استطلاع: عادل بشر / لا ميديا -
حذر خبراء اقتصاد من عواقب الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في صنعاء مؤخراً في ما يتعلق بالحوالات الخارجية الواردة بالعملة الصعبة «الدولار»، والتعميم للبنوك وشركات ومنشآت الصرافة بأن الحوالات الواردة بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى، يتم تسليمها للمستفيدين داخل اليمن بما يعادلها بالريال السعودي أو العملة الوطنية «الريال اليمني»، ومنع تسليمها بالعملة الصعبة والعملات الخارجية الأخرى.
وفيما أشار الخبراء في تصريحات لـ«لا» إلى أن التعميم يأتي نتيجة افتقار البنك المركزي لكمية كافية من النقد الأجنبي وفي مقدمتها «الدولار الأمريكي»، ويهدف في مضمونه إلى تخفيف الطلب على الدولار من أصحاب الحوالات الفردية الخارجية، والحفاظ على الكتلة المتوفرة من العملة الصعبة لاستخدامها في تأمين الاحتياجات الاقتصادية الأساسية، إلا أن الجزء الثاني من التعميم وهو إحلال الريال السعودي بديلاً عن الدولار في استلام الحوالات الخارجية، خصوصاً في ظل شحة السيولة النقدية الوطنية، يُنذر بمخاوف كبيرة على العملة الوطنية (الريال اليمني) والاقتصاد اليمني بشكل عام، كون هذا الإجراء -وفقاً لخبراء الاقتصاد والمال- يعني «التمهيد» لعملية توطين الريال السعودي، محل العملة الوطنية.
وجاء في تعميم البنك المركزي اليمني بصنعاء والذي يحمل الرقم 12 والموجه إلى البنوك وشركات ومنشآت الصرافة العاملة في الجمهورية اليمنية، أن الحوالات الخارجية الفردية الواردة بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى، يتم تسليمها للمستفيدين بما يعادلها بالريال السعودي مع فائدة لا تتجاوز ربع واحد بالمائة من مبلغ الحوالة مع إمكانية صرفها للريال اليمني، بسعر السوق.
وشدد التعميم على العمل بهذه الإجراءات ابتداءً من 14 آذار/ مارس 2024م.

أكد أنه في الوقت الراهن يصعب تحقيق هذا القرار
البروفيسور القطيبي: إيقاف تسليم الحوالات بالدولار يفاقم حالة الركود الاقتصادي
يرى البروفيسور محمد القطيبي، رئيس منتدى الاقتصاد والمال والأعمال أن تعميم البنك المركزي اليمني بمنع تسليم الحوالات الخارجية الفردية بالدولار، وإنما بما يعادلها بالريال السعودي أو اليمني «الهدف منه بدرجة أساسية تقليل الطلب على الدولار وتحسين استخدام العملة المحلية»، غير أنه «في الوضع الراهن يصعب تحقيق هذا القرار، وقد يؤدي إلى زيادة العرض على العملة اليمنية وبالتالي ارتفاع أسعار الصرف بسبب زيادة الطلب على الريال السعودي».
وقال البروفيسور القطيبي لـ«لا»: «إن مثل هذه القرارات للبنك المركزي تفاقم من الضغوط على سوق الصرف وتربك الأسواق في سبيل تعمق حالة الركود والبطالة والفقر»، لافتاً إلى أن منع تسليم الحوالات الخارجية التي بالدولار للمستفيدين بذات العملة، «سيسفر عن الحد من التحويلات للعملات الصعبة إلى الداخل من المغتربين والتي تشكل مصدرا رئيسا للعملة الأجنبية في اليمن».
وأكد البروفيسور القطيبي أن تعميم البنك المركزي يحمل جانبا إيجابيا وآخر سلبيا على قطاع الصرافة، فمن الناحية الإيجابية سيستفيد قطاع الصرافة من فارق الصرف عندما يقومون بتسليم حوالات الدولار بما يعادلها بالريال السعودي أو العملة المحلية، وكذلك سيستفيدون من عملية بيع الدولار للتجار في الخارج، كون الدولار سيكون متوفراً لدى الصراف، والتحكم بأسعار الصرف، إذا لم تكن هناك رقابة صارمة من البنك المركزي على الصرافين.
أما الناحية السلبية، وفقاً للبروفيسور القطيبي، فتعود إلى أن السيولة بالعملة المحلية غير متواجدة في السوق بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى كونها «تالفة» لذلك ستواجه شركات الصرافة تحديا كبيرا في تغطية السيولة النقدية بالعملة المحلية لتسليم حوالات الدولار بالريال اليمني أو الريال السعودي، ولهذا يتوجب على البنك المركزي توفير العملة المحلية بالشكل المطلوب مع دراسة الوضع كي لا يؤدي توفيرها إلى زيادة التضخم في السوق.
