تحقيق: عادل عبده بشر / لا ميديا - 
تصوير:محمد يحيى حميدان
 بمجرد أن يبدأ فصل الربيع في طي أيامه الأخيرة، خلال شهر آذار/ مارس من كل عام، فاسحاً الطريق للصيف بشمسه الحارقة، يدب القلق في صدور أصحاب “الذهب الأصفر” بمحافظة الجوف، حيث تكون حقول القمح قد اكتست لونها الذهبي، مؤذنة بموسم الحصاد الشتوي لسنابل الخير.
عنصر القلق لدى المزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي، وخصوصاً في مجال القمح، ينبع من كون جني المحاصيل يأتي في ظل صعوبات عدة تواجه مرحلة الحصاد وتُهدد بنسف التوجه الوطني لتحقيق السيادة الغذائية ونيل الاستقلال الحقيقي من دول الاحتكار العالمي للغذاء. وأبرز تلك الصعوبات عدم توفر الميكنة الزراعية، وأهم عناصرها آلات الحصاد الحديثة، بالشكل المطلوب وبما يتناسب مع التوسع المستمر في المساحات المزروعة والتوجه الوطني والثوري لملء سلالنا الفارغة عبر إنتاجنا المحلي، وتوفير مخزون استراتيجي آمن وصحي.
صحيفة “لا” واكبت عملية الحصاد الشتوي للقمح في عدد من مزارع الجوف. رصدت مشاكل المزارعين، وحملت همومهم والمخاطر 
التي تنال من السنابل الذهبية سنوياً، لتضعها في سلة الجهات المختصة.

المُزارعون يصرخون: محصولنا تحصده الرياح


تستمر عملية حصاد محصول القمح في الجوف خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، وهي فترة طويلة، بحسب علي حميد الأغربي، مسؤول «مزرعة العاقل» (مزرعة السيد أحمد الهادي) في منطقة الساعد بمديرية الحزم، حيث إن بقاء سنابل القمح فترة أطول دون حصادها يتسبب في إهدار كميات كبيرة من المحصول.
ويؤكد الأغربي، في حديثه مع «لا»، أن المساحات الزراعية في محافظة الجوف زادت اتساعاً خلال العام الماضي 2022 وهذا العام 2023، مقارنة بالسنوات السابقة، استجابة لتوجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وحثه المستمر على الاتجاه للزراعة، وفي مقدمتها زراعة القمح. إلا أن نصف المحصول يذهب هدراً؛ «هذه السنة نصف البُر هدر، بسبب قلة الحصَّادات، ومن قِل تدبير الحصاد من الجهات المعنية».
ويضيف مسؤول مزرعة السيد الهادي: «ما حصّلنا حصّادات يحصدين. بعض الناس إلى اليوم (مطلع نيسان/ أبريل) ما قد حصدوا، والكثير من محصولهم حصدته الرياح».
ويحذِّر الأغربي من التساهل في توفير «الكمباين» (الحصّادات)، إذ قد يؤثر سلباً على استدامة زراعة القمح، مضيفاً: «المُزارع يتعب طوال العام في الحرث والبذر والسقاية والاهتمام بالزرع، وعندما يأتي موسم الحصاد يجلس ينتظر آلة الحصاد، ويشاهد المحصول الذي تعب عليه طوال السنة وهو يذهب هدرا، كل يوم الرياح تهب وتدحرج معها النباتات الصحراوية اليابسة والأشواك التي تتحول إلى شكل عجلة كبيرة تأتي على سنابل البُر، فيتعقد المزارع حين يرى محصوله يُهدر أمام عينه وهو جالس بانتظار الحصّادة، التي يعلم الله متى تجي».

