دمشق/ أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
تتسارع الأحداث في سورية شمالا وجنوبا، وسط حشود عسكرية، وتحركات داخلية وخارجية، تؤكد أن ما يجري يتعلق بخطط وأهداف تتجاوز سورية بكثير، لتطال كامل منطقة شرق المتوسط والخليج وغرب آسيا، وتتعلق بصراع الإرادات الشرس، لتحديد موازين القوى والقوة، في المنطقة التي سيعلن منها الطرف المنتصر في الصراع الدائر، لتظهير معالم المنظومة الإقليمية والدولية، التي تتشكل على صفيح ساخن.
فتحالف العدوان بقيادة الولايات المتحدة يريد استكمال تطويق سورية، واللعب في ساحتها الداخلية، بهدف إسقاطها، والانتقال منها لاستكمال السيطرة على كامل المنطقة، بحسب مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي لم يغب لحظة، رغم انكساره في نسخته الأولى في الميدان السوري، ولكن من الواضح أن خطة أخرى يتم تجريبها.
 وسورية ومن معها من حلفاء وأصدقاء، وتحديدا روسيا وإيران والصين، يدركون أن المخططات الأمريكية تشكل تهديداً وجوديا على أمنها القومي، وبالتالي لن تسمح بتمريره، ووراء كل ذلك فتش عن «إسرائيل»، المأزومة داخليا ومع المقاومة، حتى الشعور بالخطر الوجودي.
ومع هذه الحشود والتحركات، أكد الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، أن بلاده لا يمكن أن تتخلى عن منطقة الشرق الأوسط، وتعتبرها أولوية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي.
تصريحات ميلي ترافقت مع نقل أسلحة أمريكية نوعية إلى منطقتي المتوسط والخليج، منها الغواصة «يو إس إس فرجينيا»، وثلاث حاملات طائرات، اقتربت إحداها من الشواطئ السورية، حيث تتواجد القاعدة البحرية الروسية في «حميميم» والبحرية في طرطوس، ونقل أربعة أسراب حديثة من الطيران القاذف والمقاتل، وأكثر من 3000 جندي من المارينز، تم نشرهم في القواعد الأمريكية المحيطة بسورية، وتعزيز القواعد الأمريكية غير الشرعية في منطقة التنف السورية، عند مثلث الحدود مع العراق والأردن، وفي مناطق شرق الفرات.
هذا الحشد الأمريكي غير المسبوق، منذ غزو العراق عام 2003، يؤكد جدية الأهداف الأمريكية للقيام بعمل عسكري في سورية، حيث كشفت مواقع أمريكية قريبة من دوائر القرار السياسي والعسكري، عن ثلاثة سيناريوهات أمريكية محتملة، تنفذها بالتعاون مع المليشيات العميلة، ومنها «قسد» و»جيش سورية الحرة» وبعض العشائر العربية، الممولة من أنظمة الخليج وخاصة قطر.
السيناريو الأول: التحرك شمالاً من قاعدة التنف إلى مناطق سيطرة المليشيات شرق الفرات، مع السيطرة على مدينة البوكمال الحدودية، والحدود السورية العراقية، بهدف قطع كامل لخط طهران – بغداد- دمشق - بيروت.
السيناريو الثاني: التحرك من قاعدة التنف نحو الحدود الجنوبية في درعا والسويداء، لوصل القاعدة والمجموعات المسلحة التي تعمل بإمرتها، مع الحراك الذي يجري في المنطقة الجنوبية، تمهيداً لإقامة منطقة إدارة ذاتية، على شكل منطقة شرق الفرات.
السيناريو الثالث: توسيع منطقة الـ55 كم في التنف، لزيادة الأمان حول القوات الأمريكية، بعد تكرار عمليات استهداف القاعدة، ولقطع الطريق على ما يجري من استعدادات للقوات السورية والحليفة، للقيام بعمل عسكري ضد القوات الأمريكية.
وأيّ من هذه السيناريوهات سيتم العمل عليه سيكون خطوة نحو السيناريو الأهم، وهو إقامة منطقة آمنة تمتد من نقطة الحدود السورية العراقية التركية، في أقصى الشمال الشرقي، إلى نقطة الحدود الأردنية السورية عند منطقة وادي اليرموك، بمعنى: وضع كامل الحدود السورية مع العراق والأردن تحت سيطرة مليشيات عميلة تعمل بإدارة وإشراف القاعدة الأمريكية في التنف، وإيجاد عملية وصل آمنة بين منطقة كردستان العراقية والكيان الصهيوني، ومنع أي عملية تواصل أو نشاط اقتصادي أو عسكري عبر هذه الجدود.