ويرى رئيس منتدى الاقتصاد والمال والأعمال أنه «عند إصدار أي قرار وخاصة من السلطات النقدية يجب أن يكون بعد دراسة علمية متأنية وتخطيط وإعداد بشكل جيد، بحيث تُوضَّح فيه الآثار الإيجابية والسلبية»، مؤكداً أن «مثل هذه القرارات يقوم بها خبراء ومختصون في الجانب النقدي والمالي وخاصة أنها تمس قطاعات مهمة ورئيسية وتلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد الوطني كقطاع الصرافين والتجار والمغتربين».

دعا إلى تمكين البنك المركزي من العمل المستقل
البروفيسور الدقاف: القرار يأتي تصحيحاً لخطأ منع التعامل بالدولار الأبيض
يؤكد الخبير الاقتصادي البروفيسور عبدالواسع الدقاف أن تعميم البنك المركزي بمنع تسليم الحوالات الخارجية الواردة بالدولار، وإنما بما يعادلها بالريال السعودي أو اليمني، يأتي تصحيحاً لما وصفه بـ«خطأ» البنك في منعه التعامل بالدولار الأبيض وإحلال الدولار الأزرق، وهو ما أدى -وفقاً للدقاف- إلى تخفيض العرض النقدي من العملة الصعبة بعد استبعاد الدولار الأبيض من التعاملات في وقت تفتقر اليمن إلى كمية كافية من النقد الأجنبي نتيجة توقف الصادرات النفطية وحالة الحرب التي تعرض لها اليمن والتي صاحبها انخفاض النقد الأجنبي خاصة من الدولار مع وفرة نسبية من الريال السعودي.
وقال البروفيسور عبدالواسع الدقاف لـ«لا»: «في هذه الحالة كان يفترض أن يقوم البنك المركزي بإلزام البنوك ومنشآت الصرافة على قبول التعامل بالدولار بكافة فئاته وأنواعه وحالاته كي يستطيع اليمن مواجهة الاحتياج من النقد الأجنبي»، لافتاً إلى أن البنك المركزي، كان اتخذ هذه الخطوة في البداية ثم تراجع عنها وأصدر تعليمات سحب الدولار الأبيض من التداول، وبالتالي جاء التعميم رقم 12 بمنع تسليم الحوالات الخارجية بالدولار لتخفيف الطلب على الدولار من قبل أصحاب الحوالات الخارجية وتسليمهم الريال السعودي بسعر المصارفة المحدد من وحدة التعامل بالنقد الأجنبي المنشأة مؤخرا في البنك المركزي.
وأشار البروفيسور الدقاف إلى ما وصفها بـ«الارتجالية» في «قرارات نقدية أصدرها البنك المركزي في صنعاء، خلال الفترة الأخيرة ومن بينها قرار منع تسليم الحوالات الخارجية بالدولار، خلافا لقرارات نقدية مدروسة كان البنك المركزي يتخذها طوال فترة الانقسام النقدي وأثمرت عن سيطرة نقدية في مناطق سلطة المجلس السياسي الأعلى». مرجحاً أن القرارات الأخيرة قد تكون «فُرضت على البنك المركزي من جهات أُخرى» لم يُسمها.
وقال: «من غير معقول أن دولة تتعرض لحرب وتواجه أزمة اقتصادية ومادية ونقدية حادة يصاحبها انخفاض حاد في تدفق النقد الأجنبي من المصادر الذاتية الصادرات النفطية والسلعية أو من المعونات والمنح، تقوم بإيقاف التعامل بالدولار الأبيض والذي يمثل حوالي 57.3٪ من إجمالي الدولارات المطبوعة والمتداولة في العالم».
وأضاف: «ما سيحصل نتيجة هذا القرار أن البنك المركزي حرم السوق أو بمعنى أدق خلص المعروض من الدولار بحوالي 57٪ مما سيخلق لاحقا طلبا حاداً يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بصورة إجبارية بعد أن ينتهي فائض المعروض الحالي من الريال السعودي كعملة خارجية ثانية تخفف الطلب على الدولار نتيجة لاستخدامها في تسليم الحوالات الدولارية الواردة».
وتساءل البروفيسور الدقاف: «ماذا سيحصل بعد انخفاض كمية المعروض أو فائض العرض النقدي الحالي من الريال السعودي المستخدم كبديل عن الدولار؟»، قبل أن يجيب على سؤاله بنفسه قائلاً: «ستنشأ مشكلة أخرى أمام الصرافين والبنوك خاصة مع رفض بعض أوراق العملة من الريال السعودي والتي فيها عيوب بسيطة».
ودعا البروفيسور عبدالواسع الدقاف، حكومة تصريف الأعمال واللجنة الاقتصادية العليا إلى «تمكين البنك المركزي من العمل المستقل وفق ما هو مكفول له بالقانون ووفق متطلبات السياسة النقدية ووفق المصلحة العامة دون ضغوط أو إملاءات عليا تنعكس بصورة قرارات وتعليمات ستدمر الجميع»، حد تعبيره.