زراعة واعدة
ويشير مسؤول مزرعة السيد أحمد الهادي إلى أن الزراعة في الجوف واعدة والأرض خيِّرة، وتحتاج، فقط، أن تقوم كل جهة بواجبها: «قد ربي أدى نعمة كبيرة، أرض الجوف مزروعة كلها بُر، بس نشتي من المعنيين والجهات المختصة أن كل واحد يقوم بواجبه في الأعمال، وخاصة آلة الحصاد».
وناشد الأغربي الجهات المعنية في حكومة الإنقاذ أن تولي المزارعين الاهتمام المناسب، موضحاً بالقول: «المُزارع يحتاج من الدولة أن تعينه بالبذور المحُسَّنة والأسمدة، وآلة الحصاد، وتسويق المحصول، حتى يستطيع أن يستمر في الزراعة ويتوسع في المساحات الزراعية ونحقق الاكتفاء الذاتي».

اختطاف حصّادة وجرف سنابل
من بين المشاكل التي شهدها موسم الحصاد الشتوي للقمح في الجوف، ونظراً لتأخر وصول الحصّادات المركزية، أفادت مصادر محلية لـ»لا» بأن إحدى المزارع الحكومية قامت بحصاد جزء كبير من المحصول يدوياً وتركت السنابل المحصودة على الأرض بضعة أيام، ثم جاءت السيول الناتجة عن الأمطار وجرفتها.
مصادر أخرى أكدت أن بعض المُزارعين من أبناء الجوف تقطعوا لإحدى آلات الحصاد الكبيرة أثناء توجهها للحصاد في إحدى المزارع الكبيرة، واحتجزوها بغرض استخدامها في حصاد محصولهم، قبل أن تسعى الجهات المختصة لتحريرها من قبضتهم.




بجوار مزرعة السيد أحمد الهادي في منطقة الساعد بالجوف، تقع مزرعة السنيدار، التي تديرها مؤسسة «سهول معين»، بمساحة تُقدر بـ400 هكتار. وهناك التقينا المهندس الزراعي عبدالسلام مطهر، المُدير الفني للمزرعة، بينما كانت آلة الحصاد المركزية تعمل ليلاً ونهاراً في حصاد مائة هكتار من محصول القمح في أول موسم زراعي تشهده المزرعة.
يتفق المهندس عبدالسلام مطهر مع ما طرحه مسؤول مزرعة السيد الهادي من تحذير من حدوث نكسة كبيرة في القطاع الزراعي في حين تزداد الحاجة إليه لتحقيق الأمن الغذائي.
يقول المهندس مطهر لـ»لا»: «هناك توسع كبير في المساحات الزراعية بالجوف، إلا أن هذا التوسع لا بد أن يرافقه ميكنة زراعية»، لافتاً إلى أن الجهات المختصة في الحكومة تسعى للتوسع في الزراعة؛ لكنها تفتقر إلى الميكنة التي تضمن النجاح والاستمرارية، قائلاً: «قبل نحو ستة أشهر أطلقوا مشروع زراعة الصحراء، وزرعوا مساحات كبيرة من الصحراء في الجوف، وإلى اليوم (مطلع نيسان/ أبريل) ما يزال المحصول قائماً، لم يستطع أحد الحصاد، لعدم توفر الحصّادات المركزية بالشكل المطلوب. ليس لدينا ميكنة للحصاد، وهنا يكمن دور الدولة في توفير الحصّادات المركزية لمحصول القمح. وللأسف الشديد الحصّادات الموجودة لدى مؤسسة إكثار البذور معدودة، ومعظمها قديمة جداً وتعود لفترة الرئيس الحمدي».
وأضاف: «التوسع في الزراعة معناه ضرورة توفير ميكنة زراعية، ما لم فإن مشروع الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين الغذاء لن يُكتب له النجاح إطلاقاً».

