حاوره:أنور عون / لا ميديا -
ضيفنا هو الأستاذ علي عبدالكريم الصباحي، أحد أبرز روّاد ومؤسسي الرياضة في بلادنا. عندما حانت الفرصة لمحاورته بعد محاولات عديدة احترت من أين وكيف أبدأ مع قامة ورمز مثله، يتشح بتاريخ يتجاوز النصف قرن من التضحية والعطاء والوفاء للوطن ورياضته! لكن سلاسة حديثه وصوته الهادئ وسيرته الذاتية بددت حيرتي وأشعلت دهشتي، فقررت وضعها "سيرة ذاتية" نواة للحوار، نوجز منها الآتي:
 حاصل على بكالوريوس علوم عسكرية في الكلية الحربية بالقاهرة عام 1965.
 عام 68 انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لنادي الوحدة صنعاء، وفي العام 1970 أصبح عضواً في اللجنة العليا الرياضية المنبثقة من الاتحاد الوطني الرياضي للإشراف على المسابقات الرياضية. ثم انتخب عام 1973 وكيلاً لنادي الوحدة، وفي العام 1976 انتخب رئيساً لاتحاد كرة القدم، وحصل عام 1977 على درجة نائب وزير بقرار جمهوري، وعُيّن رئيساً لجهاز الرياضة بالمجلس الأعلى للشباب عام 1982، وفي عام 1973 عُيّن مديراً لنادي ضباط القوات المسلحة، وقبلها في العام 1970 عُيّن مسؤولاً للرياضة العسكرية.
 عام 1981 عُيّن أميناً عاماً للجنة الأولمبية بدرجة وكيل وزارة مساعد، ورئيساً للجنة الفنية لمسابقة كأس اليمن الموحد عام 1982. عضو اللجنة الأولمبية في الفترة 84-96، نائب رئيس اللجنة الفنية باللجنة الأولمبية 1998، رئيس لجنة تقييم المرشحين لجائزة اللجنة الأولمبية الدولية عام 1999.
 حصل على جائزة اللجنة الأولمبية الدولية عام 2009، تقديراً لعطائه وإبداعه في ميادين الرياضة.
 عام 2004 انتخب نائباً لرئيس نادي وحدة صنعاء.
ومن هنا بدأنا حوارنا معه:

 ما شاء الله! ما كل هذا التاريخ الكبير؟! هل أنت راضٍ عما قدمته؟!
- الحمد لله، قدمت لرياضة الوطن كل ما بوسعي، ولم أدخر قطرة عرق في سبيل وطني ورياضته، ولا يزال هناك أرقام وأشياء يصعب حصرها في هذا المقام.

 هلا تخبرنا بما تبقى؟!
- هناك أشياء كثيرة، سأوجزها بالآتي: رأستُ بعثات رياضية كثيرة، أبرزها دورة لوس أنجلوس عام 84 كأول مشاركة أولمبية رسمية لبلادنا، وكنت رئيساً لبعثة الدورة المدرسية الرياضية بالإسكندرية عام 1975، ورئيساً للبعثة الرياضية لبطولة آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية في الصين عام 73، ومنها رسمنا صورة في العرض لم تتكرر حتى يومنا هذا. حضرت اجتماع الاتحاد الدولي لكرة القدم بالأرجنتين عام 1987 أثناء منافسات كأس العالم حينها، وخلالها قدمت مذكرة طلب اعتراف بالاتحاد اليمني لكرة القدم، وكنت قد سافرت ومعي بدل سفر 500 دولار، صرفتها ترانزيت في الأردن، وبعد عودتي من الأرجنتين وجدت أني صرفت عشرة آلاف دولار؛ لكني نسيت بالفعل تعب رحلتي إلى الأرجنتين، وخسارتي فيها بعد مجيء الكويتي أحمد السعدون، نائب رئيس الاتحاد الدولي، مندوباً للفيفا من أجل تقرير الاعتراف ورافقته في تجواله، وكان محباً لبلادنا ومتفاهماً، ورفع تقرير الموافقة بالاعتراف النهائي باتحادنا.
حصلنا على الاعتراف بالرياضة العسكرية ضمن الإطار الدولي عام 73 بعد حضوري اجتماع السيزم (الاتحاد الرياضي العسكري الدولي)، الذي أقيم بالكويت.
ساهمت في متابعة تنفيذ مباني مدينة الثورة الرياضية وملعب الظرافي بصنعاء بدءاً من العام 76.
أسهمت في إنشاء عدة أندية: بدر مناخة، نادي التضامن البيضاء، نادي السد مأرب، نادي الوطن حريب، خلال الفترة من 79-80. شاركت في تأسيس نادي صقر تعز. توليت تدريب شباب محافظة إب في الستينيات. حصلت على شهادات تقدير من كثير من الأندية...
أعتقد هذا يكفي؛ لأن القائمة ستطول.

