اليمن بالحبر الغربي -
استعرض تحليل مطول المعطيات والعوامل المصاحبة للمحادثات المباشرة بين السعودية والحوثيين في اليمن، مشيرا إلى أنه يمكن اعتبارها دليلا على اقتراب تحقيق السلام في البلد الذي يدخل فيه الحرب عامه التاسع، وفي الوقت ذاته مجرد شراء للوقت بين الأطراف المتصارعة.
التحليل، الذي أورده موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وكتبه فوزي الغويدي، الباحث المهتم بشؤون التاريخ الحديث في اليمن والخليج، ذكر أن الهدوء النسبي على الأرض بعد أشهر من انتهاء الهدنة الرسمية في تشرين الأول/ أكتوبر كان مبعث تفاؤل لبعض المراقبين.
لكن آخرين يرون أن ثمة مؤشرات مقلقة تدل على أنّ كلاً من الرياض وجماعة الحوثي تسعى إلى كسب الوقت واستغلال دعم المجتمع الدولي في إحلال السلام.
وأوضح الباحث أنه على عكس التقارير الإعلامية المتفائلة وتصريحات الدبلوماسيين وآمال المراقبين، تُشير التطورات على الأرض وطبيعة المحادثات نفسها إلى أنّ بناء السلام الدائم في اليمن لا يزال بعيد المنال.
وقال الباحث إن كلّ الأنباء تشير إلى اختراق محتمل في محادثات السلام قد يفضي إلى إنهاء الحرب في اليمن، وذلك بسبب نشاط الجانب الدبلوماسي في المشهد اليمني والإقليمي مع انخفاض الجانب العسكري وجموده في نقاط التماس.
لكن إذا ما أمعنّا النظر في الوضع على الأرض، فسنرى أنّ المستجدات الحالية تقودنا إلى أنّ بوادر إنهاء الحرب لم تبدأ بعد.
فمن جانب الحكومة (المُعتَرف بها دولياً) أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي في أواخر كانون الثاني/ يناير تشكيل «قوات درع الوطن»، وهي قوات عسكرية تتبعه وقد تلقّت تدريباً خاصاً، كما دعت الحكومة المجتمع الدولي إلى تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، خصوصاً بعد هجماتها نهاية العام المنصرم على المنشآت النفطية شرق جنوب البلاد.
أضف إلى ذلك توتّر العلاقات بين المجلس الانتقالي الجنوبي و»الحكومة اليمنية»، بسبب توسّع قوات الانتقالي إلى محافظة حضرموت، مع رفض قيادة المحافظة هذا التوسّع.
وخلص الباحث إلى أن أياً من ذلك «لا يُشير إلى النوايا الحسنة بين أطراف النزاع من أجل إرساء بوادر السلام، بل يبدو أنّ كليهما يسعى إلى شراء الوقت والاستعداد لجولة جديدة من الحرب، أو لما تقتضيه التحركات الإقليمية».
ورأي الغويدي أن اليمن دخل -برغبة جميع الأطراف- حالة اللاحرب واللاسلم، عندما انتهت الهدنة في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي يمكن تسميتها بـ»اللاهدنة».
وأضاف: «لم يكن هناك سوى بعض الخروقات البسيطة التي سرعان ما يتم تلافيها، ولا تزال هذه الحالة الرمادية أو اللاهدنة مستمرّة منذ أربعة أشهر وحتى كتابة هذه المقالة».
ولم تشهد الحرب اليمنية منذ بدايتها مثل هذه الحالة، ما أعطى المجتمع الدولي مؤشراً إلى أنّ الرغبة موجودة لدى جميع الأطراف بالوصول إلى تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الصراع في اليمن. لذلك، تمّ الضغط على «الحكومة اليمنية» وقيادة التحالف الذي تقوده السعودية للدخول في مفاوضات لإنهاء الحرب.