الرِّبح مسمار الرُّكَب
وبلغة المهندس والخبير في الزراعة يؤكد مطهر أن نجاح الزراعة واستمرارها والتوسع فيها يرتكز بشكل أساس على عملية الرِّبح، أكان ذلك لدى المُزارع في حقوله الخاصة أو لدى المستثمرين في المزارع الكبيرة. ولكي تكون المكاسب مضمونة يجب أن تكون تكاليف الزراعة قليلة، ولن يحدث ذلك إلا بالميكنة الزراعية، التي تضمن خفض تكاليف الإنتاج مع الحصول على منتج بجودة عالية.
وبلغة الأرقام يقول مطهر: «الزراعة معتمدة على الحصاد، والحصاد فيه نسبة تالف كبيرة، فمثلاً في الجوف لو أردنا أن نحصد بالآلات اليدوية، فهذا يعني الاحتياج لعمالة كبيرة، تُكلف في الهكتار الواحد نحو 120 ألف ريال، إضافة إلى تكلفة استئجار «الدَّرَّاسة»، وهي آلة فرز السنابل وإخراج الحبوب، بنحو 70 ألف ريال، وبهذا تكون التكلفة الإجمالية لحصاد الهكتار الواحد من محصول القمح 190 ألف ريال، ويستغرق إنجاز الحصاد يومين إلى ثلاثة أيام، وكمية المفقود من المحصول كبيرة، بينما لو استخدمنا الميكنة الحديثة، والمتمثلة بـ»الكمباين» (الحصَّادات) المركزية، فإن تكلفة حصاد الهكتار لن تتجاوز 35 ألف ريال، ووقت الإنجاز من ساعة إلى ساعتين فقط، والمفقود من المحصول قليل، ففي الحصاد اليدوي المُزارع خسران، بينما بالميكنة الحديثة يضمن المكسب والجودة وسرعة الإنجاز».
ويُضيف: «محصول القمح هو محصول استراتيجي، ولن ننجح ونتوسع فيه إلا بالرِّبح، وكما يقول المثل: «الرِّبح مسمار الرُّكَب»، والرِّبح لن يأتي إلا بالميكنة الزراعية والبذور المُحسَّنة التي يتم تصفيتها وتنقيتها تحت إشراف هندسي، فإذا لم توفر الجهات المختصة للمُزارع ميكنة زراعية، فلا ينبغي أن تحثهم على التوسع في الزراعة؛ لأنه سيكون خاسراً، وسيتوقف من أول موسم».

تقنية الري الحديثة
إضافة إلى آلات الحصاد المركزية والبذور المحسَّنة، تطرق المهندس عبدالسلام مطهر إلى عنصر هام آخر يأتي ضمن الميكنة الزراعية، ويتمثل في وسائل الري الحديثة، التي تسمح بتمديد استدامة المياه الجوفية وتضمن خفض تكاليف الإنتاج، مع الحصول على منتج جدير بالمنافسة عالمياً، لافتاً إلى أن محافظة الجوف بدأت تشهد دخول أنظمة ري بأحدث التقنيات العالمية، وهي «الري المحوري»، حيث بدأت بذلك مزرعة مؤسسة «أنعام اليمن»، ثم تلتها مؤسسة «سهول معين» التي أنشأت في مزرعة السنيدار أكبر أجهزة ري محوري في الجمهورية اليمنية.
وقال: «استجابة لتوجيهات السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي في الاتجاه نحو الاستثمار في القطاع الزراعي، نفذت مؤسسة سهول معين للتنمية الزراعية أول مشروع لها في هذا الجانب، وهو مشروع مزرعة السنيدار، بتقنيات الري الحديثة، فأدخلت تقنية الري المحوري بشكل كبير، ولأول مرة في محافظة الجوف وفي اليمن عامة بهذا الحجم، حيث تم تركيب جهازي ري محوري بطول 400 متر للجهاز الواحد، والذي يغطي في دورانه خمسين هكتاراً، وكانت النتائج إيجابية والإنتاج مشجعاً؛ لكن الإشكالية جاءت في موسم الحصاد، جراء تأخر عملية الحصاد، بسبب عدم توفر الحصَّادات، فبلغت نسبة المفقود من محصول القمح في مزرعة السنيدار نحو 30 بالمائة من إجمالي المحصول».


