كشف تحقيق صحفي عن جرائم بيئية مروعة ارتكبتها وترتكبها الحكومة الفرنسية في اليمن، عبر شركتها متعددة الجنسيات «توتال»، تسببت في كارثة بيئية وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السرطان بين الأهالي والمجتمعات المحلية القريبة من منشآتها، وكذا تلوث آبار المياه والتربة، نتيجة دفنها المخلفات السامة بطريقة مخالفة وعدم تطبيق معايير السلامة العالمية.

وأكد التحقيق، الذي نشرته صحيفة «لوبس» الفرنسية، تورط شركة «توتال» الفرنسية، صاحبة الامتياز ومدير تصدير الغاز اليمني الطبيعي المسال، بعمليات تلوث واسعة في اليمن، من خلال إلقاء آلاف الأطنان من المواد الكيميائية السامة في المياه، واصفا ما تقوم به الشركة بأنه واحدة من أكبر الفضائح البيئية في تاريخ اليمن.
وقال التحقيق، الذي أعده الصحفي الفرنسي كوينتين مولر ونشره موقع صحيفة «لوبس» الفرنسية، إن «شركة توتال لوثت الأنهار والمياه الجوفية والأراضي الزراعية، ما تسبب في مرض خطير بين السكان المحليين، ولم تبلغ عن تسربات وانسكابات كيماوية، منتهكة بذلك قوانين البيئة في اليمن».
وأضاف أن «توتال» استغلت عملها في حوض نفطي شرق اليمن منذ عشرين عاما، وكانت مسؤولة عن سلسلة من عمليات التلوث الذي يؤثر في البيئة وصحة الآلاف من اليمنيين. ووصف ما يجري هناك بـ»الموت الذي يطال الأرض والحيوانات والبشر، جراء تسرب مواد كيميائية، وتلوث الهواء».
وقال مُعِدّ التحقيق: ‏»سافرت إلى شرق اليمن، وهناك لقيت الموت. أجد والأرض والحيوانات والبشر يعيشون بعد عقدين من استخراج النفط عبر توتال، ولكن ارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة بشكل كبير. اختفى النحل تقريبا والطيور».
وأشار التقرير إلى ‏مظاهرات واعتصامات قوية تم تنفيذها حينها (أواخر 2015)، حيث لم ينخدع السكان الذين يعيشون حول موقع عمليات «‎توتال» بزمن نشاط شركة النفط الفرنسية، وقدم المزارعون شكوى إلى المحكمة، إلا أن الدعوى تم سحبها بعد بضعة أشهر بشكل يدعو إلى الريبة، حيث يذكر محاموهم أن مئات آلاف الدولارات واليورو دفعتها «‎توتال» مقابل سحب الشكوى.
وأكدت الصحيفة الفرنسية أن تقريرها المكون من عشر صفحات يأتي بعد الاعتماد على عشرات الرسائل من شركة «توتال» ومحكمة سيئون والسلطات المحلية حينها، وشهادات مهندسين سابقين في الشركة، بالإضافة إلى صور حصرية حصل عليها فريق التحقيق من عملية تحقيق طويلة قام بها وتعرض خلالها لمخاطر أمنية كبيرة أثناء زيارة حضرموت.
وأشارت إلى أن التحقيق اعتمد أيضا زيارة ميدانية لليمن والاطلاع على عشرات الوثائق الحصرية، ولقاء عدة مسؤولين في حكومة الفنادق، وخلص إلى نتيجة مفادها أن الشركة مسؤولة عن «دفن ملايين اللترات من المياه السامة، وانسكاب النفط وتقنيات التشغيل غير القياسية، وتلوث أكبر المياه الجوفية في البلاد، وعدم إعادة تدوير النفايات السامة».
التحقيق الذي شاركته منظمة «السلام الأخضر» الفرنسية غير الحكومية أكد أن «تلك الأعمال أدت لارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة بشكل كبير، واختفاء النحل والطيور، وتلوث الأرض الزراعية، التي تحولت إلى مكان مهجور، بعد أن كانت تنتج العديد من الأصناف الزراعية».
