بشرى الغيلي / لا ميديا -

على مر التاريخ والأحداث تظل المرأة بمنأىً عن أي اعتداء، خصوصاً في المجتمعات المحافظة كمجتمعنا اليمني، وما حدث مؤخرا للنساء من اختطاف في مأرب من قبل المرتزقة المأجورين ومن باعوا قيمهم وكرامتهم مقابل حفنة من المال المدنس، قوبل بالرفض من جميع فئاتِ المجتمع لهكذا سلوكيات ضربت بكل الأعراف والتقاليد والقوانين الدولية عرض الحائط. صحيفة «لا» استطلعت آراء مجموعة من شرائح المجتمع تمثل الحقوقيين والأكاديميين والمواطنين الذين استهجنوا واستنكروا هذه الحادثة، فإلى السياق..

سقوط مدو
أميرة العراسي (مستشارة في وزارة حقوق الإنسان) تقول: «في الحروب، تتلاشى كثير من القيم المجتمعية والقيم الإسلامية والإنسانية، في ظل قبح العدو عندما يقوم باستخدام الفئات الأشد ضعفا لتنفيذ أجنداته اللاإنسانية وغير المنطقية وغير العقلانية، وما حدث في مأرب من اختطاف لنساء لأسباب واهية ومن وسط القبيلة المأربية، جريمة لا تسقط بالتقادم ولا تقل وحشية عن الغارات التي ارتكبت بحق المدنيين من الأطفال والنساء».
وتضيف العراسي حول جزئية أنهن نازحات ومع ذلك وقعت جريمة الاختطاف: «نعم نازحات، ولكن ضمن إطارهن الجغرافي، أي هن يمنيات، وفي بلدهن تمت هذه الجريمة المتجردة من الإنسانية أيا كان المكان المرتكب فيه هذا الجرم، فهي جريمة ولا يوجد لها أي مبرر لشرعنة هذا الفعل الجبان، نعم يفترض أنهن لجأن لمأرب لتحميهن من الموت بسبب هذا العدوان، ولم يكن يتخيلن أن من حماهن من الرصاص هو بيده من قام بالإبلاغ عنهن واعتقالهن وإرسالهن إلى العدو السعودي، ليسقط بذلك الفعل من قائمة الرجولة أولا ومن قائمة الإنسانية ثانيا، ومن قائمة الوطنية ثالثا، وكان سقوطه مدويا لا قرار له.

خطورة ترويض الوعي الأخلاقي
د. أحمد عبدالله الصعدي، أستاذ فلسفة الأخلاق بقسم الفلسفة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صنعاء، يقول: «اختطاف النساء من قبل جهات تدعي أنها رسمية وأشخاص معروفين يدل دلالة مباشرة على انحدار خطير في القيم التي كانت تميز المجتمع اليمني، فبصرف النظر عن مكانة المرأة في نظر المجتمع، كان المساس بها محظورا إلى حد أن الرجال كانوا يتحصنون بالنساء إذا أرادوا المرور عبر مناطق يحتمل أن يتعرضوا فيها للقتل بسبب الثأر».
ويضيف د. الصعدي: «المزعج في هذا الأمر هو أن حالات التعرض للنساء اختطافا أو قتلا أو اغتصابا باتت تتكرر، وأن ردود الأفعال ليست متكافئة مع جسامة الجرائم، وهنا في اعتقادي تكمن الخطورة الحقيقية، خطورة ترويض الوعي الأخلاقي والاجتماعي لقبول جرائم الاعتداء على النساء والتعايش معها كجرائم اعتيادية لا تثير الغضب والحمية ولا تستفز مشاعر المجتمع. ما يجب على كل فرد هو ألا يقف موقف اللامبالاة، بل أن يستهجن هذا الصنف من الجرائم ضد النساء وأن يفعل كل ما بوسعه لعدم تكرارها».

