تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
في الوقت الذي مازال فيه سكان المحافظات المحتلة يتجرعون علقم العملات غير القانونية المستنسخة في العام 2019 والتي تواصل استفزازهم وسحق أوضاعهم المعيشية، فاجأتهم حكومة العدوان منتصف الشهر الماضي بمصيبة جديدة نسخة 2021، وحسب خبراء فإن النكبة الجديدة أشد وأقسى وأمر من علقم العملات الروسية نسخة 2019.

مؤامرة نقدية
ضرب الاقتصاد الوطني أحد أهم أهداف العدوان على اليمن، والذي سعى لتحقيقه بأبشع الوسائل وأرخص الأساليب من حصار خانق وتدمير للقطاع الإنتاجي وإغراق الأسواق بعملات مزيفة وأخرى مزورة، ويهدف العدوان من خلال هذه المؤامرة النقدية إلى استهداف كل اليمنيين دون استثناء سواء كانوا في شماله أو في جنوبه.
ولكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي مؤامرة العدوان النقد ورقية.
فيما يبدو أبناء المحافظات في مناطق السيادة الوطنية بعيدين عن شر العملات غير القانونية، بعكس أبناء المحافظات المحتلة الذين يجدون أنفسهم كضحايا ويحصدون شر ما طبعه العدوان في روسيا من هذه العملة، ليبقى سكان اليمن المحتل في دائرة الاستهداف وسط جحيم مستعر من الأزمات الاقتصادية المعيشية المتلاحقة والمتوالية والمتضاعفة والتي تنهش أرزاقهم وتغتال أقواتهم.

 نكبتان
في حين مازالت نكبة العملات المزيفة التي تمت طباعتها بالشكل المغاير للعملة الوطنية سارية المفعول منذ العام 2019 في الجنوب المحتل، وعلى إثرها هبط سعر الريال في مناطقهم إلى 940 مقابل الدولار الواحد الذي يستقر عند 599 في مناطق السيادة الوطنية التي تم تحصينها من داء تلك العملات المزيفة.
المواطن اليمني في الجنوب المحتل الذي كان ومازال يعاني من نكبة العملة المزيفة، بات الآن يواجه نكبة جديدة تتمثل في العملات المزورة والتي جاء مفعولها سريعا، فخلال 48 ساعة من وصولها اقترب الدولار من حاجز الألف ريال يمني أي ضعف السعر في صنعاء، وتوقع خبراء أن يرتفع سعر الدولار في الجنوب المحتل إلى 1500 ريال للدولار الواحد.

ضربة استباقية
«حكومة صنعاء» هذه المرة استفادت من أخطائها السابقة في احتواء العملات غير القانونية وإفشال مؤامرات العدوان النقد ورقية المتدفقة من روسيا بدءا من العام 2017 الذي شهد تدفق أول دفعة من المطبوعات النقدية إلى بنك عدن من فئة 1000 ريال يمني، حينها غضت الحكومة الطرف عنها بحكم ظروف المرحلة التي كانت تتطلب طباعة أوراق نقد جديدة كبدل تالف.
وفي 2019 قام مرتزقة العدوان وبطريقة غير قانونية بطباعة أوراق نقدية مزيفة من فئات 100، 200، 500، 1000، وبأشكال مغايرة للعملة الوطنية، ورغم عدم قانونيتها إلا أن الناس كانوا يتداولونها وبشكل محدود في مناطق السيادة الوطنية، لتتمكن الحكومة في ما بعد من امتصاص تلك الضربة الاقتصادية بأقل التكاليف بعد تدفقها إلى مناطق السيادة الوطنية، ففي ديسمبر 2019 أصدر البنك المركزي بصنعاء قرارا بحظر تداول تلك العملات، وأعطى مهلة محددة لمن يكتنزون من تلك العملات بتسليمها إلى البنك واستبدالها بأخرى وطنية، وبمجرد انتهاء المهلة المحددة صارت تلك العملات منبوذة تماما في المناطق المحررة وتحولت إلى قراطيس لا قيمة لها، ولم تفقد قدرتها الشرائية فحسب، بل إنها فقدت قدرتها حتى على طرق أبواب الخير والإحسان، فبعد 24 ساعة من انتهاء المهلة التي حددها البنك إذا حدث وأن حاولت التصدق بتلك العملة كأن تعطيها لمسكين وشحاذ فإنه يرفضها.
محافظ البنك المركزي في صنعاء هاشم إسماعيل، وفي تصريحات سابقة لصحيفة «لا» على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده منتصف الشهر الماضي بخصوص منع تلك العملات، قال: «كنا نخطط لهذا اليوم قبل وقوعه، وكنا نرصد التحركات ونتابع كل المعلومات، وكان القرار جاهزا ولم نعلن عنه، حتى تأكدنا من وصول أول كرتون إلى بنك عدن، ولم ننتظر حتى إفراغ بقية الحاويات النقدية، ومن أزعجونا في ديسمبر 2019 حين قررنا منع تداول العملات المزيفة متوقع أن نسمع منهم نفس العويل».

