إعداد:طلال سفيان / لا ميديا -
كل أربع سنوات، يتحول انتباه العالم إلى كأس العالم لكرة القدم، أهم حدث رياضي عالمي. حدث مقسوم ما بين الفرح والألم، الحرب والسلام، الهزيمة والنصر... إنها بطولة تحمل الكثير من السياسة، وأيضا فيها الرياضة، والعمل على أرض الملعب لتحقيق الأرقام والظفر بالجائزة المرموقة، وأحيانا تحقيق مشاهد في القضايا وانتصارات خارج الملعب ومعها قصص ومشاهد تخلد في الذاكرة.

مطــاف 92 عــامــا
عام 1904 اقترح الاتحاد الدولي لكرة القدم تنظيم بطولة عالمية. ناهضت اللجنة الأولمبية الفكرة، خوفا من سحب البساط الرياضي من تحتها.
وفي العام 1921 نهضت الفكرة مرة أخرى على يد المحامي الفرنسي جول ريميه، الذي أصبح لاحقا رئيساً للاتحاد الدولي لكرة القدم، والذي عمل جاهداً لإطلاق أول بطولة عالمية لكرة القدم. وبعد مرور سبعة أعوام على تعيينه في منصب الرئاسة وافق الاتحاد الدولي لكرة القدم، في اجتماع تاريخي عقد في 25 أيار/ مايو 1928، على إقرار بطولة كأس العالم، وتسميتها ببطولة كأس النصر.
البداية عام 1930 في أوروغواي. لم تكن النسخة الأولى مثاليّة، لأن البطولة شهدت مقاطعة بعض الدول الأوروبيّة؛ لعدة أسبابٍ، منها بُعد المسافة ومشاق السّفر.
في النّسخة الثّانية بإيطاليا عام 1934، تأهلت 16 دولة من أصل 32 شاركت في أول تصفيات تقام للتأهل للبطولة. قاطعت أوروغواي، حامل اللّقب، البطولة، كردٍّ على المقاطعة الأوروبيّة لنسخة أوروغواي 1930. وبرزت في هذه النسخة تحديداً الدعاية الفاشية التي كانت تحكم إيطاليا بزعامة بينيتو موسوليني، وسط توترات سياسيّة كبيرة كانت تعمّ أرجاء أوروبا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
في النسخة الثالثة عام 1938، التي استضافتها فرنسا، غابت الأرجنتين وأوروغواي، اعتراضاً على قرار الاتحاد الدولي الذي وعد بتناوب القارتين على حق الاستضافة، فيما غابت إسبانيا التي كانت تلتهمها نار الحرب الأهلية في ذلك العام، لتتوقف هذه البطولة بمسماها القديم "كأس النصر" بسبب الحرب العالمية الثانية لمدة 12 عاماً. حينها، احتفظت إيطاليا باللقب أطول فترة، 16 عاماً، بعد إلغاء نسختي عام 1942 وعام 1946 بسبب الحرب العالمية الثانية.
بعد توقف استمر 12 عاما، عادت هذه البطولة إلى الحياة من جديد بنسختها الرابعة التي استضافتها البرازيل عام 1950، إذ عجزت أي دولة أوروبية عن استضافتها، بسبب الدمار الذي خلفته الحرب. وشهدت نسخة البرازيل دعوة وتكفل الاتحاد الدولي بمشاركة حامل اللقب إيطاليا، ومقاطعة الأرجنتين بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، وحرمان اليابان وألمانيا من المشاركة بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الدولي والحلفاء بقيادة أمريكا وإنجلترا.
النسخة السابعة 1962، استضافتها تشيلي رغم آثار الزلزال الذي ضربها، وهو الأقوى في التاريخ، بعدما بلغت درجته 9.6 درجات.
وفي النسخة العاشرة، شهدت البطولة لقاء عاطفياً جداً، حين تقابل منتخب ألمانيا الشرقية مع جاره من ألمانيا الغربية التي استضافت البطولة عام 1974، وحققت الشرقية مفاجأة، وتجاوزت الغربية في وقت كان العالم الغربي يعيش أزمة نفط خانقة، وتضخماً اقتصادياً على خلفية حرب تشرين 1973 التي خاضها العرب ضد الاحتلال الصهيوني.
وفي هذه النسخة أُبعِدَ الاتحاد السوفييتي عن المشاركة بسبب خلافات سياسية، بعدما وقع في الملحق بوجه تشيلي، التي خضعت لانقلاب عسكري مدعوم من أمريكا أطاح بالرئيس اليساري سلفادور أليندي، إذ رفض السوفييت لعب مباراة الإياب في تشيلي، فيما أصر الاتحاد الدولي على ذلك.
نسخة الأرجنتين 1978، صُنّفت الأسوأ، بسبب تداخل السياسة والعسكر فيها. كانت الأرجنتين تقع تحت حكم عسكري، وتحتاج إلى تثبيت الحكم بإنجاز رياضي تستميل به شعبها، وقد استعملت كل ما تملكه من أساليب.
وشهدت هذه البطولة غياب يوهان كرويف، أسطورة هولندا، تحت تأثير التهديد، بسبب انتقاداته السياسية للأرجنتين، فيما كان لقرارات الحكام كثيرٌ من الانتقادات، نال في إثرها "التانغو" لقبه المونديالي الأول.
ومرورا إلى النسخة الأخيرة مونديال قطر 2022 الجاري اليوم في قطر، تم استبعاد روسيا من المشاركة في تصفيات التأهل لهذه النسخة، بعد معاقبتها من الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم على خلفية عمليتها العسكرية على أوكرانيا، وما زالت السياسة الغربية تتحكم بمصير المونديال؛ الغرب الذي قدم تنظيم النسخة 22 للمونديال العالمي لقطر بالرشوة وأسباب أخرى، وينتظر منه أن يقدم مونديالا مشتركا بين الكيان الصهيوني والإمارات عام 1930.