يجب أن يكون للقبائل اليمنية كلمتها ودورها
محمد الشهاري (إعلامي) يدلي برأيه في موضوع اختطاف النساء قائلا: «على مدى قرون طويلة واليمني مازال محافظاً على عادات وتقاليد توارثتها الأجيال، وعندما جاء الإسلام عزز من مكانة هذه العادات وعظم مكانتها في الحياة العامة، ومنها احترام المرأة باعتبارها إنسانة أولاً، وثانياً باعتبارها الأم والأخت والزوجة والابنة التي لولاها لكانت الحياة مسخاً لا مقدرة لنا عليها».
ويضيف الشهاري: «التعرض للمرأة بأي شكل كان، يعتبر تعدياً على الإنسانية التي ساوت مكانة المرأة، وتعدياً على الدين الذي رفع من قدر المرأة، وتعدياً على العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة التي احترمت وعززت من مكانة المرأة».
ويختم رأيه بدعوة القبائل اليمنية إلى أن يكون لها كلمتها ودورها الفعال، «فالحرب مهما طالت ومهما كانت نتائجها يجب ألا تخرج عن إطار المعقول وتقتحم مساحات كانت إلى الأمس القريب في حكم المقدسة، ومنها ما يخص المرأة. للحرب رجالها وميادينها، ومن يحاول أن يقحم المرأة أو يتعرض لها يجب أن تقف جميع الأطراف ضده حفاظاً على ما تبقى لنا وفينا من إنسانية».

طبائع دنيئة
خديجة عبدالرحيم (خريجة كلية التجارة والاقتصاد ـ جامعة صنعاء) تقول: «هذه الأعمال المقيتة تظهر مدى التخبط والخوف والذعر لدى هؤلاء المرتزقة المنحطين والمتجردين من كل القيم والمبادئ الإسلامية والأعراف القبلية».
وتضيف: «هذه الجريمة وغيرها تكشف بجلاء نواياهم الخبيثة وطبائعهم الدنيئة. ليس غريباً على مرتزقة باعوا أنفسهم بالمال ألا يفرقوا بين نساء أو رجال أو نازح أو مقيم. حالة هستيريا، خصوصا بعد الانتصارات العظيمة للمجاهدين في مأرب».

عقوبات صارمة
صفاء محمد (ربة بيت) تقول: «مثل هذه الأخلاق ليست في مجتمعنا وليست فقط عيباً أسوداً بل هي عار وترقى لجرائم الحرب، والإخوان المسلمون يظهرون بوجههم القبيح كلما مر يوم تزداد تصرفاتهم انحطاطا، وعلى القبائل اليمنية فرض عقوباتٍ صارمة تجاه أي فصيلٍ، كائناً من يكون، ليتم تعزيره وضبطه وجعله عبرة لكل من تسول لهم أنفسهم القفز على قيمنا وعاداتنا التي ظلّت مقدسة حتى عهدٍ قريب». 

إقحام النساء في الصراعاتِ عمل جبان
مصطفى أحمد المروني (المستشار الإعلامي بوزارة التربية والتعليم) بدأ حديثه قائلا: «تعتبر جرائم العدوان الغاشم ومرتزقته باختلاف أنواعها وأشكالها جرائم حرب، فها هم يتمادون وكما هي عاداتهم في ارتكاب أبشع الجرائم، متناسين كل الأعراف والقوانين، وفي غمرة احتفالنا بيوم المرأة المسلمة ولما لها من مكانة عظيمة، تهان المرأة اليمنية بأيدي مرتزقة العدوان، وهي واحدة من الجرائم المضافة إلى رصيد العدوان ومرتزقته».
ويضيف المروني: «اختطاف النساء النازحات من منازلهن من قبل عناصر حزب الإصلاح المرتهن، يؤكد تجردهم وكل مرتزقة العدوان من القيم والمبادئ والأخلاق والأعراف، ولا يمكن أن نسكت على مثل هذه الجرائم التي تتنافى مع القيم وأعراف القبيلة اليمنية المتوارثة منذ آلاف السنين، وجريمة الاختطاف عيب أسود في العرف القبلي وانتهاك سافر لكل القيم والأعراف والقوانين المحلية والدولية». 
ويختم بإشارةٍ إلى أن ارتكاب هذه الجريمة وإقحام النساء في الصراعات والنزاعات «عمل جبان يجسد انهيار صفوف أذناب العدوان قبل لحظة الحسم والإذن لأبطال الجيش واللجان الشعبية والقبائل اليمنية بتحرير مأرب، وعلى قبائل اليمن الشرفاء تعزيز التلاحم والاصطفاف في خندق الدفاع عن الوطن وإعلان النفير العام ورفد الجبهات بالمزيد من الرجال للرد على هذه الجريمة المروعة وسرعة تحرير مأرب وتخليص أهلها من دنسهم وشرهم، ولا فرق بين نازح ومقيم، وبين عجوز وطفل عند من انسلخت أخلاقهم ومارسوا أبشع الجرائم في حق الشعب اليمني، فمن اعتاد على سفك دماء الأبرياء وحاصر شعب بأكمله بحرا وبرا وجوا، لا فرق لديه في أن يقوم بأعمال دنيئة تدل على وضاعة وحقارة مرتكبيها، فمن باع أرضه وعرضه للأمريكان ولقوى العدوان لا يضيره أن يقوم باختطاف امرأة أو قتلها، وهذه الأعمال ليست جديدة عليهم، فقد سبق لهم أن فتلوا واغتصبوا وسحلوا، فهم مجردون من الأخلاق والقيم والمبادئ».

