تقرير- عادل عبده بشر / لا ميديا -
حالة من الضياع والشتات يعيشها الطلاب اليمنيون العائدون من جمهورية السودان، بعد أن قذفت بهم الحرب التي تعصف بالسودان، منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، خارج أسوار الجامعات السودانية التي كانوا يدرسون فيها، ثم عادوا إلى اليمن بعد معاناة كثيرة، ليجدوا أنفسهم أمام تحديات من نوع آخر في بلدهم الأم.
ورغم التأكيدات المتكررة لوزارة التعليم العالي بحكومة الإنقاذ الوطني، في تصريحات إعلامية متفرقة، باستيعاب الطلبة العائدين من السودان في الجامعات اليمنية، إلا أن تلك التصريحات والتوجيهات لم تتمخض عن نتيجة حقيقية في أرض الواقع، حيث تناقلت مواقع إخبارية إلكترونية، وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، شكوى باسم الطلاب العائدين، تفيد برفض جامعة صنعاء استيعابهم في كلياتها.
وقال الطلاب إنهم فوجئوا بعدم قبولهم في جامعة صنعاء، كُبرى الجامعات اليمنية، ورفض رئيسها، الدكتور القاسم عباس شرف الدين، تنفيذ توجيهات وزير التعليم العالي، حسين حازب، باستيعابهم.
وأوضحوا في رسالة إلى مجلس النواب أن "رئيس جامعة صنعاء رفض رفضاً قاطعاً المعالجات التي وضعتها وزارة التعليم العالي للمرة الثانية، ضارباً عرض الحائط التوجيهات والقرارات الصادرة من كافة السلطات العليا، ناهيك عن تعامله الفظ والمتعالي مع طلبة العلم"، مضيفين أن رئيس الجامعة "تكلم حرفيا بأن جامعة صنعاء مؤسسة مستقلة، وأن قرارات وزارة التعليم العالي أو أي جهة أخرى ليست ملزمة له، وأنه لن يقبل أي طالب إلا بإحضار وثائقه الرسمية معمدة، ودفع الرسوم كاملة".
وأشاروا إلى أن "ما جرى في السودان والظروف التي يعرفها الكل تجعل من الصعوبة بمكان استخراج أي وثائق رسمية في الوضع الحالي، وخصوصا أن الحرب مازالت دائرة هناك، وأيضا توقف وتعليق الدراسة بالجامعات من قبل وزارة التعليم العالي السودانية"، مؤكدين أن هذا الأمر "يفترض بأي إنسان عاقل ومسؤول أن يأخذه بعين الاعتبار، لا أن يحدث العكس"، حسب ما ورد في رسالتهم المطولة والمستفيضة.
واتهـم الطلاب رئيس جامعة صنعــاء بـ"اللامسؤولـــية"، متناسياً أنه "موظف يؤدي عمله على رأس أعرق وأكبر وأقدم جامعة للشعب، وأن لكل مواطن الحق بالتعليم فيها مجاناً"، ومتجاهلاً الوضع الإنساني والاستثنائي والظرف الطارئ والقسري الذي حل بهم، مطالبين رئيس وأعضاء البرلمان بالنظر بعين الاعتبار والإنسانية في شكواهم وعدم السماح بضياع مستقبلهم.

مُذكرة التعليم العالي
شكوى الطلاب أُرفقت بمذكرة رسمية من وزير التعليم العالي والبحث العلمي، حسين حازب، موجهة إلى رئيس جامعة صنعاء، في الثالث من أيلول/ سبتمبر الجاري، بعنوان "قبول واستيعاب الطلبة العائدين من السودان دراسات جامعية".
وتضمنت المذكرة توجيهاً إلى رئيس الجامعة باستيعاب 35 طالباً وطالبة يرغبون بالدراسة في جامعة صنعاء على نفقتهم الخاصة، ومنحهم تخفيضاً من الرسوم بنسبة 40% نظراً لظروفهم الإنسانية والاستثنائية، ووفقاً للقرار الوزاري رقم (203) لسنة 2023م، بشأن آلية معالجة أوضاع الطلبة اليمنيين العائدين.

