تم تعيين لوسيوس أوريليوس كومودوس المولود عام 161م كإمبراطور مشترك مع والده عندما كان عمره 16 عاماً فقط، وقد كان ذا عقل بسيط ولكنه حكم بطريقة والده في البداية وانضم إليه في حروبه التي شنها ضد القبائل الجرمانية على طول نهر الدانوب لعدة سنوات.
كان كومودوس حاكماً فاسداً لم يتقبله الشعب الروماني بصدر رحب خلال فترة حكمه، إذ كان عهده الإمبراطوري نقطة البداية لفترة الفوضى والانحدار في التاريخ الروماني.
وأنهى حكمه الوحشي 84 عاماً سابقة من الاستقرار والازدهار داخل الإمبراطورية، إذ ضاق به الشعب ذرعاً وتحولت روما بأكملها ضده عندما مرت البلاد بنقص حاد في الغذاء، وفي ظل حكمه نزلت روما «من مملكة من الذهب إلى مملكة من الحديد والصدأ».
وبينما كانت المدينة تتحلل كان كومودوس منشغلاً بنفسه فقط، وكانت عمليات الإعدام قد فتحت شهيته للدم فانشغل بمطاردة الحيوانات وبدأ يشارك في المصارعة في الكولوسيوم بنفسه، وقد أثار ذلك رعب أعضاء مجلس الشيوخ وفرحة الحشود في الوقت نفسه.
وقد كان بالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ رؤية إمبراطورهم وهو يركض نصف عارٍ على رمال المدرج للعب المصارعة أمراً مثيراً للاشمئزاز، إلا أنهم كانوا مرعوبين جداً من فعل أي شيء سوى اللعب.
ولم يكن جنون كومودوس مقصوراً على الكولسيوم فقط، ولكنه أعاد تسمية روما إلى «كولونيا كوموديانا» بمعنى «مستعمرة كومودوس» وغير أسماء الأماكن الشهيرة فيها لتعكس الألقاب العديدة التي منحها لنفسه.
لم يكن كومودوس مصارعاً عادياً، بل كان قاسياً حتى بمعايير الرجال الذين يضربون بعضهم البعض حتى الموت من أجل تسلية الجمهور؛ فقد كان يُجبر المصارعين على المجيء إلى بيته ومصارعته، وكانت تلك الدعوة تعني الموت شبه المؤكد؛ إذ لا يجرؤ أحد على ضربه.
لم يتوقف عبث كومودوس عند ساحة القتال، بل كان لديه هاجس غريب بتعذيب ذوي الإعاقة الجسدية؛ فيُروى عنه أنه أجبر في إحدى المرات مجموعة من الرجال الذين يُعانون من التقزم على محاربة بعضهم البعض من أجل تسلية الجمهور.
لم تكن المصارعة والقتال محض هواية للإمبراطور الروماني، بل فرصة ممتازة لاختلاس الأموال؛ إذ كان يفرض على الدولة في كل مرة يظهر في ساحة المصارعة الرومانية صرف مبالغ هائلة له أصابت الاقتصاد الروماني بالشلل.
وبالتالي لم يكلف حب كومودوس للقتل الأرواح فحسب، بل ساهم في انحدار الاقتصاد الروماني نحو الانهيار التام.
وقد دفعه خوفه من الاغتيال إلى أقسى ضروب الوحشية، وعاد المخبرون ينتشرون في روما، بعد أن كادوا يختفون منها طيلة قرن كامل، وساد المدينة عهد جديد من عهود الإرهاب، وبدأ كومودوس في إعدام الناس دون اعتبار للرتبة أو الثروة أو الجنس. أي شخص لفت انتباه الإمبراطور يخاطر أيضاً بالتذرع عن غير قصد بغضبه.
وانخرط كومودوس في إشباع ملذاته الشخصية في قصره، الذي كان يضم 300 من حريم الإمبراطور، بعد أن أمر جنوده بجمع أجمل النساء وسحبهن إلى القصر بالقوة.
كان كومودوس يُخطط لإعلان نفسه الديكتاتور الوحيد في روما، ومحو مجلس الشيوخ، وبدأ الحكم بنفسه منفرداً من داخل ثكنات المصارعين.
وكان ينوي إعلان ذلك في ساحة المصارعة بحلول السنة الجديدة في 1 يناير (كانون الثاني) عام 193م، وهو يرتدي زِيّ المصارعة ويُحيطه المصارعون.
أثارت توجهات كومودوس، المصاب بجنون العظمة، مجلس الشيوخ، وأحبطت سلوكياته الغريبة الشعب الروماني؛ وأدت إلى اغتياله في نهاية المطاف.
وهكذا انتهى حكم سلالة نيرفا أنتونين التي حكمت روما ما يقرب من قرن من الزمان، وسرعان ما انحدرت المدينة إلى الحرب الأهلية بعد الفوضى التي خلفها كومودس.
بعد وفاته، أعلنه مجلس الشيوخ عدواً عاماً للشعب، وأعاد الاسم الأصلي لمدينة روما ومؤسساتها. أيضاً جرى إسقاط جميع تماثيل كومودوس، ودفنت جثته في ضريح هادريان. ويتفق كثير من المؤرخين على أن فترة حكمه كانت إشارة بداية سقوط الإمبراطورية الرومانية.