حاوره:يحيى الضلعي / لا ميديا -
كانت قدماه تعزفان ولا تركلان الكرة، وجسده كله آذان صاغية لتوجيهات وأوامر عقله المشبع والممتلئ بالفن الكروي والممتع على الملاعب.
كان يرفع الراية الصفراء إيذاناً بفوز "برازيل اليمن" (المجد) آنذاك، وكانت هناك لغة خاصة بينه وبين كرة القدم.
نعم، كان كذلك، كمبيوتر يمشي على قدمين، اسمه محمد فيضي، نجم نادي المجد سابقاً، وملك الوسط الذي أطلقت عليه الجماهير لقب "مارادونا اليمن". ذاع صيته على مدى أكثر من 15 عاماً، بعد أن صنع لنفسه مجداً كروياً استثنائياً، وكان درة المجد.
هذا النجم الاستثنائي والعملاق، الذي لم تشهد الملاعب مثله قط منذ أن غادرها ورحل عنها دون اعتزال عام 1994، استطاعت اليوم صحيفة "لا" أن تجري معه حوارا ممتعا متشعبا بالكثير من التفاصيل...

 كيف بدأت قصتك مع نادي المجد؟
- خلال فترة طفولتي كنت عاشقا لكرة القدم، وكنت أتابع بشغف مباريات الفرق، وفي إحدى المباريات لفت نادي المجد انتباهي بأدائه المميز والممتع، أعجبتني طريقة وأسلوب لعــب الفريـــــــــق فـي ذلـــك الوقــت، بالإضافة إلى أن معظم فريق المجد في منطقة سكانية واحدة. قرّرت حينها أن أصبح  جزءاً من عائلة النادي، وبدأت مشواري معهم. كانت فترة ممتعة ومفيدة، حيث تعلمت الكثير من المهارات الفنية واكتسبت القدرات البدنية، ومع مرور الوقت تقدمت في الفئات العمرية وتم تصعيدي إلى الفريق الأول، كانت هذه خطوة كبيرة بالنسبة لي، ولقد شعرت بالفخر بتمثيل المجد على  المستوى الوطني، كونه يتناغم مع أسلوبي في اللعب المعتمد على المهارات الفنية والمتعة. وشاركت معه في المسابقات المحلية والدولية، بحيث أصبح جزءاً لا يتجزأ من هويتي وأسرتي الرياضية. أنا ممتن للفرصة التي منحها لي هذا النادي  المميز.

 لماذا تم تسميتك بمارادونا اليمن؟
- من وجهة نظري، يعتبر مارادونا أفضل لاعب في كل العصور. كان مارادونا يمتلك مهارات كروية استثنائية وفنية رفيعة، وذلك هو ما شدني إليه، فكنت أتابعه بشغف مستمر وأتعلم منه، ما انعكس على أدائي فأصبح الجمهور يناديني بمارادونا اليمن.
 تركت الملاعب في قمة مستواك بغض النظر عن العمر. لماذا؟
- بعد تفكير عميق وتقييم دقيق لمستقبلي، قرّرت أن أترك كرة القدم، فقد كان لدي شغف كبير بالرياضة، وأدركت أن من المهم أن أضمن مستقبلي ومستقبل عائلتي. لقد كنت أعيش من خلال حبي وشغفي للرياضة. كنا نحن من يصرف على الرياضة، بعكس هذا الجيل، الرياضة هي التي تصرف عليهم، بالإضافة إلى أسباب أخرى يعرفها جيلي لا داعي لذكرها. كنت أؤمن أيضاً بأنه عندما يطلب منك الجمهور البقاء وأنت في قمة أدائك، فإن الواجب هو الرحيل، لذا كان قراري هو الانتقال إلى مرحلة جديدة في حياتي وتأمين مستقبلي بشكل أفضل.
 هل تم اختيارك للعب في صفوف المنتخبات الوطنية؟
- لقد كان لي شرف تمثيل الوطن مع المنتخبات الوطنية بجميع فئاتها، بدءاً من منتخب الناشئين وصولاً إلى منتخب الشباب والمنتخب الوطني الأول. كانت هذه تجربة قيّمة وملهمة، حيث تعلمت الكثير وتطور مستواي واكتسبت الخبرات عبر الاحتكاك مع المنتخبات الأخرى. أشعر بالفخر بالمشاركة في تمثيل بلدي  في المنافسات الرياضية، وحققت إنجازاً مميزاً بتتويجي بلقب أفضل لاعب في بطولة الشباب في السعودية بمدينة الطائف، كما شاركت في بطولة كأس  العرب في ليبيا وتم اختياري من ضمن أفضل لاعبي البطولة، ومثلت المنتخب الوطني في العديد من المنافسات الدولية، ومن بين الذكريات المميزة على سبيل المثال لا الحصر تسجيلي هدفاً رائعاً في مرمى الجالية اليمنية بمدينة ليفربول من على بعد 35 ياردة.
