بشرى الغيلي / لا ميديا -
بعد ثمانيةِ أعوامٍ من الحصار والقصف المستمر على معظم المدنِ اليمنية من تحالفِ العدوان، لم يُفَرّق فيها بين مدنيٍ وعسكري وسوقٍ وطريق وبيتٍ ومدرسة... 
بدا هذا العيد بلا غاراتٍ على العاصمة، بينما النيران العدوانية تقتل أبناء المديريات الحدودية في ظلِ ما يسمى بالهدنة، واستمرار الحصار على الموانئ والمطارات جعل البعض يفقد الأمل بأي انفراجةٍ حقيقية تؤدي لسلامٍ دائمٍ وشامل يحقق مطالب أبناء الشعب اليمني.
صحيفة «لا» طرحت كل هذا على شخصيات أكاديمية واجتماعية وإعلامية، وخرجت منهم بهذه السطور.

فرحة منقوصة
البداية كانت مع محمد قاسم الغيلي، مندوب الهيئة العامة للزكاة بمديريةِ باقم ـ صعدة، الذي قال: «مما لا شك فيه أنه وبعد ثماني سنوات من العدوان كان للعيد لون آخر في أغلب المحافظات اليمنية، وفي محافظة صعدة خاصة، ففي صعدة وأنا أتنقل بين مديرياتها أشاهد الجميع تغمرهم الفرحة وهم يتبادلون الزيارات العيدية مع أهاليهم من مديرية لأخرى لأول مرة منذ بدء العدوان، نتيجة لتوقف القصف الجوي واستهداف الأسواق والطرقات وغيرها».
يضيف الغيلي أنه رغم ذلك تظل الفرحة منقوصة في المديرياتِ الحدودية، التي تتعرض لقصف شبه يومي من قبل العدو السعودي، إضافة إلى مخاطر أخرى تعد أشد من القصف اليومي على أغلب المديريات الحدودية، والتي يقول المواطنون إنها تعد بمثابة جنود مجهولين يقتلون دون تلقيّ الأوامر؛ إنها القنابل العنقودية.
وبخصوص الهدنة وما سيترتب عليها، سلما أو حربا، ختم الغيلي: «الحديث سابق لأوانه، لأن العدوان والحصار قائم، وإن توقف الطيران نتيجة للهدنة أو بالأحرى نتيجة للمعادلة العسكرية التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية. ومن المستبعد أن تظل مرحلة اللاسلم واللاحرب قائمة إلى ما لا نهاية».

مؤشرات إيجابية ولكن...
أيوب إدريس، إعلامي ونائب مدير إذاعة «آفاق»، قال: «إذا تحدثنا عن الجو بشكلٍ عام فقد كانت هناك مؤشرات إيجابية بعد وصول وفود سعودية وعُمانية إلى صنعاء. أما في الواقع فلم يختلف الأمر كثيراً عنه في بقية الأعوام. وبرأيي أن استمرار الوضع كما هو عليه، بلا رفع الحصار، ولا تخفيف معاناة الشعب، سيؤدي إلى عودةٍ للحرب، لاسيما وأن الطرف الآخر غير جاد، حتى الآن على الأقل».
أما عن استمرار العدوان في صعدة والساحل الغربي، واستمرار الحصار، يصف المشهد إدريس بقوله: «هذه نقطة خطيرة، وهذا استمرار في العدوان والحصار، ومؤشر كبير وواضح إلى عدم جِدّية تحالف العدوان في تحقيق السلام. وهذا برأيي لن تسكت عليه صنعاء كثيراً. وفي حال لم يقدّم الوسيط العُماني ضمانات بشأن هذه الاعتداءات المستمرة، فالتصعيد قادم، والشعب سيأخذ بثأره».

