روجيه عوطة -
تعيد الحوادث الأفغانية، ومن باب وضع النساء في البلاد إثر استيلاء طالبان على الحكم، إلى تجربة الشاعرة ناديا أنجمن.
ولدت أنجمن عام 1981 في مدينة هرات التي تقع في غرب أفغانستان، وتعد الثالثة بعد كابل وقندهار. في مطلع شبابها، شاركت في إطلاق الـ Golden Needle Sewing School. هذه المدرسة كانت قد تأسست في منزل محمد علي رايهاب على يد عدد من الكاتبات (والكتاب) بطريقة سرية، بعد أن سيطرت طالبان على هرات، مشرعةً في تطبيق قوانين القمع والتعسف بحق مجتمعها، لاسيما أنه يشتمل على نسبة كبيرة من الشيعة الأفغان.
أطلق هؤلاء مدرستهن، بدايةً، كحلقة أدبية، أخذت على عاتقها مهمة أساسية، وهي الحفاظ على علاقة المنتسبات إليها بالكتابة والقراءة كممارستين ثقافيتين. تصف الصحافية البريطانية كريستينا لامب تلك الحلقة في كتابها عن هارت بعنوانThe Sewing Circles of Herat: My Afghan Years، بالإشارة إلى أن أعضاءها كان يصلن إلى المدرسة تحت البرقع، قبل أن يخرجن كتب جايمس جويس وديستويفسكي وشكسبير وسواهم، وينطلقن في النقاش حول مقروئهن، أو في مشاركة ما كتبن من نثر وشعر. وخلال ذلك، كان دوما هناك أطفال يلعبون في الخارج، ودورهم أن يقدموا على إعلامهن في حال لاحظوا أن البوليس قد اقترب من مكانهن. لقد كن يحافظن على علاقتهن بالكتابة والقراءة الأدبيتين في ظل التهديد المستمر لحيواتهن، إذ إن أي اكتشاف لوجود مدرستهن كان سيؤدي إلى إعدامهن.
كانت أنجمن جزءاً من هذا العالم الأدبي السري، وقد تعرفت فيه على تجارب شعرية أفغانية كثيرة، خصوصاً النسائية منها،
 كتجربة الشاعرة والمناضلة الثورية مينا كيشوار كمال. مثلما أنها غاصت في روايات بلزاك وديكنز وتولستوي والشيرازي. بالتوازي مع هذا، واظبت أنجمن على كتابة القصائد، التي كانت تنطوي على قدرة إبداعية واضحة. ففي عمر العشرين، كانت قد انطلقت، وبحسب جارها رايهاب نفسه، في بناء صوتها الخاص. فعلياً، هذه القصائد، ستعود أنجمن إلى جمع الغالب منها في مجموعة شعرية، نشرتها عام 2005، حاملةً عنوان «زهرة سوداء». دارت معظم هذه القصائد حول ما تعانيه أنجمن من جراء تعرضها للستر والمنع والحبس، فتكتب في إحدى قصائدها: 
«لا رغبة لي في فتح فمي/ ما لي من الغناء...؟ أنا المدانة على طول الحياة/ لا فرق عندي بين أن أغني أو لا/ لماذا عليّ أن أتحدث برقة طالما أنني أشعر بالمرارة؟/ آه، لفرح القامع، يقفل فمي/ لا رفيق لي في الحياة/ مع مَن في مقدوري أن أكون لطيفة».
فعليا، يمكن القول إن سمة هذه القصائد، أو الغالب منها، هي تلونها بالسوداوية، التي تبدو أنجمن، وفي أثرها، كأنها، وكما تقدم ذاتها، على كدر دائم: «في هاوية القلب، دقاته ترتفع… أنا المملوءة بالذكريات باستمرار... حتى الليل يأخذ طريقه ويلحقني... فأصير أغنية الوداع الأكثر حزناً».
بعد أن سقط حكم طالبان، دخلت أنجمن إلى الجامعة في هرات، حيث درست الأدب. ولكن، سقوط ذلك الحكم لا يعني أن القمع الذي تتعرض له توقف، فما إن اقترنت بزوجها، حتى بدأ بتعنيفها، الذي أدى، وفي نهايته، إلى قتلها. خلال عيشها تحت سلطة المُعنف، استمرت أنجمن في كتابة القصائد، وقد عقدت نيتها على نشر الغالب منها في مجموعة تحت عنوان «في فرط القلق»، وهذا، ما لم يحصل. فتكتب أنجمن في قصيدة من هذه القصائد عن «الفتيات اللواتي كبرن في الوجع»، واللواتي «ابتعد الفرح عن وجوههن»، حيث إن السلطات على أجسادهن ونفوسهن قد جعلت من قلوبهن قلوباً شائخة، كما جعلت شفاههن كمحيط معتم، لا ابتسامة تبرز عليه. فعلياً، أنجمن، وفي كتابتها عن هؤلاء الفتيات، هي تكتب عنها وعن الأفغانيات اللواتي أطاحت تلك السلطات حرفياً بهن. وهذا، تماماً، كما حصل مع الشاعرة نفسها، إذ تروي لامب أن أهلها، مثل زوجها، قد وجدوا أن كتابتها الشعر قد تلحق العار بسمعتهم، فحاولوا منعها عنها، إلا أنها واصلت ذلك حتى قتلها زوجها المعنِّف. فالذي لم تستطع طالبان فعله، حققه هذا الزوج بحق أنجمن، التي كانت تبلغ خمسة وعشرين عاما حين أرداها بضربه، جثةً، فصار صوتها، مثلما تكتب عن تلك الفتيات، صرخات مكتومة تصل إلى السموات، فتنزل على الأرض كأمطار. إلا أن هذه الأمطار هي «خطواتهن الخضراء» أيضاً! 

المصدر: جريدة المدن الإلكترونية