كارثــة ماراكـانـــا
خلدت كأس العالم 1950 اسم أوروغواي بأحرف من ذهب، وبات العار والشؤم والدموع ملاحقاً للبرازيل؛ إذ لم تمحُ آثار هذه الذكرى الكارثية الألقاب الخمسة التي جلبتها البرازيل لاحقاً في كأس العالم.
في "ماراكانا"، معقل البرازيليين في ريودي جانيرو، احتشد ما يقارب 200 ألف برازيلي، استعدادا للفرح بالتتويج الأول باللقب؛ لكن منتخب أوروغواي حوله إلى ملعب للموت بالفوز 2/1 في نهائي مونديال 1950.
كان ذلك اليوم، 16 تموز/ يوليو، يوم الصدمة والكارثة على البرازيليين، حالات انتحار عديدة وحزن أصاب البلاد.
على بعد مئات الكيلومترات، كان هنالك طفل يلعب مع أصدقائه في الأزقّة، وشعر وأصدقاؤه بصمت غريب في الحي، وعاد إلى المنزل ليتفحص ما يجري، ففوجئ بمشهد لم يألفه في حياته، إذ وجد والده يبكي بحرقة، فسأله: "لماذا تبكي يا أبي؟!"، فأجابه والده: "لقد خسرت البرازيل كأس العالم". رد الطفل بيليه ببراءة: "لا تبكي يا أبي، سأفوز بكأس العالم من أجلك".
في نسخة السويد 1958، حمل الأسطورة بيليه كأس العالم، وأوفى بوعده لوالده، وأهداها لشعبه الذي كان يعاني الفقر. رد البرازيليون: "صحيح أننا لا نملك الخبز والماء؛ لكن لدينا بيليه وكأس العالم".

حـــرب فوكــلاند ويد الــــرب
قضية جزر فوكلاند الأرجنتينية (الّتي احتلتها إنجلترا) كانت حاضرة بقوة في كل مباراة تجمع منتخبي إنجلترا والأرجنتين. أفرز هذا الصراع حساسيات كبيرة عند كل لقاء، كان أخطرها في مونديال إسبانيا عام 1982؛ تاريخ الحرب ذاتها في الجزر. وقد سجلت هذه النسخة صدامات عنيفة بين جمهوري المنتخبين، لتصبح "كلاسيكو" متكاملاً على خلفية حرب الجزر.
بعدها وفي مونديال المكسيك 1986، قاد الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا بلاده الأرجنتين في مباراة ملحمية أمام الإنجليز، وسجل هدفي الفوز، أحدهما بيده، في شباك المنتخب الإنجليزي، في مباراة الربع النهائي. قال مارادونا عن الهدف المثير: "لم تكن يدي التي سجلت، بل كانت يد الرب انتقمت من الإنجليز الذين احتلوا جزرنا وقاتلونا لحظة إقدامنا على استرداد هذا الجزء من أرضنا". كان الهدف من المنعطفات المفصلية في فوز المنتخب الأرجنتيني بلقب تلك النسخة التي أطلقت عليها الجماهير العالمية وثم الفيفا "مونديال مارادونا"، وتحولا كبيرا في مصير هذا المهاجم الذي شق طريقه إلى العالمية بعد ذلك.

