شايف العين / لا ميديا -

أصبحت الحفريات السمة الأبرز لشوارع العاصمة صنعاء، فحيثما وليت وجهك تضطر عيناك لرؤية حفرة في هذا الشارع وأخرى ممتدة لمسافة طويلة في ذاك الشارع، وأحيانا قد تسير مسرعا بسيارتك في خط إسفلتي، وفجأة تقع في حفرة جهزتها الجهات المعنية في قطاعات الأشغال خدمة لك.
ويبدو من خلال التجاهل وعدم الالتفات إلى هذه المشكلة أن الجهات الحكومية المعنية ترى أن هذه الحفر من محاسن العاصمة، ويجب ألا تفارق جسدها، وبهذا الصدد التقت صحيفة «لا» عدداً من المواطنين وأجرت استطلاعا لآرائهم حول هذه المشكلة. 

حفريات حكومية خدمية
إن أبرز القطاعات الحكومية التي تحتاج إلى القيام بحفريات في الطرق لإيصال خدماتها للمواطنين هي قطاع المياه والصرف الصحي، وقطاع الاتصالات، وقطاع الطرق، وتقوم بذلك إما لإنشاء شبكات جديدة لبعض المناطق التي لم تصلها خدماتها، أو لإصلاح أعطال في شبكات قد أنشأتها مسبقا في مناطق معينة.
وفي كلا الحالتين دأبت تلك القطاعات في الفترة الأخيرة على إيصال خدمتها أو إصلاح عطل ما ليتنعم المواطن بهذه الخدمات، وأفسدت عليه خدمة أخرى يحتاجها بالضرورة، وهي الطرقات، بحيث لا تقوم بإصلاح الحفريات التي تسببت بها أعمالها، وكأنها حفرتها ليقع المواطن فيها.
محمد غالب الحرازي، مواطن من سكان منطقة سعوان، يقول لصحيفة «لا» إن قطاع المياه والصرف الصحي قام بحفريات في شوارع حاراتهم قبل حوالي عام ونصف، لإيصال خدمة مجاري الصرف الصحي إليهم، وعند انتهائه من إنشائها قام بردم الحفر العميقة، وترك غير العميقة والطرق الترابية دون إسفلت.
ويشكو الحرازي من عدم اكتراث الجهات المعنية لما يعانيه أبناء الحي من تلك الحفر والمساحات الترابية وسط الشوارع، والتي تضررت كليا بفعل السيول الجارفة التي تسببت بها الأمطار الغزيرة.
ويوضح أن السيول زادت من المساحات الترابية واقتلعت الإسفلت بمساعدة من الجهات المعنية التي لم تقم بسفلتة الطرق التي ملأتها بالحفريات، كما أن البعض اتخذ منها مكانا لرمي القمامة.
ولعل الأكثر فداحة في مشكلة الحفريات هو على سبيل المثال قيام قطاع المياه والصرف الصحي بحفريات في مناطق معينة لإيصال الخدمة، وعند انتهائه وردمه لها يأتي قطاع الاتصالات لإعادة حفرها من أجل إيصال خدمة الهاتف أو إصلاح خلل في شبكته السلكية تسبب به قطاع أشغال آخر... وهكذا.