الحكومة تعترف: عاجزون عن تغطية التوسع الزراعي بخدمات الحصاد
لا يمر موسم حصاد للقمح في محافظة الجوف أو غيرها من المحافظات الزراعية، دون أن يرد بكثرة اسم المؤسسة العامة لإكثار البذور والمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، في وسائل الإعلام، باعتبارهما جهتي اختصاص حكوميتين تسعيان لأن تقولا عبر الإعلام: «ها نحن متواجدون في الزمان والمكان».
غير أن الواقع يقول غير ذلك، وتكرار المشاكل ذاتها في كل موسم حصاد يشي بالكثير من القصور.
صحيفة «لا» وهي تحمل هموم المُزارعين في محافظة الجوف، وهي أيضاً هموم جميع المُزارعين على امتداد التراب اليمني، التقت مدير فرع المؤسسة العامة لإكثار البذور في المنطقة الشرقية وفرع الجوف، المهندس عبدالله محمد علي جابر، أثناء قيامه بجولة تفقدية لعملية الحصاد في الجوف، وطرحت عليه ما حملته من هموم المزارعين، مستفسرةً عن دور المؤسسة العامة لإكثار البذور وما تقدمه للمُزارعين!
يقول جابر: «المؤسسة العامة لإكثار البذور قدمت خدمات البذور المحسَّنة والنقية، بذور من الدرجة الأولى (معتمد 1)، كما قدمنا خدمات الحصاد، حيث إن مؤسسة إكثار البذور هي الجهة الوحيدة التي لديها معدات وآلات الحصاد».
وتعليقاً على السخط الحاصل في أوساط المُزارعين وعدد من المستثمرين في القطاع الزراعي بالجوف، جراء قِلة الحصّادات المركزية وما تسببه من تأخر في الحصاد وتعرض كميات كبيرة من المحصول للتلف، قال جابر: «نحن نقدِّر معاناة المُزارعين في مواسم الحصاد؛ ولكن المؤسسة بآلياتها المتوفرة لا تستطيع تقديم خدمات الحصاد كاملة للمُزارعين، فتم تجهيز ست كمباين (حصَّادات) لمحافظة الجوف، وهذا العدد لا يغطي التوسع الحاصل في العملية الزراعية».

صراع للاستمرار في الخدمة
وأشار المهندس جابر إلى أن «الحرب والحصار أسهما كثيراً في العجز الحاصل في آلات الحصاد المركزية، لدرجة أن قطع غيار الحصّادات لا نستطيع إدخالها بشكل رسمي، لذلك نلجأ إلى الاستعانة ببعض الأشخاص، أو نقوم بتصنيع قطع محلية وتأليفها عبر الورشات والمخارط، نحاول العمل بكل الطرق من أجل الاستمرار في الخدمة».
وأكد المهندس عبدالله جابر وجود توسع في زراعة القمح، موضحاً بالقول: «هناك توسع أفقي في إنتاج القمح، وهذا التوسع يجب أن نواكبه بالآلات الحديثة الضرورية في العمل الزراعي، وخصوصاً آلات الحصاد الحديثة من النوع «كلاس»، التي تمتلك المؤسسة منها ثلاث حصّادات من العام 2014، وبقية الآلات قديمة وتعمل منذ أكثر من عشرين سنة، لذلك نتمنى من قيادة الدولة واللجنة الزراعية أن تتوجها قريباً لشراء ثماني حصَّادات من نوع «كلاس»، لكي نواجه التطور الحاصل في الزراعة».
وأشار إلى أن المؤسسة العامة لإكثار البذور لديها خطة مستقبلية لمحافظة الجوف، تم الرفع بها إلى اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة، تتضمن شراء آلات زراعية متنوعة، وعمل مخازن للبذور في الجوف، وكذلك إنشاء مركز لاستقبال المحصول من المزارعين، وتوفير آلات لغربلة البذور في المحافظة ذاتها.

