تقرير: غازي محمد / لا ميديا -
كثيراً ما تُنسج بين الشباب اليمني قصصٌ خيالية عن نعيم يعيشه اللاجئون في أوروبا.
«ما إن تنجح في الوصول إلى دولة غربية تحصل على منزل جميل وراتب ألف دولار على الأقل وجميع الخدمات التي تحلم بها. كل هذا بدون حتى أن تعمل، وكل ما تحتاجه الآن 
هو 5 آلاف دولار تكاليف رحلة سهلة إلى هناك». هكذا يخبر شاب أصدقاءه عن الحلول وهم يناقشون صعوبة المعيشة في اليمن، التي تسبب بها عدوان مستمر منذ 8 سنوات. لكن ما هو الواقع الحقيقي للاجئين والمهاجرين في أوروبا؟

«عائشة» يكشف جزءا من الحقيقة
يكشف فيلم «عائشة» (Aisha) المقتبس عن قصة حقيقية، والذي أنتجته شركة إنتاج سينمائي أيرلندية بالتعاون مع شركات أخرى، وعُرض أواخر 2022، بعضاً من جوانب الصورة الحقيقية الموحشة لحياة ومعاناة طالبي اللجوء في أوروبا.
الفيلم يتحدث عن فتاة نيجيرية مسلمة اسمها عائشة، هربت من بلدها، إلى أيرلندا طالبةً اللجوء والحماية؛ كونها مع أسرتها مهددة بالقتل من قبل عصابة في بلدها، وذلك بسبب ديون على والدها الفقير.
عائشة محجوزة مع آلاف اللاجئين في مخيمات لجوء تخضع لنظام يشبه نظام المعسكرات، حيث يتم تحديد ساعات النوم والاستيقاظ وتقديم الوجبات الجماعية، وتشارك الغرف والحمامات، ولا يُسمح بالخروج من المخيم المطوَّق بالحراس والأسوار، إلا لمواعيد المقابلة المخصصة لطلب اللجوء التي تقرها السلطة، كما أن بعض مسؤولي المخيم يتعاملون مع اللاجئين تعاملاً سيئاً وعنصرياً وبأسلوب ضباط السجون.
كانت الشرطة تداهم المخيم كل فترة وتأخذ بعض اللاجئين بالقوة وتضربهم وتنقلهم إلى مخيمات أسوأ، أو ترحّلهم إلى بلدان أخرى؛ كون طلبات لجوئهم لم تحظَ بالقبول.
الفيلم يكشف أيضاً أن طالبي اللجوء يبددون سنوات من حياتهم وشبابهم محتجزين في مخيمات، ثم تُرفض طلبات لجوئهم ويتم ترحيلهم، حتى وإن كانوا يملكون مؤهلات أو مهناً جيدة، مثل عائشة، التي كانت بارعة في فن تجميل السيدات وتجيد اللغة الإنجليزية بشكل ممتاز.
الأسوأ في قصة عائشة أنها، وبرغم أنها اغتصبت وقتلت والدها وشقيقها، وأن العصابة في نيجيريا تطارد والدتها، ورغم علم السلطات الأيرلندية بكامل القصة وحجم الخطر الذي يتهدد عائشة في بلدها؛ إلا أنها ترفض منحها اللجوء والحماية.
نهاية الفيلم ليست سعيدة، إذ إن العصابة وجدت والدة عائشة وقتلتها، رغم هروبها إلى مدينة بعيدة عن المدينة التي تتواجد فيها العصابة داخل نيجيريا.
بسبب حزنها على والدتها، وخوفها من رفض طلب لجوئها، حاولت عائشة الانتحار، برمي نفسها أمام سيارة؛ لكنها لم تمُت، وعندما حان وقت المقابلة الثانية مع السلطات لم تشفع لعائشة كل هذه المآسي، وتم تأكيد رفض طلب لجوئها وحمايتها؛ بذريعة أنها ما زالت لديها خيارات أخرى في بلدها؛ لكن المحامي المتعاطف معها استطاع أن يحصل لها على إقامة لسنتين إضافيتين في المعاناة ذاتها والحجز ذاته، في محاولة للطعن في قرار السلطة أمام المحكمة، وانتظار المجهول، حسب محامي عائشة... وانتهى الفيلم.

