المعنيون يبررون التكسب بـ«كوفيد 19» على حساب معاناة المواطنين

شايف العين / لا ميديا -
بعد أشهر من ظهور فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، في مدينة ووهان الصينية، أواخر 2019، اتضح للكثير زيف ما روج له الإعلام الرأسمالي الأمريكي  ومن يدور في فلكه
من تهويل   وتخويف لسكان العالم أجمع بخطورة الفيروس، وهي السياسة التي اعتمدها الأعداء لتحقيق أهدافهم من ابتكاره وتطويره،  في قتل الآلاف من البشر.  
ومن المؤكد  أن معظم حكومات العالم خاضت التجربة وفقا للمحاذير والإرشادات التي فرضتها منظمة الصحة العالمية، والتي تعد
 إحدى أهم أدوات الصهيونية في واشنطن التي تعمل على ديمومة وصايتها وهيمنتها على البلدان.
غير أن قلة من الحكومات الرافضة للهيمنة والغطرسة الأمريكية تعاملت مع «كوفيد 19» بطريقتها الخاصة بعيدا عن تعليمات وإرشادات «الصحة العالمية»، لتحول دون تحقيق أهداف من يقف وراء إنتاج هذا الوباء.
ولعل يمن 21 أيلول ومنذ العام 2014 يأتي على رأس البلدان التي تخوض مواجهة شرسة ضد العدو الأمريكي الصهيوني وأدواته في المنطقة منذ أكثر من 5 أعوام، ومن المنطق أن تتعامل الحكومة في صنعاء مع الجائحة بذهنية ثورية تنحاز لأبناء الشعب، لاسيما المسحوقين والفقراء الذين اختاروا الصمود في وجه العدو المتجبر على الركوع له، فصادر لقمة عيشهم ونهب ثرواتهم ويفرض حصارا شاملا وجائرا عليهم طيلة أعوام، والانحياز لهم يكون أولاً وثانياً وثالثاً بعيداً عن ذهنية السحق والإثراء غير المشروع من معاناة الناس الذي خلفه نظام الوصاية وراكمه طيلة عقود، غير أن ما حدث ويحدث في قطاع الخدمات الصحية بصنعاء يطرح الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. 

توجيهات للقطاع الخاص تمنع استقبال المرضى
اتخذت وزارة الصحة العامة والسكان في حكومة الإنقاذ جملة من التدابير الوقائية في مواجهة كورونا في جغرافيا السيادة الوطنية. 
ومع ظهور الوباء في المناطق الواقعة تحت احتلال تحالف العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته، أصبح من المتوقع تفشي الفيروس في جغرافيا السيادة الحرة، وعندما ظهر كانت التوجيهات الحكومية للقطاع الصحي الخاص تقضي بعدم استقبال أية حالة حتى وإن كانت اشتباهاً، وتحويلها فورا إلى مراكز العزل التي جهزتها الحكومة، وهذا تسبب في إثارة ذعر المواطنين عندما يصلون إلى المستشفيات الخاصة ولا يتم تقديم الرعاية لهم، ويتم إبلاغهم بأنهم يعانون من اشتباه الإصابة بكورونا.
والمحزن أن معظم من لم تستقبلهم المستشفيات بعد توجيهات الوزارة لم يكونوا مصابين بكورونا، بل كانوا يعانون من أزمة ربو أو أمراض تحسسية في الصدر، وكثير منهم توفوا من الخوف والذعر الذي تسببت به تلك التوجيهات.

توجيهات للمنشآت الطبية الخاصة تلزمها باستقبال الحالات
إن الوضع الصحي الكارثي الذي حل بالمواطنين نتيجة تلك الإجراءات وزاد سوءا خلال شهر رمضان الماضي، دفع بالقيادة الثورية إلى الحديث عنه، حيث أشار سيد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إلى عدم رضا الشعب عن أداء الأجهزة المعنية تجاه مواجهة فيروس كورونا.
في اليوم التالي لحديث سيد الثورة والذي وافق أول أيام عيد الفطر، أصدرت وزارة الصحة توجيهات إلى القطاع الصحي الخاص باستقبال المرضى سواءً كانت إصابتهم مشتبهة أو مؤكدة، وتوفير الرعاية اللازمة لهم، بالإضافة إلى تجهيز أقسام عزل، وغيرها من التوجيهات.
وعقب ذلك بدأت بعض المستشفيات الخاصة، لاسيما تلك التي تملك أسرة وأجهزة عناية مركزة «تحتوي على جهاز تنفس اصطناعي»، باستقبال الحالات كمستشفى العلوم والتكنولوجيا والمستشفى السعودي الألماني وغيرهما.