 وماذا عن أجمل لقاء خضته مع فريق المجد آنذاك؟
- أفضل لقاء كان ضد نادي الوحدة السعودي بقيادة المدرب القدير للشباب جمال هبة في ذلك الوقت، وتم طرح فكرة أن أحترف في الدوري القطري من قبل المدرب المصري القدير محمود أبو رجيلة في المباراة الأولى التي أقيمت في صنعاء، ولكن حبي وولائي لنادي المجد كان فوق كل شيء، بالإضافة إلى صغر سني في تلك الفترة، وتلقيت إشادة كبيرة من اللاعب الشهير جيرزنهوا أفضل جناح في تاريخ البرازيل ورفيق بيليه في منتحب البرازيل. أيضاً لا أنسى المباراة المثيرة بين المجد وأهلي صنعاء، حيث فزنا بهدفين مقابل هدف، وسجلت هدف الفوز الحاسم في تلك المباراة، ويعد هذا الهدف هو الأهم في مسيرتي الرياضية، نظراً لأهمية تلك المباراة، كما يعتبر هدفي في مرمى فريق الطليعة في تعز هو الأجمل.
 من هو اللاعب الذي تأثرت به وكنت تتمنى ان تصل لمستواه؟
- جمال حمدي، لاعب سبق عصره في كل شيء، إنه أسطورة حية وشخص عظيم، كان يملك عقلية احترافية في دوري هواة. جمال يتماثل مع رونالدو في العقلية الاحترافية والاهتمام بجميع التفاصيل المتعلقة بالتميز، وكان لديه كاريزما وحضور قوي.
 ما الفرق بين كرة زمان وكرة اليوم؟ وأيهما أفضل؟
- أعتقد أن الجيل السابق كان يتمتع بوفرة في المواهب، وهذا انعكس في الجانب الفني. الجيل السابق معروف بمهاراته الفردية والتركيز على الجوانب الفنية للعبة. أما الجيل الحالي فيهتم بالجانب البدني والخطط التكتيكية والالتزام بالمهام التكتيكية على حساب الجانب الفني، وهذا أفقد كرة القدم متعتها. يمكن القول بأن الجيل الحالي يتمتع بأرقام ومؤشرات أفضل لصالحه، وخصوصاً في منتخبات الناشئين، بينما جيلنا لم يفز بأي بطولة عربية أو إقليمية، فقط كانت مشاركاته من أجل التواجد واكتساب الخبرات، ومن الصعب تحديد أيهما الأفضل بشكل قطعي، فكل جيل يتمتع بمميزاته الخاصة. الجيل  السابق كان يعتمد بشكل أكبر على المهارات الفنية والمتعة، في حين أن الجيل الحالي يركز على الجوانب البدنية والمهام التكتيكية التي ينفذها، وأصبح اللاعب موظفا يؤدي دوره بمقابل مادي.
 من خلال متابعتك كيف تقيم عمل الاتحاد اليمني لكرة القدم بقيادة أحمد العيسي؟
- نتائج منتخبات الناشئين الإيجابية لا تعكس كفاءة إدارة اتحاد كرة القدم بقيادة العيسي، والتقييم الموضوعي يحتاج الاطلاع على منهجية العمل والأسلوب  الإداري المتبع في الاتحاد، ثم استعراض النتائج من خلال نقاط القوة وفرص التحسين، ثم يتم التقييم الذي تكون مدخلاته حقائق واقعية، ومخرجاته حلولا. إذا كان رئيس الاتحاد خارج الوطن مشغولا بتجارته الخاصة في النفط، من يتابع ميدانياً ويقيّم ويشرف على كل صغيرة وكبيرة في أرض الواقع؟! فقط يفوض أشخاصا يقومون بعمله وفقاً لمصلحتهم الشخصية. زمان كان منصب رئيس الاتحاد لا أحد يرغب به. الآن الكل يتسابقون عليه، بعد الدعم السخي من الاتحاد الدولي لكرة القدم لجميع الاتحادات.
 برأيك من الأكفأ لقيادة اتحاد كرة القدم؟
- من وجهة نظري يجب أن يكون رئيس الاتحاد شخصا ذا خلفية رياضية ومحاطا بفريق عمل يجمع بين الخبرات الإدارية والخبرات الرياضية من أجل الاستفادة من الشباب بكفاءة وفاعلية، ووضع رؤية استراتيجية واضحة المعالم يتم تعميمها ونشرها في جميع الوسائل الإعلامية، ويتم عقد اجتماعات دورية مع كافة الأندية وشرح الرؤية الاستراتيجية وكيفية مساهمة الجميع في تحقيق الرؤية والأهداف والمؤشرات، ونشرها ربع سنوياً، وإطلاع الجهات المعنية  على نسب الإنجاز بشفافية في جميع وسائل التواصل... وبناءً على مؤشرات الأداء تقيس أداء الاتحاد ويتم إنشاء نظام حوكمة فعّال.
 ومن المسؤول عن إخفاقات اتحاد كرة القدم؟
- أنا هنا أسأل: أين دور وزارة الشاب والرياضة في متابعة وتقييم أداء اتحاد كرة القدم؟ ما هي المعايير التي يتم على ضوئها اختيار رئيس وأعضاء الاتحاد من خارج الوسط الرياضي؟! وهل المال أحد المعايير التي تم بناء عليها اختيار من يديرون الحركة الرياضة؟! هناك مثل جميل يقول: "الحمار لو وطفته بذهب لا  يمكن أن يكون حصاناً".
 المجد كان أبرز الأندية المتميزة على الساحة الرياضية، وخاصة فريق كرة القدم الذي كان يضم نخبة من المع النجوم، غير أن تاريخ هذا النادي أصبح في خبر كان. ترى ما هي الأسباب؟
- لمناقشة موضوع المجد بموضوعية وحيادية أقولها بصراحة:
سقراط الفيلسوف الأغريقي حاكموه ثم قتلوه. هم اعتقدوا أنهم بقتل سقراط سينتهي، لكن سقراط ظل حياً فينا ومات من قتلوه وذهب القتلة إلى مزبلة التاريخ. الكرة اليمنية هي التي خسرت نادي المجد، ولم يخسر المجد. والدليل أن فريق المجد ما زال حاضراً في سؤالك، وفي وجدان الجماهير كأفضل فريق في تاريخ الكرة اليمنية، من ناحية تقديم الكرة الجميلة والممتعة، وليس الإنجازات، فريق المجد لم يفز في تاريخه سوى ببطولة كأس الجمهورية، رغم وجود الكم الهائل من المواهب المميزة آنذاك، وعلى رأسها اللاعب جمال حمدي، أفضل لاعب في تاريخ اليمن. هنا علامة استفهام. فريق المجد سبق برشلونة في تقديم الكرة الجميلة، وهذه ليست مبالغة. نادي المجد حيّ في وجدان الجماهير حتى الآن وفي المستقبل، نفس قصة الفيلسوف الإغريقي. كانت نقطة ضعف المجد أنه لا يوجد لديه نفوذ سياسي في الحكومة في ذلك الوقت مثل نادي أهلي صنعاء ونادي الوحدة في تلك الفترة. السؤال هنا: لماذا لم تتعامل إدارة نادي المجد في تلك المرحلة مع نقاط الضعف وعدم وجود نفوذ سياسي في الدولة، وتحويلها إلى نقاط قوة من أجل بقاء النادي؟! ثانياً: التهديد الذي واجهه نادي المجد كونه مرتبطا بحركة 13 يونيو، وجميع المعنيين في نادي المجد لديهم المعرفة الكاملة بهذا التهديد. كان يجب التعامل مع ذلك التهديد بمسؤولية من قبل الإدارة من خلال إجراء استباقي بإيجاد خطط استباقية لجميع السيناريوهات المحتملة التي تشكّل تهديدا للنادي، وإيجاد الحلول لها، خصوصاً وأن معظم أعضاء الإدارة وبعض اللاعبين كانوا على درجة عالية من التعليم في ذلك الوقت.
 هل هذا يعني أن نادي المجد آنذاك كان يمثل خطرا على بقية الأندية الأخرى؟
- نادي المجد لم يكن يشكل خطراً على أندية النخبة مثل أهلي صنعاء أو نادي الوحدة من حيث المنافسة في عدد الفوز بالدوري أو كأس الجمهورية، بدليل أن فريق المجد لا يوجد في خزينته سوى بطولة واحدة فقط، وهي كأس الجمهورية، والتي لا تتناسب مع إمكانيات لاعبيه. إما أن تكون مبادراً ويكون لك البقاء، وإما أن تكون لك ردة فعل فتكون الخسائر كبيرة، وعليك أن تتحمل النتائج، لأنك لم تأخذ بالأسباب العلمية في إدارة المخاطر التي قد تواجهك وتهدد وجودك.