 وماذا عن الدور التصنيفي الذي كنت واضع بصمته عام 1978؟
- أووه يا عزيزي، ستعيدني إلى أروع موسم أقمته. كنت حينها رئيساً لاتحاد كرة القدم، ومعي محمد عبدالوالي، رحمة الله عليه، وعبدالله المطاع، ورابع لم أعد أتذكره. كان شعارنا الإخلاص والتحدي؛ لأن الدوري يعتبر في مفترق الطرق، نواة البداية للدوري اليمني. وللأمانة تحمل المسؤولية الفنية محمد عبدالوالي، صاحب الفضل الأبرز فيه، وكانت المسابقة صعبة جداً، ومكمن الصعوبة فيها أنها قسمت إلى مجموعتين لعبتا في صنعاء وإب وتعز والحديدة، وعدد الملاعب قليل، والحكام قلة لا يتجاوزون العشرة، والمباريات 282 مباراة، فقررنا تناوب الحكام في تعز وإب، من يحكم عصراً في تعز يحكم صباحاً في إب، والعكس، أسبوعياً، ونجحنا في إتمام الدوري بدون مشاكل، رغم الصعوبات وقوة التنافس بين فرق قوية.

 ما الذي ميز الأندية والرياضة في عهدكم؟
- قوة التنافس ونجومية اللاعبين. كانت الفرق تضم عمالقة ومواهب لم تتكرر. عندما كان يتواجه الجيل والوحدة، أو أهلي تعز وشعب إب، أو الوحدة وشعب إب، أو أهلي صنعاء والوحدة، وقبلهم نادي الصحة بتعز... نرى مستوى غير عادي، وجماهير تزين أرجاء الملعب بشكل غير معقول، روحاً عالية وأخلاقاً أيضاً عالية. كانوا بالفعل كباراً في كل شيء، حتى في انضباطهم.

 توليتَ قيادة نادي الوحدة في السبعينيات وابتعدتَ ثم عدتَ مطلع الألفية الثالثة. كيف شاهدت وعشت الوضع مع اللاعبين كأجيال جديدة؟
- من الصعب وصف ما عشته! تخيل أن لاعباً من الفريق الأول حينها "حنق" ورفض أن يلعب ونحن في أمسّ الحاجة إليه، طلب سبعمائة ألف ريال، وأعطيناه، ولعب مباراتين وسجل هدفين بالمبلغ! أما زمان فكان اللاعب وهو نجم بكل المقاييس يذهب يبيع "كُدَم" حتى يصرف على نفسه ويلعب.
صحيح الزمن تغير، والمادة سيطرت وأصبحت مهمة؛ لكن ليس إلى ذلك الحد من الابتزاز! عشت أيضاً أجواء مؤسفة بسبب بعض اللاعبين السيئين. كانت هناك شلة تسببت في هروب 80 لاعباً ناشئاً موهوباً، وقمت على الفور بإيقاف تلك الشلة وإبعادهم عن النادي ونظفت الوحدة منهم. وأهم شيء في عودتي هو المحافظة على النادي ووضع لبناته الأساسية، بمعية الرائعين عصام زهرة وأحمد الشرفي. بعدها أفسحنا المجال لمن يأتي بعدنا. وإذا كان هناك من يستحق الثناء والشكر على تضحياته مع نادي الوحدة، فهو الشيخ الراحل أحمد علي المطري، الذي منح النادي أرضية حدة، بعدما أخذت أرضية الوحدة التي كانت في الحصبة من قبل النجدة. أيضاً يحيى دويد خدم النادي كثيراً وضحى من أجله. وكذلك على الأشول، رحمه الله.
أما الشخصية التي قدمت للوحدة ما لم يقدمه أي شخص آخر، فهو صادق أمين أبو راس، خدم النادي منذ كان حارساً لمرمى الفريق الأول في الستينيات وهو طالب في الكلية الحربية، واستمرت تضحياته وعطاؤه إلى سنوات قريبة.