وبعد مضي ثلاثة أشهر ونيّف من المفاوضات في 12 تشرين الأول/ أكتوبر والوساطات، لم يسفر عن ذلك سوى تكهنات وتسريبات صحفية بأنّ هناك تسوية سياسية وشيكة بين الطرفين أهم ما فيها هو الاتفاق على فتح الطرقات وتخفيف الحصار على ميناء الحديدة والفتح الكامل لمطار صنعاء وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على الحدود السعودية اليمنية.
وذكر الباحث أن التسريبات الإعلامية تُظهر أنّ هذه المحادثات تغرق في مناقشات حول قضايا فرعية، مثل وقف استهداف المنشآت النفطية وتوزيع عائدات النفط ودفع رواتب موظفي الدولة المعلّقة من سنوات، وفكّ الحصار القائم على المطارات والموانئ.
ورغم أهمية هذه القضايا، إلّا أنّها قضايا فرعية، أو بالأحرى هي نتائج الحرب وليست أسباب قيامها، وهذا ما يقودنا إلى استنتاج أنّ هذه المحادثات ما هي إلّا مناورة سياسية تحتاجها كلّ الأطراف.
وأوضح أنه يبدو أنّ السعودية تحتاج إلى امتصاص الضغط الدولي الذي تواجهه لإنهاء الحرب عبر دخولها بحوار مباشر مع الحوثيين.
وكذلك قد تتيح لها المحادثات أيضاً فرصة لاستمالة الحوثيين تحت مظلّتها بعيداً عن الجانب الإيراني. علاوة على ذلك، ستضمن المحادثات الجارية إلى حدّ ما بقاء حالة اللاهدنة على ما هي عليه.
أضف إلى ذلك أنّ الرياض تسعى إلى تجنّب التصعيد، أو الحفاظ على الحدّ الأدنى من التصعيد في اليمن وضبط وتيرته بما يؤدي إلى وقف العمليات الجوية، ما يعني عدم وصول الطائرات المسيّرة أو الصواريخ البالستية إلى أراضيها، مقابل تعليق غاراتها الجوية، وتضمن بذلك استمرارية تدفّق إمدادات النفط إلى العالم.
ومن جانب الحوثيين، فإنهم بحاجة إلى هذه المحادثات لأجل كسب شرعية سياسية على المستوى الدولي، باعتبارهم طرفاً يمثّل الجانب اليمني مقابل الجانب الخارجي، وفي الوقت نفسه لأجل زعزعة الثقة بين «الحكومة الشرعية» والسعودية الداعم الأساسي لها.
وعلى المستوى العملي، يمكن للمحادثات أن تحقّق مكاسب للحوثيين في قضايا دفع الرواتب والحصول على حصة من العائدات النفطية، من دون إجبارهم على تقديم تنازلات. كما أنّها تكسبهم المزيد من الوقت لأجل التعبئة والحشد وتعزيز سيطرتهم على المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وتستفيد جماعة الحوثي أيضاً من هذه المحادثات ترويجاً إعلامياً أمام مناصريها بأنّها قد حقّقت انتصاراً في المحادثات المباشرة مع السعودية.
يُذكر أنّ هذه المحادثات ليست الأولى التي تجري بين الحوثيين والسعودية، فقد أجروا محادثات في العام 2016 وحقّقت تبادل أسرى وتسليم الحوثيين خرائط الألغام؛ لكنّها قادت إلى طريق مسدود.
وشهد العام 2019 محادثات سرّية بين الطرفين للتهدئة وخفض التصعيد؛ لكن لم ينتج عنها سوى مناورة سياسية لالتقاط الأنفاس.
لذا، لن تختلف نتائج المفاوضات الأخيرة عن سابقاتها، ولعلّها تخرج بتجديد الهدنة في أفضل الأحوال. فما هي إلّا مناورة سياسية، حتى وإن اختلفت عما سبقها بالزخم الإعلامي الذي حدث لامتصاص الضغط الدولي الذي يرى أنّ إيقاف حرب اليمن أو تهدئتها سيخفّف أزمة الطاقة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.


موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية