هنا وفي هذه المساحة من «21 أيلول السياسي» العدد 11، وتحت عنوان «سوليفان وابن سلمان: حين يلتم المتعوس مع خائب الرجاء»، كانت لنا قراءة موسعة لخبر اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي المهفوف محمد بن سلمان بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وكانت خلاصة ذلك التحليل كالتالي:
«يعاود المهفوف ممارسة «ال عنطزة» الفارغة من الشجاعة والممتلئة بالنفط زاعماً عدوانه وساطة، مبدياً تمسكه بما سماه الحل السلمي في اليمن بناءً على مبادرة بلاده البلهاء ووفقاً لما يعرف بالمرجعيات الثلاث الهادفة طبعاً لإعادة الوصاية على اليمن في الوقت نفسه الذي يضاعف غاراته على مأرب ويشدد حصاره على الحديدة ويرتب من جديد صفوف مرتزقته في الساحل بأوامر سيده الأمريكي، مقدماً بين يدي مستشار أمن واشنطن القومي (جيك سوليفان) تعهداً جديداً ومتجدداً بمواصلة السعي للظفر بفضيحةٍ مدويةٍ سياسياً ومضاعفةٍ اقتصاديا ومجلجلةٍ إنسانياً ووجودياً.
سوليفان من جهته جدد تعهد إدارته بالدفاع عن المهفوف ونظامه، في مفارقةٍ تكشف من جهةٍ عن زيف وعد بايدن بمعاقبة ابن سلمان على جرائمه، وتفضح من جهةٍ أخرى دور واشنطن الحقيقي كرأس حربة في الحرب على اليمن وهي الحرب التي يزايد عليها بايدن ويتاجر فيها ويساوم بها ويكسب منها ويحج بقضه وقضيضه إليها. وزيارة سوليفان تأتي كمحاولة من واشنطن لتقليص مخاوفها من تدحرج انتصارات الجيش واللجان أكثر وبالتالي مضاعفة خسائرها وحلفائها أكثر ودرءاً لتعجيل الجيش اليمني واللجان الشعبية بإعلان انتصاره وهزيمة المشروع الأمريكي برمته في المنطقة.
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى يعاود الأمريكيون حلب أثداء بقرات الحقول النفطية السعودية، ولكن هذه المرة بكلتا يدي الديمقراطيين، تعويضاً عن الانقطاع طوال التسعة الأشهر الأولى من عمر إدارة بايدن، واستغلالاً للمخاوف السعودية وابتزازاً مضاعفاً لها.
من الواضح أن ثمة صفقة جديدة عقدها سوليفان مع ابن سلمان أشبه بصفقة النصف تريليون دولار التي دفعها (المهفوف) السعودي الصغير للمهفوف الكبير (ترامب) بداية فترته الرئاسية أوائل العام 2017 قيمةً مضافة لثمن استمرار المشاركة الأمريكية الكاملة للسعودية في العدوان على اليمن.
من المؤكد أن صفقة سوليفان الخاسرة قد باعت ابن سلمان من جديد وهماً أمريكياً إضافياً مانحةً إياه أمل «المتعوس لخائب الرجاء حارمةً إياه كذلك من الخروج من عار الهزيمة ببعض ماءٍ يمنيٍ على جلدة وجهه السعودي المصفر».
وفي تعزيز لما ذهبنا إليه حينئذٍ عن وجود صفقة أمريكية سعودية لاستمرار العدوان على اليمن، وقبل أيام وبعد أسابيع من تلك الزيارة ومن ذلك التحليل، أفاد موقع «أكسيوس» الأمريكي نقلاً عن ثلاثة مصادر أمريكية وعربية بأن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان ناقش ملف تطبيع السعودية مع الكيان الصهيوني خلال اجتماعه ذاك مع محمد بن سلمان.