عديمو الشرف
المهندس الزراعي وائل مهدي هادي، كان له وجهة نظر لخصها في بضعةِ كلمات قائلا: «الاستنكار والإدانة لم تعد تجدي مع عديمي الشرف هؤلاء، فماذا نتوقع منهم؟ فهذا العمل أصبح لهم مهنة لكسب المال المدنس، طوال 6 سنوات أثبتوا أنهم لا يعرفون معنى العرض والشرف، وهذه العينات أصبحت عاراً على الارتزاق والعمالة في اليمن، بخاصة أن العرض هو من أقدس المقدسات، فمن لا يُقدر الأعراض لا يُقدر الظرف الإنساني باعتبار أنهن نازحات».

انتهاك صارخ للمواثيق الدولية
أمل الماخذي (ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان) تقول: «جريمة مخزية جدا وعار على من ارتكبها، بالإضافة إلى كونها انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية والوطنية، أما كونهن نازحات فهذا يكشف كذب المختطفين بأنهن جاسوسات لصالح الحوثي، أي معلومات ستمتلكها نازحات ليس لهن ولا لأزواجهن أو أسرهن علاقة بالعمليات العسكرية أو أي تحركات يستخدمها طرف الحوثيين في سير المعارك».
وأشارت الماخذي إلى قيام المرتزقة بتسليم النساء المختطفات إلى العدو السعودي بالقول: «واضح أن من باع أرضه وسلمها للمحتل لن يتورع في بيع عرضه ويرتكب العيب الأسود».

صولات المقادم
عبدالرحمن اللاحجي (مواطن) يقول: «ما أقدم عليه المرتزقة بمحافظة مأرب قبل نحو أسبوع من اختطاف للنساء الآمنات وترويع أطفالهن واقتيادهن بطريقة مشينة إلى السجون، يعد أمرا دخيلا على المجتمع اليمني الأصيل وعلى القبيلة اليمنية تحديدا، ويرقى ذلك الفعل المشين -حسب أعراف القبيلة وأسلافها- إلى أعلى درجات العيب الأسود».
ويضيف اللاحجي: «ونتيجة لذلك العمل الدخيل على قيم المجتمع فقد هبت القبل اليمنية من مختلف العزل والمديريات مزمجرة وملبية لداعي النكف القبلي ومعلنة «صولات المقادم» (أعلى درجات الاستنفار)، وتأهبت بكامل قواها وعتادها الحربي لتأديب الدخلاء والمأجورين، ولعلكم سمعتم قبل ساعات عن بارق النصر الأكبر وهو يلوح بالأفق من على تخوم المحافظة».
اتفقت جميع الآراء على بشاعةِ الحادثة التي تعتبر دخيلة على المجتمع اليمني الذي جعل للمرأة مكانتها ونأى بها عن أي صراع، ويعتبر التعدي عليها خطاً أحمر، ناهيك عن أنهن نازحات هربن من جحيم الحرب والقصف ليجدن جحيما أكثر سوءا، وهنا يتجسد قول القائل: كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ... مما جعل القبائل اليمنية تعلن النكف القبلي لتأديب المأجورين.