«لا» 21 السياسي -
في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014 عاود اليمنيون المجد وعادوا إلى اجتراح المعجزات. وبعد عقودٍ من الوصاية والارتهان والعمالة والارتزاق والفساد وتجريف الهوية والتربة والناس، أشرقت ثورة الاستقلال والحرية والهوية، لتبعث اليمن عنقاء تخرج من ركام أنظمة الهوان من جديد.
تسع سنوات هي كل عمر الثورة الوليدة وسط مؤامرات من كل حدب وبين خيانات في كل صوب. تسعٌ تدحرجت سنواتها ملاحم واحدةً تدفع أخرى إلى الأعلى، في متوالية نصر إلهي، وباتجاه المجد ترفع كل سنةٍ أختها لتقطف تاسعتها المجد كرامةً وعزة.
وبين الأولى والتاسعة تدافعت متغيرات وتبدلت معطيات وتحولت معادلات، وإذ بالزمان انتصاراً، والمكان نصراً، والحرب فرصة، والدم جيشاً، والأشلاء أمناً، والجوع عفة، والحصار عزة، والسلطة ثورة، والعدوان إعلان هزيمة، والمرتزقة نجمة سداسية، والتفاوض ندية، والمتكبرين مهادنة، والاستكبار هدنة، والناس شعباً، والكل بالله.
إن تخلقات هذا اليوم الأولية ومخاضات ولادته المتتالية وإرهاصات ميلاده المتوالية، آهات وتأوهات صيحته الأولى وتكبيرات كلمات صرخته اللا أخيرة، كينونة وجوده ومكنونات موجوداته، محاولات وأده وتحولات نجاته، سيرورة انفعالاته وتفاعلاته وصيرورة أفعاله واعتمالاته، مؤثرات استمراره وتطوراته وآثار خطاه وخطواته، مدخلات نصره ومخرجات انتصاراته، تبقيه يوماً من أيام اليمن، ومن الأهم تاريخياً والأعم جغرافياً والأعظم إنسانياً... إنه يوم رفع الوصاية والاستقلال الأبدي.
فر أساطين النفوذ وهوامير الإقطاع وأوليغارشية الوصاية بكل عناوينها، من أمام ثوار الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر، وإلى خلف أسيادهم من أوصياء الذل والعار، تحوروا من أشباه حكام إلى أذيال غزو وعدوان واحتلال وارتزاق وخيانة! كان هؤلاء ومازالوا هم الكتلة الأبرز في مواجهة ومحاربة استحقاقات الثورة تلك.
غير أن هنالك كتلتين أخريين غير تلك الملتحقة بالعدوان جهاراً نهاراً، تخاصمان الواحد والعشرين وتختصمانه. الكتلة الأولى تضم الملتحقين بهذا اليوم مغنماً وانتهازية، والكتلة الأخرى تجمع جماعات مختلفة الدوافع مؤتلفة الخصومة، وتشمل كل الذين تأثروا بانقطاع المرتبات والذين شعروا بالإقصاء والذين كانوا مستفيدين وأصحاب مصالح مع المؤتمر والإصلاح والذين فقدوا امتيازاتهم وبعض المتقاعدين، مدنيين وعسكريين، وأفراداً من الجيش والأمن رفضوا الخدمة واعتكفوا في البيوت، والقطاعات النسائية التي شعرت بالدونية والإقصاء، والبسطاء الذين يضعون مقارنة مجحفة بل عرجاء بين ما قبل 2014 وما بعدها دون النظر للوقائع والأحداث والمتغيرات.
