استطلاع: غازي المفلحي / لا ميديا -
تشارف الهدنة في اليمن، بفترتها الثالثة، على الانتهاء دون أن يلتزم تحالف العدوان بمعظم بنودها، إذ لا يزال يواصل احتجاز سفن الوقود، كما أن مطار صنعاء لا يزال محاصراً عملياً، إلا من رحلات قليلة جداً، ودون إضافة وجهات جديدة حسب الاتفاق. كذلك لم يتحقق أي تقدم في ملف صرف الرواتب، حسب التصريحات الأخيرة لرئيس الوفد الوطني المفاوض.
تحالف العدوان يعتمد أسلوب المراوغة في التعاطي مع الهدنة، والتي كانت بالأساس مطلباً له تحت اسم «هدنة إنسانية»؛ لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يكون لها فوائد يلمسها الشعب اليمني، فهو يتنصل من تنفيذ بنود إنسانية بحتة لا تحمل في طياتها أية تنازلات عسكرية أو سياسية، وهذا على عكس ما يتشدق به من رغبة في تمديد الهدنة والاستفادة منها كفرصة لتحقيق سلام دائم في اليمن.
أجرت «لا» استطلاعا طرحت فيه سؤالا عن جدوى الاستمرار في الهدنة، وما هي الطرق المناسبة للتعامل مع التفافات العدو على بنودها؟

فرص التمديد تتضاءل
الصحفي والمحلل السياسي صلاح حيدرة يرى أن فرص تمديد الهدنة في اليمن تتضاءل؛ بسبب عدم التزام تحالف العدوان وحلفائه المحليين والدوليين بالحد الأدنى الذي يلمسه المواطن من بنود الهدنة.
ويضيف أنه وبالعكس “هناك حرص من الأطراف الراعية للهدنة على إبقاء الحال على ما هو عليه دون إدانة طرف بعينه، بل وحتى دون تقييم ما تحقق في الفترتين السابقتين من الهدنة. كما لم يكن هناك تحرك نحو مناقشة الحل الشامل بما يعطي انطباعاً بأن هناك جدية لاستغلال الهدنة لتهيئة الأجواء تمهيدا للسلام”.
ويقول حيدرة: “إذا لم يسبق تمديد الهدنة تنفيذ حد أدنى من البنود كإطلاق رواتب الموظفين ولو جزئيا لإنعاش آمال التمديد، فلن يكون أمام المفاوضين ما يقولونه للشعب، فالهدنة التي لا تثمر لن تجد من يؤيدها، وفي حال ذهبت الأطراف إلى التمديد دون ذلك فستكون مسبة”.
ومن وجهة نظرة حيدرة فإن تمديد الهدنة مرهون بسرعة تنفيذ ما يمكن تنفيذه من الالتزامات، “ما لم فإن الوقت ينفد، والخيارات كثيرة أمام الشعب اليمني، ولن نظل نعقد الآمال على تمديد هدنة لا يجني ثمارها اليمنيون، المتعطشون للحياة بقدر تعطشهم لأخذ حقوقهم بقوة الحق والمظلومية الواقعة عليهم”.

لن تنعم المنطقة بالاستقرار
البروفيسور عبدالعزيز الترب، الخبير الاقتصادي ومستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى، من جهته يقول إن الهدنة لن تمدد مع عدم تنفيذ العدو لالتزامات حددتها بنود الهدنة وشروطها.
ويرى الترب أنه إذا لم تتغير نظرة وسلوك المجتمع الدولي فالقيادة لن تسمح باستمرار معاناة الشعب ولديها القدرة والكفاءة لوضع حد لتلك العنتريات وإسكاتها من خلال تعطيل الحياة الاقتصادية الدولية. “تأكيد القيادة مستمر لوضع حد لمعاناة الناس من عنتريات القرصنة بحجز سفن المشتقات النفطية، عسى أن يفهموا رسائلنا، ما لم فلن يكون هناك استقرار في المنطقة”. 

هدنة بشروطها
الممثل عبدالرحمن الخالد يقول: “أنا مع الهدنة، لكي نلتقط أنفاسنا ونستعيد قوتنا وتتحسن بعض الجوانب الاقتصادية؛ ولكن الهدنة لا تستقيم مع استمرار حصار ميناء الحديدة ومطار صنعاء، فنحن مع هدنة يتم تنفيذ كامل شروطها وبنودها، ودون ذلك لا تعتبر هدنة”.