 واللجنة الأولمبية، كيف تراها، منذ تأسيسها حتى الآن؟
- بدأت قوية، ولعبت دوراً كبيراً في الألعاب الرياضية، مع أحمد لقمان؛ لكنها تراجعت عندما جاء عبدالله الظرافي رئيساً لها، أتبعنا وأتعب الرياضة والرياضيين، بعدها ظلت تتراوح.
ودعني أذكر كيف تم الاعتراف باللجنة الأولمبية! كان لدينا أربع ألعاب رياضية، هي: كرة القدم، والكرة الطائرة، وكرة السلة، وألعاب القوى، ولكي يتم الاعتراف بنا لا بد من خمس ألعاب رياضية هي قوام الاعتراف، فأنشأنا اتحاد كرة اليد من لا شيء، وبعثنا للجنة الأولمبية الدولية فتم الاعتراف بنا.

 وكيف ترى الرياضة اليمنية في الوقت الراهن؟
- لا نستطيع الحكم على الرياضة اليمنية في ظل ما تعانيه بلادنا؛ لكن ما فعله عبدالستار الهمداني، رئيس الاتحاد العام لكرة السلة، يعد شيئاً رائعاً، حرك بحيرة الرياضة الراكدة، ويكفي اشتراك كل المحافظات في الدوري السلوي الذي أقيم مؤخرا لأندية الجمهورية، ويكفي أن فريقين من العاصمة خاضا النهائي في عدن، وهذا يؤكد أن الرياضة توحد وتلم الشمل.

 برأيك، كيف نبني رياضة صحيحة ومتطورة؟
- الأمر سهل، أولاً: المال أصبح أكسيد النجاح؛ لكن يجب أن يكتمل المال بكوادر رياضية مؤهلة ومتخصصة ومخلصة. ثم إن الأساس موجود، وهو ركيزة البداية إذا أردنا ذلك.

 بالتأكيد هناك شخصيات تزاملت معها وتأثرت وأثرت فيها...؟
- أخي وصديقي ورفيق رحلتي منذ الستينيات، محمد عبدالوالي، رحمه الله. هذا الرجل كان كفاءة نادرة وأكثر إخلاصاً لرياضة البلد. وكذلك أحمد الشبيبي، الذي له بصمات على الرياضة اليمنية وعلى نادي الوحدة لا يمكن جحودها.

 وإذا سألناك عن أفضل اللاعبين الذين شاهدتهم في حياتك؟
- من الصعب حصرهم. كل نادٍ كان يضم ستة إلى سبعة لاعبين مستواهم فوق ما تتصور، لو كانوا في هذا الوقت لاحترفوا عربياً وبسهولة، كانوا نجوما بكل معنى الكلمة.

 عفواً أستاذنا الحبيب إن أطلنا عليك! ونترك لك كلمة نختم بها هذا الحوار!
- كل الشكر لصحيفة "لا" والقائمين عليها، وجميل جداً أن يكون للصحيفة صفحات تتذكر فيها من خدموا الرياضة.