ولكل هؤلاء وأولئك ومن قبلهم لجميع سبتمبريي الحرية والاستقلال يعود يوم الحادي والعشرين إلى دأبه الثائر المثار والثوري في مواجهة ما تبقى عنه من أسئلة، ويعاود ديدنه في مجابهة ما تلقى إليه من تساؤلات، بعد أن كان له في ثمانٍ سابقاتٍ قصب السبق في مطارحة أسئلة البدايات وقائع واستجواباتٍ، وفي طرح تساؤلات البديهيات حقائق وإجابات. إنها عادات الثورات الحقيقية، التي لا تنفك تراجع جدلياتها الكبرى أفعالاً ونقاشاتٍ بالتوازي مع مواقعة اشتغالاتها اللحظوية في المسافات الفاصلة بين العبور من علامات استفهام ما قبل الأمس إلى الحضور بدون علامات تعجب تحجب الثورة عن يوم الناس هذا، وبغير أضغاث أحلام يعجز المفسرون عن طرحها وقائع شعب وعن مطارحتها حقائق بلد ليغاث الناس عامهم هذا بإجابات السيد الصادقة وأجوبة القائد الصريحة وجوابات العَلَم الحاسمة.
ويبدأ السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خطابه في الذكرى التاسعة بتذكير الجميع بأن «ثورة 21 أيلول/ سبتمبر هي من أهم الإنجازات التي وفق الله شعبنا لتحقيقها، فهي ثورة حررت شعبنا من الوصاية»، مذكراً الغافلين والمتغافلين بضرورة الثورة، مستعرضاً إرهاصاتها، حيث كان «شعبنا بهويته الإيمانية وحريته المتجذرة للأمريكيين بالمرصاد، فثار ثورته المباركة لوضع حد للكارثة التي كانت تسود البلاد قبل الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر».
أما بعد ذلك اليوم و«بعد فشل خططهم في احتواء الثورة قام الأمريكيون والبريطانيون، وبتحريض صهيوني، بتوريط قوى إقليمية على رأسها النظام السعودي والإماراتي بشن عدوان غادر على شعبنا»، و«قتل عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، وارتكب جرائم الإبادة الجماعية، واستهدف كل شيء، بما يكشف عن طبيعته وأهدافه الحقيقية»، وأطبق حصاره الخانق «على الغذاء والدواء إلى معضلة وبتكاليف مرهقة، ما زاد معاناة شعبنا العزيز»، و«قام باحتلال أجزاء واسعة من بلدنا وواصل سياسته العدائية في تمزيق النسيج الوطني وتجييش التكفيريين والمرتزقة ضد شعبهم وقبائلهم»، و«شن حرباً تضليلية واقتصادية وإفسادية لتحويل الأنظار عن أفعاله الشنيعة وعن الأولويات الإنسانية والوطنية في التصدي لعدوانه ومؤامراته على بلدنا».
وبرغم كل ذلك يستدرك السيد القائد بأن «شعبنا العزيز تصدى للعدوان باستبسال وصبر ووعي وثبات مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه»، و«لم يخنع، واتجه أحراره إلى بناء القدرات العسكرية وتصنيع قوة الردع التي تضرب المنشآت الحساسة في عمق المعتدين»، ومع «الحصار الشديد كان التوجه نحو تصنيع كل أنواع السلاح والمتطلبات العسكرية، من المسدس إلى الصاروخ، وهذه نتيجة معاكسة لأهداف تحالف العدوان».
ومع توصيف السيد لما قبل الثورة وللحظتها الراهنة فها هو يستبصر قادمها وغدها؛ فإن «كان من الطبيعي أن تكون الأولوية الأولى والكبرى التصدي للعدوان، فلن نتجاهل الأولوية الأخرى: تصحيح الوضع في مؤسسات الدولة، كهدف أساسي لثورتنا وكمطلب شعبي نعمل على تلبيته»، مؤكدا أن «السياسة الاقتصادية يجب أن تعتمد على تنمية الموارد لتنمية الإيرادات، بدلاً من الاعتماد كلياً على جباية المال المرهقة من المواطنين»، وأن «حجم الاختلالات في الوضع الرسمي يتطلب تغييراً جذرياً يعيد للشعب الأمل والانتعاش»، وهو التغيير الذي وعد السيد وعد الصادق الحر بأن يعلن عن مرحلته الأولى في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
حسناً، وحتى إن تبقت على الطريق خطى وبقيت في الدرب خطايا فإن النجد يهدي الحليم المجد، وإن المجد يمضي على أكف الغيم نصراً، ومن على أعلى قمة جبلٍ بين البحر والبحر سيهتف الصبر: انتصرنا!