وقال التقرير، الذي كتبه الصحافي «الإسرائيلي» باراك رافيد - الذي كشف العديد من كواليس ما سماها الصهاينة اتفاقات أبراهام في عهد دونالد ترامب، إن سوليفان أثار الأمر في اجتماع مع ابن سلمان في 27 أيلول/ سبتمبر الماضي في مدينة «مشروع نيوم» على ساحل البحر الأحمر، وأن ابن سلمان «لم يرفض الفكرة تماماً».
وأضاف التقرير أن السعوديين قالوا إن «الأمر سيستغرق بعض الوقت وأعطوا سوليفان قائمة بالخطوات التي يجب اتخاذها أولاً»، في مقايضة علنية رخيصة بين تجديد بيع فلسطين وتمديد العدوان على اليمن.
وبحسب رافيد، يزعم العديد من مسؤولي إدارة ترامب سراً أنهم كانوا سيبرمون صفقة مع السعودية في غضون عام لو فاز ترامب بولاية ثانية؛ وحث مستشار ترامب، وصهره جاريد كوشنر، حثا سوليفان على الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق مع السعوديين عندما التقياه خلال الفترة الانتقالية بين الإدارتين.
صحيفة «واشنطن بوست» من جهتها نشرت تقريراً عن حقيقة اتباع إدارة بايدن النهج نفسه الذي سلكته إدارة ترامب فيما يخص السياسات المتعلقة بقضايا «الشرق الأوسط». ويشير التقرير، الذي أعدَّه إيشان ثارور، محرر قسم الشؤون الخارجية وكاتب العمود في الصحيفة الأمريكية، إلى أن بايدن أثنى على اتفاقات التطبيع في الوقت الذي كان يهاجم فيه ترامب في جبهات أخرى، وأن الإدارة الأمريكية الحالية تستفيد من هذه الاتفاقات وتعتمد عليها وتعمل على توسيع نطاق تلك الاتفاقات لتتضمَّن دولاً عربية جديدة، لاسيما السعودية، التي تنظر إليها «تل أبيب» بوصفها جائزة كبرى.
ومن جهتها ذكرت صحيفة «جلوبس» الاقتصادية العبرية أن سلسلة صفقات تجارية يتم إبرامها سرا بين الكيانين «الإسرائيلي» والسعودي عن طريق الكيان الإماراتي.
من الواضح أن صفقة سوليفان -ابن سلمان الخاسرة- في كل الحالات- التي تمت كالعادة على «مبدأ اللامبدأ» هي ذاتها التي تجمع بين صهاينة بني سعود والصهاينة اليهود منذ زمن محمد بن سعود وحتى محمد بن سلمان، والتي تُسقط وهم هيكل سليمان على هُلام هيكل سلمان، وتقيس مساحة المسجد الأقصى على قياس المسافة بين المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتقايض أرض فلسطين بسماء اليمن.
مواكبةً ونتيجةً لهكذا صفقة صغيرة وصفاقة حقيرة ثمة استنفار صهيوأمريكي غربي أعرابي غير مسبوق، ومسلوق بسليط نجدي أسود للملمة شتات مشروع الصهاينة المتناثر بقايا ظنون، والمتبعثر بغايا مرتزقة، والمتعثر 7 سنواتٍ من الخيبة والعجز والانكسار. ذروة ذلك الاستنفار طفت على وجه مبنى الأمم المتحدة الزجاجي بيان فقاعة بنكنوتٍ نفطية تمنح السعودية من جديد السأم الأصفر غارات سوء عشماً إبليسياً في إطفاء نور الأنصار الأخضر مدد جبهةٍ ومولد أمة.
مبعوثتا واشنطن ونيويورك، ليندركينغ وغروندبيرغ، وسفراء دول العدوان الخمس وتماسيح حقوق الإنسان، جميعهم أسقط دموع العبودية للسعودية بياناتٍ كاكية ورحلات مكوكية، فيما شموع أحرار العبدية تشتعل تحريراً وتشعل في معبد الشمس تقرير مصير.