وكشف عمَّا سماه «أعظم فضيحة بيئية» في تاريخ اليمن، قائلا إن «المنشآت التي شيدتها شركة توتال لا تتطابق مع المعايير الدولية المعمول بها في هذا الجانب»، معتبرا هذا شاهدا على «انتهاك الشركات العملاقة المسؤولية البيئية والاجتماعية في الدول النامية، حيث اللوائح تكون أقل صرامة غالبا».
ومع إرفاقها صورا تظهر حجم الكارثة في محافظة شبوة، اعتبرت الصحيفة «التحقيق في المياه السوداء لشركة توتال في اليمن تذكيراً مهماً بأهمية المسؤولية البيئية والاجتماعية للشركات، والحاجة إلى تعزيز اللوائح لحماية البيئة والسكان المحليين»، مطالبة «الحكومات بتعزيز اللوائح البيئية، ومعاقبة الشركات المخالفة».

صفقات مشبوهة واستباحة علنية
يُذكر أن شركة «توتال» الفرنسية بدأت نشاطها في اليمن منذ العام 1987 وأمضت 9 سنوات قبل أن تعلن في 1995 اكتشافاتها ثم 10 أعوام حتى وقعت مع الشركة اليمنية للغاز في 2005 اتفاقات بيع الغاز اليمني الطبيعي المسال، مدتها 20 عاما بأسعار محددة سلفا، تضمنت إجحافا لحق اليمن، لكونها أقل من السعر العالمي.
وقضت اتفاقية بيع الغاز اليمني الطبيعي المسال عبر شركة «توتال» الفرنسية وشركائها، ببيع المليون وحدة حرارية من الغاز اليمني لـ»توتال» بدولار واحد وللشركة الكورية كوجاس بثلاثة دولارات وخمسة عشر سنتا، في حين كانت الأسعار السائدة حينها عالميا تتراوح بين 11-12 دولارا للمليون وحدة حرارية من الغاز.
ويتجاوز احتياطي «القطاع 18» في مارب من الغاز 10 تريليونات قدم مكعّبة، تستحوذ «توتال» وشركاؤها على أكثر من 7 تريليونات منها، وفق اتفاقيات أبرمتها مع حكومة النظام السابق عام 1996، قبل إنشاء مشروع الغاز المسال بعشر سنوات، وبسعر بيع مجحف بحق اليمن، بلغ 3.2 دولارا للمليون وحدة حرارية.
ومع شن العدوان على اليمن في 2015، توقف تصدير الغاز اليمني قبل أن تستولي قوات الاحتلال الإماراتي على منشأة وميناء بلحاف لتصدير الغاز وتحويلها إلى قاعدة عسكرية لقواتها.
وحسب الاقتصاديين، فإن اتفاقا أبرمه السفير الفرنسي مع حكومة الفنادق لاستئناف تصدير الغاز اليمني عبر منشأة وميناء بلحاف في شبوة، قضى بأن تتولى قوات الاحتلال الإماراتي الإشراف على عمليات التصدير والبيع وتحصيل الإيرادات، في مقابل رفد «مركزي عدن» بوديعة مالية توفر احتياطيا نقديا بالدولار، مشيرين إلى أن الخلاف القائم في الوقت الراهن يتمحور حول سعر بيع الغاز اليمني، المطروح من شركة «توتال» الفرنسية؛ إذ تطرح أمريكا وفرنسا سعر 3 دولارات فقط لكلّ مليون وحدة حرارية، بينما السعر العالمي يتجاوز في الوضع الطبيعي 15 دولارا، ومع الأزمة الراهنة جراء الحرب الروسية الأوكرانية 24 دولارا.
وفي منتصف نيسان/ أبريل الماضي، طاف السفير الفرنسي، جان ماري صفا، على رئيس وأعضاء ما يسمى مجلس القيادة، في مقر إقامتهم بالعاصمة السعودية الرياض، وعقد لقاءات متفرقة معهم خلال يوم واحد، ضمن مساعٍ فرنسية حثيثة للبدء في استئناف تصدير الغازل اليمني المسال عبر شركة «توتال» الفرنسية المستحوذة على قطاع الغاز في البلاد.