استطلاع غازي المفلحي / لا ميديا -
يبدو أن الهدنة الجارية بين جانبنا الوطني وتحالف العدوان لا تحظى بشعبية كبيرة عند أغلب اليمنيين. فهم يعتقدون أنها مجرد مراوغة تسببت بها بعض الأحداث الدولية ولن تكون فائدتها لليمنيين. وهم جميعاً لا يثقون بدول تحالف العدوان وعلى رأسها الولايات المتحدة وتابعاتها السعودية والإمارات.
أجرت «لا» استطلاعا تسأل فيه الوسط اليمني عن رأيهم في الهدنة وإلى أين ستفضي برأيهم. في ما يلي بعض تلك الآراء.

ليست هدنة
«وهل نحن في هدنة حقيقية!» يرد أحمد النونو، ويضيف: «اليمنيون يريدون إنهاء كاملا للصراع والتدخلات الخارجية». لكنه يستدرك: «مع ذلك هذه الفترة من الهدنة الجزئية هي من صالح كل أبناء الوطن، ومن الضروري أن تستفيد كل المكونات والنخب السياسية والوجاهات القبلية من هذا التمديد بإيجاد مصالحة وطنية شاملة وإيجاد حل يمني يمني. ولا بد إذا غلبوا مصلحة الوطن أن يكون هناك تنازلات لأجل هذا الوطن وطي صفحة الماضي».

القرار أمريكي
بالنسبة لأيمن الكبسي فإنه يعتقد أن إيقاف العدوان ليس مرهونا بتمديد الهدنة أو انتهائها، حتى لو قدم جانبنا الوطني  مئات التنازلات، وذلك لأن الطرف الآخر (المرتزقة) لا يملك لنفسه أو لليمنيين أي قرار، وما إعلان ما يسمى «المجلس الرئاسي» إلا أداة لترتيب صفوف مرتزقة التحالف من جديد. ويرى الكبسي أن السعودية تحاول من خلال الهدنة إيجاد كيان يمني تابع لها تقوم بتجهيزه وتمويله وتحريكه عن بعد، عقب خروجها من الحرب بأي اتفاق سياسي ليستمر الصراع (يمنيا -يمنيا) دون تدخل السعودية بشكل مباشر وتضررها من الضربات اليمنية.
الكبسي يضيف: «إنهاء الأزمة والحرب بشكل نهائي مرهون بقناعة أمريكا وأدواتها في المنطقة، لكن استمرار الهدنة بالتأكيد فيه فائدة إنسانية للشعب اليمني المظلوم».

فرصة تحتاج ذكاء
عدنان الوزير يختصر الحديث ويقول: «الله سخر لنا منحة وفرصة ذهبية بالهدنة، وننصح باستغلالها إلى أقصى حد ممكن».

نأمل تجاوز أخطاء الهدنة السابقة
رشيد الحداد يقول: «الهدنة السابقة قبل التمديد أسهمت بإنهاء أزمة المشتقات النفطية التي كانت إحدى أبرز الأزمات التي ضاعفت معاناة اليمنيين في جغرافيا السيادة الوطنية، ورغم المماطلة في تنفيذ البنود الأخرى ذات الطابع الإنساني كفتح مطار صنعاء وفتح المنافذ والمعابر والممرات الإنسانية إلا أن هناك آثارا إيجابية للهدنة وإن لم تكن بالشكل المطلوب».
ويرى الحداد أن أي تمديد للهدنة «يجب أن يكون مشروطاً بإضافة بنود جديدة لم يشملها اتفاق الهدنة السابقة، بالإضافة إلى وضع ضمانات لتنفيذ الاتفاق وفقاً لفترة زمنية محددة، حتى لا تتكرر مماطلة وتلاعب تحالف العدوان بتنفيذ البنود واختلاق ذرائع أدت سابقا إلى تأخير فتح مطار صنعاء وكذلك يضع العراقيل أمام أي اتفاق ينهي معاناة اليمنيين الناتجة عن إغلاق الطرقات العامة في مختلف المحافظات والتي من شأنها أن تنهي معاناة الملايين من اليمنيين وتسهل حركة المواطنين بين المحافظات، وتسهل النقل التجاري بين المحافظات، والذي سوف ينعكس بشكل إيجابي على أسعار المواد الغذائية والأساسية وبخاصة التي تم رفعها بنسبة معينة بسبب ارتفاع تكلفة أجور النقل، وسوف تتراجع نسبة الحوادث في الطرقات التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها خلال السنوات الماضية نتيجة إغلاق الطرقات الرئيسية وفرض طرق بديلة غير مهيأة لنقل الشحنات التجارية والإمدادات الأخرى».
ويضيف الحداد: «نأمل أن يتم تجاوز الأخطاء التي رافقت الاتفاق السابق بشأن الهدنة الإنسانية والعسكرية ووضع ضمانات لإنهاء الانقسام المالي والنقدي وكذلك صرف رواتب موظفي الدولة المتوقفة منذ سبع سنوات، وهي جوانب ذات طابع إنساني صرف، فخيار الحرب أثبت خلال السنوات الماضية فشله الذريع وأصبح محروقا، والخيار الأنسب هو السلام، وهذا الخيار يحتاج تهيئة الواقع لإحلاله والقيام بخطوات بناء ثقة تهيـــئ الأوضاع للانتقال  نحو السلام الشامل والدائم».

