عدن- مهدي الصبيحي / لا ميديا -

ويضيف تقرير «الجارديان»، في الحديث عن زيارة الشيخ السلفي للإمارات: «ذات ليلة في أبوظبي، بعد لقائه بالأستاذ الجامعي بوقت قصير، جلس الشيخ في غرفته الفندقية الفخمة، وبدأ في كتابة خطاب طويل لحلفائه الإماراتيين: خارطة طريق لإنقاذ جنوب اليمن والتدخُّل الذي تقوده السعودية. بعد حمد الله والثناء على الجنود الإماراتيين الشجعان، بدأ بسرد المشكلات التي تُهدِّد المغامرة الإماراتية في اليمن.
ودعا الشيخ، في بيان من 16 نقطة، بعنوان: خارطة طريق لإنقاذ عدن، إلى تشكيل قوة أمنية جديدة مؤلفة من مقاتلي المقاومة، وإنشاء جهاز استخبارات جديد، وتنفيذ «الخلجنة» من خلال حظر الأحزاب السياسية، والانتخابات لو أمكن. وشرح الشيخ قائلا: «ينبغي لنا هزيمة القاعدة وجعل الجنوب مثلا يُحتَذى به لكيفية تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة للخليج».

وحذَّر الشيخ من أنَّ المشاعر الانفصالية تكتسح عدن، واقترح أن تستغل الإمارات هذه اللحظة من خلال دعم فصيل موالٍ لها من الانفصاليين –جزئيا لمنع قوى أخرى، مثل قطر وإيران من استغلال الحراك الجنوبي.
وتابع عبدالأحد: قال لي الشيخ: «انظر، أنا أعمل مستشارا لدى الإماراتيين وأريدهم أن ينجحوا. فمصائرنا متشابكة: لو فشلوا وقرَّروا الرحيل، فسوف تكون كارثة وسوف تُدمر عدن. أعرف أنني بحاجة إلى الإماراتيين وأنني معتمدٌ عليهم، وفي الوقت ذاته أنا لست ساذجا. أعرف أنَّ لديهم مشروعهم الخاص، وأنَّ لديهم أهدافهم وأجنداتهم الخاصة، لكن لا بأس في التعاون معهم».
وبعد أن عاد الشيخ إلى عدن، عمل مع جنرال إماراتي لتكوين وتدريب قوة أمنية جديدة موالية لهم وقادرة على التعامل مع الخطر الجهادي المتزايد. وبينما كان الجميع يدَّعون مساعدة مؤسسات الحكومة اليمنية وإعادة بناء جيش عصري، فإنَّ الحقيقة أنَّ الإماراتيين أرادوا قوة عميلة لهم يستطيعون التحكم فيها دون تدخل من الرئيس هادي، الذي كانوا يرونه عقبة، خصوصاً وأنه تعاوَنَ مع حزب الإصلاح، عدو الإماراتيين.
وقال الشيخ: «كان الجيش والشرطة اليمنيان القائمان مؤسسات فاسدة وفاشلة. أراد الإماراتيون قوة جديدة. وكانت الخطة تقضي بتدريب وتجهيز قوة من 3 آلاف رجل، لكن انتهى بنا المطاف بقوة من 13 ألفا، لذا فقد قسمناها إلى 4 كتائب». وكان القائد العام لهذه القوة الجديدة التي أطلق عليها اسم «الحزام الأمني» وجميع قادة الكتائب، جنوبيين وسلفيين، وكذلك بعض المقاتلين. وأصبح الشيخ واحدا من كبار القادة.