غياب التنسيق بهدف الاستمرار في الحفر
نجاح محمد المذحجي (35 عاماً) مواطنة تسكن بالقرب من خط الأربعين في سعوان، تقول إن الجهات المعنية أتت قبل مدة وقامت بحفر جزء من الإسفلت في شوارع حارتهم لمد أنابيب التصريف الصحي، وعند انتهائها عملت على ردم الحفر، وبعد مدة أتت مؤسسة الاتصالات وقامت بالحفر مرة أخرى لإصلاح تقطعات في أسلاك الهاتف والإنترنت تسببت بها الجهات التي أوصلت خدمة الصرف الصحي. 
وتؤكد المذحجي أنه منذ أكثر من عام لم تقم الجهات المعنية بإصلاح تلك الحفريات وإعادة الإسفلت للشوارع، وأن هذا سبب لها ولغيرها الكثير من المشاكل تتمثل في أعطال متواصلة تلحق بسياراتهم. 
ويتساءل المواطنون عن سبب عدم قيام الجهات الحكومية، خصوصا قطاع الأشغال والطرق، بإصلاح الحفريات المستحدثة في الشوارع بعد انتهائها من عملها الذي حفرت من أجله، كون بقاء الحفريات يسبب لهم مشاكل عديدة من أبرزها الحوادث المرورية، علاوة على تشويهها لصورة العاصمة صنعاء.

حوادث مرورية مؤلمة بفعل الحفريات
تعد الحوادث المرورية الخدمة الأولى التي تقدمها الحكومة للمواطنين، حيث تتسبب في كثير منها الحفريات التي تتركها الجهات المعنية بلا ردم وإسفلت، وليست محصورة في منطقة أو حي أو محافظة معينة، فكلها مليئة بها من باب المساواة والعدل.
زكريا الحاوري (28 عاماً) مواطن يكسب قوت يومه من خلال عمله على متن الدراجة النارية التي يمتلكها، يتحدث عن أن الحفريات التي تملأ شوارع العاصمة تسببت لسائقي الدراجات النارية بحوادث عديدة ومستمرة لا تنقطع، آخرها حادث حصل لصديقه ويرقد بفعله حاليا في العناية المركزة بأحد مستشفيات العاصمة. 
ويضيف الحاوري أن الحفريات التي تقوم بها الجهات المعنية يجدها أمامه في معظم شوارع العاصمة التي يجوبها ليل نهار، وليست وليدة اللحظة، فبعضها يتجاوز عمرها السنتين، والبعض 3 سنوات، وهناك حفريات مازالت موجودة منذ ما قبل بدء العدوان بفترة.
ويؤكد أن سائقي الدراجات النارية هم أكثر من يتعرض للحوادث بفعل هذه الحفريات، بحيث يكونون في طريقهم ويتفاجؤون بسيارة تهرب من تلك الحفر وتصطدم بهم أو يصطدمون بها، كما أنها أحياناً تتسبب لهم بانفجار إطارات دراجاتهم الأمامية، وبالتالي ينقلبون في حوادث مروعة.
وأفاد مواطنون التقتهم صحيفة «لا» أن الحوادث ليست مقتصرة على الدراجات النارية، بل تتعرض لها السيارات، فهي سبب رئيس في وقوعها، وتعد مخاطرها على السائقين أكثر بكثير من المطبات التي بدأت الحكومة بإزالتها من بعض شوارع العاصمة.

السيول تفاقم المشكلة
فاقمت الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة والوطن عموما هذا العام من الأضرار التي لحقت بالطرق الإسفلتية، وعملت على إزالة طبقة الإسفلت لصالح التقطعات الترابية التي اتسعت على حساب تلك الطبقة، وبحسب مهندسين فإن الحفريات التي ملأت الطرق قبل الأمطار والسيول من أهم أسباب تضرر الشوارع.
وأوضح المهندسون أن تلك الحفريات مثلت ثغرات تدخل منها السيول الجارفة إلى تحت الطبقة الإسفلتية الهشة أساسا، وتمر من تحتها مسببة انتفاخات في الشوارع، وفي أحيان كثيرة تقتلع جزءاً كبيراً من الطبقة الإسفلتية وتتركها شوارع ترابية مليئة بالحفر والتقطعات والأحجار.
وأكدوا أن تردي البنية التحتية في الطرق خلال فترة حكم الأنظمة السابقة يعلمه الجميع بفعل الفساد الذي كان مستشريا في مفاصل الدولة، وعلى ذلك الأساس كان يفترض بالجهات المعنية في حكومة الإنقاذ أن تأخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم تدهور تلك البنية، وعلى رأسها ردم الحفريات التي تقوم بتنفيذها القطاعات الخدمية في الشوارع، ووضع طبقة إسفلتية بالإمكانات المتاحة، حيث إن ذلك كان من شأنه أن يسهم في تخفيف أضرار السيول الجارفة، خصوصا وأن الأنظمة السابقة التي حكمت اليمن في ظل الوصاية الخارجية لم تشغل بالها برعاية المواطنين وتقديم الخدمات لهم، بل انهمكت في نهب ثروات وطنهم لصالح كروش مسؤوليها، ولم تلق البنية التحتية من تلك الثروة سوى الفتات، وكان غياب مجاري تصريف السيول أبرز دلائل فضل الأنظمة السابقة. 

