
دمشق:أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
لا يمكن النظر إلى الحرائق التي اشتعلت في الغابات والمناطق الخضراء في محافظات اللاذقية، وطرطوس، وحمص، الواقعة غرب سورية، على أنها مجرد حرائق عادية، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير، والبحث في أسبابها وجذورها يوصلنا إلى قلب الصراع العربي الصهيوني عموماً، والسوري الإسرائيلي بشكل خاص، ومن خلفه العثماني التركي وأدواتهم في المنطقة.
فعدا عن أن الحرائق تمت في المناطق الزراعية والسياحية التي تشكل رئة سورية وتنوعها المناخي والاقتصادي، وترفد المجتمع السوري بمعظم حاجياته من الزيتون والحمضيات ومختلف أنواع الفواكه والخضار الطبيعية والمحمية، فهي تشكل البيئة الحاضنة التي دافعت عن الدولة السورية ومنعت سقوطها في براثن الإسلام الصهيوني (الوهابي الإخواني) ومن خلفه تحالف العدوان برأسه الأمريكي وامتداداته الأوروبية عبر بقايا إمبراطوريات الاستعمار البريطاني والفرنسي البائدة والإدارة الصهيونية لكل هذا التحالف العدواني.
وهذه المنطقة هي التي قدمت العدد الأكبر من الشهداء والجرحى الذين سقطوا دفاعاً عن سورية خلال هذه الحرب الشرسة التي شنت عليها منذ حوالي 10 سنوات، ومازالت مستمرة.
وكما هي المنطقة غنية بتنوعها الجغرافي والمناخي، متنوعة وغنية أيضاً بنسيجها الاجتماعي والديني، وسكانها يعتبرون هم الأكثر حفاظاً (والأصح هم ما تبقى) من الروح السورية الحضارية، الممتدة عبر التاريخ الطويل منذ قدمت للبشرية أساسها الحضاري بدءاً بأبجدية أوغاريت، والألعاب الأولمبية في عمريت، وأول نوتة موسيقية والزراعة والمدارس الفلسفية والفكرية، وإلى هذه المدارس ينتمي سقراط وأرسطو وأفلاطون وفيثاغورث وزينون الرواقي وغيرهم.
يدرك العدو الصهيوني وكل من معه في تحالف العدوان أن من تبقى من خميرة هذه الروح السورية العريقة ومن ينتمي إليها هم من أفشلوا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كان يستهدف السيطرة على كامل المنطقة وثرواتها وإرادة شعوبها انطلاقاً من الميدان السوري، لكن حملة هذه الروح السامية كانوا لهم بالمرصاد وأفشلوهم وهزموهم.
كان منظرو تحالف العدوان برأسه الصهيوني يدركون أن لا حياة للكيان الصهيوني بوجود هذه الروح السورية، وأن المعادلة تقول «إن بلاد الشام لا تتسع لسورية وإسرائيل.. فإما يجب أن تموت سورية لتحيا إسرائيل أو تموت إسرائيل وتحيا سورية».
لهذه الأسباب فقط، شنت الحرب العدوانية الشرسة على الشعب السوري للقضاء على سورية بمفهومها، ودورها، ورسالتها الحضارية، والتاريخية، ودورها القيادي في المنطقة، ولكي تحيا «إسرائيل»، وكانت أدواتهم لذلك العصابات الإرهابية (الوهابية - الإخوانية) الأداة الطيعة للصهيونية وتحالف العدوان.
وبعد الصمود الأسطوري غير المتوقع للشعب السوري، وتحديداً مكوناته المستهدفة بالحرائق اليوم، فشل أسلوب إسقاط سورية في الميدان العسكري، فكان الانتقال إلى حرب الضغوط والحصار الاقتصادي، ومحاولة تجويع الشعب السوري، وكان أبرز تجلياتها «قانون قيصر»، لكن الشعب السوري استطاع أيضاً الصمود وأكثر مما توقع تحالف العدوان، فكان لا بد من استخدام أساليب أكثر شراسة وابتعاداً حتى عن قوانين الصراعات والحروب، من خلال استهداف البيئة البشرية والشرائح الشعبية والاجتماعية التي صمدت وصبرت وحمت سورية، فكانت سلسلة الحرائق التي بلغت على مدى 4 أيام، 156 حريقاً، منها 95 حريقاً في اللاذقية، و49 حريقاً في طرطوس، و12 حريقاً في حمص، نشبت فيها النيران في وقت واحد على مساحة جغرافية واسعة، من هذه المحافظات الثلاث، تمتد على مسافة تزيد عن 150 كلم طولاً.
الأهداف من هذه الحرائق متعددة أبرزها:
- معاقبة الشرائح التي وقفت مع الدولة السورية وكانت نقطة التحول التي أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد.
- إدخال حالة اليأس عند هذه الشريحة من المجتمع السوري ودفع ما أمكن منها لتغيير موقفها.
- تهجير ما أمكن من شباب وأسر هذه المناطق لتشتيتها بهدف ضرب تماسكها البنيوي والاجتماعي.
وقد تأكدت هذه الأهداف عندما امتدت سلسلة الحرائق المفتعلة إلى منطقة لواء إسكندرون السوري المحتل من قبل العدو التركي، والذي يعتبر ببنيته الديموغرافية والاجتماعية والجغرافية امتداداً لمحافظتي اللاذقية وطرطوس السوريتين اللتين اشتعلت النيران في أراضيهما، ومواطنوه مؤيدون في مواقفهم للدولة السورية ومعادون لتركيا وتحديداً لحكومة أردوغان الإخوانية، وذلك بهدف معاقبة مجتمع اللواء على مواقفه هذه.
كما أن أردوغان (كمشروع عثماني، إخواني، وكمسؤول تركي) يدرك أن فشل مشروعه وانتصار سورية سيعيد فتح ملف ضم لواء إسكندرون إلى تركيا بالتعاون والتواطؤ مع دولة الانتداب الفرنسي خلال انتدابها لسورية في ثلاثينيات القرن الماضي وبشكل مخالف للقوانين الدولية.
نستطيع أن نؤكد أن من هزم أشرس وأكثر العصابات الإرهابية عبر التاريخ دموية وإجراماً، ومن استطاع الوقوف في أكبر وأقوى حشد يتم ضد شعب مسالم كالشعب السوري، قادر على الصمود في وجه الحرائق التي كان لها دور -من جانب آخر- في إيجاد موجة تعاطف غير مسبوقة مع شعب المناطق المنكوبة، ونبهت الشعب السوري إلى أن مخطط استهداف سورية مستمر ولم ييأس تحالف العدوان بعد من مشاريعه.
هي بقايا محاولات تفشل الواحدة تلو الأخرى، وستفشل أهداف الحرائق، و«إن غداً لناظره قريب».
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا