تقرير: عادل عبده بشر / لا ميديا -
حمّل المكتب الإعلامي الحكومي بغزة دولاً تُرسل مُرتزقة للقتال بجانب قوات الاحتلال الصهيوني مسؤولية الجرائم ضد المدنيين. وتشير تقارير إلى تورط دول عربية خليجية في تمويل إرسال مُرتزقة من إسبانيا وألبانيا وألمانيا وفرنسا والهند وعرب وأفارقة للمشاركة في الحرب على غزة، ما فتح التكهنات والتساؤلات حول تلك الدول العربية، التي لها علاقة مُباشرة مع شركات مستجلبة للمرتزقة.

«يدفعون بشكل جيد للغاية»...الاحتلال يعتمد على مرتزقة قاتلوا في أوكرانيا
كشفت صحيفة «إلموندو» الإسبانية، في تقرير لها، نشرته مؤخراً، استقدام قوات الاحتلال الصهيوني مرتزقة أجانب للقتال في صفوفها بقطاع غزة والضفة الغربية.
وأجرت الصحيفة الإسبانية مقابلة مع مرتزق إسباني يدعى بيدرو دياز فلوريز، شارك في حرب أوكرانيا ضد روسيا، ومعروف بانتمائه لما يوصف بـ»النازيين الجدد»، حيث قدمت روسيا جائزة تقدر بعشرة آلاف دولار أمريكي مقابل رأسه.
المرتزق الإسباني نشر صوراً له رفقة جنود من الكيان الصهيوني، ما جعل صحيفة «إلموندو» تجري لقاءً معه. وفي اللقاء أكد أن سبب قدومه للقتال في صفوف قوات الاحتلال أنهم «يدفعون بشكل جيد للغاية».
وقال فلوريز: «جئت من أجل المال. إنهم يدفعون بشكل جيد للغاية، ويقدمون معدات جيدة. الأجر هو 3900 يورو في الأسبوع، بغض النظر عن المهام التكميلية».
واستطرد فلوريز حديثه للصحيفة الإسبانية: «نحن نقدم الدعم الأمني لقوافل الأسلحة، أو فرق القوات المسلحة الإسرائيلية الموجودة في قطاع غزة».
المرتزق الإسباني ليس الوحيد الذي يشارك بصفوف جيش الاحتلال من أجل المال، حيث أفاد بأن هناك العديد من الشركات العسكرية الخاصة التي تجند المرتزقة للقتال في صفوف قوات الاحتلال الصهيوني، مشيراً إلى أن المرتزقة يتولون «حراسة نقاط التفتيش على الحدود بين غزة والأردن، والمنافذ الحدودية بين إيلات والعقبة».
وذكرت الصحيفة الإسبانية أن فلوريس (28 عاماً) انضم إلى الجيش الإسباني لمدة 4 سنوات، وعام 2018، انتقل إلى العراق للمشاركة في العملية العسكرية التي نفذها التحالف الدولي في العراق ضد ما يُسمى «تنظيم «الدولة»، والتي عُرفت باسم «عملية العزم الصلب»، وبعدها انتقل للقتال في صفوف ما يُسمى «الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا»، الذي يضم حوالى 1500 مرتزق، ضد القوات الروسية.
كما ذكرت الصحيفة في تقريرها أن الكيان الصهيوني «يقوم بتجنيد مرتزقة من مختلف دول العالم للقتال في غزة بالتعاقد مع شركات عسكرية خاصة، بدلاً من الزج بجنوده في المواجهة المباشرة».
وأوضحت أن «تخصص هؤلاء المرتزقة بعمليات حرب كر وفر وحرب عصابات على الأرض، فيما جنود الاحتلال يحتمون في دباباتهم، ليكون هناك أقل قدر ممكن من الضحايا في صفوفهم، حتى لا يتم الضغط على حكومة نتنياهو إذا ارتفع عدد القتلى».

«بلاك شيلد»: شركة إماراتية تجند المرتزقة للقتال في فلسطين واليمن وليبيا
الحديث عن مرتزقة أجانب يقاتلون في صفوف الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، تزامن مع تقارير تُشير إلى تورط دول عربية خليجية في تمويل وإرسال المرتزقة إلى الأراضي المحتلة، عبر شركات تتخفى خلف شعار «الخدمات الأمنية»، ومنها شركة «بلاك شيلد» الإماراتية، التي ذاع صيتها السيئ خلال سنوات العدوان على اليمن، وفي الحرب الليبية، وكذلك شركة «بلاك ووتر» الأمريكية، التي نشطت أيضاً في اليمن، بتمويل من تحالف العدوان، وعملت بشكل كبير أيضاً في العراق.
وبحسب التقارير الصحفية فإن شركة «بلاك شيلد» الإماراتية تعمل في أوساط المجتمعات الفقيرة، من خلال خداعهم وإيهامهم بأنها ستوظفهم في مرافق خاصة ومدنية حيوية داخل الإمارات، مقابل أجور مرتفعة، لتقوم بتدريبهم على الأسلحة الثقيلة، دون أن توضح لهم أنها ستستخدمهم في حروب عبثية، كما حصل في العام 2020، حين احتج مئات الشباب السودانيين أمام سفارة أبوظبي في الخرطوم، بعد أن قامت الشركة بتوظيف مئات السودانيين تحت إطار العمل في مرافق خاصة في الإمارات؛ لكن حقيقة الأمر أنها دربتهم عسكرياً من أجل القتال في اليمن إلى جانب المرتزقة المحليين، وفي ليبيا إلى جانب قوات اللواء خليفة حفتر.
ووفقاً لتقارير وسائل إعلام غربية، فإن الشركة جندت ما لا يقل عن 3 آلاف سوداني من خلال وكالات السفر السودانية، ووسطاء آخرين يعملون لديها.
وأشارت تقارير إعلامية سودانية، في العام 2019، إلى أن الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، أرسل ما لا يقل عن 4 آلاف جندي إلى ليبيا. كما كان يتواجد هناك أيضاً في مدينة بنغازي، مرتزقة سودانيون آخرون تابعون لـ«حميدتي» من مليشيا «الجنجويد» المرتبطين به. ووُجهت الاتهامات إلى الإمارات بالوقوف وراء هذه العملية وتمويل نشاط المرتزقة في ليبيا.

تاريخ طويل مع شركات المرتزقة
وبحسب تقارير إعلامية غربية، فإن الإمارات لها تاريخ طويل في توظيف المرتزقة من الدول الفقيرة، وسعت من خلال إنشاء شركة «بلاك شيلد»، إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي.
ففي العام 2011، وقّعت الإمارات عقداً بقيمة 529 مليون دولار مع شركة (Reflex Response Security Consultants) التي يديرها مؤسس شركة «بلاك ووتر» العالمية سيئ السمعة، إريك برنس، من أجل إرسال المرتزقة إلى ليبيا واليمن، ونشرت العديد منهم في عدد من الموانئ في دول على طول ساحل البحر الأحمر.
كما تم نشر حوالى 450 مرتزقاً من أمريكا اللاتينية، يرتدون الزي العسكري الإماراتي في اليمن خلال العام 2015، بهدف القتال إلى جانب تحالف العدوان، وفقاً لتقرير «نيويورك تايمز» الأمريكية، الذي كشف أن هؤلاء المرتزقة تلقوا تدريباتهم في صحراء الإمارات قبل نشرهم.
وفي السياق، أفاد موقع (BuzzFeed News) الأمريكي، في العام 2018، بأن الإمارات استأجرت مرتزقة أمريكيين لقتل سياسيين يمنيين، كما سعت للقضاء على الأفراد الذين تحدوا سياساتها الانفصالية في اليمن، أو تحدوا سيطرتها على موارد «منطقة الجنوب» بحسب تعبير الموقع، أو اعترضوا على تواجدها العسكري وتواجد مرتزقتها في جزيرة سقطرى الاستراتيجية.
وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر 2019، نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريرا عن تورط أبوظبي في تمويل نقل مرتزقة للقتال في ليبيا مع مليشيات حفتر.