سرقـــة كـــــأس العـــالـــــم
تعتبر عملية سرقة كأس العالم من أغرب أحداث هذه البطولة. وتعرض كأس العالم لكرة القدم، والذي تغير شكله عن الكأس الحالية، وبالإضافة إلى اسمه الذي كان "غول ريميه" صاحب فكرة إحياء هذه البطولة، ورئيس الاتحاد منذ عام 1921 حتى عام 1954.
واختفت كأس العالم مرتين: عام 1966 في إنجلترا، وعام 1983 في إسبانيا بعد عام من استضافتها. ومنذ ذلك الوقت حتى وقتنا الحالي لم يعرف أين اختفت الكأسان، ليقوم الاتحاد بعدها بنحت 3 نسخ طبق الأصل من كأس العالم، حتى لا تكرر حادثة اختفائها من مرة أخرى.

حـــرب الـ 100 ساعــة
في عام 1969، اندلعت "حرب كرة القدم" أو "حرب الـ100 ساعة" بين هندوراس والسلفادور، الواقعتين في أمريكا الوسطى، واللتين كانتا تتنافسان على مكان في نهائيات كأس العالم 1970 التي ستقام في المكسيك.
فقد اشتعلت أعمال الشغب بين مشجعي البلدين في أعقاب المباراة الأولى التي جرت في العاصمة الهندوراسية تيغوسيغالبا يوم 8 حزيران/ يونيو 1969، والتي فازت بها هندوراس 1-0. وتبع ذلك المزيد من العنف عندما فازت السلفادور 1-0 بالمباراة الثانية يوم 15 حزيران/ يونيو في العاصمة السلفادورية سان سلفادور، لتتفجر الأوضاع تماماً بفوز السلفادور بعد المباراة الفاصلة التي أقيمت في مكسيكو سيتي في 26 حزيران/ يونيو ، وفازت بها السلفادور 3-2 بعد وقت إضافي.
استمرت الحرب بين البلدين 4 أيام ونصف اليوم، وقتل فيها ثلاثة آلاف شخص، بينهم مدنيون، وأكثر من 15 ألف جريح وآلاف المشردين، بالإضافة إلى خسائر مالية قُدّرت بنحو 8 مليارات دولار.

مــارادونـــا يحـــرر بنغــلادش
في كل نهائيات كأس العالم، تتعاطف بنغلادش، التي يبلغ عدد سكانها حوالى 170 مليون نسمة، مع المنتخب الأرجنتيني بتفانٍ. ما هي قصة هذا العشق البنغلادشي لمنتخب التانغو وأسطورتها الخالد دييغو أرماندو مارادونا؟
في نسخة نهائيات كأس العالم في المكسيك عام 1986، صرخ دييغو مارادونا وهو يغادر غرفة تبديل الملابس في استاد أزتيكا: "إنه للأطفال الذين ماتوا في الحرب". يبلغ من العمر 25 عاما، وهو قائد فريق سيواجه إنجلترا بعد أربع سنوات من حرب الفوكلاند.
شاب من فيوريتو لديه ذاكرة الحرب، ينظر إلى منافسيه بوجه المحارب، يبدو غاضبا؛ لكنه مقتنع ويصر على الصرخة، يقنع المقتنع نفسه ويخيف المنافسين، الذين سيسجل عليهم، فيما الأهداف التاريخية بالأخص هدف كل العصور.
لم يكن ساحر التاريخ لديه أي فكرة عن المسافات البعيدة التي سيغطيها سحر كرة القدم الخاص به. في بنغلادش جن جنون الناس بعد إحراز مارادونا هدفي الانتصار على الإنجليز. خرج البنغلادشيون إلى شوارع داكا وبقية المدن وملؤوا الشاحنات وكل الأركان بقمصان دييجو والرقم 10 وقمصان الأرجنتين.
هتف البنغلادشيون: "لقد كان انتقاما باليد والقدم. شكرا دييغو مارادونا، لقد جعلتنا نرى الأسد البريطاني راكعا". كانت المظاهرات قوية ضد البريطانيين، وذهبت سلطة الاحتلال البريطاني للتفاوض، وبعد شهور قليلة رحلت عن أرض بنغلادش. وقال البنغلادشيون: لقد تحررنا من الإنجليز بفضل مارادونا.

