غازي المفلحي/ لا ميديا -

كانت «لا» قد أجرت لقاء في عدد سابق مع مازن الأغبري على أنه مبتكر لجهاز «بنكرياس صناعي»، 
لكن تبين في ما بعد أن الجهاز لم يكن ثمرة جهد فردي منه، بل أيضا ثمرة جهود مجموعة من زملائه المهندسين حديثي التخرج، وهو واحد منهم، 
وبطلب منهم وبعد إفادة الجامعة اللبنانية بأن الجهاز مشروع تخرج مجموعة من الطلاب، تم إعادة عمل اللقاء مع المهندس حسين مشيب، الذي تكلم نيابة عن المجموعة، لاستعراض حقيقة الجهاز ومدى اكتماله ومستقبله، ولإنصاف جهود بقية أعضاء الفريق الذي ابتكر جهاز البنكرياس الصناعي.

نحن وشركة أمريكية
فكرة جهاز البنكرياس الصناعي هو مبتكر حديث على مستوى العالم ككل، وحتى الآن هناك فقط شركة أمريكية بدأت بتصنيعه قبل سنة تقريبا، وهي (Medtronics 670G)، وطرحته في الأسواق الأمريكية والأوروبية فقط. وهي أيضا لم تستخدم تقنية الحساس التي استخدمها حسين وزملاؤه، لذلك فجهاز البنكرياس الصناعي الذي أعده حسين وزملاؤه يعد مشروعاً طموحاً للغاية وذا قيمة فكرية وطبية وإنسانية ووطنية كبيرة، وهذا ربما ما دفع أحد زملائهم لنسب الجهد بالكامل لصالحه وإقصاء البقية وتقديم العمل باسمه في أكثر من مكان، حسبما يقول المهندس حسين مشيب.
وأعضاء مجموعة العمل هم 6 طلاب، كما يفيد حسين، وكذا مذكرة الجامعة اللبنانية التي درسوا بها وأشرف دكاترتها على مشروع التخرج (جهاز البنكرياس الصناعي) الموجود في الجامعة حاليا، وأعضاء المجموعة هم: حسين عبدالله مشيب، مصطفى باسل عبدالحبيب القرشي، مازن عبدالله عبدالملك الأغبري، حمزة محمد سيف محسن، سهيل عثمان حمود الحمادي، ومحمد عبدالرحمن وهاش.
والمبتكر كما يُعرّفه حسين، هو جهاز غير جراحي يحاكي عمل البنكرياس الطبيعي في جسم الإنسان لقياس وتنظيم نسبة الجلوكوز (السكر) في الدم.
وهو مشروع ناجح وكبير، لكنه لايزال يحتاج إلى الكثير من التطوير والدعم لتطويره، وأهم مراحل التطوير المعايرة والتجارب السريرية وإعداد وبرمجة نظام المعالجة الخاص به بالشكل النهائي.
فالجهاز مخصص لمرض حساس جدا، وهو مرض السكري، كما يقول المهندس حسين، وأمامه الكثير لكي يكون صالحاً للاستخدام الناجح والآمن تماما. ويوضح: نحن الآن في حاجة للدعم لتطوير الجهاز وليس لإنتاجه حقيقة، والبحث عن الدعم للتصنيع حاليا هو غير منطقي كما قال الزميل مازن في لقائكم السابق.
ويستطرد: فحتى تستطيع مضخة الأنسولين ضخ الكمية المناسبة الدقيقة إلى الجسم يجب معايرة القياسات التي يتم أخذها من الحساس، وعلى إثرها تقوم وحدة المعالجة بضخ الكمية المناسبة من الأنسولين التي بدورها تحتاج إلى التجارب السريرية لجعل الجهاز آمناً وقابلاً للاستخدام.
فأهم خطوات تطوير الجهاز هي تمكين وحدة المعالجة من قراءة دقيقة من الحساس، وهذه مهمة كبيرة ومعقدة في كل مراحلها، بداية بالتجارب السريرية ثم المعايرة وعملية إدخال معادلات النتائج والمعالجات، وللعلم هذا الجهاز الذي صنعناه بإمكانياتنا البسيطة وفي ظل الحصار، بينما تقوم الشركات العالمية بالتشارك في صناعته، فهو ليس بتلك السهولة، إذ إنه حصيلة خبرات عشرات السنين من الطب والهندسة الطبية، وهناك شركات متخصصة في صناعة المضخة فقط، وشركات متخصصة في صناعة الغرز فقط، وأخرى في صناعة وحدة المعالجة المركزية، لكن إذا حصلنا على دعم لتطوير الجهاز فسيكون نجاحاً كبيراً للوطن قبل أن يكون نجاحاً لنا.

