امرأة مـن زمــن الصمــود .. نـاديـة السقـطي.. شمــوخ شـاعـرة ثـائــرة
- تم النشر بواسطة عفاف محمد / لا ميديا
عفاف محمد / لا ميديا -
اتسمت أشعار المرحلة الراهنة بالطابع الحماسي الذي يروي الملاحم الحربية والانتصارات بما يقتضيه سير المرحلة، حيث واليمن تعاني من عدوان جائر تفجرت على إثره قرائح الشعراء والشاعرات في اليمن المعروف بنزعته القتالية الناتجة عن الحمية والغيرة وأصول يعربية أصيلة ترفض الانقياد والذل والهوان وتأبى إلا سبل العيش الكريم.
والشاعرة اليمنية لها حضور قوي في المشهد المعاصر وشاركت في صنع الأحداث، وقد أبدت قمة ثوريتها وبلاغتها ونبوغها الشعري الذي لم يكن جديداً على الساحة الأدبية في اليمن، فاليمن ولادة بالحرائر المثقفات والواعيات ممن ساهمن في النصر الذي نعيشه اليوم.
سنحاول تسليط الضوء هنا على شاعرة ثورية حرة أبية، حفيدة بلقيس وأروى، إنها الشاعرة باذخة الحرف والإحساس: نادية السقطي.
نادية السقطي.. شاعرة ثائرة تتقادح حروفها حماساً وعنفواناً يمانياً، هي ممن أتقنوا تجريد الحياة من ظواهرها وصورتها في لوحة حسية تترجم معاني إنسانية عظيمة. بإحساسها وتأملها تخلق الأفكار خلقاً فنياً جديداً.
كانت بداياتها الشعرية قد تفجرت إثر الظلم الحاصل على وطنها المتمثل بالعدوان الجائر. وانهالت قصائدها المعبأة إيماناً وشموخاً واعتزازاً.
ومن بداياتها قصيدة بعنوان "عشق الميادين " والتي تقول بعض أبياتها:
عشقت الميــادين وانـــــا بنيّة
ويلعن أبو من جلس في رقاد
هلا بالنشـــامى رجـــال الحمية
ذي اتدافقوا بالثقة والعتاد
بنظرة تمني وحســرة قوية
حزم عدته وانطلق بالجواد
تمنيت وانـــــا لـــــه البندقية
أو لا اصبعه ذي تــدق الزناد
أو ابقى لقـــرنه معــــابر هدية
أطعفر جماجم غزاة البلاد
ويـــا ليت وانــــا لـــه الزمزمية
اسقّيه في الحــر والا البراد
وخــوذة براســه تصد الشظية
أو ابقى برجـــله رباط البياد
أنــول الكرامة ونفسي رضية
بتربة جباه الشرف والجهاد
وحزّت بنــــفسي لأني بنيـــة
فليت الأمــــاني تلبـــي المراد
إلهي رجـــوتك تســامح خطية
وحاشى اعتراضي لخلقك يعاد
وقد عبرت في هذه القصيدة عن وعيها وثقافتها واعتقادها القوي بثقافة الجهاد والاستشهاد متحلية بالعظمة النفسية التي ترتقي بصاحبها لأسمى المراحل في عالم الحرية والسعي لنيل الكرامة بأنفة واعتزاز. وبعدها تسلست أعمالها ذات النبرات الحماسية. وقد طبعت قصائدها بطابع الآداب الشعبية من حيث نسيجها العام، ومن حيث تطورها، وكان فن الزامل هو من حرك كوامن الإبداع بداخلها وكذلك القصائد النارية التي كان يسجلها شعراء المرحلة متأثرين بالأحداث التي يعاصرونها، وهم ممن ساندوها في رحلتها الشعرية والتي بدأت كموهبة فطرية تطورت مع كثر الممارسة والاحتكاك بهؤلاء الشعراء، منهم الشاعر المتمكن والرائع محمد أحمد البحري، والشاعر والمنشد المتألق عبدالخالق النبهان، والشاعر المبدع محمد الجرف، وكذا الشاعر والناقد المتميز حاتم الأسدي، والذي كان نعم المعلم.
وبعد أن تفجر الشعر على لسانها متأثرة بجرائم العدوان، أنتجت قريحتها ينبوعاً انسكب من خلاله كل ما يليق بالأنفس الأبية والهمم العلية المتعلقة بالسمو الروحي المحلقة في سماوات الشعر. وضارعت شاعرات عصرها، حيث تمتاز ألفاظها بإحساس فائض ومتوقد ويسهل نفوذها للقلب لما فيها من معان وجدانية.
ولطالما نادت في قصائدها بالنفير العام للجبهات وتحدثت فيها عن انتصارات المجاهدين، وضج شعرها بذلك مهللاً ومكبراً.
وكانت قد ترجمت تلك الأقوال إلى أفعال، فما كان منها إزاء الجور والظلم الذي نتج من عدوان التحالف إلا أن هيأت فلذة كبدها ووجهته توجيهاً سليماً للجهاد، وكان ذلك نتاج تربية جهادية حسنة متسلحة بالثقافة القرآنية التي تتجلى واضحة بين ثنايا قصائدها. وتبين أن قصائدها ذات قيمة فنية حقيقية ترجمتها ضمن حركة فكرية نضالية واضحة الأهداف.
أنشدت لها أول قصيدة بعنوان "مسرى النبي" كتبتها بطلب من أحد الأصدقاء المقربين للمنشد نصر الله العلماني الذي أبرز قوة كلماتها بلحن مناسب. ويقول مطلع هذه القصيدة:
من اليمن يا قدس باعلن جهادي
نقلع جذور المغتصب والشياطين
باعلن مراسيم قوتي واتحادي
مع الشعوب المسلمة والميامين
نلمس من خلال أبياتها رهافة الحس الاجتماعي وذكاء الملاحظات الوطنية.
