طلال سفيان / لاميديا -
مع بدء عملية "طوفان الأقصى"، التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، ضد كيان الاحتلال الصهيوني في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وما تبعها من مجازر وحشية وحرب إبادة على سكان غزة من قبل القوات الصهيونية، اشتعلت الملاعب الرياضية في مختلف دول العالم بالهتافات ورفع الأعلام الفلسطينية ولافتات التضامن مع غزة ومقاومتها. كما عبر العديد من الرياضيين بالكلمة عن تضامنهم مع مظلومية الشعب الفلسطيني في وجه أعتى آلة حرب حقيرة ومجرمة عرفها التاريخ البشري.
ففي مدرجات ستاد كوالالمبور، رفع الماليزيون أعلام فلسطين وهتفوا تنديدا بموقف النظام الهندي المساند للصهاينة في قتل سكان غزة، أثناء مباراة منتخبهم مع نظيره الهندي. وفي الجزائر ارتدى لاعبو منتخب محاربي الصحراء الأوشحة الفلسطينية. وفي المغرب صدحت جماهير الرجاء البيضاوي بأغنية "رجاوي فلسطيني"، وأصدر "الوينرز" المساند لنادي الوداد الرياضي أغنية "فلسطين داري ودرب انتصاري، فلسطين تاري وأرض الصمود.. فدائي فلسطين، فلسطين أرض المسلمين". وفي تونس رفعت جماهير الترجي صور تيفو للشهيد محمد الزواري، مهندس مُسيّرات القسام، ونصبت جماهير الأفريقي لوحة لـ"أبوعبيدة"، الناطق الرسمي لكتائب القسام، في ملعب رادس. وهتفت جماهير الوحدات الأردني للمقاومة ولحركة حماس وقائدها محمد الضيف، وردد الجمهور بصوت جماعي: "حط السيف بجنب السيف.. احنا رجالك محمد ضيف".
كما ردد الجمهور في استاد عمَّان الدولي: "قالوا حماس إرهابية.. كل العالم حمساوية".
وفي مصر احتفل لاعبو الأهلي والزمالك والمقاولون العرب وبلدية المحلة والمصري وفيوتشر، بأهدافهم خلال المباريات على طريقة "حنظلة"، الشخصية الكاريكاتيرية الشهيرة للرسام الفلسطيني وشهيد القضية ناجي العلي.
وارتفعت الأعلام الفلسطينية في ملاعب اليمن ولبنان والعراق وسورية وقطر والكويت، وارتدى اللاعبون الأوشحة والتيشيرتات المعلمة بخارطة فلسطين. وعبرت الجماهير عن غضبها وتضامنها مع أهالي غزة في وجه المجازر الصهيونية المتتالية.
المدرجات تتفوق على القصور
التضامن والتعاطف العالمي الكبير مع الشعب الفلسطيني المنكوب جراء العدوان الصهيوني، انتقل من شوارع وساحات معظم مدن العالم وعواصمه إلى مدرجات الملاعب، بما فيها الأوروبية، رغم التضييق والحظر الذي فرضته أغلب أندية القارة العجوز على لاعبيها وجماهيرها لمنعهم من إبداء تأييدهم لفلسطين، مهددة من يقوم بذلك بعقوبات قاسية.
هذا التضامن بدأته جماهير نادي سيلتيك الاسكتلندي، التي رفعت في ثاني أيام العدوان خلال لقاء فريقها مع كليمارنوك في الدوري المحلي لافتات دعم وتضامن مع الشعب الفلسطيني، كتب عليها "الحرية لفلسطين" و"النصر للمقاومة"، في موقف ليس جديداً على النادي الذي اعتادت جماهيره التضامن مع القضية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك واجهت جماهير النادي تهديد الاتحاد الأوروبي لها إن مضت في فتح صندوق للتبرع لغزة ولفلسطين.
وعلى خطى سيلتيك، صدحت جماهير نادي ديري سيتي الايرلندي بهتافات داعمة لغزة والقضية الفلسطينية، خلال مباراة فريق المدينة أمام نادي شيلبورن في الدوري الممتاز. كما رفع مشجعو نادي بوهيميان الايرلندي أعلام فلسطين خلال مباراة فريقهم مع سان باتريك أتلتيك في الدوري المحلي الممتاز. وأعلن النادي، عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) جمع تبرعات لصالح أهالي غزة.
وفي إسبانيا رفعت جماهير أندية أوساسونا وريال سوسييداد وريال مايوركا وأشبيلية وقادس أعلام فلسطين في مباريات فرقها في الدوري المحلي خلال الجولتين الأخيرتين الـ10 و11، دعماً للشعب الفلسطيني، وسكان غزة، الذين يتعرضون لعدوان صهيوني منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رغم طلب رئيس رابطة الدوري الإسباني، خافيير تيباس، حظر رفع أعلام فلسطين في مدرجات الملاعب.
وعلى غرار ما فعله مشجعو الأندية الاسكتلندية والإسبانية، وفي تحدٍّ لقرارات المنع التي فرضتها رابطة الدوري الإنكليزي، ظهرت أعلام فلسطين في مدرجات ملعب "انفيلد"، معقل نادي ليفربول، خلال مواجهته مع إيفرتون، ضمن الدوري الإنكليزي الممتاز، ورفعت الجماهير لافتات "أنقذوا غزة" و"أوقفوا الحرب"، في رسالة دعم للشعب الفلسطيني الذي يرتكب الاحتلال بحقه مجازر يندى لها جبين الإنسانية. إلى ذلك، وجه جمهور ليفربول رسالة تشجيع للاعب فريقها، المصري محمد صلاح، الذي تخوف من الحديث عما يجرى في غزة، الأمر الذي أثار عليه كثيرا من الانتقاد.
كما رفع ملاعب تركيا الشعارات المؤيدة للمقاومة الغزاوية والفلسطينية، إلى جانب لافتات تدعو العالم الغربي للنظر في إنسانيته الكاذبة التي يظهر زيفها مع كل مجزرة يقوم بها الصهاينة في فلسطين.
تهديد وإرهاب.. أنظمة ترعبها الكلمة والصورة
بسبب مساندتهم للقضية الفلسطينية وضحايا المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، تعرض عدد من نجوم الرياضة العرب، المتألقين في الملاعب الغربية، "لقصف" من نوع آخر، يهدد مستقبلهم الرياضي.
فقد تسببت تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي مساندة للشعب الفلسطيني في تعرض عدد من نجوم الرياضة العربية، لعقوبات صارمة وإجراءات متشددة (أو مطالب بتسليطها عليهم) قد تهدد مستقبلهم الرياضي، خاصة بالنسبة للاعبين الذين يلعبون في أوروبا أو يشاركون في مسابقات عالمية كبرى، حيث توالت القرارات والإجراءات المتخذة بخصوص عدد من الرياضيين العرب في الأيام الأخيرة.
أبرز هؤلاء اللاعبين هو النجم الفرنسي ذو الأصول الجزائرية كريم بنزيمة، لاعب نادي الاتحاد السعودي حاليا وريال مدريد سابقا، والفائز بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم عام 2022.
وتعرض بنزيمة، بعد نشره تغريدة تطالب بإنقاذ سكان غزة من المحتلين الصهاينة، لعاصفة من الاتهامات أطلق شرارتها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درامانين الذي اتهمه بأن له صلات مع جماعات الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية. وتبعته نائبة في مجلس الشيوخ طالبت بسحب الجنسية الفرنسية منه والكرة الذهبية، ونائبة فرنسية في البرلمان الأوروبي اتهمته بأنه "عميل لحماس". ورد بنزيمة بمقاضاة وزير الداخلية والنائبتين.
كذلك أجبرت الضغوطات الجزائري يوسف عطال، لاعب فريق نيس الفرنسي، وصلت حد تلويح عمدة نيس بطرده من الفريق، عقب مشاركته فيديو للداعية الفلسطيني محمود حسنات، بالاعتذار وحذف الفيديو. ومع ذلك حولته لجنة التأديب في الدوري الفرنسي للتحقيق، وهي اللجنة نفسها التي رفضت تماما منح اللاعبين المسلمين بضع دقائق لكسر صيامهم خلال المباريات في شهر رمضان المبارك.