حالة اللاحرب آنية
سبأ عبد الرحمن القوسي، فنانة تشكيلية وكاتبة ومديرة إدارة التخطيط والتنمية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة، تقول: «أتى العيد ونحن في همٍّ وتربصٍ وقلق، كوننا مازلنا تحت مظلة ويد دول العدوان في حصارها الجاثم على صدورنا، الذي تنبعث كل آثاره من بؤس الشعب وسوء الأحوال المعيشية، والاختلال النفسي، في غياب ما ينشده الشعب من استقرار وأمان معيشي، وسلامة وكرامة الوطن الذي يعاني من جروح احتلال أهم محافظاته».
تضيف القوسي بخصوص توقف الغارات: «غياب القصف الجوي ولهيب معارك المواجهات هنا وهناك، لا شك أنه ساهم في أن تلتئم بعض الجروح وخلق بارقة أمل في إيقاف النزيف البشري من أبناء اليمن، لكن بالمقابل تحلق بنا في هموم وتخوفات أكبر، لأننا نبحث عن سلم حقيقي ولا نلمس أي مؤشراتٍ له، فقط حالة اللا حرب آنية، تخلق عند البعض مخاوف أنها استراحة محارب لزراعة ألغام وقنابل موقوتة من دول العدوان لدمار شامل أشد وأنكى من ذي قبل، فنخشى ما تم فيما سمي بعاصفة الحزم التي انتهت كمرحلة لندخل في مرحلة جديدة تحت سموها إعادة الأمل، ولكنها بنفس ضراوة ووجع المرحلة السابقة. هي مجرد أجندات لأهداف ومقاصد العدوان على الأرض. والانتقال للمرحلة التالية بعد إعادة الأمل هي مرحلة الهدن، ونخشى أن تكون مرحلة كسابقاتها لتحقيق مآرب أخرى على الأرض».
وختمت القوسي: «نسمع هنا وهناك يومياً عن قتلِ أبناء شعبنا بقصف عشوائي في مناطق التماس بمحافظتي صعدة وحجة، وبين مناطق التماس بين محافظة الحديدة والمخا بمحافظة تعز. وأينما توجد مثل هذه البؤر، تؤصل وتعزز لدينا أحاسيس أن الحرب باقية والعدوان باقٍ وسيظل، ما لم تصل الأمور إلى مرحلة وقف العدوان تماماً مثلما تم الإعلان عن بدئه».

عدم مصداقية التحالف
فضل النهاري (إعلامي) يصف المشهد قائلا: «الغارات توقفت وبقيت القذائف والقصف واستهداف الأعيان المدنية، وراح ضحية ذلك العشرات من النساء والأطفال سواءً في الحدود أو باقي المناطق المشتعلة ومنها تعز. أما عن العيد المبارك فهو عيد لله تعالى أولاً وأخيراً ولا بد من إحيائه بما يليق به كمناسبة دينية، رغم أنه يأتي في ظل ظروف إنسانية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية انعكست على حياة الناس وغابت عن آلاف الأسر والعائلات ابتسامته المعهودة، نظراً لما سبق، وارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية وانقطاع المرتبات، والبطالة المتفشية، كلها عوامل أسهمت في تحويل المناسبة إلى عبء اقتصادي، خاصة لعدم القدرة على توفير متطلبات العيد ومن قبله شهر رمضان، من مأكل ومشرب وملبس باستثناء القادرين بشكل أو بآخر على توفير هذه المتطلبات؛ ولكن بشكل محدود ويبقى السواد الأعظم من الناس هم ممن يعانون الأمرين جراء هذه الأوضاع».
يختم النهاري: «العدوان كما أسلفت مستمر في مختلف المحاور والجبهات، وليس في صعدة والحديدة فقط. جبهات مأرب والجوف وتعز أيضا، سواء في جبهات المدينة أو جبهات الساحل الغربي بمقبنة وغيرها تشهد مواجهات وانتهاكات وخروقات للهدنة المعلنة وهو ما يكشف عدم مصداقية التحالف في مساعي إنهاء الحرب، وإحلال السلام في اليمن من جهة، وأيضا يعبر عن مساعيه الحثيثة في تأجيج الاقتتال الداخلي من جهة أخرى، وفي تحقيق مكاسب على الأرض يستفيد منها على طاولة المفاوضات».

أجواء عيدية أفضل نسبياً
راي الله الأشول، مدير عام الشؤون القانونية بالهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء، يرى أن العدوان لم يتوقف بشكلٍ كلي، ويقول: «مازلنا في ظل ما يسمى بالهدنة التي هي للحرب أقرب، إلا أن أجواء العيد هذا العام كانت أفضل نسبياً من الأعوام السابقة، واتسمت بشيءٍ من الإيجابية، حيث إن هذه الهدنة وإن كانت هشة إلا أنها أوقفت القصف الجوي المباشر وساهمت في الرفع الجزئي للحصار والحظر على الموانئ والمطارات، وهذا أعطى مجالاً للتنفس الاقتصادي، فشهدت الأسواق تحسناً ملحوظاً في أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية والكمالية والتي يحتاجها المواطن لتدبير أمور حياته، ولاسيما فترة الأعياد».

