مروان أنعم / #لا_ميديا -

من مساوئ القدر وعثراته أن تكون لك حدود مع دولة عنصرية ونرجسية بامتياز، تمتلك تخمة مالية ضخمة من ريع براميل النفط والتي مكنتها من شراء كل ما هو سيئ في بلدك، فترى أن الكرامة سلعة تعرض في مزادات أمام أبواب القصور الملكية.
منذ عقود من الزمن وممالك النفط لم تدخر جهداً في الإساءة والتحريض على أبناء جارتها الفقيرة، وخصوصاً المقيمين منهم في أراضيها، فالسلطات السعودية تكرس وتشجع الطبقية المريضة والعنصرية الجاهلية في أوساط المجتمع السعودي عندما يتعلق الأمر بالعامل الوافد الباحث عن مصدر رزق.

إساءة رسمية ممنهجة
التحريض في مملكة بني سعود يأخذ الطابع الرسمي ويتم برعاية من السلطة، فوزارة الداخلية السعودية كانت قد نشرت ما سمتها دراسة أمنية، ذكرت فيها أن العمالة اليمنية هي الأكثر ارتكاباً للجرائم في السعودية بنسبة 25٪ وأن بالإمكان الاستغناء عنها واستبدالها بعمالة من بلد آخر، نظراً لأنها غير محترفة مهنياً، وهي إشارة واضحة لتحريض المواطن السعودي ضد العامل اليمني.
الدراسة أيضاً تقول بأن اليمنيين هم الأكثر ابتزازاً للكفلاء. وهنا وفي هذه النقطة تحديداً يقف المرء مستغرباً من تعمد النظام السعودي المغالطة وقلب الحقائق للإساءة لليمنيين، فالكل يعلم أن العامل اليمني هو من يتعرض للظلم والابتزاز من قبل الكفيل الذي يعيش كالطفيلي ويقتات من عمل الآخرين وبحماية السلطات الفاسدة.
وتصف الدراسة كل من دخل إلى الأراضي السعودية بشكل غير نظامي أو الحاصلين على تاشيرة دخول للعمرة والحج وتخلفوا عن المغادرة، تصفهم بالمجرمين، لكن لا ندري ما علاقة هؤلاء بالدراسة المختصة في العمالة الوافدة، فالنوع الأول لم يدخل بطريقة نظامية، فيما النوع الثاني لم يأتِ من أجل العمل، وبالتالي فإن الهدف واضح، وهو الإساءة للعمالة اليمنية في المملكة.
هذا ما يؤكده أيضاً العديد من المواطنين السعوديين والعرب، الذين عبروا في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي عن استهجانهم وسخريتهم مما ورد في الدراسة.
سعد سطام (سعودي الجنسية) قال في تغريدة له: «العمالة اليمنية مشهود لها بالنزاهة والإخلاص، وعلى الأقل اليمني ما عنده تزوير وتمرير مكالمات وترويج مخدرات».
ويضيف: «أستغرب من عنوان الدراسة، فهو خاص بالعمالة الوافدة.. لكن ما علاقته بجرائم التسلل عبر الحدود أو التخلف بعد مناسك الحج؟! لماذا نضعهم في خانة العمالة الوافدة؟!».
ويقول بدر الغامدي (سعودي) ساخراً: «يبدو أن معد الدراسة يحب اليمنيين كثيرا؟! شاهدنا قبل أيام أن العمالة البنجلاديشية هي الأولى في الجرائم، ولكن يبدو أن المعد احتسب فارق الأهداف!!».
ويضيف: «بدلا من أن تفكروا بكيفية معاقبة الوافد عاقبوا من جعله يفعل هذه الأعمال، ألا وهو الكفيل، وإنزال أشد العقوبات عليه».
أحمد المجيدي (مغترب يمني) علق قائلاً: «التقرير فيه تحيز كبير ضد العمالة اليمنية وتشويه لنزاهتها المشهود لها من قبل الشعب السعودى. كانت العمالة البنجالية قبل أشهر هي الأولى فى الجرائم، وبين عشية وضحاها أصبحت العمالة اليمنية الأولى في المملكة، والبنجالية الرابعة! الله يكون فى عون اليمنيين».

