خاص- استطلاع: أحمد رفعت يوسف - دمشق / لا ميديا -
شكلت الاعتداءات "الإسرائيلية" المتكررة على مواقع متعددة في الجغرافيا السورية حدثاً قائماً بحد ذاته، في الميدان السوري الملتهب، والذي شهد خلال سنوات العدوان على سورية خلال أكثر من عشر سنوات كل أنواع القتال والصراعات والاشتباكات والتماس بين القوى الإقليمية والعالمية.
الكيان الصهيوني يقول إنه يستهدف باعتداءاته مواقع لإيران بهدف منع تمركزها في سورية وخاصة في المناطق القريبة من الحدود مع فلسطين المحتلة، ولوقف إمدادات إيران لحزب الله بالأسلحة. لكن الواقع على الأرض يؤكد زيف هذا الادعاء، ويقول إن الكيان الصهيوني يستهدف بالدرجة الأول مساعدة المجموعات الإرهابية المسلحة، والتي تنفذ بشكل أو بآخر سواء بعلمهم أو بجهل البعض مخطط "الشرق الأوسط الجديد" الصهيوني الأمريكي.
الرد السوري على هذه الاعتداءات كان مدار تساؤل وخاصة من قبل مختلف شرائح المجتمع السوري التي اعتبرته غير كاف. وتثار التساؤلات في كل مرة: إلى متى ستستمر هذه الاعتداءات؟ ومتى سيتم الرد المناسب عليها؟ وأين وسائط الدفاع الجوي وخاصة "إس إس 300"؟ وأين الحليف الروسي؟
وللوقوف أكثر على حقيقة الموقف حول هذا الموضوع استطلعت"لا" آراء عدد من الخبراء والمتابعين لتوضيح الصورة أكثر.

مهما كانت قدرات الدفاع الجوي فلن تمنع العدوان
الخبير والمحلل العسكري العميد المتقاعد هيثم حسون يقول: "بدأت إسرائيل اعتداءاتها مع بداية الحرب على سورية بالتزامن مع عمليات هجوم ممنهج ومخطط على مواقع الدفاع الجوي للجيش العربي السوري والذي كان حتى عام 2011 أحد أقوى أسلحة الدفاع الجوي في العالم. هذا الأمر مهد الطريق للعدو الصهيوني لتنفيذ اعتداءاته الجوية والصاروخية وحتى استباحة الأجواء السورية، لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية وتخدم أهداف الحرب التي شُنت على سورية".
ويضيف العميد حسون: "وبعد دخول روسيا الحرب إلى جانب الجيش العربي السوري بدأت موازين القوى بالتبدل وبدأ الجيش العربي السوري يعيد بناء منظومة الدفاع الجوي وتسلم أسلحة متطورة ومعدات قيادة وسيطرة لإدارة سلاح الدفاع الجوي، وتم إعلان تسلم الجيش السوري منظومة "إس 300" التي وضعت في الخدمة، في حال توفر الشروط التكتيكية والفنية للاستخدام، وبدأت تظهر آثار ذلك من خلال النجاح في تخفيف آثار الاعتداءات بإسقاط جزء كبير من الصواريخ التي يطلقها العدو ومنع اختراق الأجواء السورية من قبل طائرات العدو، بعد إسقاط طائرة صهيونية من داخل الأجواء السورية، إلا أن ذلك لم يمنع الاعتداءات المتكررة، من الأجواء اللبنانية والعراقية والتركية ومن داخل فلسطين المحتلة".
ويواصل: "ومهما كانت قدرات منظومة الدفاع الجوي فهي لا تمنع العدوان، لأن هذا الموضوع مرتبط بإمكانية سورية منفردةً في إقامة توازن ردع أو رعب، من خلال الرد على الاعتداءات المتكررة باستهداف مواقع عسكرية أو استراتيجية للعدو، وهذا الأمر غير متاح حالياً بسبب ظروف انتشار الجيش العربي السوري في مناطق متعددة بعيداً عن خط الجبهة مع العدو الصهيوني، ومع استبعاد أي دعم ناري مباشر من قبل روسيا لأسباب كثيرة، كالعلاقة بين روسيا و"إسرائيل"، وحصر روسيا لمهمتها في دعم سورية عسكرياً بالتصدي للإرهاب، وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة والتي تشكل "إسرائيل" إحدى بوابات روسيا في التعامل معها".