ووفقا لمجلة «إنتليجنس أونلاين» الفرنسية، المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم، فقد أسندت الإمارات مهام عسكرية سرية لشركة الأمن الأمريكية «بلاك ووتر»، ضمن عملياتها في الأراضي الليبية.
وفي العام 2017 كشفت عائلات القبائل العربية التشادية والنيجرية، عن تعرض أبنائها للخداع من خلال إقناعهم بأنهم ذاهبون إلى الإمارات للعمل في الشركات الأمنية الموجودة هناك بمبالغ وامتيازات خرافية، وحين وصلوا هناك جرى إلباسهم الزي العسكري الإماراتي، وتوزيعهم على عدد من المواقع في اليمن، بحسب صحيفة «التايمز» البريطانية.

ضحايا «بلاك شيلد» يحركون إجراءات في الانتربول لملاحقة متهمين 
اتهام الإمارات بتجنيد مرتزقة للقتال في فلسطين إلى جانب الكيان الصهيوني ليس جديداً من نوعه، فقد سبق ذلك تقارير عدة أثبتت استخدام أبوظبي للمرتزقة في اليمن وليبيا، لتحقيق أهدافها الخاصة، فيما الأنباء ما تزال متواترة في الإعلام السوداني، حتى الآن، مميطة اللثام عن تورط الإمارة الخليجية في تمويل ما يعرف بـ»جيوش الظل».
ولقد شرع فريق قانوني في العاصمة السودانية الخرطوم، يتولى الدفاع عن ضحايا شركة «بلاك شيلد» الإماراتية، في اتخاذ إجراءات لتسليم متهمين في القضية عبر الشرطة الدولية (الانتربول)، لمحاكمتهم أمام القضاء السوداني.
وقيّد 611 من الضحايا دعوى قضائية ضد الشركة ومكاتب سياحة، بعد أشهر من توقيعهم عقوداً للعمل كحُراس في الإمارات، فيما جرى إرسالهم إلى ليبيا لحماية منشآت النفط.
وقال عضو فريق الدفاع، المحامي عبد الشكور حسن، في مؤتمر صحفي، إنهم «اتخذوا إجراءات قانونية في مواجهة المتورطين في خديعة 611 شاباً ونقلهم إلى ليبيا لحماية حقول النفط في 2019».
وأفاد بوقوع أضرار نفسية وبدنية على الضحايا، بعد خديعتهم بالعمل كحُراس أمن في الإمارات، مشيراً إلى أن نيابة مكافحة الاتجار بالبشر أصدرت أوامر توقيف بحق مسؤولين في وكالات سفر، عقب تقييد دعوى جنائية.
ووصف عبد الشكور قضية ضحايا الشركة بأنها «عمل قسري وسُخرة»، إذ إن نقل مئات الشباب إلى ليبيا دون علمهم وبتوقيع عقود مجزية غير واضحة، تُصنف بأنها أنشطة تجارة بالبشر.
وقال إن الضحايا ينتظرون إنصافهم بواسطة النيابة والقضاء السوداني.
وتحدثت تقارير صحفية في 2019 بأن الضحايا جرى تجريدهم من أوراقهم الثبوتية وهواتفهم فور وصولهم إلى الإمارات، مع حرمانهم من التواصل مع أسرهم، ليتم بعدها تدريبهم عسكرياً وترحيلهم إلى ليبيا دون علمهم.
ووفق وثائق تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الجهة التي تعمل لصالح «بلاك شيلد» الإماراتية في السودان هي «مكتب الأميرة للاستقدام الخارجي»، وتحمل وثائق السفر وتأشيرات الدخول ختم السفارة السودانية في أبوظبي، وأختام الجهات الرسمية في الإمارات.
عقب الوصول إلى الإمارات، للعمل بوظيفة «حراس أمن»، يجرى سحب جوازات السفر من الشباب السودانيين، وإدخالهم إلى «معسكر الغياثي» على الحدود السعودية الإماراتية، للتدريب على أسلحة ثقيلة، مثل «الدوشكا» (رشاش سوفييتي ثقيل مضاد للطائرات) وقذائف الـ«آر بي جي»، وهي تدريبات بعيدة تماماً عن غايات الحراسة الأمنية.