تزييف وتزوير
العملات غير القانونية المزيفة التي طبعها العدوان في 2019 من فئات 100 و200 و500 و1000 ريال، وجميعها بأشكال مغايرة للعملة الوطنية الرسمية، لم تكن بحاجة حتى إلى قدرات بسيطة من قوة ملاحظة لتمييزها كعملة غير قانونية، بعكس الطبعة الجديدة كونها نسخة مزورة للورقة النقدية من 1000 ريال المتداولة في مناطق السيادة الوطنية وتم تزوير تاريخ صدورها على أنها في 2017، وما يميزها عن العملة القانونية هو حرف (د)، وهو ما يتطلب الفحص والتدقيق لتحري الدقة عن وجود حرف (الدال) من عدمه، وهذه الطريقة تسهل على الشخص المتعلم وعلى الأقل من يجيد القراءة، وربما يصعب على الشخص الأمي الذي لا يفرق بين الألف والدال وغيرهما من الحروف الأبجدية.
صحيفة «لا» طرحت هذه المشكلة على إسماعيل خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد منتصف الشهر الماضي، فأجاب قائلا: «الشخص غير المتعلم يجب أن يسأل غيره هل هذه عملة قانونية أم مزورة.. نحن لا نريد الخسارة للشخص مثلا أن يستلم 100 ألف ريال بينما هي في الحقيقة لا تساوي سوى 50 ألف ريال، ونحن بصدد حملة توعوية جماهيرية».

وعي مجتمعي
وأضاف: «نحن نراهن على الوعي المجتمعي في إحباط مؤامرات العدوان بمقاطعة هذه العملة المزورة ومنع تداولها، ومن منع بالأمس تداول العملات المزيفة التي طبعت عام 2019 ليس البنك المركزي، وإنما الوعي المجتمعي هو الذي منع تلك العملات، وهو الذي سيمنع تداول العملة الجديدة المزورة».

تهديدات أمريكية
يؤكد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن الإدارة الأمريكية تخطط منذ سنوات لاستخدام الورقة الاقتصادية في حربها على اليمن، وأن التهديدات الأمريكية العلنية بتدمير الاقتصاد اليمني مستمرة منذ عهد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري.
ويقول: «هناك مخطط أمريكي لاستهداف الاقتصاد اليمني وكشف عنه أيام وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، ومنذ ذاك الحين والتهديدات مستمرة، فالحرب الاقتصادية التي توعد بها السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر في أغسطس 2016 أثناء لقائه بالوفد الوطني المفاوض في الكويت بتشديد الحصار الاقتصادي وقتل الشعب اليمني جوعاً، محاولاً الحصول على تنازلات سياسية، ووصفها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال مؤتمر صحفي عقده في الـ25 من أغسطس من العام ذاته في مدينة جدة السعودية بالإجراءات القاسية، قد تحققت وفقاً لما قاله السفير الأمريكي آنذاك.. واستمر التهديد في عهد جو بايدن، وتهديدات المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندر كينج كانت واضحة وضوح الشمس، إذ أكد أن إدارة بادين تراهن على الورقة الاقتصادية، وهي مكشوفة بالنسبة لحكومة صنعاء، لذا نجدها في أية مفاوضات تشترط رفع الحصار قبل وقف العدوان لأنه لو وقف العدوان سيتم استخدام الحصار كورقة ضغط كبيرة».
ويلفت الحداد إلى أن الحكومة الأمريكية تقف وراء إفشال كل محادثات السلام حفاظا على مخططها، وأن حكومة المرتزقة تسعى لتنفيذ ذات المخطط الأمريكي بطباعة التريليونات من العملات غير القانونية كمحاولة منها لتغطية فشلها الاقتصادي في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. مشيرا إلى أن تلك المحافظات المحتلة تمتلك الإيرادات النفطية التي كانت تغطي الموازنة العامة للدولة بنسبة 75٪ إلى ما قبل العدوان.

خزانة عدن
ويضيف: «حاليا يتم توريد المبيعات لحساب البنك الأهلي السعودي، ولا تورد إلى بنك عدن الذي أصبح لا يملك شيئاً سوى الاسم، لأنه أصبح مفرغاً من وظائفه ولم يعد يسيطر حتى على تلك الطبعات النقدية التي ضخها للأسواق، فأصبح مجرد خزانة أو صندوق ويقتصر دوره على استقبال شحنات الأموال وصرفها حسب المخطط المرسوم له، ووصل به الحال في بداية العام إلى أنه يقترض من شركات الصرافة 16 مليار ريال».
وحول لجوء حكومة المرتزقة إلى طباعة أوراق نقدية مزورة بنمط الشكل القديم المتداول في المناطق المحررة، يؤكد الحداد أن «هناك سببين رئيسين دفعا حكومة المرتزقة لتزوير العملة الوطنية بشكل فاضح، الأول: عزوف المستثمرين وأصحاب الصرافة بالمحافظات الجنوبية عن التعامل مع أوراق المرتزقة المطبوعة بالشكل الآخر في روسيا وإغراق الأسواق بأكثر من تريليون ريال منها متسببة في انهيار شديد لقيمة الريال اليمني وارتفاع جنوني للأسعار في المحافظات التي يتم تداول تلك العملات فيها. السبب الثاني: محالة إغراق الأسواق المحلية في مناطق السيادة الوطنية بهذه العملة ومحاولة اختراق الإجراءات التي اتخذتها حكومة صنعاء بخصوص العملات غير القانونية التي طبعها المرتزقة».