معركة وعي وحرب نفسية
الإعلامي والمحلل السياسي كمال فياض يقول: "دائما ما تتردد الأسئلة بعد كل اعتداء صهيوني على سورية: أين الصواريخ الروسية؟ ولماذا تمنع روسيا الجيش السوري من استعمال هذه المنظومة المتطورة من الصواريخ؟
أسئلة محقة بطبيعتها وعفويتها، لكن غالبيتها صناعة صهيونية وغربية وهدفها إضعاف الثقة بروسيا والتشكيك في أهدافها، وبالعودة في تاريخ المواجهات مع "إسرائيل" نتذكر معركة جوية وقعت بين الطائرات السورية و"الإسرائيلية" قبل حرب تشرين اكتوبر 1973 في أجواء سورية وسقط فيها العديد من الطائرات السورية رغم أن سورية كانت تمتلك حينها منظومة صواريخ (سام 5) الحديثة حينها ولم تستعملها، لتكون مفاجأة الحرب التي صعقت العدو".
ويضيف: "علينا أن ندرك أن من ضمن الأهداف "الإسرائيلية" من هذه الاعتداءات ما نسميه الاستطلاع بالنار والهدف كشف رادارات منظومة الدفاع الجوي السوري وفاعليتها وهل هناك رادارات سورية حديثة، والهدف "الإسرائيلي" هو استحداث أنظمة إلكترونية لمواجهتها وإخراجها من المعركة".
ويستطرد فياض: "حتى اللحظة سورية ليست في مواجهة أو حرب كبرى مع "إسرائيل" لاستخدام ما تمتلكه من أنظمة رادارات ودفاع جوي حديثة أو محدثة وخاصة صواريخ "إس 300"، لأن سورية تمتلك أنظمة قادرة على المواجهة وإسقاط معظم الصواريخ المعادية، ومنها منظومة بانتسير المخصصة للدفاع عن الرادارات والمنشآت الهامة والصواريخ المضادة البعيدة المدى ومنها منظومات "إس 200" و"إس 300"، وهذه المنظومة الموجودة مع القوات السورية تستخدمها أيضا القوات الروسية لحماية قواعدها العسكرية في سورية ومنها قاعدة حميميم الجوية وأثبتت نجاحا كبيرا في مواجهة الدرونات، أيضاً تمتلك سورية صواريخ sam 5 المعروفة باسم "إس 200" الروسية والتي تم تعديلها بخبرات سورية.
ورغم معرفتنا بأن روسيا دولة كبرى ولها مصالحها الوطنية الكبرى في العالم ومع مختلف دول العالم ومنها كيان الاحتلال "إسرائيل"، إلا أنه غير صحيح البتة أنها تمنع القوات السورية من استعمال منظومة "إس 300"، والصحيح أن إدارة هذه المنظومة من الصواريخ واستعمالها هو قرار سوري سوف يأتي في الوقت المناسب".
ويختم الأستاذ كمال فياض رأيه بالقول: "إنها معركة وعي وتحديث وتكنولوجيا وحرب نفسية، وعلينا أن نتعلم إتقانها والتعامل معها بكل ذكاء، خاصة وأن العدو هو واحد من أقوى الجيوش في المنطقة والعالم ويمتلك تكنولوجيا متقدمة، وعلينا إتقان وتعلم فن الرقص فوق رؤوس الثعابين وبكل حرفية".

أسباب عدم استخدام منظومة "إس 300"
من جهته يقول المحلل السياسي منير حاتم: "عُرفت السياسة العسكرية السورية والروسية منذ القدم بالصبر والكتمان، ليشكلوا في لحظة هامة مفاجأة كبرى، وهذا ما كان في حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 بصواريخ سام، وكانت المفاجآت تأتي بعد جس "اسرائيل" النبض بالنار على أهداف ليست بالمركزية والحيوية، فلم يكن الجيش السوري يرد بالسلاح الحديث لديه.
واليوم وفي هذه الحرب، يمارس جيشنا الصبر ذاته، ولكن بظروف مختلفة، فكلنا يعلم بأن سورية وقعت عقودا لشراء "إس 300" من روسيا سنة 2010، وعندما لاحت بوادر الحرب لروسيا فقد خافت على منظومتها من السقوط بأيدي الإرهابيين كما حصل مع القواعد الجوية التي كانت مقصد الإرهابيين بشكل واضح، وهذا كان قبل طلب سورية التدخل الروسي، إلى أن حصلت سنة 2018 حادثة إسقاط الطائرة الروسية بعد تضليل المنظومة الجوية السورية من قبل "اسرائيل" فصرح الروس بأنهم سيوردون المنظومة للجيش السوري، وترافق ذلك مع وضع خطوط حمر للعدو الصهيوني، لاسيما أن العدو الصهيوني يبرر هجومه بوجود قواعد وأسلحة لإيران وحزب الله، بهدف إحراج الروس".
