كاتبة العمود فوهرا أنشال - مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية
ترجمة  خاصة :زينب صلاح الدين / لا ميديا -
مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى طيلة عشرين عاماً اتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سياسة خارجية تساعده على إخراج اقتصاده من التدهور. كان أردوغان يتواصل مع الأعداء العقائديين في الشرق الأوسط على أمل أن تتمكن استثماراتهم من إنعاش عملة الليرة المنهارة وتقليص البطالة وأخيراً لضمان عودته إلى السلطة في انتخابات 2023.
خلال الأشهر القليلة الماضية انفتحت أنقرة في علاقاتها مع إسرائيل والسعودية وبشكل علني أكثر مع الإمارات. تم الترحيب بأردوغان في الإمارات في منتصف فبراير بكل الفخامة المحفوظة للأصدقاء المقربين. وأضيء برج خليفة في دبي بألوان العلم التركي مع عبارة "هوس جيلدينيز" (مرحباً بالتركي). وخلال زيارته تم التوقيع على 13 اتفاقية من بينها ما يتعلق بالمسائل العسكرية والأمنية. كان ذلك الاستقبال الحار مفاجئا بالنسبة لقائد دولة كانت حتى تلك اللحظة متهمة من قبل الحكومة المضيفة لها تزاول سياسات عدائية.
لقد دعمت تركيا والإمارات أطرافا متعارضة في الأزمات المختلفة والصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط مع تطلعهما لتعزيز أيديولوجيتهما وتأثيرهما. وانخرطتا في معركة شرسة بالوكالة حيث دعمت تركيا الإسلاميين السياسيين إلى أقصى حد وعزمت الإمارات على النيل منهم وتدميرهم.
إن دعم أردوغان للإخوان المسلمين والإسلاميين المنتمين له في الانتفاضات العربية المختلفة نابع من قناعاته العقائدية ورغبته العامة في توسيع نفوذ تركيا على امتداد الشرق الأوسط. غالباً ما كان يقول معارضوه إنه يخفي أوهاماً تتعلق بإعادة تركيا إلى دورها السابق كمهيمنة إقليمية خلال السلطنة العثمانية.
مع أن الإسلاميين المتحالفين مع تركيا لم يكونوا يهددوا فقط الدكتاتوريين ولكن أيضاً مملكتي الإمارات والسعودية. ومن أجل كسر صعودهم، دعمت الإمارات المشير المصري عبدالفتاح السيسي ضد الإخواني محمد مرسي؛ ودعمت الزعيم الليبي خليفة حفتر ضد تركيا؛ ودعمت الإسلاميين السياسيين في طرابلس ليبيا وخففت موقفها تجاه الرئيس السوري بشار الأسد ضد الثوار المدعومين من تركيا في إدلب في سوريا. وفي الأسبوع الماضي كانت الإمارات أول دولة عربية تستضيف رسمياً الأسد منذ بداية التظاهرات السورية.
إن تقاربات تركيا الأخيرة مثلت نوعاً ما اعترافاً بتقهقر الإسلام السياسي وإدراكاً لحدودها الإقليمية. فبعد عقد من محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط، تستطيع كل من تركيا والإمارات أن تدعيا الانتصارات في منافستهما (نجحت تركيا في تأمين منطقة يسيطر عليها المتمردون في إدلب كانت تعمل كحاجز فعلي بين تركيا والأكراد السوريين، الذين تراهم تهديداً للأمن التركي. كما اتبعت تركيا ذلك بليبيا فتدخلت عسكرياً لتحول دون تحقيق انتصار عسكري لحفتر). كلا الجانبين مستعدان حالياً لإلقاء نظرة جديدة على علاقتهما. الإمارات تشجعت على الأغلب برغبتها في تأسيس تعاون إقليمي لمعارضة إيران وتنويع اقتصادها المعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري.
أما الأمر الذي شجع أردوغان في البدء كان مخاوفه الاقتصادية. قال أيكان إرديمير عضو سابق في البرلمان التركي والمدير الأول للبرنامج التركي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (معهد أبحاث مقره واشنطن) إنه بالنسبة لأردوغان فإن التحول في السياسة كان المقصود به أولاً كسب الانتخابات القادمة. وقال إرديمير: "كان أردوغان يأمل أن يجذب الوفاق مع الإمارات رؤوس أموال إماراتية بالإضافة إلى أخرى أجنبية إلى تركيا في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للبلد المقررة للعام 2023".
لقد فقدت الليرة التركية حوالي نصف قيمتها بينما قفز التضخم المالي إلى 54% في فبراير وارتفع معدل البطالة إلى 11,2% نسبة غير ثابتة في 2021. كان الغضب العام يتزايد وكان أردوغان يحتاج باستماتة إلى تهدئة السكان الواعدين عبر مساره العقائدي قبل أن يذهب إلى الاقتراع. وكي يجدد خزائن الدولة فهو بحاجة إلى استثمارات عاجلة يحتاج من أجلها إلى شيوخ بجيوب عميقة. عقب زيارته لتركيا في أواخر العام الماضي تعهد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان بإنفاق 10 مليارات دولار في الاستثمارات وقرابة 5 مليارات دولار صفقة تبادل بالعملات المحلية لدعم العملة الأجنبية المتضائلة في تركيا.