شراء المحصول
وحول مصير محصول القمح، حيث يشكو بعض المزارعين عدم توفر سوق لبيع محصولهم، قال مدير المؤسسة العامة لإكثار البذور في المنطقة الشرقية وفرع الجوف المهندس جابر: «هناك توجيه بشراء الحبوب من المزارعين بأسعار مناسبة، حيث يتراوح سعر كيس القمح (50 كيلوجراما) الخاص بالأكل بين 18.000 و18.500 ريال، وكيس القمح المُنتج كبذور درجة أولى 21.000 ريال، و20.000 ريال لكيس بذور القمح درجة ثانية، وهذه الدرجات يحددها المهندسون المشرفون على الحقول». 
وأوضح المهندس عبدالله جابر أن مستوى إنتاج القمح هذا العام ضعيف، قائلاً: «هذا العام هناك توسع كبير في زراعة القمح؛ لكن الإنتاجية هذه السنة ضعيفة في اليمن بشكل عام، بسبب المناخ، حيث كانت البرودة في الشتاء ضعيفة جداً، والقمح يحتاج برودة أكبر، خاصة في مراحل النمو والتصمل والتفرع».



نائب مدير مؤسسة الحبوب رئيس لجنة شراء بذور وحبوب القمح في الجوف لـ«لا»:
 التوسع في المساحات الزراعية لم يقابله توسع بالميكنة الزراعية

أكد، المهندس صلاح المشرقي، نائب المدير العام التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب - رئيس لجنة شراء بذور وحبوب القمح في الجوف، أن محافظة الجوف شهدت توسعاً ملحوظاً في زراعة القمح في الموسم الشتوي 2022/ 2023، حيث تقدر المساحة المزروعة بالقمح بما بين 6500 و7000 هكتار.
وأشار المشرقي إلى المشكلة ذاتها التي يشتكي منها المزارعون والمستثمرون في القطاع الزراعي، وتتمحور في انعدام الميكنة الزراعية، قائلاً: «مع الأسف، هذا التوسع في المساحات الزراعية لم يقابله توسع بالميكنة الزراعية، مثل الحصّادات والبذَّارات والحرَّاثات، وهذا من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حدوث مشاكل في عملية الحصاد، نظرا لعدم توفر الحصّادات المناسبة بالعدد المطلوب لتلك المساحات، خصوصاً وأن الكمباين (آلات الحصاد) الكبيرة عددها 6 حصّادات فقط، وجميعها متهالكة وقديمة، وبعضها تتم صيانتها بشكل مستمر، نظرا للأعطال التي تحدث لها، وهذه الحصّادات مملوكة لمؤسسة إكثار البذور، وتعمل فقط في المزارع الكبيرة التابعة للمستثمرين والجهات الحكومية، حيث تقدر المساحة الإجمالية لهذه المزارع بحوالى 1100 هكتار، وبالتالي ليس هناك وجه للمقارنة بين عدد الحصّادات الكبيرة وبين المساحات المزروعة، وهو ما تسبب في تساقط حبوب القمح من السنابل على الأرض، نتيجة تجاوز فترة الحصاد وبقاء السنابل في المزارع بانتظار وصول آلات الحصاد الكبيرة».

خطة طارئة
وحول دور المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب في حل هذه الإشكالية التي تُهدد استمرارية زراعة القمح، قال المهندس صلاح المشرقي: «وضعنا، بالاشتراك مع مؤسسة إكثار البذور، خطة ميدانية طارئة لتوزيع الحصّادات الكبيرة في الجوف، وفق أولوية الحصاد في المزارع الاستثمارية. وبحمد الله نجحنا في ذلك إلى حدٍّ ما، وذلك لظهور مشاكل أخرى مُرتبطة، مثل بُعد المسافات بين بعض المزارع ووعورة الطرق، وبالتالي فإن نقل الحصّادات الكبيرة من مزرعة لأخرى يعرضها لأعطال، فنضطر لنقل بعضها عبر قاطرات مؤسسة الحبوب المناسبة، برغم ارتفاع تكاليف نقل هذه الحصّادات من مديرية لأخرى».
وفيما يتعلق بحصاد محصول القمح لدى صغار المزارعين، قال المهندس المشرقي: «قامت المؤسسة بتوفير حصّادات لحصاد القمح لصغار المزارعين بسعر تشجيعي مقداره 10 آلاف ريال للساعة الواحدة، مقارنة بسعر 15 ألف ريال الذي فرضه أصحاب ومُلَّاك الحصّادات المجتمعية، وحشدنا 15 حصّادة تملكها المؤسسة إلى محافظة الجوف، وأيضا توفير ما يقرب من 100 حصّادة من مُلّاك الحصّادات المجتمعية في الجوف، وتم إقناعهم بخفض سعر ساعة الحصاد إلى 13 ألف ريال، بهدف خفض تكلفة الإنتاج على المزارعين. أيضا قامت المؤسسة بتوفير العديد من الحصّادات المجتمعية من محافظات صنعاء وعمران وذمار، ونقلها إلى الجوف، على حساب المؤسسة. ورغم أن عدد الحصّادات لم يكن كافيا، نظرا للتوسع في المساحات الزراعية للقمح، إلا أنه تم وضع خطط ميدانية مشتركة مع الجهات ذات العلاقة لتوزيع الحصّادات الرسمية والمجتمعية على المزارع بحسب الأولوية في جهوزية المحصول للحصاد».

