تقرير خاص- مارش الحسام / لا ميديا -
ندوة اللقاحات، التي تحولت إلى مادة دسمة للسخرية والاستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلت هدية لا تقدر  بثمن لوسائل إعلام العدوان، ووفرت عليها عناء اختلاق الإشاعات التخريفية والتحريضية لتشويه القوى الوطنية، فضلا عما  تسببت به الندوة من شرخ في الوعي المجتمعي المهتم باللقاحات.

رزق الهُبْل على المجانين
دأبت ماكينة إعلام العدوان على الاصطياد في المياه العكرة، لبثّ الدعايات التحريضية وتشويه حكومة الإنقاذ. ولأن معظم الإشاعات التي تحمل ماركة إعلام العدوان لا تنطلي حتى على محيط معديها، فضلا عن جموع الشعبي اليمني، الواعي والمحصن ضد إعلام العدوان الذي سبق أن فشل في تسويق كثير من والدعايات المغرضة.
يقول المثل: «رزق الهُبْل على المجانين». وانطلاقا من ذلك فإن الإعلام المعادي عادة ما يجد ضالته في بعض المحسوبين على القوى الوطنية ليكملوا دوره الإبداعي الملفت في اختلاق الإشاعات لضرب القوى الوطنية، مسنودة بـ»شهد شاهد من أهله»، يتكفل من وقت إلى آخر بإعطاء الإعلام المعادي سمكة تغنيه عن الاصطياد في المياه الموحلة.
هذا هو الحال بالنسبة لندوة التحذير من اللقاحات والطب الحديث، التي حضرها رئيس الحكومة بن حبتور، وعدد من قياداتها، على رأسهم وزير الصحة العامة والسكان، الدكتور طه المتوكل.

مُهَرِّجان والمتوكل ثالثهم
أثارت الندوة موجة انتقادات واسعة، لما تضمنته من أطروحات غير مسنودة بأدلة علمية تثبت صحة الادعاءات التي جاءت فيها، بأن اللقاحات والطب الحديث فكرة يهودية واستهداف عدواني للشعوب.
وقال سليم السياني، باعتباره باحثاً صحياً وعضواً في هيئة مكافحة الفساد، إن «الطب الحديث، بما فيه اللقاحات والطب الكيميائي، عبارة عن فكرة يهودية هدفها الاستثمار والتجارة والاستهداف العدواني للشعوب».
وأضاف أن «اللقاحات وجرع التحصين هي عبارة عن وسخ وسموم»، وأنه «لا يوجد أي لقاح آمن». وتحدث عن «مؤامرة عالمية ومشروع لإنقاص أعداد البشرية فيما يعرف بمشروع المليار الذهبي».
ما طرحه السياني عززه مَن يحمل صفة أستاذ مساعد في كلية الطب بصنعاء، الدكتور عبدالعزيز الديلمي، الذي زعم -دون دليل- أن «الواقع أثبت أن اللقاحات ليست إلَّا شماعة ليس لها صحة أو أسَاس علمي».
ثم جاء الدور على ثالثهم وكبيرهم، باعتباره وزيرا للصحة العامة، وهو الدكتور طه المتوكل، ليؤكد أن وزارته تعتبر «اللقاح ليس إلزامياً بالمطلق»، وأن «من يصر عليه ويطالب به يتم منحه اللقاح، على أن يتحمل المسؤولية»، في اعتراف ضمني بأن محاربة اللقاحات باتت عملاً رسمياً من أعلى هيئة صحية يُنتظر منها أن تواجه من يدعون إلى ذلك، بدلاً من أن تتحول إلى عدو للقاحات.

