غازي المفلحي / لا ميديا -
موت آخر يحلق فوق رؤوس كثير من اليمنيين إلى جانب غارات العدوان والحصار والأمراض والجوع. إذ تزايدت في الآونة الأخيرة حالات انهيار المنازل في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الواقعة في إطار جغرافيا السيادة الوطنية، مخلفة عشرات القتلى والمصابين، ولايزال المزيد من الموت والمأساة في الطريق.
وتشير إحصائية رسمية إلى أن هناك أكثر من 12 ألفاً 397 منزلاً آيلة للسقوط في كامل جغرافيا السيادة الوطنية، وقد تنهار على رؤوس سكانها في أية لحظة، وهذه الإحصائية، فقط حتى نهاية شهر أغسطس من العام الفائت.

طابور الموت
بشكل حقيقي، ينتظر اليمنيين طابور طويل من طرق الموت التي تتناوب عليهم، إضافة إلى صنوف متعددة من المعاناة في شتى مناحي حياتهم.
وفي الفترة الأخيرة تزايدت كوارث انهيارات المنازل التي تخطف معها عدداً من أرواح الساكنين فيها.
الكثير من المدن اليمنية، وبخاصة العاصمة صنعاء، مدن معمرة، وبالتالي فإنها تضم الكثير من المنازل القديمة التي مر على بنائها عقود وحتى قرون لبعضها، كما أن غياب التخطيط الحضري السليم والظروف الاقتصادية الصعبة للبعض دفعتهم لبناء مساكن بدائية أو ما يطلق عليها «المنازل الشعبية» التي لا تخضع لمواصفات الجودة والمتانة المطلوبة في المساكن أو توافر شروط الأمان والسلامة فيها، فتكون عرضة للانهيار بمجرد تعرضها لأمطار غزيرة أو سيول جارفة أو انفجار صاروخ لطائرات العدوان بجوارها أو حتى بمسافة ليست بعيدة عنها.
وفي ظل تزايد النمو السكاني الطبيعي والذي لا يقابله تزايد في عدد المساكن، إضافة إلى ما شهدته أكثر المدن اليمنية في جغرافيا السيادة الوطنية، وبالذات العاصمة صنعاء، من موجات نزوح كبيرة إليها، ومع أزمة السكن والإيجارات في العاصمة صنعاء وكثير من المدن، أصبحت تلك المنازل القديمة أو «المنازل الشعبية» البدائية مأوى إجبارياً للكثير من الأسر بالرغم من مخاطر السكن فيها، والتي أودت بالعشرات ضحايا لانهيار هذه المنازل على رؤوس ساكنيها.

6 تحت الأنقاض العام الماضي
تحت أنقاض المنازل وبدون سابق إنذار قتل العام الماضي 6 أشخاص على الأقل نتيجة حالات تهدم المنازل، حسب إحصائية الدفاع المدني في العاصمة صنعاء للعام 2021، حيث تعرض 199 منزلاً في 7 محافظات للتدمير بشكل كلي أو جزئي، وكان نصيب أمانة العاصمة منها 60 منزلاً.
قد تبدو نسبة الوفيات قليلة عام 2021، ولكن هذا ليس بسبب معالجات حكومية لهذه المشكلة، بل لأن اليمنيين المهددة بيوتهم بالانهيار حصلوا على هدنة مع الموت نتيجة قلة هطول الأمطار في ذلك العام.
وتعد المنازل القديمة هي الأكثر عرضة للتهدم نتيجة تقادمها وبدائية إنشائها فتعجز عن تحمل الأمطار الغزيرة والمستمرة، إلى جانب تضررها من آثار غارات تحالف العدوان والتي تسبب تخلخلها وتشققها، كما يعجز أصحابها عن صيانتها وتحديثها نتيجة الوضع الاقتصادي المنهار للأفراد والدولة معاً.
ويتضح من خلال إحصائيات الدفاع المدني أن السبب الرئيسي وراء تهدم المنازل القديمة هو الأمطار الغزيرة أو المستمرة، تليها بقية الأسباب مثل عدم الصيانة وإعادة التأهيل، وأيضاً التأثر بغارات العدوان القريبة من تلك المنازل.