ويحدد المحلل حاتم الأسباب التي تحدد تعامل الجيش السوري مع منظومة "إس 300"، وأسباب عدم استخدامها، بما يلي: 
1 - درجة الهجوم وإمكانية التصدي له بالأسلحة التقليدية المطورة سورياً دون الخسارة المادية الكبرى، وهذه الخطة نجحت في التصدي للصواريخ بنسبة عالية وصلت في الاعتداء الأخير إلى 92% وهذا ما لم تحققه الباتريوت. 
2 - العمل على عدم كشف مواقع المنظومة، ولا بد من السرية والصبر حتى تشكيل المفاجأة. 
3 - تنظر سورية للخطوط الحمر التي وضعتها روسيا والتي لها تعقيداتها بتواجد الصديق الإيراني، وتحاول عدم إحراج الجميع وتشكيل خلاف هي بغنى عنه حاليا طالما الوضع تحت السيطرة.
4 - هناك عامل هام قد حصل بالحرب بين أرمينيا وأذربيجان، حيث كشفت بعض العيوب في منظومة "إس 300" أمام الدرون التركية والتي يملكها الصهاينة، وهذا يتطلب المعالجة.
لذلك نجد سورية تصد بأسلحة أقل تكلفة، وأكثر جدوى، وبتطوير محلي يجعلها ترمم قواعدها بيسر، لكن العامة من الناس يتخيلون أن المنظومة تستطيع فعل كل شيء وهذا غير صحيح، ولينظروا للباتريوت الأمريكي والذي تم الترويج له بأنه الأقوى في العالم، لكنه في حرب غزة الأخيرة لم يستطع صد ما صدته أسلحتنا التقليدية. 

مجابهة غير مباشرة للعدو الصهيوني الأمريكي 
كان لا بد من نظرة من خارج سورية لهذا الموضوع، فاستطلعنا رأي المحلل العسكري الأردني العميد المتقاعد ناجي الزعبي الذي قال: "قدمت روسيا الدعم بأشكاله المتنوعة الدبلوماسي والسياسي واللوجستي والعسكري المباشر وغير المباشر لسورية، وشارك سلاح الجو الروسي بفاعلية بالغة في معارك تطهير سورية من الإرهاب، وفي عقد المصالحات بين الدولة السورية والإرهابيين تفادياً لهدر المزيد من الخسائر والدماء".
وبالتالي ومن وجهة نظر عسكرية تعتبر روسيا قوة أساسية في معركة التصدي للعدوان الأمريكي الصهيوني والرجعي العربي والتركي، كما تعتبر مكوناً وركناً أساسياً في إعداد خطط العمليات العسكرية من تقدم وهجوم ودفاع وانسحاب وفق صفحات الحرب كلها، وبالتالي فهي ملتزمة بالخطط المعدة والمشتركة التي تضع بحسبانها كل المعطيات والحسابات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية عند خوض أي معركة.
هذا يعني أن أي قرار تأخذه يكون قراراً مشتركاً، واضعاً بحسبانه سيادة سورية وقرارها المستقل النهائي إزاء أي مجابهة وقرار، بالتالي فقرارات المجابهة تؤخذ وفق حسابات غرفة العمليات المشتركة وليس وفق ردود فعل على أي عدوان، ولا على استطلاعات العدو لماهية التسلح السوري والقدرات العسكرية الحديثة، خاصة وأن الاعتداءات محدودة التأثير والفعل.
هذه المواقف تندرج في سياق كيفية خوض المعركة والصبر والخداع الاستراتيجي وعدم الإفصاح عن القدرات وأنواع الأسلحة والأولويات والقدرات الراهنة".
ويضيف العميد الزعبي: "إن خوض معركة الإرهاب أولوية قصوى لسورية ومحور المقاومة وروسيا، وتطهير التراب السوري هو مجابهة غير مباشرة للعدو الصهيوني الأمريكي، حصد محور المقاومة وروسيا والصين ثمارها التي نلمسها الآن من هزائم أمريكية وانكفاء للعدو الصهيوني".
ويختم العميد الأردني ناجي الزعبي بالتأكيد أن "معركة سورية لا تحسم بالضربة القاضية، بل بتراكم الانتصارات، وقرار مشاركة أسلحة ومنظومات الدفاع الجوي الروسية يخضع لحسابات غرفة العمليات المشتركة وليس لإرادة هذا الطرف أو ذاك، واضعاً بحسبانه عدم المساس بمرجعية وسيادة وقرار سورية المستقل، وتجربة "الدفاع السوري من خلف الأسوار"، أي دعم المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية ومناهضة المشروع الأمريكي الصهيوني والرجعي العربي والتركي ماثلة للعيان".