غازي المفلحي / لا ميديا -
بالتوازي مع العدوان الإجرامي الذي يشنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة، ينفذ عدوان آخر على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية راح ضحيته آلاف الشهداء والجرحى، إضافة إلى حملات اعتقالات واسعة النطاق طالت أكثر من ألفي شخص منذ عملية «طوفان الأقصى» في الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وخلال شهر فقط تعرض الفلسطينيون في كافة الأراضي المحتلة لمختلف أنواع الجرائم الجسيمة، من قتل واختطاف وتعذيب واغتيالات في السجون، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية وتهجير الآلاف من أراضيهم.

آلاف الشهداء والجرحى في الضفة
شهد يوم الخميس الماضي أعنف الاعتداءات التي دأب الاحتلال الصهيوني على تنفيذها في الضفة الغربية منذ عام 2005، وارتقى فيها 14 شهيداً، بينما جرح أكثر من 20 آخرين بعضهم جروحه مميتة.
وفي هذا الاعتداء استهدف الاحتلال مجموعة من الفلسطينيين في مخيم جنين بطائرة مسيرة هجومية، بالإضافة إلى تنفيذ اقتحامات مسلحة بالتزامن مع قطع الكهرباء وتجريف الطرق داخل المخيم وحولة وتدمير مباني فيه.
واحتجزت قوات الاحتلال خلال العدوان على جنين ومخيمها 4500 من طلبة المدارس ورياض الأطفال في مدارسهم، حتى ساعات المساء، كما أطلقت الرصاص على مركبات إسعاف الهلال ما أدى إلى إصابة مسعفة برصاصة بالظهر، وداهمت قسم الطوارئ في مستشفى جنين الحكومي، واعتقلت جريحا من داخل مركبة إسعاف، ودمرت البنية التحتية من شوارع ومياه وكهرباء، إضافة لصرح الشهداء.
في ذات اليوم استشهد 4 فلسطينيين آخرين، في نابلس، ومخيم الأمعري برام الله، وبلدة دورا بالخليل، وبلدة بيت فجار ببيت لحم.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني، أن طواقمه تعاملت مع 39 إصابة في مناطق الضفة الغربية، «بينها 11 إصابة بالرصاص الحي في جنين، و20 بالرصاص الحي في نابلس».
ما سبق كان مثالا عن مجريات يوم من أيام العدوان العنيف الذي يشنه الاحتلال الصهيوني بلا هوادة، على كل الفلسطينيين في عموم مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية المحتلة وما تسمى «أراضي 48»، والتي استشهد فيها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى الآن 186 فلسطينيا ثلثهم أطفال وقاصرون، بينما جرح أكثر من 2500 آخرين، بينهم حالات حرجة.

خطف وقتل وتجويع
بلغ عدد المختطفين في الضفة الغربية المحتلة 2400 منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حسب نادي الأسير الفلسطيني.
ورافقت الاعتقالات أعمال تنكيل ممنهجة بحق المعتقلين وعائلاتهم، وعمليات تعذيب تم توثيقها بالصوت والصورة.
وخلال الشهر الماضي، قتل 4 أسرى في سجون الاحتلال جراء التعذيب.
ووثق نادي الأسير شهادات أولية من معتقلين جرى الإفراج عنهم وكذلك عائلات المعتقلين الذين استُهدفوا خلال حملات الاعتقال، حيث كشفت تلك الشهادات، أن ما يتعرض له المختطفون هو مزيج من الانتهاكات الوحشية مثل التهديد بالقتل والضرب المبرح والتهديد بالاغتصاب واستخدام الكلاب البوليسية وغيرها.
كذلك أكدت مؤسسات نادي الأسير الفلسطيني، وهيئة شؤون الأسرى، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، أنّ المعطيات التي ترد حول مستوى الجرائم الممنهجة التي تنفّذها إدارة سجون الاحتلال بحقّ الأسرى بعد 7 أكتوبر، «مروعة».
وأشارت في بيان، إلى أنه «من الواضح وجود قرار ممنهج باغتيال أسرى، من خلال إجراءات تنكيلية ممنهجة، في ضوء العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني، والإبادة المستمرة في قطاع غزة».
وقالت المؤسسات في بيانها إن سلطات الاحتلال تنتهج سياسة التجويع بحقّ الأسرى، وإنه «لم يعد يملك الأسرى من الطعام، سوى ما تقدمه إدارة السّجون من لقيمات غير صالحة للأكل، والتي لا ترتقي لمستوى تعبير وجبات الطعام».