«الأمطار» أول المتهمين
أما في 2020 فقد توفي 53 شخصاً في جغرافيا السيادة الوطنية بسبب انهيارات المنازل، حيث تعرض في هذا العام 397 منزلاً للتدمير بشكل كلي أو جزئي، ويرجع ارتفاع عدد المنازل التي انهارت وارتفاع عدد الضحايا مقارنة بالعام 2021، إلى الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد عام 2020 مقارنة بالعام 2021 الذي شهد نسبة قليلة جداً من هطول الأمطار.
يقول العقيد خالد الشراحي، وهو مسؤول العلاقات العامة والإعلام بمصلحة الدفاع المدني: «تبعاً لإحصائية الدفاع المدني، فإن أسباب انهيارات المنازل في بلادنا تنحصر بشكل عام في ثلاثة أمور، هي تقادم المبنى، والظروف الطبيعية من أمطار وسيول، وغارات العدوان التي تستهدف حياً أو منزلاً وتؤدي إلى تضرر وتشقق وتخلخل كثير من المباني التي حوله وتؤدي إلى انهيار المتقادم منها بسرعة».
وتوضح إحصائية الدفاع المدني أن هناك 12397 منزلاً مهدداً بالانهيار في 15 محافظة من ضمنها أمانة العاصمة، مع العلم أن هذه الإحصائية حتى نهاية شهر أغسطس من العام الفائت.
والبيوت القديمة كمنازل صنعاء القديمة وما يشابهها في بقية أنحاء العاصمة والمشيدة بمادة الطين والطوب المحروق والحجر، تحتاج لصيانة دورية كل 3 سنوات، خصوصاً إذا زاد هطول الأمطار. ويلفت الشراحي إلى أن «الأمطار لا تؤثر سلباً فقط على هياكل المباني وتماسكها وأساستها، بل على التربة من تحتها أيضاً».