خروج مبكر وردّ متأخر
تصريحات المتوكل عن أن اللقاحات ليست إلزامية ذكَّرتنا بمقاطعته لفعالية نظمتها وزارة الصحة نهاية العام الماضي، بتاريخ 27/ 12/ 2022، بمناسبة اليوم العالمي للتأهب للأوبئة، واحتضنتها القاعة الكبري بوزارة الصحة، وخُصص كثير من فقراتها للتوعية بأهمية التحصين، وكذا الرد العلمي والمسند بالحجج والبراهين على الشائعات التي تستهدف اللقاحات أو تدعي أنها مؤامرة!
يومها لم يكن ثمة تفسير لمغادرة المتوكل تلك الفعالية مبكرا، بعد دقائق من وصوله.
تُرى هل اعتبر المتوكل أن الفعالية كانت خروجا عن النص، لتأكيدها أن اللقاحات إلزامية وليست ترفا.
ربما ذلك استفز الوزير، واعترض عليها بخروج مبكر من القاعة، وبرد متأخر (بعد 3 أشهر) على ما جاء في تلك الفعالية بأن «اللقاحات ليست إلزامية»، وذلك خلال ندوة اعترف فيها أن وزارته تحارب اللقاحات.

صادمة ومطالبات بموقف صريح
تصريح المتوكل كان صادما للمواطنين ولأقرانه الأطباء والعاملين في المجال الصحي، واعتبروها مخالفة لعلم الطب وقوانينه البديهية.
وطالب مواطنون وزير الصحة بتحديد موقف واضح وصريح من اللقاحات، ومما جاء في الندوة، مطالبين إياه بإثبات صحتها وأن «اللقاحات مؤامرة»، وبالتالي منعها وتحمل كامل المسؤولية تجاه أطفال اليمن، أو الإعلان أنها آمنة وضرورية، وتحصين المجتمع من هذه الترهات والتصدي للشائعات التي تستهدف وعي المجتمع، بأهمية تحصين الأطفال باللقاحات؛ لافتين إلى أن «هناك معامل ومختبرات طبية يمكن إخضاع تلك اللقاحات فيها للفحص والاختبار، للتأكد من فاعليتها، وإحباط أي محاولات تستهدف حياة الأطفال اليمنيين».

صيام شهرين
خلال الندوة، وحين قال سليم السياني إن اللقاح مؤامرة، ادعى أنه صام شهرين، كفارة لترويجه اللقاحات في الماضي. وفي حين قال المتوكل إن اللقاح ليس إلزاميا، لم يفصح عن كفارته، التي تأتي بعد نحو أسبوع فقط من ظهوره في جلسة استجواب للبرلمان في صنعاء، اعترف فيها بأن نحو 170 طفلا يموتون يوميا بسبب انتشار الأمراض والأوبئة.

تناقضات
في هذا السياق، رصدت «لا» مقطعاً مصوراً نُشر على «يوتيوب» في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، يُظهر وزير الصحة العامة والسكان، الدكتور طه المتوكل، مخاطبا أولياء الأمور بضرورة تطعيم أطفالهم ضد أمراض الطفولة القاتلة، وقال المتوكل: «إن الوفيات (حينها) تزايدت بين الأطفال، وتتراوح بين 10 - 20 حالة وفاة في اليوم الواحد في عموم الجمهورية بأمراض يمكن الوقاية منها بالتحصين».
وأضاف المتوكل أنه «منذ 40 عاماً من التحصين لم يحدث أي ضرر للأطفال المُطعّمين...».
بل وقال في الفيديو نفسه: «إذا اتضح لولي الأمر أن طفله توفي بسبب عدم تطعيمه، فإن ذلك بمنزلة قتل النفس»، حسب تعبيره، وهذا تناقض واضح مع تصريحه الأخير بأن اللقاحات ليست إلزامية.

عنزة ولو طارت
في استطلاع أجرته صحيفة «لا» مع عدد من مراكز التحصين الصحي في أمانة العاصمة، تبين أن هناك حملة ممنهجة تسهتدف لقاحات الأطفال، وأدت إلى عزوف بعض الأسر عن تطعيم أطفالها، ومن المتوقع انتشار أمراض الطفولة والوفيات بين الأطفال على خلفية الحملة التي يشترك فيها -بكل أسف- وزير الصحة المتوكل.
العاملون في هذه المراكز رفضوا التحدث للصحيفة أو التعقيب على ما جاء في الندوة وموقفهم منها، كما لو أن لديهم إجماعا على عدم التعليق على كلام وزير الصحة وموقف وزارته من اللقاح. ربما هم معذورون؛ كونهم موظفين عند المتوكل، لا يخالفون له الرأي، وبحسب المثل العربي: «عنزة ولو طارت»؛ حتى أنهم اعتذروا عن الرد على أطروحات سليم السياني؛ باعتبار أن ذلك سيستهدف وزير الصحة!
ليس هذا فحسب، بل اعتذروا عن التحدث عن أهمية اللقاحات التي يقومون بإعطائها للأطفال، معتبرين أن الحديث عن إيجابيات اللقاحات في سائل الإعلام سيتم توظيفه باعتباره تحديا، حسب تعبير أحدهم، والذي أوضح قائلا: «الموضوع بات حساسا، ولست مستعدا للظهور الإعلامي للحديث عن موقفي وقناعاتي تجاه اللقاحات في الوقت الحالي، وأكتفي من خلال مكان عملي بطمأنة كل من يأتي إلينا بأهمية ومأمونية اللقاحات».
وأضاف: «كثير من المواطنين باتوا محتارين، وبعض الأسر توقفت عن تطعيم أطفالها وتخلفت عن الحضور في المواعيد المحددة لأخذ باقي اللقاحات لأطفالهم، بل وصارت مقتنعة أن اللقاحات ستضر أطفالهم، وآخرون يأتون إلينا مترددين ونحاول إقناعهم أن اللقاح ضروري وآمن».

عزوف ومقاطعة
موظف آخر يقول: «هناك عزوف لبعض الأسر عن تطعيم أطفالهم، والعامل الصحي في مجال التحصين بات عرضة للتنمر من قبل البعض من وقت لآخر، كأن يتهمه أحدهم بأنه يساعد الغرب في حقن أطفال اليمن بالسموم، وهناك من يقول لي: اتقِ الله، الغرب متآمر علينا ويقتلنا بأسلحته، لا يمكن أن يكون رحيما بأطفالنا ويرسل لهم لقاحات تقيهم من الأمراض!».

الرد على المتوكل
أحد الأطباء (اشترط عدم ذكر اسمه)، رد على تصريحات المتوكل وما جاء في الندوة بأن «العالم وشعوبه تحررت من كثير من الأمراض عن طريق اللقاحات، ومن يدعي غير ذلك عليه أن يثبت العكس».
وأضاف: «من يدعي أن اللقاحات مؤامرة أو ليست إلزامية عليه أن يجيب على سؤال واحد: لماذا اختفى مرض الجُدري على مستوى العالم؟! فآخر إصابة تم تسجيلها في الصومال كانت عام 1981، وبعدها لم يتم تسجيل أي إصابة».
وفي سياق حديثه طرح سؤالا موجها إلى وزير الصحة: «لماذا اختفى (الجُدري) نهائيا في اليمن ولم يعد له وجود؟!».