مكاشفة
ولمعرفة حقيقة ما جاء في شكوى الطلاب، تواصلت "لا" مع رئيس جامعة صنعاء، الدكتور القاسم عباس شرف الدين، الذي ألقى بالتهمة على وزارة التعليم العالي بأنها حمَّلت جامعة صنعاء عبء استيعاب الطلبة العائدين من السودان، دون سواها من الجامعات الأخرى (حكومية وخاصة).
وقال القاسم عباس: "وزارة التعليم العالي وجهت الطلاب العائدين جميعاً إلى جامعة صنعاء، ونحن طلبنا منهم خطة توزيع على الجامعات اليمنية كاملة، لأن العدد كبير والمشكلة هي مشكلة وطنية وهمُّ وطني يتحمله الجميع، وليس فقط جامعة صنعاء".
سألناه عن عدد الطلاب الذين تم إحالتهم إلى الجامعة، فأكد أن "العدد كبير، بالمئات"، مضيفاً: "وعاد العدد مفتوح، لأنه لا يوجد لديهم وثائق والكل يريدون أن يدرسوا بدون وثائق، وسيتم جلب الوثائق الدراسية بعد ستة أشهر"، فواجهناه بما احتوته مذكرة وزارة التعليم العالي بأن العدد المرسل لاستيعابه في جامعة صنعاء 35 طالباً وطالبة فقط، وكان رده "العدد أكثر بالمئات"، ثم أردف: "حتى 34 يعتبر عددا كبيرا"، وتساءل: "ماذا عن بقية الجامعات؟ لماذا لا يكون هناك شفافية ويعلنون كم حصة كل جامعة من الطلاب العائدين؟!".
رئيس جامعة صنعاء في حديثه إلى صحيفة "لا" أوضح أن المجلس الأعلى للجامعات أقر التوزيع العادل للطلبة العائدين من السودان على الجامعات الحكومية والخاصة؛ لكن الوزارة لم تقم بالتوزيع. وأضاف: "هم عطوفون على الجامعات الخاصة، يُرسلون إليهم الطلاب الذين يمتلكون المال، أما الطلاب الذين كانوا يدرسون في الجامعات السودانية بمنح تبادل ثقافي، فيُرسلونهم إلى جامعة صنعاء".
وقال: "ليس لدينا أي مانع أن نكون جزءاً من الحل، مثلنا مثل بقية الجامعات؛ لكن أن نتحمل العبء الأكبر، هذا ما نرفض القبول به"، مُشدداً على أن الحل هو "أن تتشارك الجامعات الحكومية والخاصة استيعاب الطلاب العائدين،  وأن تقوم وزارة التعليم العالي بعمل آلية واضحة بذلك. أما العمل بعشوائية وإلقاء المشكلة على جامعة واحدة، هذا أمر مرفوض".

إفشال الجامعة
وفي السياق اتهم القاسم عباس وزارة التعليم العالي باستنزاف جامعة صنعاء، مُشيراً في الوقت ذاته إلى نوايا خفية تهدف إلى إفشال الجامعة.
وقال: "وزارة التعليم العالي من جاء إليها حولوه إلى جامعة صنعاء، وكأن هناك نية لإفشال الجامعة".
استوضحناه أكثر حول ذلك، فكان رده: "لك أن تتخيل، كل يوم يأتي إلينا أكثر من عشرين توجيهاً بالتخفيض والإعفاء من الرسوم، وهم يعرفون أنه لا يوجد في الجامعة شيء اسمه تخفيض أو إعفاء، وهم بذلك يستنزفوننا ويضعوننا في صدام مع المجتمع".
سألناه: "مذكرات التخفيض والإعفاء من المستفيد منها؟"، فأجاب: "أبناء مشائخ ووزراء ومحافظين"، مضيفاً بنبرة أكثر حِدة: "أبناء المسؤولين كلهم"، ولم يزد.