تقرير- غازي المفلحي / #لا_ميديا -

يتنوع خطاب وسائل الإعلام المحسوبة على الصف المواجه للعدوان، وتستخدم مصطلحات كثيرة لوصف مجريات المعركة، فبعضها تقول «الجيش واللجان الشعبية»، والبعض الآخر تقول «قوات صنعاء». ومصطلح حرب قد يطغى على مصطلح عدوان في بعضها، كما أن الحصار والتجويع والحرب الاقتصادية أزمة. تحالف العدوان هو تحالف حرب في وسيلة، ومن يحاربون مع العدو ليسوا مرتزقة، بل «فصائل التحالف» في أخرى. بعضها تقول «مرتزقة العميل هادي» والبعض الآخر تقول «قوات هادي». فهل تنوع المصطلحات وتدرجها تصعيدا وتهدئة، مفيد في معركة اليمن المصيرية؟ وكيف ذلك؟ أم أن معركة المصطلحات ليست معركة الدبابة والطائرة والحصار ذاتها؟

صناعة وتوجيه الرأي العام
المؤسسات الإعلامية بشكل خاص تتولى قيادة المجتمع وتوجيه رأيه العام أو صناعته، وبذلك هي تقود بشكل غير مباشر الوطن والدولة، نحو الدفاع عنه في فترة العدوان أو الغزو، أو البناء والنهضة في فترة الاستقرار أو العكس. والمصطلحات التي تستخدم في بعض القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية المحسوبة على الصف الوطني اليوم للتعاطي مع معركة مواجهة العدوان التاريخي على اليمن، ليست واضحة الهدف ولا معلومة الفائدة في خدمة القضية الوطنية. بل يراها البعض مؤشراً يضعف الإيمان الوطني، ويقدم صورة ضبابية لا تتضح فيها صورة الظالم من المظلوم بشكل ناصع للناس كما هي في الواقع، ما يهدد بتكرر واستمرار اصطفاف قسم كبير من أجيال الوطن في صف العدوان أو ميلهم له أو الاعتقاد بأن ما يحصل لا يعنيهم. ففي مخاضات الوطن العصيبة كما في معركة مواجهة وطننا لعدوان شامل، يكون الناس في الغالب في حالة صدمة وخوف وانفعال وتشوش، وهم كذلك من توجهات ومشارب كثيرة، وبحاجة للتوجيه، خصوصاً مع الهجمة الإعلامية الشرسة لآلة العدوان الإعلامية، وعند تقديم وسائل الإعلام التي يثقون ويستأنسون بها مصطلحاً يصف لهم الوضع، يتقبلونه بدون تفكير كثير أو تحليل ووزن، فيكون هذا المصطلح محرك وعيهم وطريقة نظرهم وتعاملهم وردة فعلهم وتفكيرهم، وعليه فهم يقيمون ما يواجهونه إما كعدو خطير، أو طرف حرب، أو صديق مخطئ، أو منقذ ومخلص.
وقد تقودهم المصطلحات المطاطية للاصطفاف دون وعي في صف أعداء الوطن الذين يقفون خلف تبني هذه المصطلحات. ويصل الأمر في النهاية ليحمل أبناء الوطن السلاح على رقاب إخوانهم في الوطن ذاته، وتتفشى الخيانة والعمالة والإرهاب بأشكالها، في الموقف السياسي والإعلامي أو الشخصي سواء أعلن أو كتم في النفس، أو في أفضل الأحوال البقاء على الحياد السلبي في ما ليس فيه حياد.

معركة المصطلحات
الصحفي زيد الغرسي يقول إن هناك تشتتاً في المصطلحات المستخدمة في وسائل الإعلام الوطنية. والسبب يعود لاختلاف السياسات الإعلامية لكل وسيلة، فهناك الحزبية وهناك الرسمية وهناك الخاصة وغيرها، وكل واحدة تنتهج سياسة ومصطلحات إعلامية خاصة بها. لكن بالتأكيد فإن موقف أية وسيلة ضد العدوان ينبغي أن يكون منسجما مع مصطلحاتها التي تطلقها، فلا يمكن أن تقول بأنك ضد العدوان ولا تسميه في إعلامك عدواناً! بل تسميه التحالف أو تقول عنه الحرب في اليمن، إذن فما الفرق بين إعلامك وإعلام العدوان؟ بالتأكيد لا شيء.
يرى الغرسي أننا اليوم أمام «معركة المصطلحات»، وهذه المعركة خطيرة، ويحرص العدو على أن يسيطر عليها، لأنه إذا انتصر فيها استطاع أن يحقق على إثرها انتصارا ميدانياً، وركز العدوان على هذه المعركة الخطيرة منذ بدايته، بهدف التضليل على حقيقة ما يجري في الواقع، ولقلب الحقائق رأسا على عقب، وخداع البسطاء من الناس.
فبين مصطلح «الحرب في اليمن» ومصطلح «العدوان على اليمن» يوضح الغرسي أن الأول يوحي بأن الحرب داخلية، والثاني يوضح أن هناك عدواناً أجنبياً خارجياً على اليمن.
وبين «قتل المدنيين» و«استشهاد المدنيين» يقول الغرسي: التعبير الأول يوحي بالمساواة بين القاتل والمقتول، ولا يوجد طرف يمثل الحق وآخر يمثل الباطل، بينما التعبير الثاني يوضح أنهم مظلومون ومعتدى عليهم، وأنهم على طريق الحق. وفي «التحالف العربي» و«العدوان الأمريكي السعودي» يتضح في الأول للناس أن العدوان عربي فقط، وذلك للتغطية على دور أمريكا الأساسي والرئيسي في العدوان، بينما الثانية تكشف الحقيقة في أن العدوان يقف على رأسه أمريكا، والوقائع تؤكد ذلك.
وبالنسبة لـ«فصائل التحالف» و«فصائل المرتزقة»، فالأول -حسب الغرسي- يكسبهم شرعنة عمالتهم ويبعد عنهم وصف الخونة، بينما في الثانية تؤكد حقيقتهم بأنهم مرتزقة وعملاء وخونة ومجرمون.