لا وجود لأوروبا التي يحلم بها الشباب العربي
على أرض الواقع، ليس هناك منازل لطالبي اللجوء، وخصوصاً العرب والأفارقة، ولا رواتب ولا حقوق طبية وتعليمية... كل ما يجدونه، إن نجوا من رحلات اللجوء المميتة ووصلوا إلى أراض أوروبية، هو صدمة في مخيمات تشبه المعتقلات، تسمى مراكز الاستقبال الأولية، والتي أصبحت في الحقيقة دائمة.
هذه المراكز مكتظة جداً وغير نظيفة ولا آمنة، بعضها من الخيام وأخرى حاويات خشبية أو معدنية أو بلاستيكية، وفي النادر مبانٍ قديمة ومهجورة في ضواحي المدن، يُسجن مئات اللاجئين فيها بانتظار طويل قد يستمر سنوات، ويتشاركون كل شيء بلا خصوصية، وفي ظروف معيشية سيئة، وفي ترتيب بشري وصفته منظمة «أطباء بلا حدود» بأنه «أدنى من البشر» في اتهامها لأوروبا بسوء معاملة اللاجئين، خاصة العرب.
في الحقيقة يمكن قياس وضع اللاجئين العرب والأفارقة بالنظر إلى وضع اللاجئين الأوكرانيين، الذين لقوا حفاوة أوروبية لم يسبق لها مثيل مع أي لاجئين آخرين.
فقد مُنح اللاجئون الأوكرانيون الإقامة والرعاية الصحية والحق في العمل أو الدراسة لمدة عام وحتى ثلاثة أعوام فقط، وهذا كل شيء. أما بالنسبة للعرب فلم يجدوا أبداً في أوروبا المعيشة الكريمة التي حلموا بها.
ففي فرنسا الجميلة يعيش اللاجئون في مخيمات قذرة، أو على قارعات الطرق، عالقين في دوامة تعاسة لا نهاية لها، ويتعرضون خلالها لمصادرة مقتنياتهم، ويواجهون عمليات الإجلاء المتكررة، ويعانون من مضايقات أجهزة الشرطة، حسب منظمة «أطباء بلا حدود».
كما يواجهون، حتى الأطفال والقُصَّر منهم، مصاعب في التسجيل لأجل الحماية التي تحقّ لهم أساساً، ويضطر المئات منهم في مختلف أرجاء فرنسا للنوم في ظروف قاسية أو في العراء.

قصص يمنية
استطاعت «لا» الحديث مع يمنيين اثنين نجيا من الموت ووصلا إلى أوروبا بحثاً عن أحلام العيش السعيد هناك.
أحدهمـــــــا صحفي رياضي فضّل عدم كشف هويته. وفـــي حديثه لـ«لا»، اعتبر أنه بدّد 3 من سنوات شبابه في الشعاب والغابات والجزر بين تركيا واليونان، في رحلة محفوفة بالمخاطر والمعاناة لم تخطر بباله، ثم استطاع الوصول إلى هولندا؛ كونها أفضل وجهة لطالبي اللجوء من حيث المساعدة المالية التي تمنحها وعدد سنوات الإقامة.
وبعد قضاء ما يقارب العامين في مخيماتها، فإن كل ما حصل عليه هو إقامة مؤقتة لمدة 5 سنوات، بدون القدرة على الالتحاق بعمل، بسبب شروط الوظائف الصعبة والتي لا تتوفر فيه، كما أوضح. وحالياً يتشارك سكنا مع لاجئين عرب وأجانب في الضواحي النائية من مدينة آيندهوفن، ويعيش هناك في انتظار المساعدة الاجتماعية التي تمنح له، والمقدرة بـ900 يورو، لا تغطي نفقات معيشته هناك، فضلا عن أن يرسل شيئاً منها لأسرته في اليمن.