الهدنة من أجل مصالح الغرب
من جهته سامي عطا يقول: «في اعتقادي أن الهدنة صارت ملحة غربياً نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وبعد الضربة الصاروخية الأخيرة على أرامكو جدة، فالحرب الروسية الأوكرانية رفعت أسعار الطاقة عالمياً وهذا سيعكس نفسه على اقتصادات الدول المصنعة، وعليه فإن وراء هذه الهدنة أمريكا والدول الغربية، فلم يعد بإمكانهم تحمل أزمات طاقة وزيادة أسعار فيها أكثر خصوصاً أن سنوات الحرب السبع أكدت تنامي قدرات اليمن الصاروخية وقدرتها على استهداف المنشآت النفطية داخل المملكة. وتعتبر المملكة من أكبر المصدرين للطاقة وتوقف الإنتاج فيها سيعني هلاكا لاقتصادات الدول الصناعية وللاقتصاد العالمي. وعليه فإن أمريكا والغرب صاحــــب المصلحة الأولى في هذه الهدنة ومن ضغط بضرورة فرضها على تابعيه في المنطقة».
ويعتقد عطا أن «أمريكا والغرب ترغب في تمديد الهدنة طالما ومازالت الأزمة مع روسيا قائمة، وربما تستأنف الحرب على اليمن إذا تم حل الأزمة 
مع روسيا، وبذلك يمكن القول إن الهدنة زمن مستقطع من الحرب للتفرغ للحـــــرب الروسية الأوكرانية».
ويضيف عطا: «على المفاوض اليمني في حكومة صنعاء استغلال هذه الحاجة بفرض مجموعة من الاستحقاقات ويضغط في سبيل تحقيقها، أولها رواتب الموظفين وعـودة البنك وتحييد الاقتصاد عن الصراع القائم وفتح الطرقـات والحصـول على رحلات أكثر ووجهات أكثر من مطار صنعاء والعودة وإنهاء الحصار الاقتصادي».
ويرى عطا أن الهدنة لا يمكن أن تكون رافعة لحوار سياسي يمني، لأن القوى العميلة ليس لديها استعداد لذلك والمملكة وتحالفها اتخذوا من الهدنة زمنا لترتيب صفوف مليشياتهم ورأب الصدع بينهم والانتقال إلى حلحلة المشكلات في المناطق تحت سيطرتهم وتحسين الأوضاع فيها وممارسة تضييق وحصار على مناطق سيطرة حكومة صنعاء، بهدف إسقاطهم من خلال تقديم نموذج أفضل، لكن هذا المسعى محكوم بالفشل حسب عطا بسبب كم التناقضات والمشكلات الإقليمية أو المحلية.
ويضيف: «يجب ألا ننسى أن المملكة تعيد خطتها التي استخدمتها في عشرينيات القرن الماضي في صراع الإمام يحيى والإدريسي حين ظلت تدعم الإدريسي في حربه بهدف إضعاف الطرفين حتى تسنى لها في الأخير البسط والسيطرة على المخلاف السليماني (نجران وجيزان وعسير)، واليوم تسعى بعد إنهاك الأطراف اليمنية من أجل السيطرة على حضرموت وشبوة والمهرة أو على أجزاء فيها ليكون لها منفذ على بحر العرب. ولذا على حكومة صنعاء أن تهتم بهذه المناطق وأحرارها وتنسق معهم من أجل إفشال هذا المشروع».