فهـــد الأحمــد يقتحــم ملعب الكويت وفرنسا
في مباراة الكويت وفرنسا في مونديال 1982 بإسبانيا، أحرز ألاين غيريسي هدفاً لفرنسا في مرمى الكويت التي توقف لاعبوها عن اللعب فجأة ولم يواصلوا اللعب بعد أن سمعوا صافرة اعتقدوا أنها من حكم اللقاء السوفييتي شتوبار، فنزل الشيخ فهد الأحمد الصباح رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم وشقيق أمير الكويت، واحتج على الهدف الذي أحرزه ألاين غيريسي في مرمى الكويت، وأمر لاعبيه بمغادرة الملعب، فتم إلغاء الهدف واستكمال المباراة التي انتهت بفوز فرنسا بنتيجة 4-1.
كانت هذه الحالة الأولى التي يشهدها هذا الأمر في تاريخ النهائيات. استطاع الشيخ فهد الأحمد وقف عنجهية الفيفا. استجاب الحكم السوفييتي فعاقبه الفيفا بالإيقاف مدى الحياة عن إدارة مباريات النهائيات.

 أرقام مونديالية
 مونديال قطر 2022 هو الأكبر تكلفة في تاريخ كأس العالم، ووصل التكلفة الإجمالية لتنظيم مونديال قطر 220 مليار دولار أمريكي، أي خمس مرات أكثر من مجموع ميزانيات المونديالات السبعة الأخيرة.
 البرازيل المنتخب الوحيد الذي لم يغب عن نهائيات كأس العالم، وأكثر من حقق اللقب (5 مرات).
 إندونيسيا أقل من شارك في تاريخ النهائيات، حيث شاركت في بطولة كأس العالم لكرة القدم في فرنسا عام 1938 تحت اسم منتخب الجزر الهولندية الشرقية (كانت إندونيسيا آنذاك مستعمرة هولندية)، ولعبت مباراة واحدة خسرت 0-6 أمام منتخب المجر.
 أكثر لاعب توج بلقب كأس العالم البرازيلي بيليه 3 مرات (1958 و1962 و1970).
 أول هدف في تاريخ كأس العالم سجله الفرنسي لوسيان لوران، في مباراة منتخب بلاده ضد منتخب أوروغواي في افتتاح كأس العالم 1930.
 الفرنسي جوست فونتين أكثر من سجّل أهدافاً في نسخة واحدة من كأس العالم (13 هدفاً في مونديال 1958).
 أكثر من لعب مباريات في النهائيات هو الألماني لوثر ماثيوس (25 مباراة).
 الألماني ميروسلاف كلوزه هو الهداف التاريخي للكأس (16 هدفا من 24 مباراة).
 أسرع هدف سُجل في كأس العالم سجّله التركي هاكان شوكور 2002 في مباراة تحديد المركز الثالث ضد كوريا الجنوبية بعد 11 ثانية.
 أكبر فوز في نهائيات كأس العالم هو فوز منتخب المجر 10-1 على منتخب السلفادور في كأس العالم 1982.
 أول بث تلفزيوني كان بالأبيض والأسود في مونديال السويد 1958.
 مونديال المكسيك 1970 شهد أول بث تلفزيوني ملون نقل للعالم.
 استخدمت البطاقة الصفراء لأول مرة في مونديال المكسيك 1970.
 أشهرت أول بطاقة حمراء بوجه لاعب منتخب تشيلي كارلوس كازالي في مونديال 1974.
 الايرلندي الشمالي نورمان وايتسايد أصغر لاعب شارك في كأس العالم (17 عاماً و 41 يوماً في 1982).
 المصري عصام الحضري أكبر لاعب شارك في مباراة بكأس العالم (45 عاماً و161 يوماً في 2018).
 3 حققوا اللقب كلاعبين ومدربين: البرازيلي ماريو زاغالو (كلاعب عامي 1958 و1962 ثم كمدرب في 1970)، والألماني فرانتس بكنباور (كلاعب عام 1974 ومدرب عام 1990)، والفرنسي ديدييه ديشامب (كلاعب في 1998 ومدربا في 2018).