 ما الميزة التي ترى أنك انفردت بها في الملعب بها خلال مسيرتك الرياضية؟
- أعتقد أن الميزة التي تميزت بها هي المهارات الفردية والإبداع في اللعب. كان  لدي مفهوم خاص عن حق الجمهور في الاستمتاع بكرة القدم، لذا كنت أفكر  خارج الصندوق في تقديم المهارات والأداء الفني. ابتكرت طرقا جديدة لاستعراض المهارات التي تخدم فريقي، وكنت أتدرب على تطوير وتحسين مهاراتي بشكل يومي، في المنزل، في المدرسة، في النادي... بشكل منفرد، على سبيل المثال لا الحصر أبتكر في تمرير الكرة أو السيطرة عليها بطرق مختلفة، أسلوب المراوغة... إلخ، كان هدفي هو إسعاد الجماهير من خلال أداء فردي ممتع ومبهر، ليس أنا فقط، بل جميع لاعبي جيلي، وفي النهاية الجمهور هو من يقيم الميزة النوعية في أي لاعب.
 لاعبون كنت تفضل اللعب معهم...؟
- جميع لاعبي المجد، وجميع من لعبت معهم في جميع المنتخبات الوطنية.
 ومن هو المدرب الذي تدين له بالفضل؟
- مهدي الحرازي رحمة الله عليه، والمدرب الألماني كلاوس بيتر، والكابتن علي محسن  المريسي رحمة الله عليه.
 هل هناك شخصيات لعبت دوراً بارزاً في مسيرتك الرياضية؟
- عز الدين هبة، الله يطول في عمره ويمده بالصحة والعافية. أنا أطلب عبر صحيفتكم المميزة من المسؤولين عن الشأن الرياضي الحالي تكريم الأستاذ القدير عز الدين هبة، لإسهامه في تطوير الرياضة اليمنية. أيضاً المرحوم مهدي الحرازي واللاعب الشهير شويت هبتي اللاعب المميز على الصعيد الرياضي والإنساني، ومحمد الآنسي اللاعب الاستثنائي، وجمال هبة الذي كان مشروع مدرب على مستوى عالٍ.
 ما الموقف الذي يحز في نفس الكابتن محمد فيضي؟
- يحز في نفسي عدم تعامل اتحاد كرة القدم بمسؤولية مع اللاعبين السابقين الذين مثلوا الوطن خير تمثيل. على سبيل المثال النجم الخلوق حسين جباري الذي أصيب في مهمة وطنية في إحدى المباريات الخارجية، مع الأسف لم يتم علاجه بشكل كامل. أنا أطالب من خلالكم بعلاج الكابتن والصديق العزيز حسين جباري وفق القوانين والتشريعات التي تلزم اتحاد كرة القدم بعلاج أي لاعب يصاب أثناء تمثيل الوطن علاجا كاملا. هذا ليس منة، وإنما واجب والتزام ومسؤولية على الاتحاد تجاه اللاعبين.
 ماذا عن تحفيزك وتشجيعك لأولادك لمزاولة الرياضة؟
- ليس لديّ أولاد ذكور. لديّ بنت واحدة، فاطمة، ورثت من أبيها حب التميز، شغوفة بالعلم والتعلم، ودائماً تكون من الأوائل، الله يحفظها.
 بماذا تنصح لاعبي كرة القدم على الساحة في الوقت الراهن؟
- لا توجد نصائح في عصرنا الحالي، عصر الثورة المعرفية. العالم أصبح قرية صغيرة، بل أصبح شاشة بين يديك، وعليك الاستفادة والاستغلال الأمثل لهذه المعرفة وتسخيرها  للتطور وتحسين قدراتك من جميع النواحي، وهذه ميزة للجيل الحالي وعليه استثمارها.
 كلمة أخيرة...؟
- الشكر والتقدير والثناء لصحيفة "لا" على المبادرة الاستثنائية في البحث عن اللاعبين السابقين لإشراكهم في العصف الذهني من أجل الوقوف على المناخ الرياضي الحالي وتحليل الفجوة الحالية والمستقبل المنشود وكيفية إيجاد الحلول وفق الإمكانيات المتاحة والاستفادة من خبراتهم والتراكم المعرفي لديهم.