ليزا جاردنر / مرافىء -

في فراش الموت أطلق صرخة مرتعشة، ورمى بيده كل أوراق حياته. بدأ جسدُه يهترئ، ويعيد إلى عقل لثوان حبل وادي ذكرياته ولا يرى شيئاً واضحاً، إنه فقط يشاهد بضبابية صورَ بيته وزوجته وأولاده، وحانوت كان يعمل به ليغذي كفاف الحياة. كان يقضي من يومه اثنتي عشرة ساعة، وكانت كل دقيقة تمضي يتلاشى معها رويداً رويدا. ذبلت كل الأحلام واندثرت كل المحاولات الفارغة لإنقاذه. استقبل نمط الحياة تحت قمع أوجاع الجسد، وتساقطت أسنانه وسقطت معها أفكاره اليسارية الثائرة وسيرته الذاتية! أصبح يسبح في تيار الرأسمالية. يصطاد الجنيه الاسترليني ويحصد العدم، يبني أوهامه المستقيمة والجميلة في عالم اليوتوبيا. نسج جدارها العظيم من فتات أوجاعه وأوجاعها. إنه لا يعيش! كان ممزقا بين مفترق الطرق.
أين ذلك الطفل الصغير المغامر؟! لقد سَرِقت منة الكهنة كل أمنياته! وأضحى يتنفس ويختنق من تلوث المجتمع، ومع هذا أبرم اتفاقاً مع المجتمع المريض وانصاع وتطأطأ رأسه لجميع عاداته. أصبح المسكين يهرول وراء القطيع، ويقوده غباؤُه وصراخُه، وازداد خوفُه من Big Brother الذي أمر بإحراق كل كتاباته، وتحررت منه لمحة صغيرة فرّت بأفكارها الغريبة بعيداً عن وصاياهم العشر، بعيداً عن أركان الإسلام، ودفنت الصليب وكل الأديان، فإذا به يتديّن بالحب ويؤمن بالإنسان من قمع الوهابية، من جبروت ومظالم الراديكالية، ومن تعسّف الكاثوليكية تبرأت من البطريركية، ومن الكاهن. وتقيأت كل أيديولوجية وشعاراتها، وأبحرت بعيدا!
احتفظ بما تبقّى من الذات، أحرقها على أرض خصبة لتلد أجمل النباتات، فهربت الفكرة من عالم الصخب والملذات إلى عالم الثبات، وحزمت أمرها ولمّت حقائبها، فتحشرج صوته بمرارة، وشَخُصَتْ عيناه وجحُظت، ثم مات وفارق الحياة!
* كاتبة بريطانية يمنية الأصل