الهدف تأمين منشآت الطاقة الخليجية
الأستاذ الجامعي أحمد الصعدي يقول: «أرى أن الهدنة بالطريقة التي تمت بها حتى الآن لبت حاجة العدوان إلى تأمين منشآته النفطية في السعودية والإمارات، وهذه الحاجة هي حاجة أمريكية ملحة فرضتها حملة المقاطعة الغربية للنفط الروسي. إن رغبة أمريكا في تماسك حملة المقاطعة الشاملة لروسيا هي التي أدت بها إلى التوجه إلى عدوها اللدود نيكولاس مادورو الرئيس الفنزويلي طلبا للنفط ولكنها لم تفلح».
ويرى الصعدي أن جانب تحالف العدوان ليس جادا في إنهاء العدوان ويقول: «فكيف لمن نكث بتعهداته بشأن الرحلات الجوية والسفن القادمة إلى الحديدة أن يفي بما هو أهم وهو الإقرار بفشل العدوان وتحمل تبعات هذا الفشل!».
وبحسب ما يرى الصعدي، فإن تمديد الهدنة يمكن أن يؤدي إلى إحدى النتيجتين التاليتين؛ الأولى: إذا تغير موقف تحالف العدوان من الهدنة وأراد أن يجعلها طريقا للسلام وقبل بتمديدها بشروط والتزامات جديدة متبادلة فيمكن أن تظهر للجميع مزايا السلام وتمهد الطريق إليه، ولكنه لا يظن تحالف العدوان يريد ذلك في الظروف الحالية. الثانية: إذا تم تمديد الهدنة الحالية بعد أن يعد تحالف العدوان باحترام تعهداته التي سريعا ما سينقضها، فان هذا النوع من الهدنة سيؤدي إلى بقاء منشآت الطاقة في السعودية والإمارات آمنة -وهذا هو الأهم في نظرهم- وبقاء مطار صنعاء وميناء الحديدة تحت رحمتهم، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في بقاء الكيانات القائمة في عدن ومأرب وحضرموت وصنعاء تتقاذف الاتهامات، وقيام الأمم المتحدة بتنظيم لقاءات ومشاورات بين الأطراف تستمر سنوات عديدة ولا تتفق على أبسط القضايا. هذا الوضع سيكون مثاليا لدول العدوان كي تطيل الاحتلال والتصرف بالثروات الوطنية والادعاء بأن اليمنيين لم يتفقوا على إنهاء الحرب والانقسام، ولذلك فهم من يتحمل المسؤولية عما يحدث لهم ولبلادهم، والأمم المتحدة جاهزة لترويج هذه الدعاوى.

تحالف العدوان لم يهزم بعد
معاذ حلمي يقول: «تحالف العدوان لم يخسر في اليمن بعد لكي ينهي العدوان، ولا نية له لإنهائه وهو ماض في العدوان لفترة طويلة حتى مع وجود الهدنة».
ويضيف: «التحالف قد أعد جيوش ارتزاق يمنية عدة تتبعه وأيضا متناحرة في ما بينها، لكي تضمن لهم تمزيق اليمن، وعدم امتداد التمدن وإقامة الحكومات الشعبية القوية في الوطن العربي لكي لا تتأثر أنظمة حكمهم وتسقط، وهم بذلك ينفذون مشروعهم ومن فوقه مشاريع أمريكا والكيان الصهيوني وأوروبا».

هدنة مجانية
من وجهة نظر محمود المغربي فإن ما يحصل الآن هو هدنة مجانية. ويقول: «أعتقد أنه ليس من الحكمة إهدار فرص عظيمة صنعتها الحرب الروسية على أوكرانيا في هدنة لم يلتزم العدو بها ولم ينفذ شيئا من الشروط التي وضعها بنفسه، ودون أن يلمس المواطن اليمني أي ثمار لهذه الهدنة أو ينعكس ذلك بشيء إيجابي على الوضع الإنساني. تمديد الهدنة بذات الشروط ضحك على الذقون وذر للرماد في العيون ولا يخدم إلا مصالح وأهداف تحالف العدوان».