التعذيب بأسلوب «الدولاب» و»الشبح»
الأسبوع الماضي، أقدمت قوات الاحتلال الصهيوني على التنكيل بعمال من الضفة الغربية المحتلة، وأجبرتهم على التعري لمجرد محاولتهم الدخول إلى مناطقهم في ما تسمى «أراضي 48» من أجل العمل.
وأظهر مقطع مصور، العمال الفلسطينيين وهم عراة ومكبلو الأيدي والأرجل، فيما تنهال قوات الاحتلال عليهم بالضرب.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، في بيان صحافي إنه اطلع على مقاطع فيديو تظهر جنودا صهاينة يسحلون وينكلون بمدنيين فلسطينيين ينحدرون من بلدة يطا في الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعد تجريدهم من ملابسهم وتعصيب أعينهم وتقييدهم من أياديهم وأرجلهم ثم تركهم في العراء لساعات طويلة.
وأضاف المرصد أنه حصل على مقاطع فيديو أخرى لنفس الأشخاص بعد اعتقالهم مباشرة، «حيث تركتهم القوات الإسرائيلية لمدة يومين داخل معسكر للجيش تبين أنهم نفس المعتقلين من بلدة يطا».
وأعرب المرصد الحقوقي عن الصدمة من تعرض المدنيين الفلسطينيين خلال اعتقالهم للضرب المبرح بوحشية بأعقاب البنادق ودوس الجنود على رؤوسهم.. و»ظهر ثلاثة معتقلين على الأقل يتعرضون إلى أسلوب ما يعرف بـ»الدولاب» حيث يجبر الضحية على اتخاذ وضعية إطار السيارة وتعليقه أو رفعه مع استمرار ضربه بوحشية دون مراعاة لصرخات الاستغاثة التي يطلقها».
وأضاف: «كما ظهر استخدام أسلوب «الشبح»، حيث يتم تعليق الضحية بخطاف أو مقبض باب ورفعه بشد قيود يديه بحيث تبقى القدمان بالكاد تلامسان سطح الأرض أو بوضعية تسمح بملامسة أصابع القدمين فقط للأرض، ومن ثم تتعرض الضحية للضرب المبرح».

إخلاء قسري
وعلى غرار ما يحصل في غزة، يلقي طيران الاحتلال ملايين المنشورات التي تطلب من الفلسطينيين الإخلاء القسري للأحياء المستهدفة ثم يقوم بقصف بعض المنازل بصواريخ الطائرات المسيرة، ويقتحم الأحياء بقوة نارية كبيرة.
وحوّل الاحتلال الضفة الغربية إلى منطقة عمليات حربية عبر فصلها بحواجز عسكرية وبوابات حديدية وسواتر ترابية.
كما تقوم جرافاته بتدمير البنية التحتية بالضفة، خصوصاً في المخيمات، حيث نفذ سلسلة اقتحامات عمل خلالها على تجريف الشوارع وتدمير شبكات المياه والهواتف والصرف الصحي والكهرباء، وتهديم ميادين عامة ونصب تذكارية، ومنها مدخل مخيم جنين وحصان المخيم، إضافة إلى تفجير محال تجارية ومنازل وتحطيم مركبات خاصة.