ولادة الفكرة
يوضح المهندس حسين، عن بداية فكرة صناعة الجهاز، بالقول: في البداية فكرنا أولا بصناعة «مضخة الأنسولين» العادية التي تعمل يدويا، حيث يتم إدخال السعرات الحرارية التي أكلها الإنسان، وهي تقوم بحقنه بالأنسولين بالكمية المناسبة. لكن بعد أن قرأنا أكثر عن الموضوع وتعمقنا فيه أدركنا أن هذا الجهاز لو نجحنا في تصنيعه فسيكون إنجازاً كبيراً جدا ومشروعاً عملاقاً. ففكرنا في صناعة بنكرياس صناعي كامل، مكون من الأجهزة الثلاثة الرئيسية: حساس يوضع على الإصبع يعمل بالأشعة تحت الحمراء القريبة (NIR)، وهذا هو الشيء المبتكر تماما في جهازنا عن الأجهزة التي تصنعها بعض الشركات العالمية التي تستخدم تقنية الغرز وليس تقنية الحساس الذي لا حاجة معه إلى غرز الجلد التي تحوي إبرة صغيرة جداً وحساسة.
ويضيف: ميزة الجهاز أنه يحتوي على أقل قطع استهلاكية، فقط غرز أنبوب الأنسولين المتصلة بالمضخة، وهي غير مكلفة كغرز القياس، لأن الأخيرة مزودة بحساس.
ويتابع: هذا الجهاز عملنا عليه جميعا وأخرجناه بالشكل النهائي الموجود حاليا، واشترك الجميع في بنائه وإعداد البحوث والدراسة، وكل واحد منا كان له دور، ولا نستثني أحداً، ولا ننسب الإنجاز لواحد أو أثنين فقط. وقد استغرق منا جهوداً كبيرة على مدى سنتين.

الجهاز غير مكتمل وينتظر الدعم
يقول حسين إنهم حصلوا على أكثر من 50٪ من قطع الجهاز من اليمن، والبقية تم استيرادها، وتمثلت أكبر الصعوبات في استيراد الحساس من الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكن تصنيعه هنا، وأيضا الأنبوب الذي يضخ خلاله الأنسولين يصعب تصنيعه في اليمن، وقد استغرق وصول القطع حوالي 6 أشهر، ولم يدخل الحساس من جانب حكومة المرتزقة إلا بإفادة من الجامعة اللبنانية، وكذلك لم يدخل إلى مناطق سيطرة القوى الوطنية إلا بإفادة مماثلة، نظرا لأنه يمكن أن يستخدم في صناعة الأسلحة، وقيمته 250 دولاراً.
لكن ـ يضيف حسين ـ لو تم إكمال إعداد الجهاز، فهو أيضا أمام معوقات طبية كالمتعلقة بجسم الإنسان، حيث إن الحساس قد تتأثر قراءته بسبب عظم الإصبع ومكونات الدم ودرجة حرارة الجسم وسماكة الجلد ولون البشرة حتى ودرجة حرارة المكان المحيط أيضا. لو تم تجاوز ذلك وإتمام المعايرة والبرمجة، فيمكن صناعة نصف القطع محليا لو وجد الدعم حتى وحدة المعالحة، ويمكن أن يتم استيراد بقية القطع بكميات تجارية من الصين وبتكلفة أقل.
يشير إلى أن الجهاز كلف من 1000 إلى 1500 دولار بوضعه الحالي غير المكتمل، لكن لو توفر دعم حكومي أولا لتطويره وإكماله ثم إنتاجه، فسيكون أرخص بكثير.