الآخر هو الشاب اليمني لؤي أحمد المثيل، الذي وصل مؤخرا إلى هولندا أيضاً، وأوضح لـ«لا» أنه يعيش حالياً في مخيم مزدحم جدا هو مخيم «تير أبيل».
أحمد وصف الأوضاع في المخيم بأنها سيئة جداً وصادمة. وأوضح أنه قلق جداً خوفاً من رفض منحه إقامة لجوء مؤقتة بعد أن يجري المقابلة الثانية مع السلطات الهولندية المختصة، بسبب معايير وشروط اللجوء المعقدة جداً، حسب وصفه.
رغم التصنيف الدارج لهولندا بأنها أفضل دولة أوروبية في معاملة اللاجئين، فإن الحقيقة تقول إنه ما من لاجئين سعداء في أي دولة أوروبية، مهما كانت المعلومات الرائجة عنها، خاصة مع تصدر الصور الصادمة من مخيم «تير أبيل» عناوين الأخبار منتصف العام الماضي.
فقد انتشرت صور تظهر الأوضاع السيئة للاجئين، وكشفت عن وفاة طفل رضيع عمره 3 أشهر، في المركز الهولندي الرئيسي لاستقبال اللاجئين القريب من قرية «تير أبيل» ومدينة جرونينجن. ووصفت منظمات الإغاثة الأوضاع الصحية للاجئين هناك بأنها مأساوية.
ولعل قصة انتحار الشاب اليمني هيثم الهردي قبل أيام قليلة في مخيم لاجئين في «فليسنجن زيلند» في هولندا، بعد فشله في الحصول على لجوء سياسي، تلخص كامل القصة.

نهاية المشاريع «المشرقة»
يمكن اختصار حقيقة مشروع اللجوء الذي يحلم به الشباب اليمني والعربي إلى أوروبا في عدة احتمالات واقعية مؤكدة:
أولها: أن يموت اللاجئ في رحلته الطويلة والخطيرة جداً، في الغابات أو المستنقعات، أو على الحدود المتجمدة، أو في البحر الأبيض المتوسط. وهذا احتمال عالي الحدوث، وحصل لما يقارب 70 ألف لاجئ، ماتوا أو اختفوا في تلك الأماكن منذ عام 2014، حسب فرانشيسكو روكا، رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، ناهيك عن الوقوع ضحية عصابات الاتجار بالبشر أو الاعتداءات الجنسية وغيرها. يذكر أنه قبل أيام مات الدكتور اليمني إبراهيم دحية، ويمنيان آخران، على الحدود البيلاروسية البولندية.
الاحتمال الثاني: أن يُحتجز اللاجئ إلى أجل غير مسمى في مخيمات لجوء سيئة جداً وغير إنسانية، في الصحارى أو الجزر النائية أو الحدود، في: ليبيا، تركيا، اليونان، أو حدود دول  ولا يصل إلى أوروبا أبدا؛ كون هذه المخيمات أعدتها السلطات الأوروبية لحجز اللاجئين هناك ومنعهم من الوصول إلى أراضيها بأي ثمن.
الاحتمال الثالث: أن يستطيع اللاجئ الوصول إلى الأراضي الأوروبية، ويتم حجزه في مخيمات سيئة جداً في أطراف وغابات وحدود الدول الأوروبية. ليتم منحه خلال هذه الفترة وجبات طعام، وبعض الملابس، وبطاقة اتصال، وسكناً مشتركاً في خيمة أو منزل معدني، أو قد يفترش الأرض إذا كان المخيم مكتظاً.