نهب الأرضي في الضفة
كشف تقرير لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، أن الاحتلال الصهيوني وميلشيات الغاصبين ارتكبوا 214 جريمة ضد التجمعات البدوية، في فلسطين المحتلة، خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأوضحت المنظمة، في تقريرها الشهري، أن الانتهاكات تنوعت بين الاعتداءات الجسدية المباشرة، وهدم مساكن وتجريف أراض، واقتلاع وإتلاف مزروعات، والاستيلاء على ممتلكات، وإقامة بؤر «استيطانية» جديدة، وإخطارات بهدم مساكن، ونصب الكمائن ليلا لإرهاب الأهالي، ومنع الرعاة من دخول المراعي المجاورة لهم.
وقالت المنظمة إن الاعتداءات تركزت في محافظة الخليل بواقع 82 عملية اعتداء، تليها محافظة طوباس والأغوار الشمالية بـ45 اعتداءً، ثم محافظة أريحا والأغوار بـ26 اعتداء، ثم المحافظات الأخرى.
وقال المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات، إن الاحتلال وعصابات الغاصبين يستغلون «ظروف الحرب على غزة لممارسة أكبر عملية تهجير جماعي ضد التجمعات البدوية»، وتابع: من أبرز الهجمات ترحيل ثمانية تجمعات في الضفة الغربية بشكل جماعي، وتعليق الغاصبين دمى ملطخة بالدم على أبواب مدرسة عرب الكعابنة في المعرجات لخلق الرعب بين الأهالي، مما ينذر بنية الغاصبين ارتكاب مجازر وحشية ضد التجمعات البدوية.
وفي ذات السياق أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، أنه تم تهجير ما يقرب من ألفي فلسطيني منذ عام 2022 وسط عنف الغاصبين، 43% منهم هجروا منذ 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وبينت «أوتشا» في بيان لها الخميس الماضي، أن 14 فلسطينياً، نصفهم من الأطفال، اضطروا بعد أن هددهم غاصبون مسلحون بقتلهم إن لم يغادروا، إلى النزوح من «خربة زتونة» جنوب الضفة الغربية.
واضطر فلسطينيون إلى تفكيك نحو 50 مبنى وإخلاء المنطقة الشهر الماضي، وبهذا أصبح الآن حوالي ثلثي الأسر الفلسطينية التي يتألف منها المجتمع الرعوي نازحة.
وتم تهجير ما لا يقل عن 98 أسرة فلسطينية تضم 828 شخصاً، بمن في ذلك 313 طفلاً، من 15 مجتمعاً رعوياً في جميع أنحاء الضفة الغربية.
كما قال مكتب «أوتشا» إنه سجل في هذه الفترة، 171 هجوماً شنه الغاصبون ضد الفلسطينيين، مما أدى إلى شهداء ووقوع إصابات بين الفلسطينيين وإلحاق أضرار بممتلكاتهم، مبيناً أن هذه الإحصائيات لا تتضمن حالات المضايقة والتحرش والتعدي والترهيب.
ونزح أربعون فلسطينيا من مجتمع الجنوب الرعوي، يوم 9 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وكان غاصبون صهاينة مسلحون داهموا المنطقة وهددوا السكان بالقتل إذا لم يخلوا المكان خلال ساعة.
وفي الـ12 من الشهر ذاته، تم تهجير ثماني أسر فلسطينية تضم 51 شخصاً من تجمع «شحدة وهملان» الرعوي في نابلس شمال الضفة الغربية، بعد أن هددهم الغاصبون بالقتل وإضرام النار في خيامهم أثناء الليل.
وشهدت تلك الحوادث مواجهات بين قوات الاحتلال والغاصبين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، استشهد وجرح فيها عشرات الفلسطينيين. ووفق تقرير «أوتشا، قَتل الغاصبون 9 فلسطينيين بشكل مباشر بحلول نهاية شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

«طوفان الهيكل»
دعا أحد قادة الجماعات الصهيونية الدينية المتطرفة، إلى تصعيد الهجوم على المسجد الأقصى المبارك على طريق إقامة «الهيكل المزعوم» مكانه.
وقال النائب السابق في «الكنيست»، موشيه فيغلن، خلال كلمة أمام غاصبين اقتحموا المسجد الأقصى: «لقد أسموا المعركة «طوفان الأقصى»، ونحن يجب أن نسميها «معركة الهيكل» وليس «السيف الحديدي»، لُب المعركة هو هذا المكان، لا نملك مزيدا من الوقت، انتهى، يجب أن نبني الهيكل».
في ذات السياق أكدت مؤسسة «أوروبيون لأجل القدس»، أن قوات الاحتلال الصهيوني صعدت بشكل خطير من انتهاكاتها في القدس الشرقية بالتزامن مع حربها على قطاع غزة، بما في ذلك تنفيذ عمليات قتل طالت 15 شخصا منهم 5 أطفال، وتنفيذ عمليات دهم واعتقال واسعة جدًا.
ووثقت في تقرير، تنفيذ قوات الاحتلال 559 عملية اقتحام لبلدات وأحياء القدس، اعتقلت خلالها 384 مواطنًا، منهم 33 طفلا و23 امرأة، واستدعت 46 آخرين وفرضت الحبس المنزلي على 39 مواطنًا.
كما وثق التقرير 17 عملية هدم دمرت خلالها 14 منزلا، منها 7 أجبر مالكوها على هدمها ذاتيا، و3 منشآت، ووزعت مجموعة من الإخطارات، وشردت 84 فلسطينياً.
وفي المقابل يعزز الاحتلال عملية إحلال الغاصبين مكان الفلسطينيين وقال الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حاتم عبدالقادر إن «الاحتلال جلب مئات الغاصبين لإسكانهم فـي المدينة المقدسة، بعد سيطرته على المزيد من أراضي المقدسيين».
وأوضح أن «سلطات الاحتلال عملت كل ما في وسعها للمضي قُدما في تنفيذ مخططاتها الاسـتيطانية في مدينة القدس المحتلة، وكان شهر تشرين الأول الماضي من ضمن أكثر الأشهر عنفا وتنكيلا بالفلسطينيين، بالتوازي مع العدوان الوحشي على قطاع غزة».