مقاصل للمرضى
وعقب التوجيهات لم تفتح المستشفيات الخاصة أبوابها فقط أمام المصابين بكورونا، بل فتحت خزائنها لاستقبال الأموال التي الطائلة التي رأت أن ما يسمى «كوفيد 19» فرصة يجب انتهازها لجني الأرباح بغض النظر عن حالة الناس المعيشية ووضعهم المادي السيئ بفعل أكثر من 5 أعوام من العدوان والحصار، وبغض النظر عن كون إداراتها أو ملاكها ملزمين بتحمل غرم مع الوطن وشعبه، إلّا أنهم قرروا أن يكونوا من المطففين.
أحمد قاسم (اسم مستعار) أحد أبناء مديرية دمت، أصيب شقيقه بفيروس كورونا وقرر إسعافه إلى العاصمة صنعاء، وفور وصوله ظل ساعات يبحث عن سرير عناية مركزة فلم يجد، ثم وصلته معلومات أن المستشفى السعودي الألماني يملك أسرّة شاغرة ولا يستقبل المصاب إلا بعد وضع مبلغ كبير كتأمين تحت الحساب.
وأفاد قاسم لصحيفة «لا» أن المشفى طلب منهم وضع مليون ريال تحت الحساب كشرط لإدخال شقيقه المصاب بالفيروس قسم العزل المجهز بالأجهزة والأدوات اللازمة منها التنفس الاصطناعي.
وأكد أنه وافق مضطراً على شرطهم كونه لم يجد مستشفى آخر يستقبل الحالة لازدحام أسرّة العناية المركزة، فأدخل شقيقه ومكث في العناية عدة أيام ثم تحسنت حالته فأخرجه كي لا يتحمل أعباء كبيرة، وأنه دفع عند خروجه مبلغاً إضافياً فوق مبلغ التأمين.
كذلك الأمر مع محمد خالد (اسم مستعار) أحد أبناء مديرية رداع بمحافظة البيضاء، حيث أصيب والده بالفيروس ذاته وقام أبناؤه بإسعافه إلى المستشفى نفسه، وواجه الشرط عينه، وهو وضع مبلغ مليون ريال تحت الحساب لإدخال والدهم، ووافقوا مرغمين على ذلك، إلّا أن مريضهم لم يلق مصير المرضى السابق لينسوا ما تكبدوه من تكاليف.
يقول محمد إنه وأشقاءه بعد إدخال والدهم المستشفى السعودي الألماني ودفعهم تكاليف باهظة بحسب طلب المشفى، لم يتعاف والدهم، وتوفي بفيروس كورونا.
وليس كل أبناء الشعب كهاتين الحالتين، فأغلبهم يعانون صعوبة كبيرة في توفير قوتهم اليومي بفعل انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار نتيجة تدهور العملة، وهذا كله تسبب به تحالف العدوان الأمريكي السعودي عبر حربه الاقتصادية، والتي من ضمنها الحصار المفروض جوا وبرا وبحرا على مناطق الجغرافيا الحرة واستهداف العملة المحلية، وكذلك نهب الثروات ومصادرتها، ما عمل على تجفيف منابع الإيرادات.
مواطنون آخرون شكوا مستشفى العلوم والتكنولوجيا لصحيفة «لا»، إذ أكدوا أنهم حاولوا إدخال أقرباء لهم أصيبوا بالفيروس للمشفى لغرض العلاج، إلا أن المشفى اشترط عليهم دفع مبلغ مليوني ريال كتأمين تحت الحساب، الأمر الذي اضطرهم لإعادة مرضاهم للبيوت كون المبلغ كبيراً وهم غير قادرين على توفيره، فيما أكثرهم لقوا حتفهم في منازلهم لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج ولم يستطيعوا دخول مراكز العزل الحكومية كونها ممتلئة.
وفوق تلك المعاناة على مدى أكثر من 5 سنوات، عمل تحالف العدوان جاهدا على إدخال فيروس كورونا إلى مناطق سيطرة السياسي الأعلى، وساعده في ذلك إهمال أو تقصير من الجهات المختصة في حكومة الإنقاذ الوطني كما تحدث سيد الثورة، وبالفعل دخل الفيروس وزادت المعاناة وتفاقمت بفعل جشع المستشفيات الخاصة واستغلالها الوباء للتكسب على حساب معاناة المواطنين وعسر حالهم، وفرضها شروطاً مقابل علاجهم رافضة تحمل الغرم الذي يدفعه الشعب وقيادته الثورية على مدى سنوات، دون أن تحرك وزارة الصحة ساكناً.
تحدث وكيل وزارة الصحة الدكتور علي جحاف، في اتصال هاتفي أجرته معه قناة «الساحات» الفضائية، منتصف يونيو الماضي، أنهم تلقوا في الوزارة بلاغات من مواطنين على مستشفيات خاصة يشكون أنها تشترط عليهم دفع مبالغ كبيرة كتأمين لاستقبال المريض المصاب بكورونا، كمستشفى العلوم والتكنولوجيا والمستشفى السعودي الألماني وغيرهما.
ويبدأ مبلغ التأمين، وفقاً للشكاوى، بحسب ما ذكره الدكتور جحاف، من 800 ألف ريال، وبعضها تشترط مليوناً، وبعضها مليوني ريال.