لا خير متوقع ممن دمر اليمن
الناشط الإعلامي والسياسي أحمد العزي العزاني، يرى أن الفشل الذريع الذي مني به العدوان في كل الجبهات والميادين أوصله إلى مرحلة المطالبة بهدنة إنسانية، وهذا الطلب جاء نتيجة لضعفه وانتكاسته وفشل مشروعه الصهيوني الأمريكي في المنطقة.
ومن وجهة نظر العزاني فإن من غير المتوقع من العدو الذي دمر كل مقومات الحياة في اليمن أن يأتي منه خير أو يجنح للسلم، إلا إذا “أعلن إيقاف العدوان بشكل كامل.

سيتم تمديد الهدنة
الإعلامي وسيم الشرعبي يعتقد أن الهدنة سوف تمدد؛ كونها مطلباً يحتاجه الجميع. ويقول: “نعم، سيتم تمديد الهدنة، وسيقدم التحالف والأمم المتحدة تنازلات بسيطة مثل صرف المرتبات أو توسيع الرحلات من مطار صنعاء، وستقبل الأطراف جميعها، فلا بد أن تقدم الأمم المتحدة وال تحالف تنازلات ولو جزئية، ولا بد من قبول صنعاء، فالهدنة يحتاجها الجميع من القوى السياسية والمدنية والخارجية والمحلية”.

لا يجدي مع تحالف العدوان إلا القوة
الشيخ يحيى حسين هضبان لا يرى طريقة مناسبة للتعامل مع تحالف العدوان غير القوة. يقول: “أرى أن الرد العسكري على تنصلات العدو مطلوب، وهو الحل الأفضل”.
أما بشأن تمديد الهدنة فيرى هضبان أنها لن تمدد، ويقول: “لا أتوقع تمديد الهدنة. وأعتقد أن الأمر مستبعد للغاية”.

الهدنة بهذا الشكل تمثل هزيمة
المواطن نصر عبدالله ليس مع الهدنة؛ لكنه يشعر بالإحباط مما سماها الأهداف المتواضعة والمحبطة التي تسعى قوة الردع العسكرية لتحقيقها، برغم المستوى العالي الذي وصلت إليه، حيث قال: “بفضل ما أصبحنا نمتلكه من قوة ردع عسكرية، يجب أن يكون ردنا على ممارسات تحالف العدوان المستفزة بتنفيذ ضربات استراتيجية موجعة ضده تجبره على الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة التي تمثل مطلباً له في المقام الأول، بل وتجبره على وقف عدوانه، لا أن نظل ننتظر منه أن يفرج عن سفينة وقود أو يفتح وجهات جديدة لرحلات من مطار صنعاء الدولي”.
وأضاف: “من المؤسف أن هذه الهدنة جعلتنا ننظر إلى إفراج التحالف عن سفينة وقود أو توسيع الرحلات من مطار صنعاء بأنه هدف وطموح، والتفاخر به كإنجاز”.
ويرى نصر أنه إذا انتهت الحرب بهذه الكيفية فهذا يعني أننا انهزمنا وخسرنا الحرب، وانتهى العدوان بسلب سيادة اليمن وتقسيمه وفق مخطط الأقلمة الذي كان السبب الحقيقي للعدوان، وهذا ما حاولت منعه ثورة 21 أيلول/ سبتمبر.
ويضيف: “رغم كل التضحيات الجسيمة والإنجازات العسكرية إلا أن تحالف العدوان سينجح إذا فرض هذا الواقع في تقسيم اليمن وسلب سيادته، مع استمرار سياساته في التجويع وحصار الميناء الوحيد المتبقي متى ما أراد، وذلك ما سيكون نتيجته الخضوع حتماً”.

فرصة لا تعوض
الشيخ جبران مرفق، رئيس مجلس التلاحم القبلي بمحافظة عمران، يقول: “نحن كمكونات قبلية لا نؤمن بهذه الهدنة ولا نؤمن إلا بأخذ الثأر من قتلة النساء والأطفال والأبرياء. صحيح أننا مع السلم ومع السلام؛ لكننا ليس مع الاستسلام”.
ويؤكد جبران أن تحالف العدوان ومرتزقته دأبوا على خرق الهدنة؛ لأنه لا عهد لهم، وإذا عاهدوا بشيء نقضوه.
ويضيف: “وأنا أقولها وبكل يقين: إن الهدنة المكذوبة والمخترقة من قبل العدو تعتبر فرصة ربانية مشرعنة لكي يتم الرد والضرب عليهم وبصورة مفاجئة وتفعيل وتنفيذ كلام صاحب القول والفعل والعمل، السيد القائد المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، حين قال: العين بالعين والسن بالسن... قالها آنذاك ومن المفترض أن يكون هذا قد تحقق، وأن نكون اليوم في مرحلة الجروح قصاص”.
ويتابع الشيخ جبران: “إذا كنا اليوم قادرين على فعل شيء لكسر حصار العدوان وقرصنته، فإننا نخشى أن يأتي اليوم الذي لا نستطيع عمل شيء حتى ولو نحن قادرون”.
ويرى الشيخ جبران أن الهدنة حتى الآن تصب في مصلحة العدوان وحربه الاقتصادية علينا، ومحاولاته زعزعة الأوضاع داخل مناطق جغرافيا السيادة الوطنية، والمطلوب منا في الوقت الراهن هو “بذل جهود أكبر وأكثر مما كنا عليه، ليتسنى لهذا الوطن جني عزته وكرامته”.