ولها قصيدة أخرى تم إنشادها وهي بعنوان "قناصة الموت اليماني" مطلعها:
حيا رجال الله من هدت ولا شي هدها
هدت عروش أمريك هبّت ساعة المغزى طلب
من كل حدب وصوب وحدات الرجال تقودها
وافعال بالصيت توصل بالشجاعة والأدب
لها زخم من العطاء منذ بداية العدوان على اليمن وحتى اللحظة وهي تواكب الأحداث. وتدفقت أعمالها ينابيع من الشعر هادرة قوية من كل اتجاه.
كان لها عدة مشاركات في مقابلات تلفزيونية وإذاعية وشاركت في مسابقات شعرية وإنشادية وفازت بالمرتبة الرابعة، وكذلك كان لها مجاراة شعرية مع الشاعر المتمكن عبدالمجيد الحاكم في مهرجان "الرسول الأعظم"، وقد تم تكريمها من قبل "إذاعة وطن" في برنامج "شعراء ومنشدون".
لها قصائد عديدة تدعو فيها للنفير العام وتحفز المجاهدين الشجعان على خوض المعارك في ساحات الشرف، حيث تقاطرت فيها كلماتها بعنفوان وشجاعة ورصانة، ومن أهم تلك القصائد "عشق الميادين، طوفان، خدمة التجنيد، داعي الفزعات، البندقية والقلم، بنت اليمن، تحرير واستقلال"، إضافة إلى العديد من الأعمال القوية التي تركت صدى في أنفس المتلقين وتزداد فيها نبرة الهجوم على العدوان حدة وجهارة.
وتقول في إحدى قصائدها مفاخرة بنساء اليمن من الحرائر الشامخات:
بنت اليمن كالبندقية والرصاص
في وجه غازيها وراس اعداءها
هي جعبة المونة برصّة وارتصاص
ذي ترفد الجبهات باغلى احبابها
وهي زناد الحق لا حان القصاص
في كل جبهة توصلك دعواتها
متراســــها قـوة من الله لا مناص
باتجعل الغازي حريق اوجاعها
من بطشها يالمعتدي ما لك خلاص
احسب حسابك قبل تطرق بابها
وفي سبيل الله يــــا كل الرخاص
بنت اليمن للنصر تدّي راسها
وكما هو حال الكثيرات تعتز شاعرتنا بيمنيتها وكونها بنت اليمن الأبية التي تجاوزت كل الصعاب دون أن تنحني للعاصفة أو تنكسر، في كل أعمالها تقتبس من أضواء المسيرة الشريفة وتملأ أبياتها بمفاخر قومها وبطولاتهم.. وما كان من مدير إذاعة سام FM الأستاذ حمود شرف إلا أن عبر عن عظمة أعمالها بأخذه بيدها وجعل الإذاعة جسرا يوصل به مهاراتها الشعرية، وكذلك منحها لقباً تستحقه عن جدارة، ألا وهو لقب "شاعرة الصمود".
كما تم إنتاج آخر زامل لها بعنوان "حيا على خير الرجال" الذي دعمت به معنوياً الحملة الشعبية لإذاعة سام، ولطالما واكبت الأحداث ورسمت أروع اللوحات الشعرية، منها "دروع النصر" و"راعي الاولة" مهداة إلى السيد حسن نصر الله، وقصيدة "سودان في قلب اليمن". وآخر قصيدة لها بعنوان "مسرح النصر" وصفت فيها عملية "نصر من الله" التي أبهرت العالم لما فيها من أسطورة بطولية لأبناء الجيش واللجان الشعبية وتمنت الشاعرة لو أنها استطاعت تسجليها لكن الحظ لم يحالفها، وتقول في مطلعها:
زمجر بنصـر الله يالشعب اليماني في الأُفق
وارفـــع يــدك لله واحمد واشكر الله لا سواه
سبح واستغفر وكثّر في سجــــودك واعتنق
لله وتمكينــــه وتأييده واستنشــق هواه
اطلق تعـــابير الفرح تسبيــح من نور الشفق
آيات تتجلى بوعـــد الله سطرهـــــا الأباة
النصر عانق معجــزات الكون وآيات الغسق
«نصرٌ من الله» شع من لمعة نجومه في سماه
ومن هنا نجد أن هذه الشاعرة قد حلقت في علو شاهق من الشعر متعمقة بإحساسها بماضٍ حافل بالمجد وحاضر ارتفعت فيه الروح الإيمانية في وجه الحضارة الغربية الزاحفة مع جيوش استعمارية ظالمة. ومع غزو فكري ينخر في جسد الأمة الإسلامية ويبث سموم أفكاره، فكانت نادية السقطي ممن ٲتوا بتيار أدبي حديث يعبر عن سير المرحلة ويعيد للروح الإسلامية عهدها المجيد من خلال الثقافة القرآنية التي تحمل التوجيه السليم الذي لا خلة فيه ولا زلل.
وكانت كل مواطن هذه الشاعرة الحرة التي رددتها في شعرها لمحات فنية تعكس رهافة حسها وجودة كلماتها وحسن سبكها وجزالة لفظها وعذوبة نغمها.
فأنعم بها من شاعرة مجيدة وزينبية تحمل لواء الحق وتجاهر بصوتها الحر ومنطقها الحكيم.
ســـــيرة ذاتيــــة:
- الاسم: نادية أحمد علي السقطي
- تاريخ الميلاد: 1981
- محل الميلاد: صنعاء
- اللقب: شاعرة الصمود
- العمل: قناة اليمن الفضائية
- المؤهل العلمي: الثانوية العامة
المصدر عفاف محمد / لا ميديا