تشجيع المستثمرين
وشدد المهندس صلاح المشرقي على ضرورة مواجهة التوسع الزراعي بتوسع في الميكنة الزراعية، من خلال توفير الحصّادات والبذّارات، عبر تشجيع المستثمرين على الدخول في هذا المجال.
كما شدد على «ضرورة التزام المزارعين بزراعة القمح حسب الموسم الزراعي الشتوي لمحافظة الجوف دون تقديم أو تأخير، وذلك يستلزم تفعيل جوانب الإرشاد الزراعي وتوعية المزارعين، لضمان عدم حصول انتكاسة للمزارعين بسبب ارتفاع درجات الحرارة ودخول موسم الأمطار في حال التأخر عن الموعد الزراعي المحدد».


سيد الثورة: الجانب الزراعي مهم جداً ويحتاج إلى تحرك جاد من الجميع
تحدث السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في محاضرته الرمضانية بتاريخ 28 رمضان 1444هـ الموافق 19 نيسان/ أبريل 2023، عن الهمّ المعيشي وهَمّ توفير متطلبات الحياة، وفي مقدمتها الغذاء، والقوت الضروري، والاحتياجات الأساسية للحياة، بأنه الهمّ الأول الضاغط والمؤثر على أغلب الناس.
وركز السيد العلم جُل محاضرته على الزراعة والثروة الحيوانية، مجدداً التشديد على ضرورة الاهتمام بالزراعة، خصوصاً وأن «بلدنا من أحسن البلدان على المستوى الزراعي، في تنوع المحاصيل الزراعية؛ نتيجةً لتنوع المناخ»، مؤكداً أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأشار سيد الثورة إلى أن السياسات الخاطئة للأنظمة والحكومات العميلة، على مدى عقود من الزمن، لم تهتم بتشجيع الزراعة ولا بالإنتاج الزراعي، بل كان هناك تماهٍ مع سياسة، أو اعتماد لسياسة استيراد كل شيء من الخارج، ضمن ارتباط وعلاقة الأنظمة والحكومات بأعداء الأمة، الذين لا يريدون الخير لنا ولشعوبنا، ويريدون لنا أن نبقى مجرد سوق استهلاكية لبضائعهم، وألّا نكون أمةً منتجة، قوية، تبني واقع حياتها على أساس الاكتفاء الذاتي، في توفير متطلباتها الضرورية، ولذلك حصل ما حصل، وصل الوضع إلى مستوى الكارثة، إلى مستوى الخطر على الأمن الغذائي.
وقال: «عندما يكون غذاء الناس، وقوتهم الضروري، مستورداً بشكلٍ أساسي من الخارج، هذا تهديد لأمنهم الغذائي».