المونديال سيمدد الهدنة
الصحفي والمحلل السياسي مجدي عقبة يعتقد أن الهدنة في طريقها إلى التمديد؛ ولكن بشروط إضافية من جانبنا الوطني. ومن الدلائل على ذلك، بحسب رأيه، الإفراج عن سفن الوقود مؤخرا، وكذلك اللقاءات التي يعقدها رئيس وأعضاء الوفد الوطني.
ويقارب عقبة ذلك أيضاً من زاوية اقتراب موعد كأس العالم في قطر، الذي يعتقد أنه سيمثل “نقطة محورية من شأنها دفع تحالف العدوان لقبول شروط صنعاء، لأن من غير المنطقي أن تقام بطولة كأس العالم في ظل تصعيد وصواريخ تسقط على الرياض وأبوظبي، خصوصاً أن كل دول الخليج، بما في ذلك السعودية، ستستقبل الآلاف من القادمين لمشاهدة مباريات المونديال، نظرا لارتفاع أسعار الإقامة في قطر مقارنة ببقية دول الخليج. يضاف إلى ذلك استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وحرص القيادة على الأمريكية على حماية مصادر الطاقة من أي استهداف يضاعف الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم والغرب على وجه الخصوص بسبب العقوبات الأمريكية الأوروبية على روسيا التي أتت بنتائج عكسية”.
ويضيف عقبة: “من وجهة نظري أرى أن على صنعاء أن تستغل قرب مونديال قطر وكذلك المتغيرات الإقليمية لرفض أي تمديد للهدنة ولو بشروط موسعة، والإصرار على وقف كامل للحرب والحصار، فهذه فرصة ذهبية لن تتكرر ومن الخطأ تفويتها”.
ويتابع: “أثق أن المفاوض اليمني سيعمل بكل ما يستطيع لضمان أفضل النتائج التي قد تتبلور عن أي اتفاق جديد بخصوص تمديد الهدنة، وكلنا أمل أن تضع الحرب أوزارها، وأن يترك اليمن وشأنه بعد وقف الحرب ورفع الحصار وإعادة الإعمار، لأن أي عودة للحرب ستمتد إلى السعودية والإمارات، وما حدث بداية العام الحالي خير دليل”. 

هدنة بلا فائدة
عبدالله الكينعي من جهته يرى أن الرد والتصعيد العسكري ضد تحالف العدوان هو الحل الأفضل والوحيد، طالما أن الهدنة مجرد بنود وقرارات لا تنفذ أو يعمل بها. ويتساءل: “نحن في ظل الهدنة بينما الوضع نفسه أزمات وحصار، فما الفائدة منها؟!”.

تقسيم اليمن مقابل سلام مؤقت
الإعلامي أحمد الكبسي يقول: “نحن مع الهدنة، بل ومع الوقف الكامل للحرب ورفع كل القيود على الموانئ والمطارات اليمنية. كما أن غير مقبول أن نتحدث عن هدنة مع استمرار الخروقات العسكرية والاقتصادية”.
ويضيف: “أتفق مع من يطرح أن الشعب اليمني هو أقل وآخر المستفيدين من الهدنة بمراحلها الثلاث، وأن أي تمديد قادم دون توسيع المطالب الإنسانية لن يخدم سوى أجندة تحالف قوى العدوان، التي تسعى إلى تكرار سيناريو حصار العراق؛ ولكن هذه المرة ليس النفط مقابل الغذاء، بل تقسيم اليمن مقابل السلام المؤقت. أما بالنسبة للرد فإن القيادة السياسية تمتلك المعطيات، وهي أكثر حكمة في تقدير الموقف؛ غير أن غياب المعلومات عن الشارع وعدم التعاطي مع ما يدور من حديث وشائعات من قبل القيادة السياسية بصورة يومية يضع الطرف الوطني في موقع الاتهام أمام الشارع”.