خطأ كبير
الصحفي خالد السهيلي يرى بأنه من المفترض في وسائل الإعلام الوطنية أن تنقل مظلومية الشعب اليمني إلى العالم، وبالتالي يجب أن تلتزم بسياسة إعلامية وطنية واضحة، في الاصطلاحات والتوصيفات المستخدمة، فعلى سبيل المثال، نجد بعض وسائل الإعلام المحسوبة على القوى الوطنية تطلق على قوات الجيش واللجان الشعبية مصطلح «قوات صنعاء»، وهي هنا ترتكب خطأ ثلاثي الأوجه، الوجه الأول أنها تنفي الصفة الرسمية عن الجيش الذي يدافع عن الوطن ضد قوى العدوان، والوجه الثاني أنها تتجاهل تماماً وجود اللجان الشعبية رغم دورها الجوهري الكبير في جبهات الكرامة والشرف ضد الغازي والمحتل، أما الوجه الثالث فيتمثل في تقزيم واختزال قوات الجيش واللجان إلى ما تسميه قوات صنعاء، فتصورها كأنها مجرد طرف ضمن أطراف أخرى على شاكلة ما تسميه «قوات هادي»، أو «قوات النخبة» أو «مليشيات الإصلاح» أو «المليشيات السلفية» وغيرها من المسميات، بينما في الحقيقة قوات الجيش واللجان هي المكون الرسمي والشرعي للوطن اليمني الذي يقف في مواجهة قوى العدوان. 
ويضيف السهيلي: «تحالف العدوان» يصبح «التحالف العربي»، و«فصائل مرتزقة العدوان» هي «فصائل التحالف»، والضحايا المدنيون لغارات العدوان ليسوا شهداء وإنما مجرد قتلى، بل تذهب بعض هذه الوسائل الإعلامية المحسوبة وطنياً ـ للأسف ـ إلى نفي صفة العدو على دول العدوان، فتقول مثلاً «قصف سعودي» بدلاً من «قصف للعدوان السعودي».
ويؤكد أن تشتت وتضارب المصطلحات المستخدمة في وسائل الإعلام الوطنية لا تخدم القضية الوطنية في مواجهة العدوان ونقل مظلومية الشعب اليمني، فهي تحدث نوعاً من الارتباك في أوساط المجتمع داخل الجغرافيا الوطنية، كما أنها تقدم صورة مغلوطة للرأي العام العربي والعالمي عن حقيقة المظلومية اليمنية، حيث تظهر كأن هناك عدم توافق داخل الجغرافيا الوطنية حول توصيف قوى العدوان وأدواته، وأيضاً حقيقة أهداف ومرامي الحرب العدوانية المدمرة على اليمن.