ولأن أوروبا تواجه مئات الآلاف من اللاجئين منذ العام 2011 وأصبحوا عدة ملايين بعد الحرب في أوكرانيا بداية العام 2022، فإنها تضع شروطاً صعبة جداً ومعقدة لمنح اللاجئ إقامة مؤقتة لمدة سنة أو 3 سنوات أو 5 سنوات فقط، مع فرصة للعمل. وذلك إذا اجتاز اللاجئ المقابلة الصعبة، وأقنع سلطات الهجرة بأنه لا يجد أي أرض في العالم على الإطلاق ليحمي نفسه من القتل أو الموت أو السجن، ويثبت بالأدلة المادية أو الجسدية أو الوثائق أنه تعرض للسجن أو الإصابة أو محاولات القتل أو الاضطهاد الجنسي أو الديني أو غيره في بلده. كما أنه مطالب بأن يثبت أن أسرته في بلده تعاني مثل معاناته وتعيش في مخيم نزوح في بلده أو أي بلد آخر، أو أنها هاربة في بلد ما، أو أن يكون مريضاً بمرض خطير ولا يجد رعاية طبية في بلده.
الاحتمال الرابع: أن يمنح اللاجئ إقامة مؤقتة لمدة عام أو 3 أعوام أو 5 أعوام، حسب نظام اللجوء في الدولة التي قبلته، وحسب نوع الإقامة التي مُنحت له، ومنها على سبيل المثال في ألمانيا (حق اللجوء السياسي، حق اللجوء الإنساني، حق الحماية الفرعية، الحظر الوطني على الترحيل المؤقت، الإقامة المتسامحة).
خلال هذه الفترة يعيش اللاجئ بجواز ووثائق لاجئ وبصفة لاجئ، وليس مواطناً أوروبياً، ولا يحق له السفر إلى بلده، ويمنح فرصة للعمل، وإذا لم يستطع العمل يمنح ما يقارب 360 يورو.
في ألمانيا مثلاً، حسب القانون الألماني، يتعين على اللاجئين وطالبي اللجوء الإنفاق على أنفسهم ما داموا قادرين على ذلك. وفي حال تعذر ذلك تتكفل الدولة بتغطية احتياجاتهم الأساسية، مثل المسكن والمأكل والملبس.
ولأن أغلب الذين حصلوا على حق اللجوء وإقامة مؤقتة في ألمانيا وكثير من الدول الأوروبية لا يستطيعون الالتحاق بعمل، لعوائق معقدة من السلطات نفسها وعوائق تتعلق بمؤهلاتهم وعدم إجادتهم اللغات أيضاً، تمنحهم السلطة ما تسمى «إعانة البطالة» (AG II).
ويتلقى الشخص العازب مبلغاً شهرياً يصل إلى 365 يورو. أما المتزوجون فيحصلون على 437 يورو فقط، و75 يورو لكل طفل معهم. بالإضافة إلى تسديد إيجار مسكن نائي بعيد عن مراكز المدن، ودفع قسط التأمين الصحي.
وبالنسبة لمعايير العيش في ألمانيا فإن من يكون دخله عند مبلغ 1530 يورو شهرياً يصنف تحت خط الفقر، أي أن اللاجئين هناك يقعون تحت خط الفقر بـ3 درجات.
أما في حال حصل طالب اللجوء على عمل بصورة نادرة، فتنطبق عليه القواعد المالية المرهقة التي تنطبق على المواطن الألماني، ويتوجب عليه دفع نفقات المعيشة والضرائب والتأمين الصحي وغيرها من الاستقطاعات الاجتماعية على الراتب الشهري، ما يضعه تحت خط الفقر هو الآخر.
لا ينتهي الأمر هنا، إذ إن اللاجئ لا يتمتع بحياة مستقرة أبداً في دولة اللجوء، ويبقى في إقامة مؤقتة حتى إن حصل على عمل أو تمديد للإقامة، حيث يتم ترحيله إلى بلده الأصلي حالما تتحسن الظروف هناك، وهذا ما يحصل اليوم لآلاف السوريين والعراقيين في أوروبا. وهكذا تنتهي قصة اللجوء البائسة إلى أوروبا في أفضل وأنجح نماذجها!