التنمية الريفية
وشدد السيد القائد على العناية بالزراعة وبالمقومات المساعدة والضرورية، وفي مقدمتها التنمية الريفية، والاستفادة من مياه الأمطار في الزراعة، وتفعيل الجمعيات التعاونية.
وقال: «هذا الموضوع مهم جداً؛ ولذلك يحتاج إلى اهتمام مستمر، حث مستمر، دفع مستمر، دفع بالناس، معالجة العوائق بشكل مستمر. الموضوع هذا ضروري للناس، وفي الوقت نفسه حل لمشاكل كثيرة، لتوفير غذاء الناس، لتوفير مصادر وأسباب الرزق والكسب الحلال، ومهم أيضاً دينياً، لأن هذا مهمٌ جداً لنا، لكي نكون شعباً حراً، يتحرر من سيطرة أعدائه، من أعدائه، ويستطيع أن ينهض بمسؤولياته المهمة والمقدسة، في الجهاد في سبيل الله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في تحقيق الاستقلال الحقيقي، على المستوى الثقافي والفكري والسياسي، دون تبعيةٍ لأعدائه، وهو متمكن من توفير متطلباته الأساسية، لا تتحول هي، أو تبقى هي وسيلة ضغط على هذا الشعب بيد أعدائه؛ لذلك من الضروري العودة إلى العناية بالزراعة، وكذلك الثروة الحيوانية».

استثمار القطاع الخاص
وأشار إلى أن استثمار القطاع الخاص في الزراعة يُساعد على إنعاش الجانب الزراعي، موضحاً أن الكثير من التُّجار يذهبـــــون إلى الخارج، ويشترون المحاصيل الزراعية المتنوعة، بينما الاستثمار في البلد بأموالهم سيكون له فوائد كبيرة جداً، لهم وللشعب، وللوضع الاقتصادي والمعيشي للناس، وله أهمية على مستوى الأمن الغذائي.
وأكد سيد الثورة أن «القطاع الخاص بحاجة إلى تشجيع وتسهيلات رسمية؛ حتى لا تبقى الجهات الرسمية معيقة، كما هو حال بعض الجهات وبعض المسؤولين، الذين سياساتهم، روتينهم، أسلوبهم، طريقتهم في العمل، تمثل عوائق، إضافة إلى بعض القوانين التي تحتاج إلى تغيير، وهي تمثل عائقاً حقيقياً أمام تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الإنتاج الزراعي والزراعة والتصنيع الغذائي، وهذا من الضروريات التي تدعم الإنتاج الزراعي، تدعم الزراعة، التصنيع الغذائي، وتصنيع المنتجات الزراعية وإنتاجها. أيضاً من المهم السعي لتفعيل الجمعيات الزراعية القديمة والحديثة، هناك الكثير من الجمعيات الزراعية، ورعاية وتصويب نشاطها».

تخفيف التكلفة وتحسين الجودة
وتطرق السيد عبدالملك إلى العناية بتخفيف الكلفة، مع تحسين الجودة، قائلاً: «عادةً ما يكون العمل في الزراعة عندنا في البلد مكلِّفاً، أي أن تكون طريقة العمل، وسائل العمل، أسلـوب العمل، مكلِّفة، تحتاج إلى أموال كثيرة، وعندما يأتي المحصول، يقوم المزارع بحساب غراماته وكلفته، فيجدها هائلة جداً، فيرى أنه لا خراج له، ولا يمكن أن يربح، أو حتى أن يفي بالتكاليف، إلَّا برفع السعر، فيسوِّق منتوجه بسعرٍ مرتفع؛ فيكون الإقبال عليه ضعيفاً، ويأتي المواطنون -مع ظروفهم المعيشية الصعبة- يريدون أن يشتروا الأرخص، الذي هو بمستوى ظروفهم وإمكاناتهم، وهذا يؤثر. بالإمكان تخفيف الكلفة في الإنتاج من جوانب كثيرة؛ لأن بعض الناس مشكلته في أسلوبه وطريقته، والبعض في الوسائل التي يعتمد عليها. تتنوع الأسباب. ويمكن تفكيك المشكلة هذه، ومعالجة الأسباب؛ حتى تخف الكُلفة، ويتوفر الإنتاج، يكون وفيراً بشكل أفضل. ثم مع ذلك يُلحَظ جانب الجودة، جودة المحصول، في سلامته، في العناية به، وفي طريقة جَنْيِه، وفي طريقة تعليبه، وفي طريًقة تسويقه».