د. مصطفى حُميد: القرار سيؤدي إلى ارتفاع حجم الحوالات غير النظامية
بخلاف خبراء الاقتصاد الذين حذروا من عواقب إجراء البنك المركزي بمنع تسليم الحوالات الخارجية بالعملة الصعبة، يرى الدكتور مصطفى عبدالرب حُميد، أن ما قام به البنك المركزي في هذا الأمر هي «خطوة صحيحة».
وقال أستاذ الإدارة المالية والاقتصاد لـ«لا»: «كان يجب إصدار هذا التعميم منذ وقت طويل كون إحدى أهم أدوات استقرار أسعار الصرف هو التعامل بالعملة الوطنية كسائر بلدان العالم شريطة أن يتم اعتماد سعر صرف عادل ومنصف ليتم الصرف بالريال اليمني». موضحاً أن «هذه الخطوة ستسهم بشكل كبير في استقرار سعر الصرف للريال اليمني في مناطق حكومة الإنقاذ الوطني».
وأشار الخبير الاقتصادي حُميد إلى أن بلادنا تستقبل قرابة 7-10 مليارات دولار أمريكي سنوياً من الحوالات الفردية لنحو 4-5 ملايين مغترب يقومون بتحويل الأموال بوسائل نظامية وغير نظامية. مؤكداً أن «على البنك المركزي لعب دور أكبر برفع حصة الحوالات النظامية وضبط كل وسائل الدفع غير النظامية للحوالات الواردة».
وأضاف: «كما أن على البنك المركزي لعب دور مباشر في تحفيز الحوالات الواردة والاستفادة من تجارب بعض البلدان كالتجربة الباكستانية التي يقوم البنك المركزي بدفع رسوم الحوالة (العمولة) لشبكة التحويل لتصل الأموال للمستفيدين في الداخل الباكستاني كاملة وبهذا يتحفز المغتربون لتحويل أموالهم بشكل نظامي ويسهم البنك المركزي بتشجيع المستلمين لهذه الحوالات بمنحهم تسهيلات تشجعهم على فتح مشاريع ذات عوائد استثمارية بدلاً من استخدام الحوالات في الإنفاق فقط».
وشدد الخبير الاقتصادي، د. مصطفى حُميد على ضرورة أن يقوم البنك المركزي بمنع أي تعامل أو تداول بالدولار أو أي عملة أجنبية في السوق الداخلي والتداول للبيع والشراء لكافة التجار بالعملة المحلية وفرض غرامات على من يسعر منتجاته أو بضائعه بالعملات الأجنبية.
وبحسب الدكتور حُميد فإن منع تسليم الحوالات بالدولار سيؤدي إلى ارتفاع حجم الحوالات غير النظامية مقابل انخفاض الحوالات النظامية، حيث سيقوم الكثير من المغتربين بتحويل أموالهم بطرق غير نظامية.
وأكد أن اعتماد البنك المركزي للعملة السعودية كبديل للحوالات التي بالعملة الصعبة والعملات الأجنبية بشكل عام، يعود إلى «كوننا نعاني من شحة ورداءة العملة الوطنية».
وأضاف: «لستُ مع هذا البند بالذات كونه سيقوم بتوطين الريال السعودي في الداخل اليمني، وهذا سيجعلنا نعتمد الريال السعودي في بقية التعاملات، وقد يصل الأمر أن نجد الريال السعودي أصبح بديلا عن الريال اليمني مستقبلا»، لافتاً إلى أن اليمن «يستقبل ما يقارب 15 مليار ريال سعودي نقدا من السعودية، وبدلا من استغلال هذه الأموال لتسديد الفاتورة التجارية للواردات التي نستوردها وذلك بترحيل هذه الأموال ومصارفتها في الخارج.. حينها سيتم استخدام هذه الأموال للتداول في الداخل اليمني وهذا سيسبب مشكلة كبيرة في ميزان المدفوعات الذي يعاني من انعدام الموارد السيادية وارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات بشكل كبير».

البنك المركزي لـــ«لا»: سنرد على استفساركم في مؤتمر صحفي بعد عيد الفطر
في المؤتمر الصحفي الذي عقده البنك المركزي، عصر أمس، بصنعاء حول إصدار العملة المعدنية فئة 100 ريال، توجهت الصحيفة بالسؤال لمحافظ البنك هاشم إسماعيل حول الجدوى الاقتصادية من قرار البنك المركزي بمنع تسليم الحوالات الخارجية بالدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وإنما بما يعادلها بالريال السعودي، وتعليقه على تحذيرات خبراء اقتصاد من أن هذا الإجراء سيؤدي إلى توطين العملة السعودية على حساب العملة الوطنية، فكان رد محافظ البنك أنه سيقوم بعقد مؤتمر صحفي بعد عيد الفطر المبارك لتوضيح هذه النقاط والرد على ما أثارته الصحيفة في سؤالها.