حاوره: طلال سفيان / لا ميديا -
من جيل ذهبي أحرز الألقاب والبطولات لفريق كرة قدم نادي شعب إب، الفريق الأخضر العابق بالجماهيرية والنجوم...
كثيرا ما ألهب الجماهير بأهدافه وتحركاته القاتلة في الملاعب، وكان صاحب الاسم الأبرز بين نجوم اللعبة على مستوى النادي والمنتخب في فترة ممتدة ما بين منتصفي الثمانينات والتسعينيات، فترة فرسان الملاعب وشعرائها.
منذ نعومة أظافره تألق في عالم الكرة البيضاء الصغيرة، ليقلب الطاولة بعدها ويتجه إلى ملاعب الأقدام المهارية, من السلام وإلى الشعب كانت حكاية المستديرة.
صحيفة "لا" التقت "جاموس" الملاعب، عبدالله الصباحي، ونبشت معه الذاكرة وفوران القلب في حوار الجرأة والمكاشفة.

 نرحب بك كابتن عبدالله، ونبدأ معك الحكاية الكروية من الصفر...؟
- أهلا وسهلا بك أخي العزيز في مدينة إب، وأهلا بصحيفة "لا" وملحقها الرياضي. في البداية كنت لاعب تنس طاولة وكنت من أفضل ثلاثة أو أربعة في هذه اللعبة على مستوى الجمهورية. عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري شاهدني الكابتن القدير أحمد اليماني، مكتشف نصف لاعبي إب واللاعب السابق لناديي سلام إب والتلال، وأنا ألعب مباراة في الحواري، وطلب مني أنا وخيري المنصوب وعادل المقدم أن نشارك مع فريقه، ناشئي نادي السلام، في مباراته ضد الفتوة. كانت تلك أول مباراة لي، وسجلت فيها ثلاثة أهداف، رغم أني لعبت دفاعا متقدما. واستمررت من عام 1982 حتى 1986، ثم انتقلت إلى شعب إب بمبلغ 40 ألف ريال، وهذه كانت أول صفقة رياضية في الدوري اليمني.

 لمن ذهب مبلغ الصفقة؟
- لم أحصل على فلس واحد من قيمة الصفقة، ذهب المبلغ إلى نادي السلام (نادي اتحاد إب حاليا بعد دمجه مع الفتوة). كان كل همي اللعب لشعب إب؛ لكن نادي الشعب لم يكن يهتم إلا باللاعب الجاهز. وهكذا استمررت مع فريق شعب إب من الموسم 1986 حتى الموسم 1994 وحصلت معه على 3 بطولات، منها بطولتا دوري وبطولة كأس. كما لعبت نهائي الكأس مرتين، وكنت أول لاعب من محافظة إب يحقق لقب هداف الدوري، وكان بالمناصفة مع لاعب أهلي صنعاء مختار اليريمي، وحصلت على كأس صغير.

 من المعروف أن آل الصباحي جلهم شعباوية. كيف ذهبت للفريق الخصم؟
- قلبي كان شعباويا؛ ولكن كما قلت لك الشعب يريد اللاعب الجاهز، وعندما يكتفي بعصره يقذفه خارج أسوار النادي، عكس السلام، الذي هو اليوم باسم نادي الاتحاد، هذا النادي هو منجم المواهب الأول في إب.

 ذكرت أن اليماني اكتشف نصف لاعبي إب. هل كان الوحيد في هذا المجال؟
- أحمد اليماني هو أفضل مكتشف للمواهب في تاريخ المدينة. كذلك كان يوجد عبد الإله السادة وجورج ستامبو وأحمد الكاسب.

 وكيف تم اختيارك للمنتخبات الوطنية؟
- أول مرة كان بعد صعودنا بنادي السلام إلى نصف نهائي كأس الجمهورية، وفوزنا على أهلي تعز والزهرة، وخسارتنا أمام المجد في صنعاء. طبعا كان اختياري لمنتخب الشباب عن طريق المدرب الألماني بيتر كلاوس. وللمفارقة لم يخترني مدرب يمني للمنتخبات قط، وبالعكس كان انضمامي للمنتخبات الوطنية على يد أربعة مدربين أجانب، هم بيتر كلاوس وأحمد لوسيانو ومدرب بلجيكي والسوداني ستامبو الذي أفنى حياته الرياضية في إب ولم يُكرم، كما أنه عندما توفي لم يوفروا له قيمة تذكرة لنقل جثمانه إلى السودان.