استياء الشارع الوطني
شعر الشارع الوطني في مناطق السيادة باستياء كبير يتعاظم يوماً بعد آخر من أداء حكومة الإنقاذ للواجبات المنوطة بها، والتي لا تشير إلا إلى أنها مصابة بالكساح وعجزت عن موازاة 1٪ من أداء الجيش واللجان الشعبية ووحداتهم التصنيعية في مواجهة تحالف العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته.
ومن أمثلة ودلائل ذلك الفشل الباعث على استياء المواطنين، هي الحفريات التي ترتص على طول معظم شوارع العاصمة، وقياساً عليها بقية محافظات السيطرة الوطنية، والتي لم تلتفت الجهات المعنية لمعالجتها قبل وبعد السيول التي حدثت مؤخراً.
والسؤال الذي يحير المواطنين هو ما الذي يشغل هذه الحكومة عن القيام بأبسط مهامها وفق الإمكانات المتاحة لديها، خصوصاً وأن المعركة ليست فقط عسكرية، بل تمتد مع العدوان والتركة التي خلفها زمن الوصاية إلى جوانب عدة، ففي المعركة العسكرية يؤدي أبطال الجيش واللجان مهامهم بكفاءة عالية وناجعة استطاعت سحق ترسانة العدو الضخمة، بينما ساحات النزال الأخرى لم يشهد المواطنون تواجد الحكومة فيها عدا الساحة الأمنية.
والتقت الصحيفة ببعض المشرفين الحكوميين على مشروع مجاري الصرف الصحي في بعض أحياء منطقة سعوان، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، وأفادوا بأن سبب عدم إصلاح ما قاموا بحفره هو أن المشروع تكفلت به إحدى المنظمات الدولية العاملة في اليمن، وأنه وصلتهم أخبار من المسؤولين في القطاعات الحكومية تفيد بأن المنظمة تنصلت عن دفع تكاليف سفلتة الشوارع التي تم تخريبها.
وكان المهندس عبدالكريم الحوثي، وكيل قطاع الأشغال بأمانة العاصمة، صرح في وقت سابق لـ»لا» أنه بالنسبة لحفر الشوارع يتم ردمها بمادة البسكورس لتسهيل حركة الناس مؤقتاً، ولتلافي توسعها ومضاعفة تكاليف إصلاحها، وقال إن البسكورس مادة فعالة لهذه المهمة، وهي رخيصة مقارنة بالإسفلت، فسعر المتر المكعب منها 6 آلاف ريال، بينما سعر المتر المكعب من الإسفلت 112 ألف ريال، كما أنها تصمد أكثر من الإسفلت، خصوصاً في هذه الأيام مع الأمطار المتواصلة.
وللإجابة على تساؤل المواطنين حاولت الصحيفة مرات عدة التواصل والالتقاء بمسؤولين في وزارة الأشغال العامة والطرق وأمانة العاصمة، دون جدوى، والمبرر الدائم هو أن المسؤول فلان لديه اجتماع هام، والآخر لديه نزول ميداني... وهكذا، ليبقى التساؤل كما هو.