وما يؤكد جديدا هذه المخططات أن مصادر فـي المعارضة السورية كشفت عن قيام شخصيات فـــي هذه المعارضة بزيـــارة الكيان الصهيوني، وطرحت فكرة إقامة منطقة عازلة تشمل منطقة الحدود السورية مع الأردن والكيان الصهيوني، في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة والمنطقة الجنوبية من ريف دمشق، وصولاً إلى تخوم مدينة دمشق، وتوسيعها لاحقاً لإقامة منطقة ثانية على الحدود السورية اللبنانية، بهدف استكمال محاصرة سورية، وتطويق دمشق.
توضح معالم صورة ما يجري وما يخطط له تحالف العدوان الأمريكي، وفر عناصر قوة للدولة السورية للتعامل مع ما يجري عبر ثلاثة مسارات، لفكفكــــة عوامل القوة التي يستند إليها المشروع الأمريكي.
الأول: العمل السريع لعـــزل المطالب المعيشية المحقة، الـــتي يطالب بها الشعب السوري، وليس فقط أهل السويداء، عن المجموعات المرتبطة مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، حيث تتولى الاستخبارات الفرنسية إدارة هذا الحراك، بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية والأمريكية.
يسجل هنا نجاح الدولة السورية، بالتعاون مع شيوخ العقل في الطائفة الدرزية والشخصيات والقوى الوطنية والقاعدة الشعبية في السويداء، في تفكيك القضايا المطلبية عن المنخرطين في المشروع الأمريكي الصهيوني، حيث سجل شيوخ العقل موقفاً وطنيا مشهوداً، عندما وضعوا أي تحرك تحت السقف الوطني، ورفعوا الغطاء عن المرتبطين بالجهات الخارجية، حتى تم عزل هؤلاء وانكشافهم كبضع عشرات من الأشخاص أصبحوا معروفين بالاسم، من المرتبطين بالكيان الصهيوني، عبر العميل موفق طريف، الذي تضعه حكومة الاحتلال الصهيوني على رأس الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة، والوزير الصهيوني السابق أيوب قرة، ووليد جنبلاط في لبنان.
الثاني: ظهور مؤشرات إلى العمل لحل بعض المشاكل المعيشية، التي يعاني منها المجتمع السوري، ويتوقع أن تظهر المزيد من خطواتها خلال الفترة القريبة.
الثالث: العمل مع الحلفاء والأصدقاء، وفي مقدمتهم روسيا وإيران، للتعامل مع الهدف الاستراتيجي، وهو الاحتلال الأمريكي، الذي يشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي للجميع.
وعلى غرار ما حدث في السويداء، سجل تطور مفاجئ في مناطق شرق الفرات، التي تقع تحت سيطرة مليشيا «قسد»، وبعض الفصائل العميلة للاحتلال الأمريكي، حيث انتفضت عدة عشائر عربية على «قسد»، وهاجمت مقراتها وحواجزها، وظهرت أصوات لشيوخ عشائر يؤكدون أن تحركهم يأتي ضمن السقف الوطني، وأن المرحلة الأولى ستكون تحرير المنطقة من «قسد» والمليشيات العميلة، ثم دخول الدولة السورية ومؤسساتها إلى المنطقة لممارسة عملها.
وسياسياً، كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق وبيروت، ولقاءاته مع الرئيس بشار الأسد، ووزير الخارجية فيصل المقداد، في قلب هذه التطورات، حيث أكد الوزيران المقداد وعبد اللهيان، في تصريحات صحفية، أن البلدين لن يسمحا بإغلاق طريق دمشق - بغداد، وأكد الوزير المقداد أنه تلقى تطمينات من الحكومة العراقية بأنها لن تسمح بإغلاق الطريق.
وما لم يقله الوزيران المقداد وعبد اللهيان، قاله بكل وضوح سماحة السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير، إذ أكد أن منطقة شرق الفرات تتحضر لمعركة قد تكون إقليمية ودولية، وأن المعركة ليست مع «قسد»، والقتال هناك قد يتحول إلى صراع إقليمي ودولي.
الوضع الآن يشير إلى أن نجاح الدولة السورية في تطويق أحداث السويداء، وانقلاب الصورة وخريطة السيطرة والاشتباك في شرق الفرات، وزيادة تأزم الكيان الصهيوني مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والمترافق مع زيادة تعمق الشرخ داخل المجتمع الصهيوني، والفشل الأمريكي الأوروبي في الجبهة الأوكرانية، تطورات تؤكد كلها أن الأوضاع تتجه إلى مزيد من الاستعصاء، والانتقال إلى مرحة تقول: «لا حل إلا بعمل عسكري».
وبقراءة أولية لمسار الأوضاع وتطوراتها الميدانية والسياسة، فإن سورية ومن معها من حلفاء وأصدقاء، يستعدون لهذا اليوم، بكل ثقة واطمئنان.