خطاب إعلامي بلا معالم
الأديب السوري غسّان كامل ونوس يقول في حديث لصحيفة «الوطن» السورية، حول حرب المصطلحات: «يتجاوز مفهوم المصطلح المعنى المباشر، الذي تحيل إليه الكلمة، أو الكلمات، التي يتشكّل منها، ويستدعي أفكاراً ومقولات ومواقف، في زمن استعماله، أو أزمنة لاحقة، تقصر أو تطول. وقد يضيف إليه استعمالٌ جديد، في أوانٍ مختلف، معانيَ أخرى، من دون أن يكون المقصودُ منه محدّداً تماماً بالضرورة، بل قد يكون لبعضٍ مصلحةٌ في عدم تحديده، لاستعماله حسب الطلب والغاية. وفي الغالب، يكون هؤلاء من أصحاب النفوذ بأشكاله وإمكانيّاته، ومساحة تأثيره، وتكون معاييرهم مزدوجة، ومضلّلة، فقد تكون المصطلحات محوراً من محاور الاستهداف، وساحة للمواجهة، التي قد تبقى باردة، تمهيداً وتحضيراً، حتّى تسخّن في وقت معلوم، وفي جهة منظورة». وهذا ينطبق على الخطابات الإعلامية التي تدعي الاعتدال الإيجابي والتمايز في سياستها الإعلامية، لكن خطابها غير واضح المعالم.
فالقول إن ما يحصل اليوم هو «حرب» ونزاع بين أطراف، هي تحالف حرب أو تحالف عربي، وقوة لصنعاء وقوة لعدن، يعني بالنتيجة والأثر موت فكرة أن الوطن يتعرض لغزو واحتلال وتدمير لا يستهدف اليمن وشعبه وثروته وكيانه ووجوده الكريم الآن فقط بل لقرون، فيضعف لدى الكثيرين الوطنية والانتماء والحمية والمسؤولية تجاه الأرض ووجوب الدفاع عنها، فيتفرج الأغلب على معركة تستهدف وجوده ظنا منهم أنها ليست معركتهم.
يقول الصحفي أحمد الكبسي: لم نتوحد في توصيف العدوان، وهو الذي استباح دماءنا وأرضنا جميعا، والذي وصفنا بوصف واحد ونحن 30 مليون يمني، وصفنا بالمليشيا والانقلابيين الحوثيين ومصطلحات أخرى أسوأ. إن التنوع في المصطلحات لا يعني غير تباين مواقف الوسائل الإعلامية ومالكيها والقائمين عليها تجاه العدوان من خلال تقديم تعريفات مختلفة عنه.
ويرى الكبسي أن التوصيفات المطاطية للعدوان قد تكون وسيلة من وسائل تجميله وحرف مسار الحرب معه، وعدم تبني وسائل الإعلام لقضية مواجهة العدوان يعني عدم تبني جمهور الوسيلة للقضية أيضاً. كما أن هذا النهج يظهر أن البعض لا يريد أن يكون الحاصل معركة مصيرية للخروج من تحت الهيمنة السعودية والوصاية التي ظلت لعقود. يجب أن يكون هم وسائل الإعلام صناعة خطاب موحد يوجه الرأي العام لمواجهة هذه المعركة المصيرية.
ويؤكد أنه لا مانع في أن تبحث الوسائل عن مصطلحات متمايزة لوصف المعركة مع العدوان، بشرط أن تحمل المعنى الواضح أن ما تواجهه اليمن اعتداء تاريخي خطير. فيمكن أن يكون عنوان الخبر أو التقرير «قصف سعودي» لكن تفاصيل الخبر تقول «العدوان السعودي» أو «العدوان»، لكن المشكلة أن يكون ذلك المصطلح الرمادي في العنوان والتفاصيل والتحليل والمضمون.

الوطن وقضاياه ليست موضع حياد
يرى خالد محمد السهيلي أن وصف العدوان ودوله وأدواته من المرتزقة بتسميات مغايرة لا تعبر صراحة عن حقيقته الإجرامية والاعتدائية الاستعمارية، ليس حيادا، فالوطن وقضاياه ليست موضع حياد، ولا وجود للمنطقة الرمادية في الموقف تجاه الوطن وما يتعرض له من عدوان. مستدركاً أنه: ربما يبرر البعض هذا الأسلوب في التعاطي مع مجريات العدوان على الوطن، إنما هو من باب مخاطبة الرأي العام العربي والعالمي بصورة حيادية ومغايرة للخطاب الوطني الرسمي، وهنا أقول بأن الرأي العام العربي والعالمي المعادي لليمن ليس بحاجة ليطلع على وسائل الإعلام الوطنية «الحيادية» ليستقي منها معلوماته ويشكل وجهة نظر حول حقيقة ما يجري في بلادنا، فلديه ترسانة ضخمة من الوسائل الإعلامية وبمختلف أنواعها، والتي تنفذ حرباً إعلامية شرسة ضد اليمن، حرباً تقوم على تشويه القوى الوطنية وتنميطها بصورة متمردين، وتصوير أن حرب تحالف العدوان ضد المتمردين هي لمصلحة اليمنيين.
ويؤكد السهيلي أنه أمام حرب إعلام العدوان ضد وطننا «يفترض على الإعلام الوطني أن يكون جبهة موحدة لمواجهة العدوان وفضح جرائمه وأهدافه ونواياه الحقيقية الخبيثة تجاه اليمن وشعبه، وهذا لن يتأتى إلا بالتزام الجميع بلغة إعلامية موحدة الاصطلاحات والتوصيفات في التعاطي مع مجريات العدوان على اليمن بلا مواربة أو تمويه».
ويضيف: «بكل صراحة، إذا لم تكن وسائل الإعلام هذه مرآة عاكسة للقضايا الوطنية ولساناً مبيناً للمظلومية اليمنية، فلا حاجة لها ولا معنى لوجودها».
ويتفق مع خالد السهيلي في هذا الرأي، زيد الغرسي الذي يؤكد أهمية التركيز على مصطلحات الخطاب الإعلامي في لحظات المعركة المصيرية أمام العدوان الأخطر في تاريخ اليمن، ومقاومتها، وعدم استخدامها أو شبيهات لها في الوسائل الوطنية، لأن العدو يسعى لطمس كثير من الحقائق وتدمير اليمن وخطفه والسيطرة عليه أو تسليمه لعملائه عبر تحويل وترسيخ مصطلحات معينة.