على المدى البعيد
ويصف الحداد الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي بصنعاء بالحاسمة في ما يخص العملة المزورة التي قام العدوان بطباعتها مؤخراً، باعتبارها غير قانونية كما هو الحال مع الفئات النقدية المزيفة التي سبق وأن طبعها العدوان في 2019، والتي لم تواجه الحكومة حينها أدنى صعوبة في منع تداولها في مناطق السيادة الوطنية بعكس الصعوبة التي قد تواجهها مع الطبعة الجديدة المزورة.
ويتابع: «بالنسبة للعملات المزيفة التي تمت طباعتها بأشكال مغايرة للعملة الوطنية كان من السهل منع تداولها، أما في ما يخص محاصرة الطبعة الجديدة المزورة، نعم هناك صعوبة ولكن على المدى المتوسط والبعيد، وخصوصا في مناطق التماس، ونحن نتعامل بعملات شبه ممزقة ومشوهة، وربما يلجأ البعض لخدش حرف الدال أو تمويه الاختلاف بين العملتين وتمريرها وبشكل محدود، وبالذات في مناطق التماس في تعز وإب والضالع والحديدة، وعلى المدى البعيد ربما سيكون هناك صعوبة أكبر في محاصرة تلك العملة».ويؤكد أن الطباعة غير القانونية للعملة تنهك الاقتصاد الوطني بشكل عام، وأن أبرز المتضررين من تلك الطبعات النقدية هم أبناء المحافظات المحتلة الذين باتوا يفقدون 40٪ من دخولهم الشهرية، ويخسرون نصف أموالهم عند تحويلاتهم النقدية إلى المناطق المحررة».

مخطط عدواني
يؤكد المستشار الاقتصادي في المجلس السياسي الأعلى البروفيسور عبدالعزيز الترب أن صمود الشعب اليمني أربك حسابات تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي كان يراهن على انهيار الريال اليمني وإلغاء التعامل به بعد أن يصبح بلا قيمة ليتم إحلال الدرهم الإماراتي والريال السعودي محله.
ويقول الترب: «بدأوا يدفعون لمرتزقتهم بالدرهم الإماراتي والريال السعودي كجزء من المخطط الذي يستهدف إلغاء التعامل بالريال اليمني، وكذا بمحاولة إضعاف قيمته أوعزوا لمرتزقة الفنادق بطباعة كميات هائلة من الأوراق النقدية غير القانونية».
ويشير إلى أن لجوء العدوان في هذا التوقيت إلى تزوير الأوراق النقدية المتداولة في مناطق السيادة الوطنية يأتي ردا على الانتصارات الأخيرة التي حققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في جبهة جيزان، وما عجزت السعودية عن تحقيقه عسكريا تحاول تحقيقه اقتصاديا بتلك الأوراق النقدية المزورة. 
ويضيف: «هناك سبب آخر، وهو أن شرعية الجمهورية اليمنية بصنعاء منتصرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ويحاول العدوان إرهاق اقتصادها، بتزوير عملتها، معتقدا أنها ستمر مرور الكرام، لكن يقظة المخابرات وأجهزة الأمن وكذا حكمة البنك المركزي في صنعاء كانت لها بالمرصاد وتم كشفها قبل تداولها، وهنا لا بد من توعية جماهيرية، ومعها نستطيع أن نحبط كل مؤامرات العدوان وأن نرهق سماسرته».

موجة استياء
أثارت الطبعة الجديدة من العملة غير القانونية فئة ألف ريال التي قامت حكومة المرتزقة بطباعة تريليون ريال منها دون غطاء وضخها للأسواق، موجة انتقادات واسعة من أبناء المحافظات المحتلة الذين يرفض الكثيرون منهم تداولها، فيما دشن ناشطون جنوبيون حملة لمقاطعتها ورفض التعامل بها باعتبارها أسوأ كارثة اقتصادية، فبمجرد وصولها فقدت العملة في الجنوب ما يقارب 50 ريالاً من قيمتها، إذ ارتفعت قيمة الدولار من 920 إلى 970 ريالاً، ومازال الصعود مستمرا. وحذر خبراء من أن الطبعة النقدية الجديدة ستؤدي إلى تدمير العملة اليمنية، متوقعين أن ينهار الريال اليمني إلى حدود 1500 ريال للدولار الواحد، وأكدوا أن الريال سيفقد 500٪ من قيمته، إضافة إلى ارتفاع في أسعار السلع بنسبة 60٪