قال إردمير "على الرغم من العداء بين تركيا وعدة ممالك خليجية أسهمت المنطقة بـ7% من الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا مقارنة بـ8% من اقتصاد أمريكي أكبر بكثير. وفي وقت معين عندما كان الاقتصاد التركي مضطرباً كان التحول السياسي منطقياً. ولكن بالنسبة لأردوغان فإن المسافة بين المنافسة والتعاون الإقليميين كانت محسومة بالحاجة إلى حماية ذاتية. ومع ذلك فإن سياسة الإمارات تقودها الضرورات السياسية". "رأت أبوظبي المهددة بالهيمنة الإيرانية المتصاعدة في المنطقة، في التوافق مع تركيا طريقاً مؤثراً مكلفاً لإنشاء ثقل سياسي مناهض لطهران".
والتحسن في العلاقات سيسمح لكلا البلدين بوضع الأعمال العدائية في الخلف المحترق ومعالجة القضايا الأكثر أهمية بما فيها كلفة الاقتصاد الضعيف المتأثر بالجائحة. قال إرديمير "سيسمح ذلك للقائدين بأن يركزا طاقاتهما ومواردهما على تحديات أكثر إلحاحاً". لكنه أضاف أن العلاقات الودية بين تركيا والإمارات سوف تخفف التوترات في مسارح عديدة حيث تنفتح كلا الدولتين على صراعات مريرة بالوكالة وإن كان ذلك على المدى القريب فقط.
لم يسبق لأردوغان أن وقع في مثل هذه المعضلة الكبيرة محاطاً بالمنافسين وسط الاقتصاد المنهار فالرئيس التركي يواجه أطول محنة في حياته.
مع أن أي علاقات اقتصادية أقوى سوف لن تترجم إلى حلول لأي من الصراعات الإقليمية. لكن ربما تشجع فقط على المزيد من ضبط النفس وتجنب التصعيد. قال ريان بوهل محلل مختص بشؤون أفريقيا والشرق الأوسط في رين شركة المخابرات: "إن ذلك لا ينهي كل الخصوم الذين لايزالون يتواجدون في أماكن مثل سوريا ومصر وليبيا لكن ذلك يعني أن تركيا تلوح بتوجهها لأن تكون عملية أكثر".
ولا شك أن التقارب لا يعني إنهاء الصراع القديم بين الإسلاميين السياسيين والأنظمة العربية الملكية أو أن أردوغان تخلى عن أيديولوجيته. وعلى العكس فقد استمر بتمويل انتشار الإسلام السياسي عبر المديرية التركية للشؤون الدينية وتركي ديانت فاكفي وهي مؤسسة عامة بميزانية سنوية تبلغ مليار ليرة تركية. ومهمة المؤسسة هي تشييد المساجد والمدارس الدينية في الدول الأجنبية بهدف الترويج للإسلام السياسي. وكانت فاعلة في 150 بلدا تقريباً وكان لديها أكثر من ألف فرع داخل تركيا. في 2020 قامت بتمويل أكثر من ثمانية آلاف طالب ومنظمات مختلفة في عدة بلدان في إطار برامج متنوعة.
من جهة وقع أردوغان على السلام مع خصمه، لكنه من جهة أخرى ينفذ مشروعه المتمثل في نشر الإسلام السياسي وخلق جيل الإسلاميين السياسيين القادم لتحدي ملكيات المنطقة. وأضاف إرديمير أن جهود أردوغان للترويج للإسلام السياسي عالمياً عبر مديرية الشؤون الدينية ووكالات المساعدات الدولية وشبه الدولية سوف تستمر.في حال خرج كسبان من انتخابات 2023؛ من المحتمل أن يعود إلى متابعة أجندة شكلها الإسلام السياسي".
قال بول إن الأسباب الحقيقية لنجاح الإسلام السياسي في الشرق الأوسط لاتزال قائمة. "مع انهيار الديمقراطية في تونس عادت المنطقة إلى القادة الاستبداديين الذين يعتمدون على الفساد والمقاربات الريعية للحكم". "سيؤدي ذلك إلى الشعور بخيبة الأمل وسيطالب الشعب ببديل لهذه الدكتاتوريات".
تهدف مجموعة كبيرة من الإصلاحات الاجتماعية في السعودية والإمارات إلى معالجة بعض خيبة الأمل هذه في حين تكون الاستثمارات في تركيا أداة لخلق الاعتماد الاقتصادي المتبادل. والأمل هو أن خلق المزيد من الجماهير التي لها مصلحة في العلاقات القوية المتبادلة سيجعل من الصعب على أردوغان أن يتبنى سياسات عدائية بحتة في المستقبل. في هذا الطريق تأمل الأنظمة الملكية أن تكسب بعض التأثير على صنع القرار التركي. وما إذا كان ذلك سيعمل على المدى البعيد هو سؤال آخر تماماً.