 مليشيات الاحتلال الإماراتي 
وبمرور الوقت، شكَّلَ الإماراتيون عددا من المليشيات المتناثرة في عدن وجنوب اليمن. يعمل قادة هذه الجيوش بصفتهم أمراء حرب مستقلين، بدبابات وسجون وقوة موالية لهم شخصيا. وليس ثمة قيادةٌ مركزية تربط جميع هذه القوى.
وبدلاً من ذلك، فإنهم يعملون مباشرة تحت إمرة القائد الإماراتي العام الذي يُعيِّنهم ويقيلهم حسب رغبته، ويُوزِّع العطايا عليهم وفقا لتعاونهم وكفاءتهم.
وبخلاف وحدات جيش حكومة الفار هادي، ذات الأعداد المبالغ فيها والجنود الذين يتقاضون أجورا غير منتظمة، فإنَّ مقاتلي القوات التي تسيطر عليها الإمارات يتقاضون أجورهم بانتظام، ويرتدون ملابس أفضل، ويجهزون تجهيزا أفضل، مع ميل للأقنعة السوداء والوحشية المتطرفة. فيحتجزون ويُعذِّبون ويقتلون، ويتمتَّعون بحصانة في ذلك.
وأشار الصحافي البريطاني، إلى أنه التقى أحد قادة الحزام الأمني في قاعدته شمالي عدن، بالقرب من نقطة تفتيش كبيرة تفصل المدينة عن محافظة لحج المجاورة، حيث للجهاديين حضورٌ قوي للغاية. قال هذا القائد إنه عندما وصل للمرة الأولى، كان لمقاتلي «القاعدة» مواقع على بعد أقل من 200 متر. وكانوا يسيطرون على المحافظة بأكملها.
وأوجز القائد مهام قواته بقوله: «نقوم بدوريات ونختطف المشتبه في انتمائهم للقاعدة.. كانت صيغة بسيطة. القادة والأشرار قتلوا. أما أولئك الذين كنا نعتبرهم يُشكِّلون مخاطرة قليلة وقابلين للإصلاح «مثل المتعاونين» أو أصحاب المحلات الذين تعاونوا معهم فقد عذَّبناهم وسجناهم، ثم أطلقنا سراحهم بعد 6 أشهر عندما وقَّعوا تعهُّدا. أما بقية السكان فقد راقبناهم من خلال المخبرين».
لكن لا أحد يستطيع المنافسة مع الاحتجازات والتعذيب والإخفاء القسري الذي تقوم به القوات التي ترعاها الإمارات. إذ تبع تشكيل هذه القوات الحالية حملة رعب غير مسبوقة. فاختطف رجالٌ مقنعون، بالليل، الناس من أسِرَّتهم. لم يعلن أي شخص مسؤوليته عن عمليات الاختطاف هذه. ومع أنَّ هذا العمل قد 
تم ظاهريا لمحاربة «القاعدة»، فقد توسَّعَت الأهداف لتشمل أيَّ شخص تجرَّأ على معارضة الوجود الإماراتي في اليمن.

انتهاكات الاحتلال لسكان عدن
الصحافي البريطاني أشار إلى أن محامية حقوق إنسان تعمل في جمع قوائم المحتجزين وشهاداتهم وشهادات عائلاتهم. قالت له: «توقَّعنا، بعد معركة عدن، أن يُشكِّل الإماراتيون جيشا واحدا من المقاومة. لكنهم بدلا من ذلك أنشأوا عشرات القوات، وهم يحتجزون أي شخص يعارضهم. أصبحت مطاردة تنظيم القاعدة ذريعة، فأيُّ شخص لا يوافقون عليه يُعتَقَل، وكل المعتقلين تقريبا يخضعون للتعذيب، وأحيانا ما يُعلَّقون من السقف، والكثير منهم يُعتدى، عليهم جنسيا. والأمر المحزن أنَّ جنوبيين يُعذِّبون جنوبيين آخرين الآن، بمباركة من الإماراتيين».
وقال: وضعت المحامية كومة من الملفات أمامي، وهي تعتقد أنَّ هناك ما لا يقل عن 5 آلاف حالة. وقالت: «ليست لدينا قوة.. نطالب بزيارة السجون لكنهم لا يجيبون. حتى لو كانوا من القاعدة حقا، فلا يمكن تعذيبهم هكذا. إنهم يخلقون قنبلة موقوتة من جميع أولئك الناس الذين خضعوا للتعذيب، إذ يضعون الأبرياء مع الجهادين والأطفال مع كبار السن في غرف مكتظة».
وأضافت المحامية أنَّ عدن يسيطر عليها الخوف. كانت الحياة أسهل خلال الحرب، إذ كان يكفي أن يتجنب المرء الخطوط الأمامية، ويختبئ في الأماكن المغلقة. «كنَّا نسلق البطاطس ونأكلها مع الخبز، لكننا كنَّا نشعر بالأمن. أما الآن فإننا نعيش في خوف».