بوادر أمل
يضيف راي الله الأشول: «أجواء العيد تخللها أمل بأن تضع الحرب أوزارها وأن يتحقق السلام الدائم والشامل والعادل الذي يضمن للشعب حريته واستقلاله وحياته الكريمة بعيدا عن الحروب والدمار والموت الذي يعصف بالبلد منذ تسعة أعوام. كل المؤشرات الحالية تقول باستمرار الهدنة في شكلها الحالي، وهو الوضع نفسه الذي بدأ قبل أكثر من عام. ولكن ما يبعث على الأمل أن هناك تفاهمات جادة تجري حالياً بين حكومة صنعاء ووفد الرياض بوساطة عُمانية، وهذا يزيد احتمالية التوصل إلى اتفاق شامل لكافة القضايا والملفات التي يجري التفاوض حولها». 

لا هدنة في المناطق الحدودية
يختم الأشول: «أما عن المناطق الحدودية بصعدة والساحل الغربي فالعدوان لم يتوقف يوماً واحداً ولا وجود للهدنة هناك، القصف المدفعي يستهدف المواطنين في صعدة بصورة شبه يومية، فيما يواصل الطيران التجسسي التحليق، والقصف في صعدة والساحل الغربي، وكل ذلك موثق منذ بدء سريان الهدنة. إن لم يتوقف العدوان نهائياً ويرفع الحصار بشكل كامل ودائم فإن الهدنة الحالية مهددة، لأنها هشة ولا تفي بمتطلبات الشعب اليمني، وكل ذلك مرهون بالنوايا الصادقة لقيادة العدوان الذي رغم المفاوضات الجارية إلا أنه مستمر في المماطلة ومُصر على استمرار معاناة الشعب اليمني وليس هناك جدية لإنهاء الحرب والدخول في مراحل أعمق لخلق عملية السلام الدائم».

الوضع لم يتغير
الختام كان مع عبدالقادر عثمان (إعلامي) الذي يقول: «لم يختلف هذا العيد عن الأعياد السابقة، فالوضع لم يتغير، الهدنة الهشة التي بدأت قبل عام وانتهت قبل أشهر لم تثمر، فالحصار وإغلاق الموانئ والمطارات مستمر إلا من رحلات محدودة، والخروقات في الحديدة مستمرة والمواجهات في عدة جبهات باقية بشكل متقطع رافقت الهدنة وما تلاها، وحال الناس ازداد سوءاً، ولعل ما حصل في صنعاء قبل ليلة العيد دليل واضح على الحالة المادية الصعبة لشريحة واسعة من الناس نتيجة استمرار العدوان والحصار».

السلام مجرد أمل
يضيف عثمان: «السعودية بقدر ما لديها من إيمانٍ بعجزها وفشلها في الحرب على اليمن، لديها رغبة بتقديم نفسها كوسيط، لكن بين من ومن؟! ورغبتها هذه تعود لاعتبارات تتعلق بسمعتها ومكانتها الدولية؛ لأنها تدرك أن اعترافها بأنها طرف هو اعتراف بهزيمتها في الحرب التي وجدت نفسها غارقة فيها، والهزيمة تعني خسارة كل ما صنعه لها النفط من حضور دولي، لذا تراوغ حتى آخر لحظة لتقديم نفسها كوسيط على الأوراق، حتى لو كانت ستدفع تكاليف إعادة الإعمار وتستجيب لكل شروط صنعاء من تحت الطاولة. وبناءً على ذلك فإن الوصول إلى سلام ليس سوى آمال، خاصة أن صنعاء لن تقبل بأي حل دون أن تكون السعودية طرف فيه، وهو مطلب كل يمني حر، لأن السعودية هي التي قتلت ودمرت وعاثت في اليمن الخراب خلال الثماني السنوات الماضية».
وختم عثمان بالقول: «المواجهات مستمرة حتى في أشهر الهدنة المنتهية، كما أن استمرار الهجمات السعودية والإماراتية سواء المباشرة على صعدة وحجة أو عبر مرتزقتهما في الساحل الغربي ومأرب وشبوة هي استمرار للعدوان الذي بدأ قبل ثماني سنوات، غير أنها الآن محدودة الأثر نتيجة للوهن الذي وصلت إليه قوى العدو».