حلقات يومية يكتبها القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
يوم المسغبة طال في واقع أمتنا وفي أهل الأرض، لأنه يتسع ليشمل أي تخلف فكري وأي قصور نهضوي. وما جمال الدين وكماله وجلاله إلا بكونه يلبي للناس جميع الضروريات، ويوفر لهم الحاجيات، ويضمن لهم التحسينات، ليكون لهم رغد العيش. ومن تأمل في العطايا الأربع التي أمد الله بها أبوينا آدم وحواء لوجد أنها عطايا جمعت تأمين جميع الضروريات: «أن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى».
عطايا لا يصل بها إلى يوم المسغبة إن التزم بالنهي وترك الأكل من تلكم الشجرة. وكم من شجر في واقع حياتنا قد أكل منه البشر، بل ارتعوا فيه وأكلوا منه بشراهة! فالأكل من أعراض الناس بالغيبة والنميمة أخطر ضررا وأشد فتكاً، والأكل من ثروات الشعوب وخيرات الأمم هو الحصاد المُر والحاضر المؤلم والمستقبل المظلم لمن أتخموا أنفسهم ووضعوا لهم أرصدة من سرقة كد الآخرين، وكل ما هو معروف من غسيل أموال وعصابات نهب الأموال تحت أي تسمية وبأي عنوان مصدره ظلم أو شائبة ظلم، فإن عقوبة ظهور السوءات تحل بمن ارتكب هذا الجرم، من أسر ورثت طغيان فرعون وهامان وبغي قارون ورأسمالية معاوية. والسوءات في حياتهم بمعايب وقبائح الجرأة على ارتكاب النهي، وعدم وجود أولي النهي فيهم ممن يقولون لهم: اعتبروا بحال من مضوا، ممن وجدوا ضنك المعيشة رغم أنهم فعلوا ما فعلوا ظناً منهم أنهم سيحصلون على رغد العيش.
وهذا اللهاث منهم هو الذي أوردهم ضنك المعيشة؛ لأنه لهاث بظلم، وجد واجتهاد بباطل، روح سعيهم الغفلة عن وعيد الله بمعاقبة من ظلم، وعدم يقين وثقة واطمئنان إلى وعد الله بطيب العيش لمن أطاعه وأصلح في واقعه وأيقن أن الخالق قد تكفل بأرزاق العباد، وأن مخزون الأرض يكفي لجميع من على ظهرها، وقد امتن الله فقال: «ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش»، فمعيشة الخلق مكفولة مضمونة من الخالق الفاطر الغني المغني القدير، إنما ظلم الإنسان لأخيه الإنسان هو الذي حوّل الحياة إلى جحيم، فحرمان المظلوم لم ولن يوفر للظالم راحة، ولن يمنحه الأمان، ولن يجعله سعيدا.
ومن تأمل في آيات «سورة الزخرف»، فإنها تبيِّن افتتان الناس بزخرف الحياة، واكتفاء أجيال من البشر بالحصول ولو على الفتات اليسير منه لتسيير حياتهم، وجعلهم مشاغل الحياة بالمفهوم الضيق نصب أعين عقولهم قبل عيون وجوههم، بل التوجه إليها والاهتمام بها في معيشة صلاحية كل يوم بيومه وهلم جرا، في نسيان تام وغفلة مطبقة وانقياد للهوى عن العيش في رحاب الله لنيل جنة الحياة الطيبة هناك، وتمام جمال وكمال وجلال طيب حياة الرضا في دار الرضا والرضوان، فانصرفت قلوب أجيال من البشر عن الرحمن، وصار معبود كل شخص ممن انصرف قلبه هو هدفه ومطلوبه، فقد يعبد مالا، وقد يعبد جاها، وقد يعبد شبهات، وقد تستعبده الشهوات، وهو في كل سعيه يعيش مهتماً بدنياه، دون أن يكون في قلبه وتفكيره اطمئنان إلى وعد الله، وخوف من وعيده، فاستحق مَن هذا حاله والعياذ بالله أن يكون معه قرين سوء يرافقه، قال تعالى: «ومَن يعشُ عن ذكر الرحمن نُقيِّض له شيطانا فهو له قرين». مِن تراكم السيئات ومِن تصورات السوء التي ملكت عليه مخيلته وتملكت زمام تفكيره، تكوَّن شيطان رجيم، كما ظهر بصورة بشرية لأبي جهل في اجتماع دار الندوة، يظهر لأبي جهل العصر الحديث في وسائل إعلام وفي اجتماعات وقمم كل المستكبرين، وفي مجالس إخوان قارون، وفي كل خروج لهم بزينة مال وزخرف دنيا. وبعون الله للحديث بقية من زوايا أخرى.