 وكيف استطعت فرض نفسك في المنتخبات؟
- طبعا في تلك الفترة كان يتم اختيار لاعبين فقط من إب، وكنت أنا حينها أحتل ثانيا أو ثالثا بين نجوم المنتخب ككل، وشاركت أول مرة مع المنتخب في كأس آسيا للشباب بالسعودية، ولعبت مع المنتخب الوطني الأول في كأس أمم آسيا عام 1990 بالإمارات، وأثناء تواجدي مع المنتخب في الشارقة أصبت بالملاريا ولم أستطع المشاركة مع المنتخب الموحد. كان حلمي أن أنال شرف المشاركة مع أول منتخب موحد لليمن.

 ماذا عن الأجواء في فترة الثمانينيات والتسعينيات؟
- كانت أجواء عنصرية ومناطقية في ذلك الحين، وحتى اليوم، وبالذات على لاعبي إب وتعز والحديدة، وهذه الثلاث المحافظات المليئة بالسكان والرياضيين لا يوجد فيها ملاعب للأندية! من يتصور أن شعب إب يحرز بطولة الدوري الأخيرة في الموسم 2011، ويأتي اتحاد إب وصيفا له، فيتم اختيار لاعبين فقط للمنتخب من الشعب، ولا يتم اختيار أي لاعب من اتحاد إب؟! هذا اتحاد إب من أفضل أندية اليمن، المفروض يتم اختيار اللاعبين من أفضل الفرق ترتيبا؛ لكن عندنا في اليمن الدوري لحاله والمنتخب لحاله.

 أنت من أسرة الصباحي، الأسرة الأشهر في إب واليمن بإنجاب نجوم الرياضة...؟
- جاءت فترة كنا سبعة لاعبين من بيت الصباحي نلعب بوقت واحد، مع شعب إب: عبدالله الصباحي، الحاج الصباحي، إبراهيم الصباحي، أنا وشقيقاي فضل وعادل الصباحي، وفضل الصباحي ابن عمي. وأذكر في إحدى مبارياتنا كان يعلق عليها الكابتن العملاق وملك المايك علي العصري، وعندما سجلنا هدفا لم يقدر أن يذكر اسم لاعب فقال: من صباحي إلى صباحي إلى المرمى، واشتهرت هذه الكلمة من يومها. طبعاً كان الحاج الصباحي من أفضل نجوم اليمن، وبلغت أهدافه في أحد المواسم 30 هدفا، ولم يتم اختياره للمنتخب.

 الجاموس، السحراني، إبراهيم، والحاج الصباحي، رباعي متجانس، هل هذا صحيح؟
- أنا كنت ألعب على الأطراف وصانع أهداف، والسحراني كان هو من يكمل الهجمات، وعندما يكون معك مايسترو وسط كإبراهيم الصباحي، وقناص فذ كالحاج الصباحي، يمكنك أن تفوز على أي فريق بسهولة.

 ما هي الفترة الأبرز للمنافسة بينكم وبين "الإتي"؟
- كانت أقوى الديربيات في إب أولا بين الشعب والفتوة، ثم بعدها بين الشعب والسلام، وخاصة بعد تولي طيب الذكر محمد الغفاري، حارس مرمى وحدة صنعاء السابق، رئاسة نادي السلام، أثناء ما كان مديرا لمكتب أوقاف محافظة إب، وهو يعتبر أفضل من تولى رئاسة نادي السلام، وأفضل اثنين مع علي الصباحي رئيس شعب إب، استطاعا تطوير كرة القدم في إب وإشعال الديربيات.

 بالنسبة للنجوم المميزة على مستوى الوطن خلال فترة لعبك...؟
- جمال حمدي كان الواحد يحلم باللعب أمامه. كذلك خالد العرشي، لاعب بمواصفات عالية جدا. وفي تعز فيصل أسعد ومطهر ثابت وناصر غالب، الذين كانوا من أجمل اللاعبين. وفي الحديدة شنب حمادي وأنور عديني وعبدالرقيب حسن من أروع هدافي اليمن. وفي إب الجاموس والسحراني وإبراهيم الصباحي ومحمد الحمامي الذي كان يجيد اللعب في أي مركز.

 بالمناسبة، من لقبك بالجاموس؟
- وأنا صغير نزلت إلى مدينة تعز لتشجيع نادي سلام إب في مباراته مع أهلي تعز. وقبل مباراة الكبار لعبنا الأشبال، وكان يلعب مع الفريق الأول لأهلي تعز محترف سوداني يلقب بالجاموس، فقبل المباراة قال زميلي عبدالكريم الصهباني: أهلي تعز معهم جاموس واحنا معنا جاموس؛ وأشار ناحيتي، والقصد على لوني الأسمر، وليس على بنيتي التي كانت صغيرة بالنسبة للاعب السوداني الضخم. من يومها التصق بي هذا اللقب، وزاد عززه الإعلامي المرحوم عبدالرحمن المقدم، عندما بدأت تتطور شهرتي بكتابته عني بين قوسين "الجاموس".

 وماذا عن ذكرى مباراة اشتركت فيها مع منتخب تعز ضد فريق روسي؟
- هذا كان في العام 1986، واختارونا لمنتخب تعز مع زميليّ من إب خالد الخربة ومحمد الحمامي. مباراة كانت جميلة وسجلت فيها هدفاً. بعد المباراة طلب مني لاعب روسي مبادلة الفانلة؛ لأنه كان معجبا بلعبي، فقمت بمبادلة الفانلة معه كما يحصل في المباريات العالمية، طبعا فانلات منتخب تعز كانت فانلات فريق الصقر، لأتفاجأ بإداريي الصقر يطالبونني بارجاع الفانلة أو سيحبسونني، فذهبت إلى الحكم عبدالسلام ناجي وأعطيته فانلة اللاعب الروسي وأخبرته أن يذهب للفريق الروسي ويسترد فانلة الصقر!

 الكثير يقولون إن الجاموس ظُلم. ماذا عن تكريمك؟ ومن أبرز من وقف معك؟
- لعبت مع سلام إب 4 سنوات، ومع شعب إب 8 سنوات بدون راتب، حتى وقت التكريم لم يقف معي أي شخص غير اللاعب وليد النزيلي، الذي لن أنسى فضله أبدا. هو الوحيد الذي وقف بجانبي وعمل لي تكريما وجمع تبرعات من المغتربين وأعضاء الشرف وجمهور الشعب في أمريكا والسعودية والإمارات، وليس الذي في اليمن. والشهيد حسن زيد وزير الشباب والرياضة حول لي مبلغ 300 ألف ريال فقط كمنحة من الوزارة؛ كوني لاعباً دولياً سابقاً، وهذا لأني من إب، والعنصرية لعبت دورها هنا، ورغم ذلك لا بد من شكره. ونادي الشعب صرف مثلها، وبعد وساطات جبارة. هنا أوجه الشكر للإخوة أعضاء شرف نادي الشعب والمتواجدين خارج الوطن، وعلى رأسهم الأخ توفيق الجهيم والشيخ عارف المنصوب الذي وقف وقفة لن أنساها طول عمري، وكذلك لأفضل أمين عام في نادي الشعب الكابتن عادل عبدالجبار الذي عمل بقوة على توظيفي، وفي الأيام السابقة المرحوم فضل الجهيم، كما تعاون في تكريمي مشكورين الكابتن إيهاب النزيلي والحكم الدولي مختار العرامي. في مباراة تكريمي، وهي مباراة جمعت نجوم إب، لم تحضر إدارة نادي الشعب إلا من بعض المخلصين والمحبين لتاريخ الجاموس.

 لماذا هذا التهميش؟!
- في إب خاصة عندما يتألق لاعب تبدأ محاربته. وهذه قالها لي أحد إداريي نادي شعب إب ذات يوم: "احنا جبناك يا جاموس من نادي السلام مش على شان تحقق لنا بطولات. احنا جبناك على شان الصعود والهبوط، وأنت تشتي تجيب بطولات وتخسرنا فلوس كثيرة حق احتفالات ومكافآت"! أنا كنت أحلم بتحقيق البطولات مع العنيد وفوجئت بصراحة هذا الإداري.

 متى يتم إنصاف اللاعبين القدامى؟
- يوم القيامة بالعصر! معك في اليمن 170 ناديا رياضيا أشبه بدكاكين. شعب إب أفضل نادٍ ولا يمتلك ملعبا، يمتلك سوقا، دكاكين، صنادق؛ لكن ملعب لا!

 كلاعبين قدامى لماذا لا تدخلون الأندية من بوابتي التدريب والإدارة؟
- أنا عشت ظروفا سيئة. تربيت على يد خالة، ولم أدرس كبقية زملائي. كانت حياتي كلها للرياضة. المدربون وللأسف فاشلون في ملاعبنا من حيث التأهيل ومراكمات الخبرة، وأغلب المدربين في الأندية والمنتخبات الوطنية لم يكونوا يوما لاعبين، وإن كانوا فقد كانوا من أفشل اللاعبين وهذا ما يحدث. والجريمة الأفدح أن تعطي فرق الصغار أشخاصا يدربونهم وهم لم يلمسوا الكرة في حياتهم! ماذا تمثل البنية الرياضية لأنديتنا بالمقارنة مع الآخرين؟! خذ مثالا: فريق الترجي التونسي، القيمة المالية للاعب واحد تبلغ 20 مليون دولار. ونحن كم تقدر قيمة أغلى لاعب؟! أكيد ما فيش! كذلك أكبر جريمة تواجهها الكرة اليمنية هي تزوير الأعمار في الفرق العمرية، وعندما يحترف اللاعب يكشف الفحص سنه الحقيقية وسرعان ما يتخلى عنه النادي الذي تعاقد معه وهذه مسؤولية يتحملها الاتحاد العام لكرة القدم ومستوى القيمة الرخيصة لرواتب مدربي هذه الفئات في الأندية.

 اتحاد القدم، ماذا عنه؟
- من وجهي نظري، من الأفضل بقاء العيسي على رئاسة الاتحاد العام هذه الفترة، رغم الإخفاقات، لا بد من الإشارة لمساعدة الرجل للاعبين المصابين بالعلاج في وقت تتخلى عنهم فيه أنديتهم. بالنسبة لبقية أعضاء الاتحاد واللجان المشكلة من اللاعبين السابقين فهم مجموعة من الفاشلين والمقطقطين. ولماذا لا يستدعى للجان إلا من يناسبهم ويتغاضون عن نجوم مثل شرف محفوظ وجمال حمدي وأحمد الصنعاني؟!

 وشعب إب...؟
- أنا أرى أن شعب إب، الذي لا يمتلك ملعبا بمواصفات دولية، يتم إغلاقه أحسن! هذا النادي بالذات الذي يملك أكبر قاعدة من اللاعبين والجماهير، يغلق إذا استمر بهذا الحال، ويتحول النادي إلى مكتب لشؤون القبائل.

 هل تشعر بحسرة؟
- أنا نمت أظافري مع الرياضة، لعبت 30 مباراة دولية وسجلت 100 هدف في مسيرتي وهداف للدوري وأغلى صفقة في عام 1986... أتحسر وأنا أرى نفسي كشخص ليس له دعوة بكرة القدم. حتى نادي الشعب يرفض أن يمنحني أنصاف الفرص.

 ممكن نعرج على أهدافك الشهيرة بالغواصة؟
- كانت عبارة عن "فاولات"، وسجلت منها 7 أهداف، وعلى حراس المرمى أمين السنيني ومحمد راوح وصلاح سالم ومحمد درهم وعلى حارس مرمى فريق شرطة عدن وحارس فريق تضامن المكلا. أتذكر موقفا لي أثناء مباراتنا مع فريق الزهرة، تهيأت للعب "الفاول" وأشرت لأمين السنيني بأني سأسجل هدف الغواصة في شباكه، فما كان منه إلا أن قال: "قديمة يا جاموس، العب غيرها"، فسددت الكرة الغواصة وسط ذهوله وعدم قدرته على التعامل معها وسكنت مرماه وسط ضحك زملائي.

 كلمـة أخــيرة كـابتن عبــدالله الصباحي...؟
- أنا لا أتمنى الحصول على مال أو امتلاك عمارة؛ فقط أتمنى رؤية مدينة رياضية في إب وملاعب معشبة خماسية تلم النجوم القدامى مع اللاعبين المميزين لتدريب اللاعبين الصغار وتطوير مواهبهم حتى يصل بلدنا الغالي اليمن إلى كأس العالم. هذه أمنيات حياتي.