توفير وسائل الزراعة
وأشار السيد عبدالملك إلى العناية بتوفير وسائل الزراعة والتشجيع على الاستثمار فيه قائلا: «مما ينبغي التشجيع على الاستثمار فيه: توفير الحراثات، بل إنتاج وتصنيع بعض المتطلبات في البلد، يمكن، وأيضاً مثلاً شراء حصَّادات، شراء وسائل وإمكانات وتقنيات تتوفر للناس، تنهض بالجانب الزراعي، وبمستوى الإنتاج، سواءً بحسب الوفرة والكمية، تُنتج إنتاجاً أضخم، أو تقليل الكُلفة والغرامة في الإنتاج، أو مستوى الجودة. كل هذا ممكن ومتاح».
كما أشار إلى ضرورة حل مشكلة تسويق وتوزيع المنتج المحلي، وتخفيض نسبة الاستيراد، لصالح المنتج المحلي، بحسب كميتها وما تغطيه في السوق، مؤكداً بالقول: «إذا كانت تغطي نسبة ثلاثين بالمائة، يتوقف عن استيراد هذه النسبة لصالح هذه المحاصيل المحلية، وهكذا ما يُنتج، ما يُعلَّب، ما يُصنَّع، حتى يبقى المنتج المحلي حاضراً في الساحة، ويبقى له سوقه، يبقى له مجال في التسويق، والشراء».
وشدد على أهمية الموازنة بين الاستيراد وبين الإنتاج المحلي: «ينبغي أن يكون هناك إدارة قوية لهذا الموضوع، ومتابعة قوية؛ حتى لا يؤثر على الإنتاج المحلي».
 
إنتاج الحبوب
في موضوع المحاصيل الزراعية، قال السيد عبدالملك: «ينبغي أن يكون في مقدمة الاهتمامات العناية بإنتاج الحبوب بأنواعها، البُر (القمح)، إنتاجه في البلد، بدلاً من شرائه من الخارج بكميات هائلة جداً. وكذلك بقية الحبوب».
كما تطرق إلى زراعة الفواكه والعناية بالإرشاد الزراعي للمزارعين، وأن تكون العلاقة بين الجهات المعنية والمزارعين علاقة قوية، ومواكِبة لهم، بالتعليمات والإرشادات.

تحرك جاد
وأكد سيد الثورة أن «هذه متطلبات أساسية ومهمة جداً؛ ولكن كل هذا يحتاج إلى تحرك الجهات الحكومية ذات العلاقة بشكلٍ جاد، باهتمامٍ كبير، بمسؤولية».
وأضاف: «هذه مسألة مهمة جداً، على الكل أن يتحركوا. والذي يُفيد ويمكن أن ينتقل بالناس في أن يتحركوا بجدية أكبر، إذا تحرك الجميع بروحٍ جهادية، بروحٍ مسؤولة، باهتمامٍ كبير، بإدراك لأهمية هذه المسألة، وكان تحركنا فيها بدافعٍ إيماني؛ لأن هذه مسألة تتعلق بصراعنا مع أعدائنا، الذين يريدون أن تكون معيشتنا وقوتنا الضروري وسيلةً بأيديهم للضغط علينا، والتأثير على استقلالنا، وأن تكون حالة البؤس الشديد، والهم المعيشي الضاغط على الناس، وسيلةً لشراء الناس، والدفع بهم نحو الهلاك».
وأوضح أن «الجهات الرسمية بدلاً من أن تكون معيقة، كما يحصل من بعضها، بعض الجهات الرسمية مازالت معيقة، لم ترقَ أبداً إلى المستوى العادي في التعامل مع موضوع الزراعة، مازالت معيقة. كم هو الفارق بين أن تكون داعمة، مهتمة، جادة، وبين واقعها الذي هي فيه، وهي تعيق العمل الزراعي، ومازال بعضها يحتجز المعدات الزراعية، ويعرقل وصولها إلى المزارعين، ويعمل أشياء كثيرة فيها إعاقة وعرقلة للمزارعين».