حملات تشجيع الكراهية
لم تكتفِ السلطات السعودية بنشر مثل تلك التراهات على أنها دراسات أو تقارير أمنية، فهناك العديد من الحملات الممنهجة والمنظمة والتي تقوم بها بين حين وآخر، تهدف إلى نشر وتشجيع الكراهية والعنصرية المقيتة ضد اليمنيين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لبعض الأصوات المقربة من النظام.
صحيفة «الرياض» الحكومية في عددها الصادر الأسبوع الماضي قالت إن «التسول أصبح صفة ملازمة لليمنيين، وهم عبارة عن خلايا متسولة ومنتشرة بمختلف مناطق المملكة»، زاعمة أن من وصفتها بالخلايا «تجمع الملايين عن طريق التسول بكبار السن والعجزة، أو عن طريق الأطفال والاتجار بالبشر».
ومن أجل زرع الكراهية وتأجيج نيرانها لدى الشعب السعودي تجاه العاملين اليمنيين ربطت الصحيفة مسألة التسول بما تتعرض له السعودية من هجمات من قبل أبطال الجيش واللجان الشعبية بصواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيرة في عمق أراضي المملكة، حيث تقول: «الملايين التي يجمعها المتسولون تستخدم في محاولة قتل السعوديين والنيل من بلادهم بكل شر».
هذا التحريض والإساءة لليمنيين، وفي وسيلة إعلامية رسمية، يؤكد أن المسألة تأتي في إطار توجه رسمي للمملكة، ويعكس موقفها شبه المعلن تجاه اليمنيين.
السلطات السعودية تواصل البحث عن قصص إعلامية مؤثرة تستطيع من خلالها مُواصلة حشد العواطف خلف قيادتها التي سقطت في أرض اليمن، كقولها بأن اليمنيين استهدفوا مكة بالأمس، واليوم يتطاولون علينا، وغداً قد يحتلون مُدننا، علينا إذاً مُواصلة حربنا الحازمة ضدهم، علينا القضاء عليهم نهائياً».
ويؤكد مراقبون أن ما تقوم به السعودية من ممارسات لا إنسانية ضد اليمنيين هو كل ما تبقى لدولة عنصرية لتُراهن عليه من أجل مواصلة مسيرة الدمار والخراب ضد اليمن واليمنيين.
فها هو عبدالله الجبرين الكاتب والصحفي المقرب من النظام خير دليل على عنصرية المملكة، حيث يقول: «أسوأ ما في هذه الحياة أن تبتلى بجار فقير وجاهل وحاقد ومريض نفسياً وسلوكياً، ومهما بذلت من جهد وأنفقت من مال من أجل تعليمه وعلاجه وتطويره فلن تفلح، وهذا هو حالنا مع اليمن، ليس من علاج لاتقاء شره سوى إقامة جدار على طول الحدود مراقب بالكاميرات وأبراج المراقبة وعزله تماماً».

تحريض ضد اليمنيين
وإلى جانب تلك الممارسات، عمدت المملكة إلى شن حرب إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ثقافة الكراهية في أوساط المجتمع السعودي ضد اليمنيين، عبر هاشتاغات ووسوم عديدة يشارك فيها الكثير من أبواق النظام، عبر حسابات وهمية.
فعلى سبيل المثال
هاشتاغ «#اليمنيين_غير_مرحب_بهم_من_الشعب» فيه الكثير من البذاءات والعنصرية البدوية بحق المغتربين اليمنيين. يأتي هذا بعد أن أعلنت ماليزيا اعتقال 7 أشخاص أغلبهم من اليمنيين حاولوا التخطيط لاغتيال الكهل السعودي.
حساب «مُجحف ولكن» طالب حكومة بلاده بمزيد من الحزم والعزم مع اليمنيين وعدم التساهل معهم أبداً. أما «تركي» فقد لام عواطف الشعب السعودي التي سمحت لليمنيين بالتساهل في بلادهم، «ياسمين» أكّدت أن اليمنيين غير المُرحّب بهم هم فقط الذين يتبعون الفرس وإيران والحوثي. وعلَّقت «بنت الغنام» قائلة: «أول مرة أشوف هاشتاغ يبرّد على قلبي»، وأضافت: «لقد خرّب اليمنيون كل شيء».
هاشتاغ عنصري آخر انتشر مؤخراً في موقع تويتر يقول: «#اطردوا اليمنيين من السعودية»، طالب المشاركون فيه بطرد اليمنيين، فالولاء للحزم كما قالوا يُحتّم ضرورة تنفيذ السلطات مَطالب طرد كل يمني حوثي.
«الخنساء علي» مثلاً تدعو اليمنيين إلى اتخاذ مَوقف ضد الحوثيين، أو عليهم كما قالت أن يكفوها شرّهم. أما «عوّاد» فأكد أنه يجب طرد اليمنيين جميعهم نهائياً دون عودة. «وليد بن مبيرك» عّبر عن غيظه من أخذ اليمنيين المشاريع الحكومية بالمليارات، وبأسعار مُضاعفة، وأنهم يتبجّحون بأنهم ساهموا بالتنمية. «شجاع المطرفي» قال إن وجودهم يُرهق كاهل الدولة.
جدير بالذكر أن عدداً كبيراً من هذه الحسابات هي حسابات وهمية تديرها الاستخبارات السعودية، أي أنها حسابات رسمية وتعبر عن توجه النظام في تغذية الشارع السعودي بالكراهية الممنهجة ضد اليمنيين المغتربين.
ومؤخراً قام «فيسبوك» بإغلاق 350 حساباً وصفحة مرتبطة بالحكومة السعودية لنشرها أخبار كاذبة ومضللة. كما قامت منصة «تويتر» بحذف 5929 حساباً لشخصيات وهمية سعودية كانت مهمتها ضخ رسائل مؤيدة للسلطات عن طريق المبالغة في الإعجاب بالتغريدات وإعادة نشرها والرد عليها.
الممارسات العنصرية التي ينتهجها نظام المملكة تجاه المُقيمين ليست ردّة فعل لحظية يزول تأثيرها مع زوال المؤثر، وإنما يتعمد هذا النظام تكريسها كأسلوب حياة وسلوك يومي لمواطني المملكة تجاه اليمنيين المقيمين.
فالمواطن السعودي يستطيع وتحت حماية قانون البلطجة المتبع في المملكة أن يعتدي على المقيم اليمني أو يسلبه ماله تحت أي مبررات يراها مناسبة، كما يمكنه أن يطالب بطرده ومعاقبته وحبسه استناداً إلى ما يُعرف بنظام الكفيل، الذي يضع مصير حياة إنسان بيد كفيله المتغطرس الفخور بإنجازات مملكته في تحضير أكبر صحن كبسة في العالم.