منازل مهددة ولا آلية للحماية
باستثناء حالة نادرة لانهيار مبان أنشئت بطرق حديثة، أي بالحديد والأسمنت، كانهيار جزء من مبنى كلية الآداب في جامعة ذمار، والذي عزا مهندسون السبب إلى خلل في الإنشاء والتسليح منذ بداية إنشائه عام 1992، فإن أغلب انهيار الأبنية المرصودة في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية خلال عامي 2020 و2021 وعددها 600 منزل تدمرت بشكل كلي أو جزئي، هي من المنازل القديمة التي تجاوز عمرها عدة قرون كمنازل صنعاء القديمة وما جاورها في إحياء التحرير وشارع الزبيري، أو تلك المنازل بدائية الإنشاء والتي درجت تسميتها بـ»المنازل الشعبية»، والتي لا يتم تأسيسها وفق مخطط هندسي وإنشاء حديث قائم على استخدام الأعمدة والقواعد الأسمنتية المدعمة بالحديد، وهي تنتشر في 15 محافظة هي: أمانة العاصمة وصنعاء وعمران وذمار والمحويت ومأرب وحجة وصعدة وإب والضالع وريمة والبيضاء والحديدة وتعز والجوف.
وبالنسبة لمبنى كلية الآداب فيقول المهندس عدنان الأثوري: «إن وراء الانهيار هو رداءة التصميم والتنفيذ، وليس قدم المبنى، حيث يجب ألا ينهار المبنى مهما كان عمره سواء كان الهيكل الحامل جدران حجر أو هيكلاً خرسانياً، فكلا المادتين الحجر أو الخرسانة المسلحة لا تضعف مع الزمن عندما يكون التصميم والتنفيذ متقناً».
استفسرت «لا» من مكاتب الأشغال العامة بالأمانة والمحافظات بخصوص وجود جهة تعنى بمعالجة وصع المنازل المهددة بالسقوط، وتبين أن هذه المنازل المهددة بالانهيار هي مسؤولية أصحابها فقط، ودور مكاتب الأشغال يقتصر على أن تستقبل بلاغات من المواطنين في حالة وجود منازل مشكوك في احتمالية سقوطها، فينزل فريق هندسي لتقييم المنزل وإعداد تقرير حول أهليته للسكن من عدمه ومنح تصريح إضافة أدوار أو غرف عليه أو منع ذلك.
يقول نائب رئيس المشاريع المركزية في أمانة العاصمة المهندس معين المومري لـ«لا»: «إذا تلقينا في فرع الأشغال بلاغاً عن منزل آيل للسقوط ويشكل خطراً على الأرواح والممتلكات أو مشكوك في سلامته، نقوم بإنزال لجنة من قبلنا لفحصه وتقديم تقرير يقيم وضعه».
ويشتكي المومري من مشكلة تساهل بعض المهندسين في الأشغال في منح تصاريح بناء أدوار إضافية على بيوت قديمة أو شعبية ما قد يؤدي إلى انهيارها، فالأهمية تكون لدى بعض المهندسين للأسف لتحصيل الرسوم، حسب قوله. 
ويضيف: «صحيح أنه لا يتم منح التصريح إلا بعد مراجعة التصاميم، ولكن لا يتم مراجعة التصاميم من حيث الأمان، فقد يكون التصميم صحيحاً ولكن فوق مبنى خاطئ، مبنى قديم أو ليس فيه أعمدة وقواعد أو تكون الأعمدة مزروعة زراعة».
ويوضح أن التركيز في منح التصريح يكون على عدد الأدوار وأن يتم ترخيص المساحة الصحيحة وموقف السيارات، ولكن بالنسبة للتصميم الإنشائي فلا يتم مراجعته من ناحية السلامة والأمان والمخاطر التي قد تؤدي إلى حوادث الانهيار، بل إن الأمر قد يتجاوز إلى التصريح لمبان تصاميمها خاطئة، بحسب قوله.
وتبعا لمشكلة التساهل في منح الترخيص لبناء أدوار إضافية، يضاف عامل آخر إلى عوامل وأسباب انهيار المنازل.

على كف القدر
يتضح أن المنازل المتهالكة والآيلة للسقوط موضوعة مع حياة سكانها وهم آلاف الأسر بيد القدر، فليس هناك جهة رسمية تعنى بها وتقوم بإعادة تأهيلها أو حتى تقدم العون لأهلها.
كما لا توجد خطة متكاملة أو طارئة منسقة بين جميع الجهات المختصة، للحد من هذه المشكلة، سواء بحماية المنازل من السيول الأمطار أو منع عمليات البناء العشوائي وغير الآمن، أو إعادة تأهيل المباني القديمة المتهالكة، أو المتضررة من غارات تحالف العدوان، وتوفير مساكن الأسر التي تسكن منازل مهددة بالسقوط في أي لحظة. 
يذكر أنه حتى منازل صنعاء القديمة التاريخية والأثرية نفسها لم تتوفر له هذه المعونة بالقدر الذي تحتاجه لتواجه حالات انهيار المنازل، فالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، والمجلس المحلي، عاجزان عن صيانة والحفاظ على مباني صنعاء القديمة والتاريخية من الانهيار، وينتظران معونات اليونسكو التي لا تتجاوز قدرتها حدود ترميم ما يقارب 130 منزلا ، بينما هناك أكثر من 4000 منزل مهددة بالانهيار في صنعاء القديمة، حسب تقديرات الدفاع المدني، فإذا كان هذا حال مبان شكلت عنوان وهوية اليمن المعمارية بين الشعوب، ويعود عمرها إلى القرن الـ11 الميلادي وما قبله، فما هو حال المنازل المتهالكة العادية القديمة غير الأثرية والشعبية بدائية الإنشاء، والتي تضم بين جدرانها عشرات الآلاف من الأرواح التي لا تدري في أي لحظة قد تصبح فيها بيوتها هذه قبوراً لها.