المتوكلية والمتوكل
ولفت الطبيب إلى أن اللقاحات دخلت اليمن مبكرا، وأن حملات التحصين بدأت في عهد المملكة المتوكلية، وأن أول حملة تحصين في اليمن كانت ضد الجُدري في خمسينيات القرن الماضي في عهد الإمام أحمد، والذي سمح بدخولها إلى اليمن لأول مرة في تاريخها، وما قيل عنها إنها مؤامرة في ذاك الوقت.
واستمرت حملة التحصين ضد الجُدري سنوات لاحقة، وفي نهاية السبعينيات تم القضاء على الجُدري، المحفور على وجوه آبائنا، ولم يعد له وجود، «وأتحدى الدكتور المتوكل أن يثبت أنه تم تسجيل حالة واحدة بالجدري في اليمن منذ العام 1980 وحتى اليوم. وهذا رد كافٍ على كل الشائعات التي تستهدف اللقاحات أو تقول إنها ليست إلزامية».
ويضيف: «ومع الاستمرار في التحصين الموسع ضد مرض شلل الأطفال، تم الإعلان في 2007 عن خلو اليمن من المرض. وهذا دليل آخر يثبت صحة القول بأن اللقاحات فعَّالة وآمنة، ويدحض الشائعات والمزاعم الكاذبة».
واستغرب الطبيب أن يحرض مثل هؤلاء على تلقيح الأطفال، بينما هم يتناولون الأدوية والعقاقير الطبية في حال مرضهم.

طبيعة اللقاحات
طبيب آخر أكد للصحيفة أن اللقاحات «تحتوي على بكتيريا ميتة أو فيروسات خاملة غير نشطة، وعند دخولها الجسم عن طريق التطعيم يقاومها الجسم ويشكل مناعة ضدها، وإذا صادف دخولها الجسم مرة أخرى فإن خلايا الذاكرة تتعرف عليها وتقاومها، ويصبح الجسم لديه حصانة من الإصابة بها مستقبلا».

إنسانية الغرب اللإنساني
قد يتساءل كثيرون معترضين: كيف للغرب اللإنساني أن يكون إنسانيا مع أطفالنا وحنوناً عليهم بتحصينهم خوفا عليهم من الأمراض، في حين يواصل قتلهم بأسلحته التي يصدرها لدول العدوان؟!
وهذا ما طرحناه على الطبيب ذاته، والذي رد قائلا: «صحيح أن الغرب أكبر عدو للإنسانية؛ ولكن هذا لا يعني أن اللقاحات التي يقدمها لنا غير آمنة، ومن غير المنطقي إدراجها أو وصفها بالمؤامرة، أو وصف الغرب ومنظمة الصحة العالمية بالإنسانية».
ولفت إلى أن «موضوع اللقاحات أعمق من التفكير السطحي لدى المؤمنين بنظرية المؤامرة، وكذا المخدوعين بإنسانية الغرب غير الإنساني».
وتابع: «اللقاحات مصدرها منظمة الصحة العالمية، وهي منظمة غربية قائمة على التشدق بالإنسانية، لجمع الأموال الطائلة وتريليونات الدولارات من المانحين، تستأثر بـ90% من تلك الأموال لصالح مشاريعها الخاصة، لتنفق مبالغ ضئيلة على ما تسميه المشاريع الإنسانية، أشبه بمئات المنظمات الإغاثية العاملة في بلادنا، التي تحرم ملايين اليمنيين من مواد الإغاثة وتكتفي بتقديم كيلو سكر لأحد المحتاجين، وتصوره لتسويق نفسها على أنها تغيث المحتاجين».
وأكد أن منظمة الصحة العالمية دائما ما تتاجر بمعاناة ومآسي اليمنيين صحيا لجمع التبرعات، وتجدد الدعوة في كل محفل: «لا تنسوا اليمن»، وبينما هي تحصل على تريليونات الدولارات يحصل اليمن على شحنة لقاحات بآلاف الدولارات فقط.
سألناه: طالما أنها غير إنسانية، ما المانع أن تكون لقاحاتها مؤامرة أو غير آمنة؟
فأجاب: «اللقاحات لا تنتجها شركة واحدة. هناك عشرات الشركات العالمية تتنافس فيما بينها، وكل منها حريصة على سمعتها التجارية وتحافظ على مصالحها، ولو ثبت أن لقاح هذه الشركة أو تلك غير آمن ستتعرض لضربة كبيرة، وستستغلها الشركات الأخرى المنافسة، وأول من ستكتشفه هي الشركات الأخرى، لزعزعة الثقة بهذه الشركة أو تلك».