حلم طبي عالمي
في العالم 500 مليون مصاب بمرض السكر من النوع الأول، وفي اليمن 500 ألف مريض بالسكري من هذا النوع في أقل التقديرات، وهي إحصائيات غير دقيقة منذ 3 سنوات، لأنهم أكثر بكثير، حسب المهندس حسين.
ويضيف: كل هؤلاء المرضى في العالم واليمن يحتاجون لمعالجات لتنظيم السكر كل يوم بالطرق الطبية التقليدية حاليا، لأن مرض السكر من أخطر الأمراض إذا تم إهماله ويودي بحياة الناس وبباقي صحتهم إذا لم يتم تنظيم مستوى السكر في الدم، فالسكر في المعدل الطبيعي يكون بين 70و110 Mg/dl، فاذا زاد قد يسبب أمراض القلب والعمى والفشل الكلوي، وإذا انخفض يسبب غيبوبة وأمراضاً أخرى، كما أن الأنسولين إذا زاد فقد يسبب نقصاً في السكر، لذلك فموازنة السكر في الدم لدى المرضى الذين فقدت أجسامهم القدرة الطبيعية على إدارة هذه المهمة، عملية دقيقة جدا، وتتم حاليا بطرق طبية بدائية لا تعطي الدقة المطلوبة، خصوصاً في مجتمعنا، حيث نسبة الوعي والتعليم ضعيفة، بالذات عند كبار السن.
ويواصل: طريقة القياس العادية بالشرائح مكلفة وتسبب ألماً، وقد تعطي نتائج غير دقيقة إذا لم يتم القياس بشكل مناسب وسريع وفي ظروف ملائمة، فتحاول الشركات الآن إنتاج جهاز يقيس مباشرة، وبدأوا بفكرة الغرزة التي توضع على الطرف العلوي من اليد أو منطقة البطن وتقيس السكر من خلال السائل الخلوي بين الجلد (ISF)، لكننا فكرنا بما هو أعلى تقنية منها، وهو الحساس الذي يوضع على الإصبع، فيقيس دون غرز الجلد أساسا.

طرقنا باب مسابقة المبتكرين
يقول حسين مشيب: لقد شارك مازن بالجهاز في مسابقة المبتكرين التي أقامتها وزارة الصناعة والتجارة، وعلمنا بذلك متأخرين، وذهبت لأستكمل إجراءات المشاركة لأنه كان مسافرا، ولكننا لم نفز لأنه لم يكن لدينا معلومات كافية بمعايير المسابقة التي تشمل إعداد دراسة الجدوى والخطط التسويقية وغيرها، فمازن اشترك فيها في البداية لوحده، ولم يكن لدينا علم بتلك الأمور.
ويضيف أن الباب الذي طرق حتى الآن بحثا للدعم هو باب وزارة التجارة والصناعة من خلال مسابقة المبتكرين، ودعا وزارة الصحة للاطلاع على جهازهم ودراسة دعم إتمام تجهيزه.
ويختم: إذا كان أي زميل، مازن أو غيره من الزملاء الذين شاركوا في الاختراع، يود تطوير المشروع، فهذا يسعدنا، ولكن بشرط موافقة وإشراك بقية أعضاء المجموعة، وهو مشروع أسمى من الطموحات الأنانية الضيقة، المهم أن ينسب للجميع دورهم في ابتكار وتطوير هذا الجهاز في كل مراحله.