الحكومة تبرر للقطاع الخاص
كان لزاما على الصحيفة التوجه إلى وزارة الصحة لاستفسار المعنيين عن هذه المشكلة الكبيرة، وما هي الإجراءات التي اتخذوها لحلها، والتقت مسؤولين في إدارة المنشآت الطبية الخاصة كونها المسؤولة عن تنظيم عمل القطاع الطبي الخاص، واتضح أنهم على علم بما تقوم به المستشفيات الخاصة.
الدكتور محمد الصوملي مدير إدارة المنشآت الطبية الخاصة بوزارة الصحة العامة والسكان، قال إنهم طلبوا من المستشفيات الخاصة المجهزة بأسرة عناية مركزة، تجهيز أقسام عزل واستقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا، بعد أن زادت وتيرة الإصابة وامتلأت مراكز العزل الحكومية.
وأضاف الصوملي أنهم وبعد فترة تلقوا شكاوى من المواطنين تفيد بوجود مستشفيات تشترط دفع مبالغ كبيرة كتأمين مقابل استقبالها المريض، فشكلت الوزارة لجنة للتحقيق وتأكد الأمر، وعند طلب الوزارة من المستشفيات إلغاء ذلك الشرط ما لم فسيتم إغلاقها، رفضت وفضلت إغلاق أبوابها على التراجع عن شروطها، فاضطرت الوزارة للتغاضي لعدة أسباب.
وأوضح أن الأسباب تتمثل في ارتفاع أسعار أجهزة التنفس الاصطناعي حيث كانت تتراوح أسعارها قبل الجائحة بين 40 و55 ألف دولار، وارتفعت بعدها إلى 80 ألف دولار، بالإضافة إلى رفض الكثير من الأطباء والممرضين العمل في أقسام العزل لخطورة الفيروس، فيما يشترط بعض الأطباء رواتب كبيرة تصل إلى 1600 دولار، ومن ضمن الأسباب أيضا التكاليف الباهظة لأدوات الوقاية التي اشترطت الوزارة على المستشفيات توفيرها للعاملين في تلك الأقسام.
وأشار إلى أنه علاوة على تلك الأسباب يوجد سبب هام آخر دفع تلك المستشفيات إلى اشتراط وضع مبالغ كبيرة تحت الحساب لاستقبال المصاب ومعالجته، وهو أن الكثير من المواطنين يدخلون مستشفيات تقدم الخدمة الطبية بأسعار باهظة، وعند إصدار فاتورة الحساب يرفض الدفع ويفتعل مشاكل مع إدارات تلك المشافي.
وأكد الصوملي أن من أبرز مشاكل القطاع الصحي، وهي من عهد أنظمة الحكم السابقة، عدم إصدارها لائحة تحدد أسعار الخدمات الطبية من عمليات وغيرها في المستشفيات الخاصة، وهذا ما تعمل عليه الوزارة حاليا. 

مطففو القطاع الصحي بلا رقيب
من غير المتوقع أن تبرر الوزارة في زمن الثورة وقوانينها التي يجب أن تنحاز للمستضعفين، لما تقوم به المستشفيات الخاصة من استغلال حاجة المواطنين للعلاج لتتكسب من معاناتهم في ظل وباء يتطلب من الجميع التكاتف والغرم لمواجهته، خصوصا وأن المستضعفين ثاروا من أجل خلع الوصاية وذهنيتها التي لاتزال الكثير من الجهات الحكومية تتعامل بها، وانتزاع حقوقهم التي غابت عنهم طوال عقود، ومن أبرزها حقهم في الخدمات الصحية. 
ليس هذا فحسب، بل أكد مواطنون عانوا من الابتزاز ووافقوا عليه في سبيل إنقاذ أقربائهم وذويهم، أن الخدمات التي تقدمها تلك المشافي لا تتطلب الأسعار التي يدفعونها من أجلها كونها متدنية ورديئة وفي بعض المستشفيات منعدمة تماما. 
وكلما مرت سنوات العدوان سقطت أقنعة كثيرة، ليتضح أن كثيراً من رؤوس الأموال في مناطق السيطرة الوطنية لا تكترث لما يعيشه الشعب من عدوان وحصار، بل إن بعضها مرتبطة ارتباطاً تاماً مع العدوان، ومن أبرز أدواته في حربه الاقتصادية، من أهمها القطاع الطبي الخاص أو بالأصح «مطففو الصحة» الذين يجب على الثورة إلقاؤهم في ويلها كونهم يستوفون حقهم من الناس أضعافا مضاعفة، ولا يوفونهم حقهم من الخدمات الطبية نظرا للمبالغ الكبيرة التي يدفعونها.