في الوقت نفسه واجه الأردني موسى التعمري، لاعب مونبلييه الفرنسي، ضغوطا وتهديدات بالسجن، عقب تضامنه ونشره انداءات إنسانية لإنقاذ مستشفيات قطاع غزة، عبر حساباته على منصات التواصل، حيث كتب على حسابه في "إنستغرام": "مع هيك إحنا مع القضية". وأتى موقفه هذا غداة قول وزير العدل الفرنسي أمام البرلمان إنه سيُسجن كل متعاطف مع غزة 5 سنوات، وكل منشور تضامني على منصات التواصل سيجرى معاقبة صاحب الحساب بالسجن 7 سنوات.
وفي ألمانيا، قامت الدنيا ولم تقعد ضد المغربي نصير مزراوي، لاعب بايرن ميونخ الألماني، حيث شن عليه الإعلام الألماني هجوما ضاريا، غداة تضامنه مع الشعب الفلسطيني. وذهب بعض السياسيين إلى المطالبة بطرده من ألمانيا. وبقي مصير اللاعب مع فريقه غامضا حتى يوم الجمعة 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث أصدر ناديه بيانا أكد فيه أن اللاعب "يدين كل الإرهاب والمنظمات الإرهابية، وسيبقى في بايرن ميونخ"، وأن النادي "يقف إلى جانب إسرائيل".
وبالمثل واجه التونسي عيسى العيدوني، لاعب فريق يونيون برلين، حملة انتقادات واسعة بسبب تضامنه مع الشعب الفلسطيني، ولا يزال مصيره مع النادي غامضا حتى اللحظة. وغير بعيد عنه المغربي أنور الغازي، لاعب فريق ماينز، وأيضا الألباني الجذور الألماني الجنسية كلارس غاسولا لاعب فريق دارمشتات.
هذا المناخ الإرهابي الموالي بكل بجاحة للصهيونية أفضى إلى تعرض السباح الأولمبي المصري عبد الرحمن سامح لتهديدات بالقتل بسبب إبداء تعاطفه مع أطفال غزة، وتضامنه مع الشعب الفلسطيني، عقب فوزه بالميدالية الذهبية في سباق الـ50 مترا في منافسات كأس العالم للسباحة التي أقيمت بالعاصمة اليونانية أثينا. ليس ذلك فحسب، بل إن الاتحاد الدولي للسباحة حذف صور سامح من كل حساباته على منصات التواصل، ومن موقعه الإلكتروني أيضا.
كما تواجه بطلة التنس التونسية أنس جابر خطر الإيقاف عن المشاركة في بطولات رابطة اللاعبات المحترفات ومسابقات اتحاد التنس، وذلك بعد الشكوى الرسمية التي تقدم بها اتحاد الكيان الصهيوني للتنس إلى الاتحاد الدولي ورابطة المحترفات ضد اللاعبة التونسية بسبب موقفها المساند لفلسطين.
هذا الواقع العقابي المفروض بالرهاب الذي مارسته فرنسا وألمانيا وغيرهما على الرياضيين قد يبدو أقل حدة في بريطانيا، ولاسيما مع التضامن الدائم لجماهير فرق اسكتلندا وايرلندا الشمالية وأيضا جمهور ليفربول مع القضية الفلسطينية، ولا يعني هذا أبدا أن ثمة تساهلاً بريطانياً إزاء التعاطف مع أهل غزة؛ إذ كان الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم يعتزم إضاءة قوس ملعب ويمبلي الشهير بعلم الكيان الصهيوني خلال مباراة المنتخب الإنكليزي مع نظيره الإيطالي؛ لكنه عدل عن الفكرة بعدما نما إليه اجتماع عدد من اللاعبين الأحرار المساندين للقضية الفلسطينية وللمظلومية العالمية لتدارس ردة فعل جماعية على ذلك.
كما شهدت ملاعب انجلترا حدوث مشادة بين لاعبا آرسنال الإنكليزي،المصري محمد النني المتضامن مع غزة وفلسطين والأوكراني اوليكساندر زينشينكو المتضامن مع إسرائيل
المصدر طلال سفيان/ لا ميديا