ويقوم مسؤولون إماراتيون بتخيير المجموعات المدربة بين الذهاب إلى اليمن أو ليبيا، مقابل راتب سخي يبلغ ألف دولار شهريا، وقد يزيد على ذلك، بحسب رواية عبدالله الطيب، شقيق أحد الشباب الذين تعرضوا للخدعة الإماراتية، وفقاً لوسائل إعلام سودانية.

«بلاك شيلد»
وتعمل «بلاك شيلد»، ومقرها تكساس، منذ أكثر من 20 عاما، وهي توفر مجموعة واسعة من الخدمات الأمنية، والحماية التنفيذية، وأمن الأحداث، والتحري الخاص، والتحكم الإلكتروني، ومراقبة البريد السريع، وواقيات الجسم الشخصية، وحلول الأمن الرقمية، كما تقدم خدمات عدة في مجال التدريب العسكري.
وتفيد الروايات السودانية المتداولة بأن «بلاك شيلد» الإماراتية قامت بتجنيد آلاف الشباب عبر بعض وكالات الاستخدام المحلية في البلاد.
وفي محاولة لكسب تأييد هؤلاء الشباب للمهام التي سيقومون بها، يتم تقديم عروض مالية مغرية لهم، تصل إلى ألف دولار شهريا، بدلاً من 1800 درهم التي تم الاتفاق عليها قبل سفرهم إلى أبوظبي، وإغراؤهم بامتيازات أخرى.

الكيان يستجلب «رعاة البقر» لحماية المستوطنات في الضفة
لم يقتصر استقدام الكيان الصهيوني لمرتزقة أجانب للقتال في صفوفه في عدوانه على غزة، بل قام أيضاً باستجلاب أمريكيين ممن يُطلق عليهم «رعاة البقر» إلى مستوطنات الضفة الغربية.
ونشرت صحيفة «ميكور ريشون» العبرية تقريراً مطولاً حمل عنوان «تعرفوا على رعاة البقر الأمريكيين الذين جاؤوا للتطوع في مستوطنات الضفة الغربية والقيام بأعمال الحراسة»، عن انتقال جنود الاحتلال للقتال ضد المقاومة في غزة وشمال الأراضي المحتلة.
وكتبت الصحيفة: «منظمة اليوبيل تجلب المسيحيين الذين يحبون إسرائيل للتطوع هنا والتعرف عليها حتى أثناء الحرب»، والهدف هو «دعم المستوطنات الموجودة على خط المواجهة. تم تجنيد العديد من المستوطنين الذين يعيشون هنا في قوات الاحتياط»، وعلى هذا الأساس تصل مجموعات الأمريكان من رعاة البقر.
وقال أحد رعاة البقر للصحيفة: «سمعت عن المشروع الذي نظمته الجمعية المسيحية، وكان عليّ أن أنتهز الفرصة».
ومضت الصحيفة بالقول: «إن مجموعة الرجال الذين قدموا من الولايات المتحدة يرتدون أحزمة جلديةً عريضة، وقبعات واسعة الحواف، يبدون وكأنهم خرجوا من فيلم هوليوودي كلاسيكي، في قلوبهم رغبة قوية لدعم المستوطنات، في مناطق شمال الضفة الغربية».
وبحسب الصحيفة، هم ليسوا يهوداً، وليس لهم أي صلة مباشرة باليهودية؛ ولكنهم صهاينة ينخرطون في منظمة اليوبيل، «التي تجمع بانتظام المسيحيين المحبين لإسرائيل للتطوع والتعرف عليها عن قرب»، وتسعى المجموعة للعمل في المستوطنات التي وصفتها الصحيفة بـ«المهددة أمنياً»، والتي يوجد فيها نقص بالقوى العاملة في الزراعة أيضاً.
يُذكر أن المئات من جنود الاحتياط وصلوا إلى «إسرائيل» للمشاركة في عدوانها على قطاع غزة، في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» غير المسبوقة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث بلغ عدد جنود الاحتياطي الذين استدعاهم الكيان نحو 360 ألف جندي.