بعض السجناء لا يعرفون لماذا اعتقلوا
اعتُقل تلميذ شاب، يحب قراءة كتب التاريخ ومناقشتها مع أصدقائه، في مقهى شيشة، من قبل مسلحين ملثمين، وضع في سيارة «بيك آب» ورأسه ملتصقٌ بأرضية السيارة، ثم أُخذ إلى غرفة بدون نوافذ حيث احتُجز لثلاثة أسابيع. تم استجوابه عدة مرات، لكنه عادة ما كان يُترك وحيدا، وأحيانا كان يعتقد أن سجانيه نسوه. قبل إطلاق سراحه مباشرة أخبره محققٌ أنه من الأفضل عدم الحديث عن «هذه الكتب التي تقرأها» في الأماكن العامة، ثم أرسل إلى البيت.
يقول عبدالأحد: اعتُقل الكثيرون فقط للضغط على أفراد آخرين في عائلاتهم. في مقهى قوي الإنارة يقع إلى جانب مول مزدحم- مليء بالعائلات، بفتيات يرتدين عباءات طويلة سوداء وفتيان يرتدون بناطيل جينز ضيقة وتسريحات شعر غريبة، يشربون عصائر المانجو والليمون، ويأكلون سندويشات البرغر والدجاج المقلي- التقيتُ بعبدالله، وهو تلميذٌ شابٌ في الجامعة. كان يشرب عصير الليمون بصمت، تظهر آثار التعذيب على ذراعه كلما رفع كأسه.

اعتقالات على الهوية!
في منتصف إحدى ليالي السنة الماضية، طرق ملثمون بابه وأخبروه أنهم يحتاجونه من أجل استجواب، وأكدوا لوالدته أنهم سيعيدونه في الصباح التالي. وضعوا عُصابة حول عينيه ورموه في الجزء الخلفي من سيارة «بيك آب». حين نزل أدرك أنه في مقر القائد سيئ السمعة لقوات «الحزام الأمني» في عدن، أبو اليمامة، وهو ضابطٌ قديم في الصراع المديد لاستقلال الجنوب اليمني، وقد أصبح عميلا ذا نفوذ للإمارات العربية المتحدة.
أُخذ عبدالله إلى زنزانة صغيرة وتُرك هناك لعدة ساعات. «قبل الفجر، دخل 4 رجال الزنزانة. بدأوا بضربي وطلبوا مني الاعترافَ بأن أخي يعمل مع الجهاديين. أقسمتُ أنه لا يفعل. كان أخي يملك محلا صغيرا لتصليح الموبايلات والحواسيب، ولم يكن يصلي حتى».
أخذ عبد الله قنينة ماء صغيرة من على الطاولة وعصرها بين يديه. تساقطت بضع نقط من الماء على الطاولة البلاستيكية البيضاء. «أحدهم جلب قنينة كهذه وبدأ يرش شيئا على ظهري. شممت رائحة البترول قبل أن يشعلوه بلحظات. ركضتُ في الزنزانة، مرتطما بالجدران وصارخا بقوة دفعت الحراس للدخول وإطفاء النار»، أخبر عبدالله الصحفي البريطاني.
ما لم يعرفه حينها هو أنه كان يتم تصويره، وأن أخاه المذكور كان معتقلا بالفعل، ولكنه كان يرفض الاعتراف. «حين عرضوا الفيديو على أخي، وقّع اعترافا على الفور».
وتابع الصحافي البريطاني: أُخذ عبدالله إلى عيادة، وأطلق سراحه بعد 6 أشهر إثرَ تدخل عشيرته القوية. رفع قميصه ليريني ظهره، حيث تشوه اللحم وانكشفت الندوب. بينما أخوه لم توجه له تهمةٌ بعد، ولم يطلق سراحه.

