرة وتحت حرارة الشمس اللافحة يقف طابور طويل أمام مقر الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث، أغلبهم نازحون من محافظة الحديدة، بينهم كبار في السن ومصابون بالأمراض وأمهات حوامل أو أرامل لديهن أطفال، في انتظار الحصول على مساعدات تعينهم على العيش والحياة.

تعبنا كثيراً
أمام الهيئة الوطنية التقينا بعدد من نازحي محافظة الحديدة، وتحدثنا معهم عن معاناتهم في الحصول على المساعدات الغذائية، أخوات نازحات يعانين من الانتظار، وتكلفة قيمة المواصلات ذهابا وإيابا للمتابعة اليومية المستمرة للحصول على سلة غذائية.. مروى بريهي تقول: «تم إسقاط اسمي من كشوفات النازحين، ولا أعرف حتى الآن ما هو السبب؟ ولهذا فإني أحضر بشكل متواصل للمتابعة». وتضيف: «تعبنا كثيراً، ولا أحد يقدر معاناتنا».

9 أشهر بدون سلة غذائية
ما إن انتهت مروى من حديثها حتى تدخلت أخرى (س.م) في الكلام، مشيرة إلى أنها نزحت من الحديدة منذ حوالي 9 أشهر، لكنها حتى الآن لم تتسلم أية سلة غذائية كمساعدة، حسب قولها.
وقالت: «أحضر باستمرار إلى هنا، لكني في كل مرة أسمع نفس الوعود، ولا جديد حتى الآن».
غير أن الحاج أحمد زكريا الذي كان يقف إلى جوارها أكد أنه يحصل على السلة الغذائية المخصصة له بانتظام، إلا أنه يستدرك بالقول: «لكن لا مفر من الحضور المستمر لكي أستلم المساعدة المخصصة لي».

لا مساعدات دون حضور الزوج
أم نور (نازحة من الحديدة)، تؤكد أن كل محاولاتها لاستلام معونة غذائية باءت بالفشل، بسبب عدم وجود زوجها الذي لايزال في الحديدة، حيث يشترطون عدم تسليم أية معونة إلا بحضور الزوج، حد قولها.
وأضافت: «يجب على المرأة في حال كانت مطلقة إحضار ورقة الطلاق، أو إحضار شهادة وفاة زوجها إن كانت أرملة، حتى تتمكن من استلام المساعدات».

شرط تعجيزي
ورغم معاناة النازحين في الحصول على المعونات الغذائية لأسباب متعددة، إلا أن البعض منهم يرزح تحت معاناة إضافية، كما هو حال (ع. ر) النازح من الحديدة، والذي لم يتمكن من تسجيل أبنائه في المدرسة، بسبب أن المدرسة تطالبه بضرورة إحضار شهاداتهم المدرسية السابقة، وهو شرط تعجيزي، حسب قوله.
ويوضح ذلك بالقول: «ليس لدينا أية شهادات مدرسية، فقد تعرض بيتي في الحديدة للقصف، وبالكاد استطعنا الفرار، خرجنا بأعجوبة، ولم نفكر حينها سوى بالهروب خوفا على أرواحنا، ولم نأخذ معنا أي شيء، ونزحنا إلى صنعاء. مقر سكني كان في شارع الخمسين، وهي منطقة اشتباكات، ومن غير الممكن الدخول إليها الآن».

نشعر بالضياع
أبو هائل، هو الآخر يعاني من نفس المشكلة، حيث يقول: «كنا نسكن في شارع المطار بالحديدة، وبسبب الاشتباكات هناك اضطررنا للنزوح باتجاه العاصمة صنعاء، وقتها لم نفكر بشيء سوى النجاة بأنفسنا، ولم نأخذ أي شيء، ومن بينها ملفات أولادنا المدرسية».
ويضيف: «بين الحين والآخر نتصل بأقاربنا الذين لايزالون هناك، ونطلب منهم أن يأخذوا ملفات أولادنا من المدرسة التي كانوا يدرسون فيها، ويرسلوها إلينا، إلا أنهم يؤكدون لنا أن المدرسة لاتزال مغلقة حتى الآن، فما العمل؟ وماذا نفعل بشأن أولادنا وحتى لا يضيع مستقبلهم، خصوصاً وأن العام الدراسي قد بدأ. صراحة نشعر بالضياع».

حالتنا لايعلم بها إلا الله
أم محمد، النازحة من مديرية الدريهمي، تقول: «أعاني مثل غيري من الأمهات النازحات اللائي في أمس الحاجة للرعاية الصحية والتغذية السليمة، حالتنا لايعلم بها إلا الله، لدينا أطفال ونفتقر إلى أبسط الضروريات اللازمة لتربيتهم ورعايتهم، كالطعام والملابس وغيرها».
أما (م. ي) فتعاني مشكلة إضافية تتمثل في عدم القدرة على دفع إيجار محل سكنهم، حيث تقول: «نحن أسرة مكونة من 5 أفراد، نزحنا من الحديدة إلى صنعاء، نسكن في دكان صغير، والآن صاحب الدكان يطالبنا بدفع الإيجار أو يرمي بفرشنا البسيط إلى الشارع، بينما نحن لا نجد قوت يومنا، كل اعتمادنا على ما نحصل عليه من مساعدات إنسانية».

معاناة إضافية
ضمن النازحين هناك البعض منهم يعانون من عدة أمراض أو إعاقات، ومن هؤلاء عبدالولي، الذي نزح من مديرية الحالي بمدينة الحديدة، ويعاني من عدة أمراض، كما أنه لا يسمع ولا يتكلم، تقول زوجته عما يعانونه: «ليس معنا ما نعالجه به، جئنا من أجل الحصول على السلة الغذائية، خرجنا من بيوتنا مشردين لا نملك إلا أرجلنا التي نمشي بها».
هذه بعض فصول ما يعيشه النازحون من معاناة في الحصول على ما يسدون به رمقهم، بعد أن تركوا كل شيء حيث كانوا، وفروا للنجاة بأرواحهم من المناطق الساخنة، تاركين خلفهم كل ممتلكاتهم، وفقدوا مصادر دخلهم، أو عائلهم الوحيد، وصار اعتمادهم الوحيد في المناطق التي نزحوا إليها على المساعدات الإنسانية التي قد تجد طريق الوصول للبعض منهم، بينما تضل طريقها للبعض الآخر.
ومع ضآلة ما يصل من المساعدات الإنسانية الدولية، والنظام الروتيني المتعب في توزيعها، تتفاقم معاناة هؤلاء النازحين، الذين لا يجد الكثيرون منهم ما هو مرصود لهم من مساعدات إلا بشق الأنفس، بينما هناك حالات تستحق الحصول على المساعدة يتم رفضها إما لعدم اكتمال الوثائق المطلوبة أو لضياعها، فتضيع معها الأنفس، وتختفي كل المعاني السامية للإنسانية، وهذا ما يغلب على طريقة عمل المنظمات سواء كانت محلية أو دولية، في ظل هذه الأوضاع الإنسانية المزرية.