حلم سكان المدن الملعونة 
وأشار التقرير إلى أنه في الجنوب، لم يمت أبدا الحلمُ القديم بالاستقلال. مثل كل سكان المدن الملعونة بالتباين بين ماض مجيد وحاضر بائس، ابتلي سكان عدن بالتّوق إلى ماض متخيَّل. هذا التوق هو شكلٌ من الخدر غير الضار حتى تشعله الخرافات القومية أو الطائفية، حينها يصبح المزيجُ قابلا للانفجار.

مرتزقة اليسار في أحضان ممالك النفط الإمبريالية 
ويقول التقرير: «في السنوات التي أعقبت الوحدة، شهد أهل الجنوب دولتهم العلمانية الاشتراكية وهي تخضع للشمال الأقوى، رأوا مصانعهم وهي تُفكك، موظفيهم يُطردون من المناصب الحكومية، أراضيهم تُؤخذ، ونظامهم الصحي والتعليمي ينهار. تم استبدال دولتهم التي كانت فقيرة ولكنها تعمل بشكل جيد، بنظام عشائري فاسد. ما كان مُفترضا أن يكون شراكة مع الشمال تحول ببساطة إلى استيلاء».

انتهاء رومانسية الربيع الجنوبي
لأكثر من عقد، قبل الربيع العربي بفترة طويلة، دعا أهل جنوب اليمن المتحمسون برومانسية، أو حتى بسذاجة، إلى نهوض دولتهم القديمة. غنوا وتظاهروا بشكل سلمي في شوارع عدن، وفي قرى على الجبال وفي الصحارى، وتمت مواجهتهم بالوحشية والعنف. أطلقت القوات الأمنية لعلي عبدالله صالح، ثم لهادي منصور -وهو جنوبيٌّ هرب إلى الشمال في ثمانينيات القرن الماضي، ثم قاد جيش الشمال الذي سحق آخر محاولات استقلال الجنوب عام 1994 - أطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي على المتظاهرين السلميين، واستخدمت الاعتقالات والتعذيب وأحيانا الإعدامات بدون محاكمة، لقمع «الحراك الجنوبي». تجاهل العالمُ وجيرانهم قضيتهم، حتى غزا الحوثيون الجنوب، ثم تغير كل شيء.

إغراق الحلم الجنوبي 
لكن حلم استقلال الجنوب مازال غارقا في الخيال. في حماسهم للجنوب القديم، ينسى معظم الانفصاليين الحديثَ عن الجوع والقمع في ذلك الزمن، ويتغاضون عن تاريخ كامل من الصراع والانقسام. انتهى الحال بأبطال الاستقلال -الذين طردوا البريطانيين في ستينيات القرن الماضي، ثم ألغوا النظام العشائري، حرروا المرأة، قضوا على الأمية، وضموا مواطنين من أبعد القرى في الصحراء إلى بيروقراطية الدولة بعد أن كانت محصورة في عدن البريطانية- انتهى بهم الحال إلى تنازعات شأنهم في ذلك شأن كل المرتزقة والمتمردين.
ويواصل الصحفي البريطاني: قال لي ناشطٌ شاب: «لم أعُد أريد الجنوب المستقل. لسنوات عديدة حلمتُ أنا وأصدقائي بالجنوب، ولكن إن كانوا منقسمين لهذه الدرجة الآن، فماذا سيحصل حين يصبحون دولة. سيقتلون بعضهم في الشوارع مثلما فعلوا من قبل».

يسقط الاحتلال 
عُلِّقت لوحاتٌ إعلانية ضخمة في شوارع عدن. كانت تحمل صور ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، بجانب صورة هادي وبعض قادته الأقل شأنا، بعضهم ميتٌ وبعضهم حي. على الجدران كانت ثمة رسوم غرافيتي مؤيدة للإمارات وبوسترات ذات ألوان فاقعة لألوان علمها. لكن، وخلال الصيف، بدأت شعارات «يسقط الاحتلال الإماراتي» بالظهور.